1
في قلعة إيفروود الحجرية، التي تعود بجذورها إلى ثلاثة قرون من حكم الدماء الباردة، لم تكن سيرا سوى قطعة أثاث ضرورية ولكن غير مرغوب فيها.
كانت ابنة غير شرعية للكونت ديميتريوس، الذي لم يجرؤ على طردها من القلعة خوفاً من تلطيخ سمعته، لكنه لم يمنحها أبداً أكثر من اعتراف بارد.
كانت سيرا ذات 20 عاماً تتمتع بجمال مختلف عن الجمال الأشقر لعائلة ديميتريوس؛ شعرها كان داكناً كالفحم و عيناها خضراوان حادتان، تحملان بريقاً غامضاً ورثته من والدتها المجهولة، امرأة قيل إنها كانت من عرق الغجر.
كان هذا النسب المزدوج سبباً كافياً ليزدرها الجميع الكونت، زوجته، وريثته الشرعية الوحيدة والأهم أختها غير الشقيقة، إيفلين.
إيفلين كانت تجسيداً كاملاً لأناقة إيثريا الباردة شقراء كالشمس، زرقاء العينين كبحيرة متجمدة، ومحط أنظار الجميع.
كانت إيفلين تكره سيرا بهدوء قاتل، وتراها نكتة سخيفة على شرف عائلتها.
في تلك الأيام، كان مصدر العزاء الوحيد لسيرا هو خطيبها، البارون ريكاردو، فارس نبيل من إحدى المقاطعات الشمالية.
كان ريكاردو هو الوحيد الذي بدا وكأنه يرى ما وراء وصمة النسب، واعداً سيرا بمستقبل بعيداً عن قلعة إيفروود المليئة بالثلوج العاطفية.
كان زواجهما المقرر في نهاية الصيف هو حبل النجاة الذي كانت سيرا تتشبث به.
في أحد أيام الربيع التي امتلأت بالوعد الكاذب، كانت سيرا تنتظر ريكاردو في حديقة القلعة الشتوية، وهي حديقة نصف مهجورة تفضلها سيرا على الصالونات المزدحمة.
كانت تحمل في يدها كتاباً قديماً عن الأعشاب الطبية وتضع عليه الوشاح الذي كانت تحيكه لتهديه لريكاردو.
انتظرت سيرا ساعة، ثم ساعتين.
بدأت الشمس تميل نحو الغروب، تاركة ظلالاً طويلة ومخيفة.
بدأ القلق ينهش قلبها ،ريكاردو لم يكن يتأخر أبداً.
قررت سيرا البحث عنه.
سارت عبر الممرات الباردة والضيقة في القلعة، متجهة إلى الجناح الغربي حيث كانت تقام حفلات العشاء الصغيرة.
عندما اقتربت من غرفة الموسيقى، سمعت صوت كمان يعزف لحناً مألوفاً، اللحن الذي كان ريكاردو يعزفه لها خصيصاً في ليالي الاعتراف بالحب.
شعور مريب، كإبرة ثلجية، اخترق قلب سيرا. لم يكن صوت كمان ريكاردو فقط، بل كان هناك صوت ضحكة عالية ومتموجة… ضحكة إيفلين.
توقفت سيرا عند الباب الخشبي الثقيل، لم تكن تجرؤ على فتحه. بدلاً من ذلك، ضغطت أذنها على الخشب القديم، واستمعت.
الصوت التالي كان صوت ريكاردو، لكنه لم يكن صوت العشق الذي عرفته
“إيفلين، هل يجب أن نكون بهذه الجرأة؟ قد تسمعنا سيرا.”
قال ريكاردو، وصوته مختلط بلهجة من الضحك والخجل.
ضحكت إيفلين ضحكة انتصار
“أيها الأحمق! سيرا لن تسمع. إنها إما غارقة في كتبها الغبية، أو تنتظرك في الحديقة مثل كلب مخلص. ثم، حتى لو سمعت… ماذا ستفعل ابنة الغجر غير الشرعية؟”
تجمد الدم في عروق سيرا.
ثم سمعت ما حطم حجر الزاوية الأخير في قلبها.
“يا عزيزتي إيفلين، زواجنا يخدم مصالحنا جميعاً. والدك وعدني بالدعم السياسي الكامل والمهر الأضخم. أما سيرا…”
قال ريكاردو ببرود مؤلم،
“فهي مجرد وسيلة للوصول إليكِ . كانت جسراً بارداً، لكنكِ أنتِ الجائزة. هل يجب أن أعترف، إيفلين؟ حتى قبل خطبتي لها، كان قلبي ملكاً لكِ.”
تبع ذلك صوت قبلة طويلة وعميقة.
في تلك اللحظة، لم تعد سيرا مورغان.
تحولت إلى كتلة من الثلج والنار.
لم تعد تشعر بالضربات الموجهة إلى كرامتها، بل شعرت فقط بالحرارة الهائلة للاستياء المطلق.
لم تكن الصدمة وحدها التي قيدتها، بل الخيانة المزدوجة والمقصودة التي كشفت مؤامرة عائلية ضدها.
سحبت سيرا يدها ببطء من الباب.
لم تفتح الباب، ولم تصرخ، ولم تبكِ, استدارت وغادرت الغرفة بهدوء مميت.
كان غضبها نقياً، خالياً من العاطفة، وكأنه سيف شُحذ لتوه.
Chapters
Comments
- 1 - حجر الزاوية المكسور منذ 5 ساعات
التعليقات لهذا الفصل " 1"