أمام الجواب غير المتوقع، اتّسعت عيون من حولهم بدهشة.
‘حسنًا، وما الذي ستفعلونه لو نظرتم إليّ هكذا؟’
كلوي كتمت رغبتها في فرك خدّها الذي أخذ يرتجف من شدّة محاولاتها كبح الضحك، وأجبرت نفسها على الابتسام من جديد.
“بما أنّ جلالة الملك يهتمّ بي إلى هذا الحدّ، فمن الطبيعي أن تُبدوا أنتم أيضًا الاحترام لدوق غلينترلاند.”
“ذلك الكلام هو…”
“على الأقل امنحوني فرصةً للتعرّف إلى الآنسات الحاضرات.”
قالت ذلك ثمّ غمَزت بإحدى عينيها.
“آن الأوان لسيّدات إيفانيس أن يعلمن كم أنّ صاحب السمو الدوق، المشهور بوسواسه، في الحقيقة رجلٌ عطوف.”
‘هاه، وما العمل؟ سأضحّي بهذا الجسد لأجل أن أساعدك في أمر عشقك. هذا ما قصدتُه. جسدكَ سليمٌ معافى ومع ذلك عليّ مساعدتك في هذه الأمور أيضًا؟’
ربّما فهم كيرتيس مغزى كلامها، إذ بدا على وجهه تعبيرٌ غاضب.
فهل سبق للدوق بيرك كيرتيس شان أن يُعامَل على هذا النحو المتدنّي من قبل؟ مستحيل.
لكن كما كان مُتوقَّعًا، وبعد لحظة صمت، ابتسم كيرتيس شان بيرك ابتسامةً مشرقة.
“كنتُ أظنّ أنّ دوقتِي العزيزة لا يفيض منها غير الجمال، لكن تبيّن أنّها تتمتّع أيضًا برقيٍّ كبير في المشاعر.”
“أحقًّا تظنّ ذلك؟”
شعرت كلوي بالسرور وهي تراه يبتسم. ليس لأنّها فرحت بابتسامته بالذات، بل لأنّ الأمر بعث بداخلها ارتياحًا غير مفهوم.
<حين يحافظ العميد بيرك على وجهٍ خالٍ من التعبير، فهذا يعني أنّ الأمور إمّا أنّها سارت على ما يرام أو أنّها لم تسُر.
أمّا إذا بدا منزعجًا، فهذا يعني أنّ الأمور ساءت حتمًا.
لكن إذا ابتسم، فذلك تأكيدٌ قاطع على أنّكَ وقعتَ في ورطةٍ قاضية.>
هكذا كان يُقال.
ولو أنّها ما زالت حتى الآن مساعدة كيرتيس شان بيرك لكانت قد فكّرت فورًا: ‘لقد هلكت….’
لكنّها الآن لم تكُن سوى دوقة القصر.
‘وما شأني؟ خُذ بيد من تشاء من النساء وارقص حتّى تتعب.’
الجدير بالذكر أنّ القفّازات التي ارتداها كيرتيس اليوم كانت من جلد الحمل الجديد. ولا شكّ أنّه سيرميها لاحقًا. ما سيُفرح الخادمات في قصر الدوقية، إذ سينلن قفّازاتٍ جديدة كهذه كدخلٍّ إضافي غير متوقّع.
وكذلك مَن راقب المشهد أدرك أنّ الدوق قد استثارته كلمات زوجته الجديدة. لكنّ التفسيرات اختلفت:
‘حتى هذه الوضيعة لديها بعض الفطنة.’ – هذا كان رأي الملك.
‘يا تُرى أين باعت الدوقة فطنتها؟’ – هذا ما فكّر فيه آخرون لاحظوا نظرات كيرتيس الحادّة.
أمّا كيرتيس شان بيرك نفسه فقال:
“بما أنّ الأمر أصبح هكذا، يا دوقة غلينترلاند…”
ابتسم بهدوء ومدّ يده نحو إيزابيلا لا غلينترلاند، مرتديًا قفّازيه اللامعين من جلد الحمل.
“هل تشرّفينني برقصٍ معكِ؟”
“أوه.”
احمرّ وجه إيزابيلا خجلاً.
“بل أنا التي أنال الشرف.”
تلاقت أيديهما، ثمّ طوّق كيرتيس خصرها وقادها إلى وسط القاعة، على غير ما توقّع الكثيرون.
“يا للعجب.”
“انظروا هناك.”
بدا المشهد بالفعل مدهشًا، فالتفتت الأنظار بأسرها نحو الثنائي.
رغم حيويّة الموسيقى، انحنت إيزابيلا برقيّ، وكان الرقص رقصة الـ”جيغ”. وبما أنّها الرقصة نفسها التي سبق أن رقصتها كلوي مع كيرتيس، فقد شعرت أنّها مألوفة.
‘أوه. حان وقت الاستمتاع بمشاهدة راقصٍ بارع.’
كانت رقصتها مع كيرتيس في الغالب عبارةً عن محاولةٍ منه لقيادتها برفق بسبب عدم اعتيادها على الرقص.
ومن ثمّ كان اقتراح الانتقال إلى إيقاعٍ بطيء مثل الباساكاليا مناسبًا تمامًا، إذ إنّ رقصة الـ”جيغ” كثيرًا ما جعلتها تتعثر، مهما كانت براعة كيرتيس.
وحين كانت تفكّر بمشاهدة كيف سترقص إيزابيلا، إذا بكيرتيس يستدعي قائد الفرقة ليغيّر الموسيقى. وسرعان ما بدأ لحن الباساكاليا الجليل والبطيء.
‘تذكّر يا دوق، علي.ك أن تراعي الظروف.’
فكّرت كلوي بذلك وهي تراقب الثنائي وهما يبدآن الرقص. وبما أنّ جميع الأنظار مركّزةٌ عليهما، فإنّ التحديق فيهما علنًا لم يُعَدّ وقاحة.
وكما توقّعت، كان رقصهما متقنًا للغاية.
بل كان يتجاوز مجرّد الإتقان؛ فهناك سحرٌ خاص في أدائهما، كأنّهما ينفردان بقدرةٍ على بثّ الراحة والانسجام أكثر من أيّ شخص آخر.
التعليقات لهذا الفصل " 79"