حتى عندما كان يواجه جيوش العدو المتدفقة لم يرفّ جفنه،
لكن ألكايد الآن يكشف عن مشاعره بهذه الطريقة؟
ازداد توتّر جيزيل ووقفت باستقامة تامة.
“ما الذي يحبّه الأطفال الصغار عادةً؟”
سأل ألكايد بحذر وهو يفكّر في لور.
ابنة لم يكن يتوقّع وجودها أبدًا سقطت من السماء حرفيًا.
بوجه يشبه إيلين تمامًا.
كانت طفلتهُ.
طفلتهُ هو وإيلين.
مجرد التفكير في ذلك يجعل قلبه يرفرف.
فكرة أن إيلين كانت تربّي طفلتهما لي مكان ما تجعل قلبه ينبض بقوة،
وأن هذه الطفلة كبرت وبحثت عنهُ بنفسها كان هذا يملأه بالفخر والحنان.
طريقة الطفلة الواضحة والحاسمة في شرح الوضع،
نداؤها له بـ«أبي» دون تردّد،
كل ذلك جعل ألكايد يشعر بمشاعر غريبة لم يختبرها من قبل.
عندما مدّت الطفلة يديها كأنه تطلب حملها، لم يعرف ماذا يفعل وارتبك.
كان خائفًا من أن يلمس هذا الجسد الصغير النحيل الرقيق بيديه الكبيرتين فيكسره.
‘خائف؟ أنا؟’
شعرَ لأولِ مرةٍ بشعورٍ غريبٍ جدًا.
في العائلة الإمبراطورية أو بين أبناء عمومته لم يكن هناك طفل واحد بهذه الرقة، فمن أين ظهرت هذه الطفلة؟
لكن الطفلة انهارت فجأة.
في تلك اللحظة شعر ألكايد بشيء غريب آخر:
لأول مرة في حياته، خاف حتى كاد قلبه يتوقف.
بردت أطراف أصابعه، وخاف ألا تستيقظ الطفلة.
بالطبع لم ينسَ إرسال فرسان إلى المكان الذي ذكرته لور.
لم يستطع مرافقتهم لأنه أراد أن يرى الطفلة تستيقظ بسلام أولاً.
أرسل هاجنز معهم، فستعود بالتأكيد إيلين مع طفلتهما… إلى جانبه.
قال الطبيب إنه مجرّد إعياء شديد،
لكن التفكير في مقدار المعاناة التي تحمّلها هذا الجسد الصغير ليصل إليه يؤلم قلبه.
‘غدًا… ستصحو، أليس كذلك؟’
بعد سماع كلام الطبيب المطمئن، لاحظ أخيرًا ملابس الطفلة.
كانت ملابس مصنوعة بإتقان، لكن من قماش الفلاحين العادي.
لم يتحمّل ألكايد أن ترتدي طفلته مثل هذه الملابس.
يريد أن يعطيها كل ما كان يجب أن تحصل عليه خلال السنوات التي قضتها بعيدة عنه.
يريد أن ترى إيلين طفلتهم تتمتّع بكل ما تستحقه،
وأن يكون بجانب إلين حينها.
هكذا نصبح والدين جيدين لها… أنا وإيلين معًا.
لكنه لا يعرف شيئًا عما يحبه الأطفال العاديون.
مثلاً، ولي العهد في سنه كان يحب ترويض الوحوش،
لكن هذا الطفل الصغير الرقيق بالتأكيد لا يمكنه ذلك.
لذلك قرّر أن يسأل جيزيل التي لديها الكثير من أبناء الأخوة.
“…نعم؟”
هل سمعتُ خطأ؟
نظرت جيزيل مذهولة إلى ألكايد، لكن وجهه كان جادًا تمامًا.
…لا، يبدو أنني سمعتُ جيدًا.
لماذا يسأل الأرشيدوق ألكايد أتيليون فجأة عما يحبه الأطفال؟
“جيزيل، أعرف أنك تحبين الأطفال. ولديك أبناء أخوة أيضًا.”
“أه، نعم… لديّ أبناء أخوة…”
أولئك المشاغبون.
ابتسمت جيزيل تلقائيًا عندما تذكّرتهم، ثم أدركت فجأة.
‘آه!’
ربما… ربما…
كأنه يؤكد تخمينها، تنهّد ألكايد تنهيدة عميقة أخرى.
“…لقد… أصبح لديّ ابنة…”
عند سماع ذلك، انتفضت جيزيل كأن أحد سكب عليها ماء مثلّج.
يا إلهي!
الأرشيدوق الذي لا دم ولا دموع له يريد تدليل طفلته، لذلك يسأل هذا السؤال؟!
ما هذا؟!
غطّت جيزيل فمها بيدها من شدة الصدمة.
ثم أزالت يدها أخيرًا وقالت:
“…إذًا، اترك الأمر لي واتبعني فقط!”
هكذا بدأ الأمر.
رسمت جيزيل جدولاً مثاليًا لـ«موعد» ألكايد ولور الأبوي.
ومحل الحلويات هذا كان أول محطة في ذلك الموعد!
استقبل موظفو المحل لور وألكايد وجيزيل بترتيب مثالي،
وقدّموا أشهى الحلويات التي طُلبت مسبقًا أمام لور.
“…واااو…”
ما زالت لور لم تمد يدها إلى أي حلوى، كانت مذهولةً فقط.
‘ما الذي يحدث؟’
أبي كان وجهه متجهّمًا، مدّ يده فأمسكتها وتبعته فقط…
والآن قد أجلسني في طاولة مليئة بأكل لامع كأنه للأميرات!
لكن لماذا أحضرني أبي إلى هنا…؟
بينما ضلت لور لا تفهم شيئًا وتحرّك عينيها يمينًا ويسارًا،
“كُلي.”
أخيرًا تكلّم ألكايد.
كان وجهه جامدًا كالعادة، لكن هناك فخر غريب في عينيه.
سمعت جيزيل الكلمة نفسها فانتفضت وهمست له بسرعة:
“لا يا سموكَ ! كيف تقولها هكذا؟!
ستخاف الآنسة! يجب أن تكون ألطف، أحنّ، ناعم كريشة!”
ارتجف ألكايد.
كان فقط يريد أن تأكل لور بعد أن رأت الحلويات ورغم ذلك لم تلمسها،
لكنه أدرك أن نبرته كانت قاسية جدًا.
ماذا لو خافت؟
نظر ألكايد إلى لور خلسة.
كانت الطفلةتيشبه بذور الهندباء: ناعمة، لكن لو هبّت ريح لنفختها بعيدًا…
بالطبع، بالنسبة لأي شخص آخر، لور طفلة ممتلئةُ الخدود ولطيفةٌ،
لكن في عيني ألكايد كانت نحيلةً بشكلٍ مبالغ.
‘…لهذا انهارت.’
لو كانت بهذه النحافة، فمجيئها سالمةً دون أن تطيرها الريح ، كان معجزةً.
عندما انهارت لور، شعر ألكايد أن السماء سقطت.
لم يشعر بقلبه يهبط هكذا من قبل.
لذلك أعجبته فكرة جيزيل بأن يُطعمها جيدًا.
لكن… كيف يتكلّم بنعومة حتى لا تطيرَ؟
عبس ألكايد قليلاً وهو ينظر إلى لور.
صاحت جيزيل مجدّدًا: “انظر إليها بعيون دافئة!”
لكن الكلام لم يصل إلى أذنيه أصلاً.
لور كانت في وضعٍ مشابه.
مهما كان تعبير ألكايد أو نبرته، لم تهتمّ لور أبدًا.
نظرت بعينيها الخضراوين المستديرتين إلى ألكايد ثم جيزيل ثم الحلويات أخيرًا.
هل يحقّ للور أن تأكل شيئًا لامعًا وجميلاً كهذا؟
‘لكن أبي قال كُلي، إذًا لا بأس!
إذًا سآكل جيدًا!’
أمسكت لور الشوكة ونظرت إلى الطاولة بعيني صقر…
“نيام!”
غرز الشوكة في كعكة الكريمة المزيّنة بفراولة كبيرة ووضع قطعة ضخمة في فمه.
اتسعت عيناها الخضراوان أكثر ولمعا كالنجوم.
“لذييييذ!”
ابتسمت جيزيل راضية عندما رأتها.
خدود منتفخة، فم ملطخ بالكريمة وهي تمضغ… كم هي لطيفةٌ!
لو كان ابن أخيها أو طفل الجيران لكانت ضمّته فورًا وقبّلت خديه الناعمتين ودلّكت رأسه المستدير!
التفتت جيزيل إلى ألكايد متظاهرة بالبرودة وقالت:
“انظر يا سموكَ، الآنسة تأكل جيدًا. الآن سيتحسن مزاجها بسرعة…”
“…أوووه…”
وضعت لور الشوكة بهدوء.
طعم الفراولة الحامض والكريمة الناعمة كان مذهلاً في اللقمة الأولى.
لكن لأنها عضّت قطعة كبيرة جدًا، كلما ذابت الكعكة في فمها زاد الحلاوةُ المفرط حتى آلم لسانها.
نظر لور إلى ألكايد بعينين دامعتين:
“أبي… لا أستطيع أكل هذا…”
الكعكة الجميلة اللامعة طعمها لامعٌ لاذعٌ من الحلاوةِ ! لساني وفمي يؤلمانني!
كأنه أكلت شيئًا حارًا، فتحت لور فمها على وسعه وأخرجت لسانها وهزّت رأسها.
أمي قالت لا تأكلي الشيء الحلو كثيرًا، الآن فهمتُ لماذا.
الحلوى خطيرةٌ جدًا جدًا!
“آنستي، إذا كان حلوًا جدًا اشربي هذا. حليب دافئ.”
دفعت جيزيل كأس الحليب إلى لور وتنهّدت، ثم تحدثت لور مصححةً:
“لم أقصـد ذلك… اوهه…”
نظر ألكايد إلى جيزيل بهدوء.
ساد الصمت على الطاولة،
لا يُسمع فيها سوى تأوّه لور المتذمر بين الحين والآخر.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 9"