كانت رسوم الكتاب شديدة الدقّة، حتّى إنَّ لورا تعرَّفت عليها للوهلة الأولى.
فالقلادة المرسومة في الكتاب هي نفسها… تلك القلادة التي خبَّأتها إيلين عميقًا في الدرج!
وما إنْ وقع بصر لورا على تلك الصورة حتى أخذت تزفر بشدّة.
لقد قال ألكايد إنَّه وضع آليةً خاصّة في القلادة تحسُّبًا لوقوع إيلين في خطر.
“بهذه القلادة يمكنني الذهاب إلى أبي!”
تلألأت عينا لورا وهي تتذكَّر ما أخبرها الكتاب به.
لكنَّها ما لبثت أنْ أمالت رأسها متحيِّرة.
“لكن… لِمَ يا تُرى، كانت أمّي تُظهر حزنًا كلَّما رأت القلادة التي أهداهَا لها أبي؟”
أمرٌ لم تستطع فهمه أبدًا.
غير أنَّ الأهم الآن لم يكن هذا! بل أن تترك رسالةً كي لا تقلق أمّها أوّلًا.
‘أخبرني يا كتاب، أهذا كلُّ ما أحتاجه؟’
فما كان من الكتاب إلّا أنْ رفرف صفحاتِه كأنَّه يصفِّق بيديه، ثمَّ انقلبت أوراقه من جديد، لتظهر أحرفٌ ذهبية متلألئة:
[الآن سأجعلك تلتقين بأبيك! الأمر بسيط جدًّا. ما عليكِ سوى وضع هذه القلادة على الصفحة!]
“هنا تمامًا!”
في الصفحة التي فُتِحت ظهرت دائرة بحجم القلادة نفسها، ومعها سهم يشير إلى أنْ تُوضَع القلادة داخلها.
بيدٍ مرتجفة قبضت لورا على القلادة، ثم وضعتها فوق الكتاب.
فووووش-!
انبثق نورٌ ساطع من الموضع الذي لامست فيه القلادة الورقة، وفي لحظة ابتلع ذلك الضوءُ لورا كلَّها.
…وحين انقشع النور، لم يَعُد ثمّة أثر للورا في غرفة إيلين.
بقيت فقط إيلين، غارقةً في نومٍ عميق.
كانت أشعة الشمس الغامرة تتدفّق من النوافذ الكبيرة فتملأ الغرفة بالضياء، وتغمر المكتب العريض المكدَّس بالخرائط والوثائق المهمّة.
هذا المكان هو مكتب دوق أتيليون، ألكايد.
وعلى طاولة الاجتماعات الضخمة الممتدّة في جانب المكتب، انبسطت خريطة العالم التي وُسِمَت عليها مواقع الإمبراطورية.
جلس ألكايد خلف مكتبه، يُحدِّق ببرودٍ في معاونيه الواقفين أمامه.
“يا صاحب السمو الدوق، لم يُعثر على أيِّ أثر للأميرة إيلين في الغرب.”
قدَّم أحد المساعدين تقريره بحذر.
“والشرق؟”
“الشرق كذلك يا مولاي. بحثنا بدقّة، لكن دون جدوى…”
ساد التوتّر بين الحاضرين.
ظلّ ألكايد صامتًا برهة، كأنَّه يُحدِّق إلى مكان بعيد لا يراه سواه.
خمس سنوات.
لقد مضت خمس سنوات على رحيل إيلين.
طَقّ! دوّى صوت المفاصل المتصلّبة حين شدَّ قبضته بقوّة.
لقد رحلت دون أنْ تترك له كلمةً واحدة.
صحيح أنّه لم يتبادل معها أحاديث عميقة كثيرة بعد الزواج، لكن مع مرور الوقت كان يظنّ أنّها بدأت تنفتح له قلبها تدريجيًّا. ولكن…
لم تختفِ إيلين وحدها.
بل اختفى معها الكأس المقدّس أيضًا.
ذلك الكأس الذي يحتوي على قوى مقدسة، وكان من أعظم كنوز الإمبراطورية.
بل إنَّ العرش قد اتَّهم إيلين بأنّها سرقته ولاذت بالفرار.
غير أنَّ تلك المزاعم خبت أمام غضب ألكايد العارم.
ومع مرور السنين، أخذت مشاعره نحوها تتخمّر وتتعقّد كالنبيذ المعتّق، لتترك في قلبه فراغًا هائلًا وظلًّا كثيفًا يُخيّم على حياته اليومية.
لقد قلب الأرض باحثًا عنها، لكن لم يظهر أحد رآها.
‘أين يمكن أن تكون….’
وفجأة-
فووووش!
أضاءت الغرفة كلّها بوميضٍ مباغت، بدأ كشرارة صغيرة كحجم اليراعة، ثم أخذ يكبر شيئًا فشيئًا.
ارتاع المساعدون وتراجعوا، وحده ألكايد ظلَّ ثابتًا يحدّق في كتلة الضوء المتعاظمة.
‘هذه القوّة….’
لم يستطع أحد أنْ يواجه بصره إلى ذلك الضوء الباهر سواه.
وبينما أخذ النور يتشكَّل، ظهر في وسطه جسد صغير.
ثم اختفى البريق، ليظهر جسد فتاة صغيرة تحتضن كتابًا يكاد يساوي حجمها.
هامت لحظة في الهواء، ثم هبطت بخفّة ريشةٍ على الأرض.
“…….”
شخص الجميع إليها بوجوه مذهولة.
شَعرُها الأشقر يلمع كالذهب، وعيناها الخضراوان تتلألآن بالدهشة والفرح.
وما إنْ لامست قدماها الأرض، حتى تلاشى الغبار الضوئي من حولها وعاد السكون إلى المكتب.
كانت تدير رأسها في كل اتجاه، فتتمايل خُصَل شعرها المربوطتين بضفيرتين طويلتين.
وفجأة صاحت:
“إنّه أبي!”
أشارت لورا بحماس إلى ألكايد.
‘واو! إنّه حقًّا أبي!’
إنّه تمامًا كما وصفت كلمات الكتاب.
عينان بلون البحر، وشعر حالك السواد!
والأهم أنّه الأوسم بينهم جميعًا!
‘قل لي يا كتاب، أليس هو أبي؟’
ابتسمت لورا ببراءة وهي تُحدِّق في الكتاب الذي بين يديها.
فما لبث أنْ رفرف الكتاب كجناح طائر، ثم كتب على صفحاته البيضاء:
[نعم! إنَّه بالفعل والد لورا، ألكايد أتيليون!]
انتفخ صدر لورا فخرًا، وأخذ جسدها يتهلّل من شدّة الفرح.
كان الكتاب الذهبي يحلِّق حولها، لكن لم يره أحد غيرها.
أما الآخرون فقد كانوا مشدوهين فقط من ظهور هذه الطفلة المفاجئة.
“ما هذا بحقّ…!”
تجمَّدت ملامح المساعدين الذين كانوا يرفعون تقاريرهم لألكايد، واتّخذوا وضعية حذرة.
طفلةٌ ظهرت من العدم وسط وميضٍ!
”هل هي مؤامرة من الأعداء تستهدف الدوق؟”
”لكن… إنّها مجرّد طفلة! كيف؟”
”ثم ما الذي قالته؟!”
لم يَدرِ المساعدون كيف يفسِّرون الأمر.
غير أنَّ ظهور طفلة بهذه الطريقة لا يمكن أن يكون عاديًّا.
“آ… آآ….”
شعرت لورا بالرهبة إذ تغيّرت وجوه الرجال المحيطين بها فجأة إلى ملامح قاسية.
“من أنتِ؟ وكيف جئتِ إلى هنا؟!”
زمجر أحد المساعدين وهو يخطو باتجاه لورا.
فما كان من الصغيرة إلّا أنْ شبكت يديها متردّدة وانكمش كتفاها.
“أنا… لورفانتيس… ولقبي لور…”
“وكيف وصلتِ إلى هنا؟”
“الكتاب… هو الذي أخبرني…”
أجابت متلعثمة، لكن كلماتها زادت الجوّ برودة.
كتاب؟ ما معنى هذا؟
“سأستدعي الحرّاس.”
أعلن أحد المساعدين، وتوجّه مسرعًا نحو الباب.
‘آآ….’
ارتجفت لورا حين سمعت بذكر الحُرّاس.
لقد قال لها الجدّ يومًا: إن لم تطع أمّها وجدّها، فسيأتي فرسانٌ مخيفون ليأخذوها!
“لا! لورا ليست…!”
لورا ليست طفلة سيِّئة. لم ترتكب ذنبًا. كل ما أرادته فقط هو أنْ ترى أباها!
وبينما كانت على وشك الانفجار باكيةً، أمسكت بطرف ثوبها وهمست:
“لـ-لورا فقط….”
لكن فجأة دوّى صوت جهوري:
“انتظر يا هاغنز.”
توقّف الرجل عند الباب، ثم استدار نحو الدوق.
“لكنّها شخص مريب، قد تكون جاءت لتستهدف مولاي…”
رفع ألكايد يده ليُسكت معاونه. فانصاع هاغنز على الفور.
ثمَّ التفت ألكايد نحو لورا.
كم من مرّة تعرّض لادّعاءات كاذبة عن مكان إيلين. لذلك كان حذرًا تجاه كلّ من يقول إنّه يعرف عنها شيئًا.
لكن… لم يجرؤ أحد من قبل على الادّعاء أنّها ابنتها وابنته.
“…أبًا، قلتِ؟”
تمتم متأمِّلًا، وراح يتفحّص ملامح الصغيرة.
شَعرٌ أشقر، وعينان خضراوان لامعتان.
لو كانت إيلين صغيرة، لبدت هكذا.
إنّها تُشبهها بشكل مذهل.
بل إنّ مجرّد سماعه كلمة “أبي” جعل قلبه يهتزّ بعنف.
قد تكون هذه الطفلة محتالًة صغيرة… لكنّه لم يستطع أنْ يُبعد نظره عنها.
ولذلك لم يطردها مباشرة، على غير عادته.
“اقتربي.”
أشار لها بيده.
“نـ-نعم يا سيدي.”
اقتربت لورا بخطوات صغيرة متردّدة، محاوِلة أنْ تُحسن التصرّف أمام أبيها الذي رأته للمرّة الأولى.
‘وجه أبي!’
سرعان ما أشرق وجهها بابتسامة عريضة، وكأنّها نسيت كلّ الخوف الذي غمرها.
لقد نجحتُ!
لقد أنجزتُ مغامرة عظيمة!
بنشوةٍ غامرة شدَّت لورا قبضتيها الصغيرتين بحماس.
حتى أنّ الأب نفسه أنقذها من الوقوع في أيدي أولئك الرجال المخيفين!
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات