الفصل 18 :
انحنى سيروليان برأسه وأجاب.
“هذا ما أُخطّط له.”
قال الدوق بينما نظر إليّ.
“قاعة الزفاف…”
انتهزت الفرصة وابتسمتُ ابتسامةً عريضة بينما أُجيب.
“لا أطلب الكثير. يكفيني أن نتعاهد داخل الكنيسة!”
أنا لستُ كَنّة صعبة الإرضاء. بل كَنّة تُطيّع وتوافق على كلّ الظروف!
وبينما كنتُ أعبّر بجسدي عن هذا الرأي، تجعّد وجه الدوق فجأةً. ثمّ التفت بعيدًا وهمس:
“…لا يجب أن يكون الحفل بسيطًا.”
“حسنًا.”
زممتُ شفتيّ.
‘هذا ليس زواج عن حبٍّ حقيقي أساسًا.’
رغم أنَّ ذلك ما شعرتُ به، إلا أنَّ الدوق بدأ في التحرّك بخطى واسعة، فلم أكُن قادرة على الردّ عليه.
ركضتُ بخطى قصيرة خلفه وخلف سيروليان ونحن نتّجه نحو القصر.
“أهلًا بكِ في قصر الدوق.”
عندما فُتح الباب، انحنى الخدم المصطفّون في البهو الكبير جميعهم في وقتٍ واحد.
شعرتُ وكأنني أصبحتُ أميرةً لدولةٍ ما، فمشيتُ بخفّةٍ وأنا أُراقب المكان. وفي نهاية صفوف الخدم…
‘يا إلهي، ما ألطفه!’
ما جذبَ انتباهي كان طفلاً صغيرًا يشبه دبًّا محشوًّا، يرتدي صديريًا مزخرفًا فاخرًا.
‘كيف يُمكن أن يكون الطفل لطيفًا إلى هذا الحدّ؟!’
خدّاه الممتلئان يدعوان للّمس، وعيناه الزرقاوان المستديرتان كحبات خرز، وشعره الذهبي المجعّد كخيوط الصوف، وجسده الأبيض الممتلئ…
كان أشبه بدبٍّ صغير يمشي على قدمَين.
‘يا للعجب. أريد أن أضُمّه بين ذراعيّ ولو مرّةً واحدة.’
كان وجهه كافيًا لجذب قلبي المحبّ للأشياء اللطيفة.
‘من يكون هذا الطفل؟’
كان يعضّ شفتَيه بتوتّر، ما جعل خدَّيه المنتفخَين أكثر بروزًا، وزاده جمالًا.
حين التقت نظراتُنا، اتّسعت عيناه بارتباك. وعندما كنتُ على وشك إلقاء التحية، سُمعت خطواتٍ رنّانة تقترب من آخر الممرّ، فظهرت امرأةٌ أنيقة بشعرٍ ذهبي مرفوع.
كانت الأميرة بارينين.
‘لكن، لماذا تبدو ملامحها هكذا؟’
أنا أعلم شكلَين فقط من تعابير بارينين.
إمّا ابتسامة لطيفة كالملاك، أو دموعٌ تنهمر بحزن وهي تُنزل عينيها.
وكان وجهها لحظة دخولها هو النوع الثاني.
‘ولكنها الآن تبدو مرتبكةً للغاية.’
ارتبكت وهي ترى الدوق واقفًا هناك. خفّت تعابيرها التي كانت متقنةً دومًا، وتعثّرَت خطواتُها للحظة.
ثمّ خفّضت عينيها وقالت.
“لقد سبقتَني بالخروج، يا صاحب السمو.”
“نعم.”
رَدّ الدوق بجفاء، فسكتت بارينين، التي كان لسانها دومًا حادًّا وسريعًا، فجأة.
أنا بدوري رمشتُ بدهشة.
‘ما الذي يحدث بالضبط؟’
كان واضحًا أنَّ شيئًا ما لم يَسرِ كما خَطّطَت له.
حدسي كصحفيةٍ بدأ ينبض.
راقبتُ وجهَ بارينين بدقّة لألتقط كلّ تعبيرٍ عليه.
الدوق كان أول من تكلّم. قال ببرود.
“لقد أخبرتُكِ من قبل أن لا علاقة لكِ بهذا اللقاء.”
ابتسمت بارينين ابتسامة هادئة وأجابت.
“مع ذلك، لا يمكنني كسيّدة القصر أن أبقى مكتوفة اليدَين تجاه أمرٍ يحدث في داخل.”
“لا أظنّ أنَّ كلّ الأمور تحتاج إلى تدخّلكِ.”
الدوق ظلّ يتحدّث بجفاف حتّى أمام ابتسامتها المصطنعة، ما جعلني أفتح فمي دهشة.
ثمّ، أدركتُ الموقف.
‘يبدو أنّه قال لها ألا تحضر إلى العشاء!’
ولذلك خرجت قبل أن يصل، لتحاول تمثيل دور السيّدة المُهملة التي رغم استبعادها، تقوم بواجبها.
‘لكنّها تفاجأت بوجوده مسبقًا.’
يا لها من ضربةٍ غير مقصودة!
ابتسمتُ لنفسي وأنا ألتفتُ لأتأمّل الدوق الذي ساعدني بدون قصد.
كما قال سيروليان، لم يكُن في صفّ أحد، ولكنّه الآن يحدّق بي بوجهٍ خالٍ من التعبير.
“لقد رأيتُ وجهكِ، هذا يكفي. سأدخل الآن.”
ماذا؟ دعاعني لتناول الطعام ثمّ يتركني قبل أن يبدأ؟!
‘ألم تكن مهتمًّا بي؟!’
استدرتُ نحو سيروليان الذي أومأ لي بأن هذا طبيعي تمامًا.
وحين كان الدوق يستدير ليغادر، أمسكت به بارينين.
“أعلم أنّك مشغول، لكن ألا تُشاركنا الطعام ولو مرّةٍ واحدة؟ قد تكون هذه المرّة الأولى والأخيرة.”
أوه، كلامها مليءٌ بالمعاني.
‘ما نوع الفخّ هذه المرّة؟’
وحين ضيّقتُ عينيّ، اندفع الطفل الأشبه بدُمية التيدي بير نحو بارينين.
“أمي!”
شهقتُ.
‘هاه؟! هذا الطفل هو ابن الأميرة بارينين؟!’
إذًا، هو الطفل الذي يتنافس مع سيروليان على الوراثة؟
‘لكن، هو لا يُشبه لا الدوق ولا فانيرين!’
يا للعجب من جينات البشر…
وتمامًا بينما كنتُ أُفكّر، تجنّبت بارينين يدَ الطفل التي كانت ممدودة لها بلطفٍ صارم، وقالت:
“أثناء غيابي، هل قُمتَ بواجب الاستقبال كما ينبغي، يا تشارلز؟”
“أ… أعتقد…”
شحبَ وجهُ الصغير.
فتجمّدت تعابير بارينين.
“لا تُخبرني أنّك وقفتَ هنا طوال الوقت دون قولِ شيء؟”
“ذ… ذلك…”
نعم، هذا بالضبط ما فعله.
‘لكنّه طفل! صغيرٌ للغاية! كيف نُحمّله مسؤولية استقبال الضيوف؟ لقد كان وقوفه المهذّب وحده مثيرًا للإعجاب.’
ولأنّني لم أتحمّل ذلك الموقف، وجدتُ نفسي أتدخّل بلا وعيّ بينهما. كانت نظرة الطفل المرتبكة نحو والدته مؤلمة.
“شكرًا لدعوتكِ لنا، يادوقة.”
نظرت إليّ بارينين بسكون، وقد شعرتُ فجأةً بالتوتّر.
فهي لم تَقُل شيئًا، ولكنّني حين التقيتُ بنظراتها، شددتُ كتفيّ بتوتّر.
ابتسمت بلُطفٍ شديد وقالت:
“هل تبادلتما التحيّة؟”
فجأة، وقف الطفل كالجندي وألقى التحية بأدب:
“أنا… أنا تشارلز لوك. سُررتُ بلقائكِ.”
“أنا إيديل آزيان. أتمنّى أن نكون على وفاق، أيُّها النبيل الصغير.”
كان لطيفًا للغاية وهو يُحيّي، فابتسمتُ بسعادةٍ دون أن أشعر.
وعندما رأى ابتسامتي، احمرّ وجهُه خجلًا.
‘يا إلهي، كم هو لطيف.’
بينما كنتُ أُراقب خدّيه المُتورّدين بفرح، اقترب سيروليان وهمس لي.
“لماذا هذا التعبير المفاجئ؟”
“أنا أحبّ الأطفال.”
“الأطفال؟”
“أليسَ لطيفًا؟ إنّه أخوكَ الصغير، أليس كذلك؟”
“أجل.”
كان صوته خافتًا كأنَّ كلمة لطيف غريبةٌ عليه.
‘طبعًا. من وجهة نظر سيروليان، تشارلز هو خصمٌ قد يأخذ منه كلّ شيء.’
ربما يشعر بعدم الراحة، ولكنّ هذا لا يُبرّر إهمال الطفل.
وحين التفتُّ نحو الدوق، كان يُحدّق بي بتعبيرٍ جافّ، أقرب إلى صقيع الشتاء.
تجمّدتُ وأنا أُفكّر.
‘البرود يسري في عروق هذه العائلة.’
أن يخرج هذا الرجل خصّيصًا لاستقبالي يُشبه المعجزة. وهذا تمامًا ما يُشبه تعامل سيروليان معي.
باردون، لكن محترمان.
لا يتحدّثان بلُطف، ولكن لا يرفضان المساعدة أيضًا.
نظرتُ بخِفية إلى شارة على صدر الدوق.
إنّها شارة صائد لوار.
‘هل يُمكن أن تكون هذه الطباع متشابهة بين كلّ صائدي لوار؟ أم أن هذا مجرّد صدفة؟’
لم أكن أملك الإجابة، ولكنّها مسألةٌ تستحقّ التفكير.
ثمّ قال الدوق:
“هممم… دعونا نذهب إلى غرفة الاستقبال. ليس لديّ الكثير من الوقت.”
***
داخل غرفة الطعام الملحقة بغرفة الاستقبال، أمكن الشعور بعظمة قصر الدوق. تحت الثريّا الفاخرة، امتدّت طاولةٌ طويلة يكفي أن يجلس عليها عشرون شخصًا دون أن يضيق بهم المكان.
كلّ شيء كان مثاليًّا. غرفة الطعام نظيفة، والأطباق وأدوات المائدة قد وُضِعت مسبقًا بعناية.
لكن كان هناك أمرٌ واحدٌ غريب؛ الخدم الذين يُحضّرون الوجبة كانوا متوتّرين بشكلٍ واضح.
“……؟”
رمشتُ بفضول، فاقترب سيروليان وهمس في أذني.
“صاحب السمو لم يتناول الطعام معها ولا مرّةً واحدة من قبل.”
“ولا مرّةً؟ أبدًا؟”
“نعم.”
نظرتُ إلى ظهر الدوق وهو يتقدّم بخطواتٍ هادئة، لا يبدو عليه أيُّ تأثّرٍ بهذا الجوّ المشحون.
لولا دهشة الخدم كلّما اقترب الدوق من صدر الطاولة، لما خمنتُ أنَّ هذا يومٌ مميّز.
اقتربت خادمة من بارينين وتحدّثت إليها بحذر.
“سيّدتي، أين تودّين الجلوس؟”
“ألن يكون مكاني إلى جوار صاحب السمو؟”
“لكن…”
كانت عينا الخادمة تنتقلان بقلق بين بارينين وسيروليان.
وفهمتُ الوضع فورًا.
‘يبدو أنِّ سيروليان أيضًا لم يكن يجلس هنا في السابق!’
وبما أنَّ الدوق لم يكن يتناول الطعام معها، فقد كانت الصدارة دومًا لبارينين بصفتها زوجته.
‘لكن الآن بعد أن قرّر الدوق الجلوس، صار من غير الواضح من سيكون في المقعد التالي له.’
كانت بارينين ستجلس إلى جانب ابنها من جهة، وسيروليان إلى جانبي من الجهة المقابلة.
‘إذًا السؤال الآن: من يجلس في المقعد الثاني بعد الدوق؟ بارينين أم سيروليان؟’
فرغم أنّهما متقابلان، فالمكان الأقرب إلى اليمين أو اليسار يحدّد مكانة الجلوس وفقًا لتقاليد النبلاء.
‘يا لها مِن حربٍ باردة بين النبلاء!’
من نظرات بارينين التي تُحدّق في سيروليان بأنفٍ مرفوع، إلى عيني سيروليان الثابتتين الباردة، لم يكن أيٌّ منهما ينوي التنازل.
ورغم أنَّ الأمر لا يتعلّق بي بشكلٍ مباشر، إلا أنّه كان مثيرًا للغاية أن أكون داخل مثل هذا الموقف الذي كنتُ أكتبه دومًا كمراسلة من الخارج.
‘لذلك أقول: اجعلوا الطاولة دائريةً ببساطة!’
لو أنّهم لم يستخدموا طاولةً مستطيلة، لما وُجدت هذه الأزمة في الأصل.
لكنّ هذه الأزمة انتهت بطريقةٍ عبثيّة تمامًا.
فقد قال الدوق بنبرة باردة:
“اجلس في المقعد الثاني، سيروليان.”
تفاجأ الجميع، لكن لم يعترض أحد، وبدأت الاستعدادات لتقديم الطعام على الفور.
وبهذه اللحظة، فهمتُ بوضوح خريطة السلطة في هذا المنزل.
‘آه! إذًا السلطة الحقيقيّة في يد الدوق تمامًا.’
أمسك سيروليان بيدي بلُطف وقال:
“تفضّلي بالجلوس، إيديل.”
“آه، نعم.”
وهكذا، جلس سيروليان في مواجهة بارينين، وأنا جلست في مواجهة تشارلز.
وعندما نظرتُ إلى الطبق الأبيض أمامي، خفق قلبي بشيءٍ من القلق.
‘لكن… بارينين ليست من النوع الذي يتنازل عن السلطة بهذه السهولة، أليس كذلك؟’
الأميرة بارينين التي أعرفها، ليست مِمّن يُراقب خسارته بصمت.
وفعلًا، ما إن جلست حتى فتحت شفتيها وقالت:
“يا صاحب السمو، رغم أنني لم ألد سيروليان، إلا أنني لطالما عاملته كابني الحقيقي.”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 18"