كانت لور تُحدِّق بعينيها الواسعتين في والدها الذي كان يأمر بصوتٍ صارم، وفي الكاهن الذي جرى سحبه كطفلٍ مشاغب. ثم قفزت فجأة بخفة.
دبَس!
عانقت ساق ألكايد بكلتي ذراعيها.
اتسعت عينا ألكايد دهشةً، ولم يكن المساعدون بأقل دهشة، فقد تجمّدوا في أماكنهم من فرط الصدمة ولم يجرؤ أحد على إبعادها.
“…إنّه حقًّا أبي.”
هيهي.
فركت لور خدّها بلطف بساق ألكايد.
كانت تتساءل دائمًا عندما ترى أطفال القرية يمشون ممسكين بأيدي آبائهم:
‘لماذا ليس لديّ أب؟’
لماذا في بيتنا يوجد الجدّ والأم فقط؟
حين لم تَسَعْها الحيرة سألت أمها، لكن ما إن رأت تلك الملامح الغارقة في الحزن على وجهها، لم تجرؤ بعدها على لفظ كلمة “أب” أمامها مرة أخرى.
كان الحزن عميقًا جدًّا في تعابير أمها.
لذلك حتى لو كانت فضولية، ظلت صامتة.
لأنّها لا تُريد أن ترى أمها حزينة.
ومع ذلك، كلّما زارت القرية ورأت الأطفال يلتقطون أيدي آبائهم، وكلّما سمعت في الحكايات عن الملوك الذين يحنّون على الأميرات، كانت حيرتها تكبر أكثر فأكثر.
‘أين يكون أبي يا ترى؟’
كانت أمها تناديها “أميرتي”، وفي الحكايات، الأميرات جميعهن آباؤهن ملوك.
لكن لا بأس لو لم يكن ملكًا… فقط أن أراه.
تلك المشاعر التي تراكمت شيئًا فشيئًا احتلّت ركنًا واسعًا في قلبها الصغير.
لكن الآن…
‘أنا أيضًا عندي أب!’
صرخت لور في داخلها فرحة.
[آه! لور، بقي أهم شيء! يجب أن نُعرِّف أمك بأبيك!]
ظهر الكتاب قربها وهو يرفرف بارتباك ويُظهر الحروف.
‘أوه…!’
شهقت لور وهي ترفع بصرها إلى ألكايد بعينيها المستديرتين.
“أبي! تعال إلى بيتنا! أمي مريضة جدًّا!”
“ماذا؟”
تفاجأ ألكايد، قطّب حاجبيه وانحنى ليُقابلها بعينيه.
“منزل لور هو—”
بدأت لور تصف موقع البيت الصغير في الغابة حيث تعيش مع أمها وجدّها.
لكن فجأة…
‘هاه…؟’
وكأنّ أحدًا أطفأ المصابيح. أظلمت الغرفة فجأة.
“أوه؟ رأسي… يَدور….”
بدأ العالم يتمايل من حولها.
فرفر، فرفر.
كان ذلك صوت الكتاب وهو يرفرف.
ثم…
هبّت وسقطت مغشيًّا عليها.
تجمّد ألكايد في مكانه، ثم هرع فزعًا والتقطها بين ذراعيه.
“لور؟ لوربانتيس…؟”
تمتم بحذر مُردِّدًا اسمها الذي سمعه للتو.
لكن الصغيرة المتهالكة لم تستفق.
آه…
في تلك اللحظة، رآها ألكايد وكأنّها فارقت الحياة.
لمجرّد أن ظنّ أنّها ماتت، شعر وكأنّ قلبه تحطّم إربًا.
عانقها بكل قوّته.
“…أسرعوا! نادوا الطبيب فورًا!”
* * *
كان هناك صبيّ يركض في عتمة لا نهاية لها.
<…! …؟ …!>
ارتفعت أصوات صياح وهمسٍ اختلطت معًا، تتردّد في رأسه كالعاصفة. لم يسمع الكلمات بوضوح، لكنّ مشاعر السخط واللوم انغرست فيه بوضوح.
‘لم أفعل! لم أفعل ذلك!’
كانت النظرات الحادّة كالسّهام المسمومة تطعنه، والأصابع المُشيرة إليه تلسعه.
‘لم أرَ وجه أمي قط، فلماذا كلّهم يلومونني أنا وحدي…! اللعنة لحقت بي أيضًا…!’
توقّف فجأة رغْمًا عنه.
جسده الذي لم يعد يطيعه بدأ يرتجف.
فتح عينيه الذهبيتين على وسعه.
<وجدتُك، كاينيل.>
* * *
غمغمت عينا لور الخضراوان المثقلتان بالنعاس وهي ترمش.
“هاااام…”
فركت عينيها وتثاءبت بخفّة.
ما زالت… تشعر بالنعاس….
لكن الغرفة مضيئة أكثر من اللازم، حتى أنّ إغماض عينيها لم يُخفِ البريق.
فتحت عينيها نصف فتحة وأخذت تُمعن النظر في المكان.
كانت الغرفة التي تراها لأول مرة أكبر بكثير من غرفتها الصغيرة في كوخ الجبل.
ورغم سعتها، لم تبدُ موحشة، بل مُفعمة بهدوء مريح بفضل الأضواء الدافئة التي تُضيء الجدران.
والسرير الذي كانت تتمدّد عليه بدا ضخمًا ومريحًا.
السقف العالي، والثريا المذهلة المتلألئة، واللوحات الكبيرة على الجدران… كلّ شيء كان غريبًا.
حتى أنّ الغرفة فاقت في جمالها قصور الحكايات التي اعتادت أن تقرأها أمها.
قصور الأميرات والأمراء الذين يعيشون بسعادة أبدية.
“واااه…”
أفلتت منها شهقة إعجاب. كان قلبها يخفق من شدّة الانبهار.
كانت إحدى جدران الغرفة كلها من زجاج، والسماء في الخارج حالكة، لكنّ الغرفة مضاءة كنهارٍ مشرق، والقمر يُرسل نوره عبر النافذة فيزيدها صفاءً.
[لور!]
ظهر الكتاب فجأة في الهواء.
[لور، هل أنت بخير؟]
“أجل، كتابي. أنا بخير. لكن… أين هذا المكان؟”
مدّت يدها الصغيرة ناحيته. اقترب الكتاب وهو يرفرف أمامها.
[لور! أول شيء يجب أن نتأكّد منه هو حالتك! لقد أُغمي عليكِ. دعيني أفحصك.]
“ممم…”
شعرت أنّ صوته جاد أكثر من المعتاد.
شدّت لور الغطاء عليها وأومأت برأسها. فانبثق من الكتاب نورٌ متلألئ غمر جسدها.
“هاهاها!”
ضحكت وهي تتلوّى من الدغدغة، وأضاء خدّاها غمازتان عميقتان.
سُجّل سطرٌ قصير على صفحات الكتاب، ثم تلاشى وكأن لم يكن.
عاد الضوء ينساب إلى الكتاب، ورفرف مجددًا أمامها.
[…الحمد لله. لم يحدث شيء خطير. يبدو أنّك استنزفت الكثير من طاقتك فقط….]
“كنتَ تقلق عليّ، أليس كذلك يا كتابي؟”
[طبعًا! وكيف لا؟ عليكِ أن لا تُرهقي نفسك ثانية. لم أعرفك بما يكفي، سامحيني. ثم سأجيبك: سؤالك عن المكان، أليس كذلك؟]
“أجل! أين أنا؟”
هزّت رأسها بحماس.
[بعد أن فقدتِ وعيك، نُقلتِ إلى غرفة الضيوف هذه. الدوق ألكايد قلق عليك كثيرًا، لكنّه اضطر أن يذهب لإنجاز أمر عاجل. لقد بقي إلى جوارك حتى لحظة رحيله.]
“حقًّا…؟”
أبي؟
بقي عندي؟
كان قلقًا عليّ؟
اتسعت عيناها دهشة، ثم دفنت وجهها في الغطاء وهي تضحك “إهيهيهي!” فرِحة.
شعرت أنّ قلبها يطفو ويرفرف عاليًا.
كانت فرحة غامرة.
لأنّ أمها قالت لها: مَن يقلق عليك، فهذا يعني أنّه يُحبّك.
إذن أبي يحبّني!
رغم أنّه لم يربّت على ظهرها أو يحتضنها بعد، إلا أنّه حتمًا يُحبّها!
[بالطبع! لو رأيتِ نظرته حين كان يُحدّق بكِ…!]
قهقهت لور وأمسكت الكتاب بين ذراعيها. ثم طبعت قبلة على غلافه.
“موااه!”
[آآآه!]
ارتجف الكتاب دهشة، لكنّها ظلّت تُدلّكه بخدّها وهي تضحك.
“شكرًا لأنّك قلقت عليّ، كتابي! أمي تقول: القلق هدية، لذا أردتُ أن أهديك قبلة!”
رفرف الكتاب بخجل، ثم استكان بين ذراعيها.
بعد لحظات، طار فجأة وقال بلهفة:
[لور! أرسَل ألكايد فرسانه إلى منزلكِ. ستلتقين أمك قريبًا!]
وُضع أمام لور طَيفٌ من الحلوى:
كيك إسفنجي ناعم، كيك الفراولة بالكريمة البيضاء،
مكارون صغيرة ملوّنة بحجم اللقمة،
تارت البيض الذهبي المخبوز بإتقان،
وأكواب بودينغ الفاكهة المنعشة….
كمّ من الحلويات لا يمكن لطفلة صغيرة مثلها أن تُنهيه وحدها.
حدّقت لور بدهشة، وعيناها تتنقّلان بينها بلمعان.
ارتسمت ابتسامة راضية على وجه ألكايد وهو يراقبها.
كانت لور لا تزال مشوّشة من كلّ ما يحدث.
لكن فجأة وجدَت نفسها مع ألكايد في متجر حلويات شهير في العاصمة لا يُسمح بدخوله إلا بالحجز.
وعندما رآها تُدير عينيها الواسعتين في كلّ اتجاه، ابتسمت جيزيل بمكر.
في الليلة الماضية—
“جيزيل.”
بعد أن أعادت الكاهن إلى السجن وهي تدندن بمرح، وصلها نداء من ألكايد.
توتّرت وهي تتوجّه إلى مكتبه.
‘…لماذا يستدعيني يا ترى؟’
أما الكاهن فقد تُرك عاجزًا عن الانتحار ومُحتجزًا فقط.
وبكلمةٍ واحدة من الدوق، سيُنتزع منه غدًا كلّ ما يعرفه.
في تلك اللحظة، أمام جيزيل الواقفة، زفر ألكايد بتنهيدة عميقة.
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 8"