“نَعَم، لور. إذاً الأميرة هي-.”
أومأت لور برأسها وهي تحدِّق في كتاب الحكايات.
كان الوقت الذي تقضيه الأم وابنتها معًا قبل النوم، مستلقيتين جنبًا إلى جنب تقرآن كتاب الحكايات، هو أكثر ما تحبّانه من أنشطة يومهما.
إيلين نظرت إلى لور التي كانت غارقة تمامًا في الحكاية، وابتسمت بهدوء.
كانت لور ذاتَ خدّان ممتلئان ناعمان، وشفتان بارزتان قليلًا من شدّة التركيز.
‘إنّها ابنتي، لكن كيف يمكن أن تكون بهذا القدر من الجمال؟’
وجنتان مورّدتان بلون ورديّ، وعينان خضراوان متلألئتان كالجواهر، وشعر أشقر يضيء مثل الشمس.
حين تبتسم لور بصفاء، يضيء عالم إيلين بأكمله.
“أووم…؟ أمّي…؟”
حين توقّف صوت أمّها فجأة عن قراءة الكتاب، فتحت لور عينيها الدائريتين ونظرت إليها.
لكن في الحقيقة، عيناها كانتا نصف مغمضتين بالفعل، إذ كان الليل قد تأخّر كثيرًا.
رأت إيلين وجه ابنتها الغارق بالنعاس والمحبّب، فابتسمت بخفوت.
“هل تحبّين أنْ أقرأ لكِ الحكاية يا صغيرتي؟”
“نَعَم! أحبّ صوت أمّي!”
قهقهت لور بمرح ثم اندست في حضن إيلين.
عانقتها إيلين بقوّة وابتسمت بحرارة. لكن حتى ابتسامتها المشرقة لم تستطع أن تخفي ملامح المرض الواضحة على وجهها.
بشرتها الشاحبة المائلة إلى الزرقة، والهالات الداكنة حول عينيها.
حتى في ضعفها بدت جميلة، لكن قلب لور كان يتألّم كلّما رأت وجه أمّها يزداد شحوبًا.
“أمّكِ أيضًا تحبّ لور… كح، كح!”
وبينما كانت تربّت على ظهر ابنتها، أخذت إيلين ترتجف بشدّة وتَسعل. واحمرّ وجهها الشاحب فجأة.
ارتعبت لور وقفزت مبتعدة عن حضن أمّها.
“أمّاه! آسفة… لأنّكِ تقرئين لي الحكاية…!”
“لا يا لور. أنا بخير… كح!”
“مـ-مرّة أخرى… هل قوّة السِّحر تتسرب؟ ما… ما العمل….”
لم يكن بوسع لور سوى أنْ تمسكَ بيد أمّها الصغيرة بكلّ قوّتها وتحدّق بقلق في وجهها.
فقد قال الطبيب الذي زارهم ذات مرّة إنّ سبب مرض أمّها هو تسرب السِّحر وعدم السيطرة عليه داخل جسدها.
لم تكن لور تفهم ما هو السِّحر ولا ما معنى التسرب.
لكنّها كانت تكره السِّحر والتسربَ بشدّة… لأنّهما كانا يجعلان أمّها تتألّم.
‘في هذه اللحظة… ماذا عليَّ أنْ أفعل؟ ماذا أفعل…؟’
حاولت أنْ تتذكّر ما كان يقوله الطبيب، لكن لا شيء خطر في بالها. فتجهّم وجهها الصغير وهمّت بالبكاء.
حتى وهي تسعل، حاولت إيلين تهدئتها. لكنّ السعال لم يتوقّف.
“أنا… بخير… كح… لور… آه! هَه… لقد تأخّر الليل. أسرعي واذهبي للنوم.”
‘أمّك بخير.’ وكأنّها تُخفي خلف السعال كلمات لم تستطع قولها، ربّتت إيلين على ظهر ابنتها.
في كلّ مرّة كان السِّحر ينفلت بداخلها، كانت حالة إيلين تسوء بسرعة.
وما لم تعرفه لور هو أنّ أمّها لم يبقَ لها الكثير من العمر.
“إيلين!”
انفتح الباب فجأة ودخل جدّ لور بعد أنْ سمع صوت السعال. أسرع نحو الخزانة بجانب السرير وأخرج زجاجة دواء وسقاها لإيلين.
وما إن شربت الدواء حتى أخذ رأسها يثقل وبدأت تغفو.
لم يكن هناك علاج يوقف انفلات السِّحر.
لم يكن أمامهم سوى إطعام المريضة جرعة قويّة من المنوّم كي لا تشعر بالألم.
“يا صغيرتي… هل يمكنكِِ أنْ تنامي وحدكِ؟”
قال الجدُ العجوزُ بصوت واهن وهو يساعد إيلين على الاستلقاء في السرير.
لقد أنهكها المرض طويلًا، فغدت ضعيفة جدًّا، وتدهورت حالتها أكثر في الآونة الأخيرة. كان مشهدها يفتّت قلبه فلم يستطع أنْ يتظاهر بالقوّة أمام حفيدته.
لو كان الأمر في الأيّام السابقة لأوصل بنفسه لور إلى غرفتها، فهي ما زالت صغيرة.
لكنّه لم يستطع أنْ يبتعد الآن عن جانب إيلين التي يذوي جسدها يومًا بعد يوم.
“نَعَم! لور طفلةٌ شجاعة!”
أومأت لور بحزم، وحملت الأرنب القماشي الكبير المسمّى توتو، ثم قفزت من السرير.
كان توتو ورديّ اللون ويصل طوله إلى خصرها، وهو أعزّ صديق لها.
‘لور تستطيع العودة إلى غرفتها وحدها. هي طفلة شجاعة! ولن تُقلق جدّها ولا أمّها.’
“تصبحين على خير يا أمّي!”
حيّت لور أمّها بجرأة ثم خرجت من الغرفة.
طَق.
أُغلق الباب خلفها، وإذا بالممرّ المضاء بضوء القمر الخافت يمتدّ أمامها.
‘هممم…’
هذه أشياء… ليست مخيفة…!
عانقت لور توتو بقوّة.
لكن في الحقيقة، ساقاها كانتا ترتجفان بشدّة. كانت تشعر وكأنّ يدًا بيضاء ستخرج فجأة من النافذة وتقبض على ساقها.
‘لا! لا يوجد أشباح! جدّي قال ذلك!’
تمتمت في نفسها محاولة طرد الخوف، لكن جسدها ظلّ يرتجف.
وزاد خوفها حين تذكّرت كلمات “هييلي”، الطفل الذي يسكن في القرية وكان يستهزئ بها دائمًا.
فقد أخبرها أنّ هناك أرواحًا قديمة تَتجوّل قرب الجبل.
ولأنّ بيتها يقع في قلب الغابة عند سفح الجبل، كان كلامه يقصد به إخافتها فقط. وقد غضبت لور حينها وركلته على ساقه.
لكن لماذا الآن بالذات تذكّرت ذلك الكلام؟
‘آه….’
كادت تبكي وهي تلتفت نحو باب غرفة أمّها. فكّرت أنْ تعود وتقول إنّها خائفة ليحتضنها جدّها ويأخذها إلى غرفتها.
لكن…
‘حينها… ستبقى أمّي وحدها….’
فكّرت في أمّها المريضة التي ستظلّ وحدها على السرير، فلم تستطع أنْ تزعج جدّها.
لهذا شدّت لور على توتو مرّة أخرى وواصلت خطواتها بشجاعة.
واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة-.
كانت تعدّ كلّ خطوة لتخفيف خوفها.
لكن سرعان ما واجهت مشكلة.
سبعة وعشرون، ثمانية وعشرون… تسعة وعشرون… بعد التسعة والعشرين ماذا؟ ثلاثون؟ أم…؟
‘آه، نسيتُ كيف قال جدّي أنْ أعدّ حتى المائة…!’
وما إن هبّت ريح خارج الجدار محدثة صفيرًا، حتى ارتعش جسدها بشدّة.
‘يجب أنْ أصل بسرعة إلى غرفتي… إلى سريري الدافئ.’
لكنها توقّفت فجأة.
‘هل النافذةُ مفتوحة؟’
لماذا يُسمع صوت الريح إذن؟
إذا كانت النافذة مفتوحة فقد يدخل لصّ ما!
‘وماذا عن أمّي؟ وجدّي؟’
ماذا لو آذاهم أحد؟
خيالات مرعبة كبّلت قدميها.
‘يجب… أنْ… أغلقَها….’
رغماً عن خوفها، نظرت خلفها بسرعة.
‘هُه؟ ما هذا؟’
اتّسعت عينا لور.
في آخر الممرّ بدا الظلام وكأنّه يتموّج، وفجأة قفز منه ظلّ هائل واندفع نحوها بسرعة!
‘آآآآآآآآه!’
يا إلهي! إنّه وحش الظلال!
أسرعت لور بالجري بكلّ قوّتها نحو غرفتها.
وما إن فتحت الباب الذي كُتب عليه اسمها لور، حتى اندفعت إلى الداخل.
كانت الغرفة صغيرة ومزيّنة بدفء مألوف.
‘ما هذا؟ ما الذي حصل؟’
أنصتت بأذنيها نحو الخارج، فلم تسمع شيئًا.
‘بما أنّي أغلقت الباب، فلن يدخل وحش الظلال.’
وبهذا فكّرت أنْ تختبئ.
تسلّلت إلى تحت الغطاء، وعانقت توتو بقوّة.
‘لو اختبأتُ هنا… فلن يعرف الوحشُ أنّي موجودةٌ.’
ما دمت أملك توتو، فأنا بخير.
دفنت وجهها في الفراء الناعم للأرنب، بينما جسدها الصغير يرتجف.
وفجأة…
سَرَرر-.
تدفّق من شقّ الباب ظلّ أسود، زاحفًا نحو الداخل.
شهقت لور وتجمّدت مكانها.
اجتمع الظلام في نقطة واحدة، ثم بدأ يتلألأ فجأة بنور ذهبيّ.
وتحوّل أمام عينيها إلى كتاب ضخم!
كان الكتاب أكبر من نصف جسدها، مُجلّدًا بجلد أزرق داكن، وفي وسط غلافه نُقشت زخارف ذهبية دقيقة.
وحوافّه وزواياه مرصّعة بالذهب، وكان يشعّ منه نور ذهبيّ كالهالة.
‘ماذا… ماذا يكون هذا…! ياللـ اه!’
ارتدّت لور للخلف وهي تغطي فمها بكفّيها من شدّة الدهشة.
وفجأة انفتح الكتاب من تلقاء نفسه.
لكن صفحاته كانت بيضاء خالية.
‘أهو حقًّا كتاب؟’
ورغم أنّه ظهر فجأة، إلّا أنّ ضوءهُ المشرق لم يُشعرها بالخوف، بل بالدهشة والفضول.
وبينما كانت تلمس توتو بتوتّر وتتفرّس في الكتاب، توصّلت إلى قناعة:
‘لا يبدو أنّه خطر.’
اقتربت ببطء من الكتاب. وما إن فعلت ذلك حتى ظهرت كلمات على الصفحة البيضاء:
[مُباروك! هذا جائزةٌ تُمنح حصرًا للأطفال الصالحينَ!]
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات