حين رأى إيزرا كلوي أمبرويز مرتديةً الزيّ العسكري في اليوم الذي كان يجب أن تكون فيه بأبهى صورة في حياتها، خطرت بباله فكرةٌ عابرة: ‘هل هذا صواب؟’
ومنذ تلك الليلة ظلّ رأسه يؤلمه كما لو أنّ أحدًا قد عقد خيوط أفكاره جميعها في فوضى عارمة.
لماذا اختارت ذلك الرجل؟ لا، هل اختارته حقًّا؟
أن ينام الزوجان في سريرٍ واحد ليس أمرًا يُقال عنه إنه “من المسلّمات”، بل هو بمثابة قانون مطلق، كجريان الماء إلى الأسفل، أو شروق الشمس من الشرق.
لكن، وبغضّ النظر عن كونه قانونًا، فإنّ ما يجري فوق سرير الزوجين لا يَسع أحدًا أن يعرفه، فهو أدقّ ما يخصّ الإنسان ويستحقّ كلّ الاحترام.
غير أنّ كلوي أمبرويز لم تحظَ بالاحترام. فقط لأنّها اختارت ذلك الرجل.
بعض النساء في هذا العالم قد يكُنّ منحوساتٍ فيدخلنَ زواجًا دون أن يعرفن عنف أزواجهنّ أو خبثهم. فالناس يعرفون الكذب.
لكن كلوي لم تكن من هذا الصنف.
هل كان كيرتيس شان بيرك يخفي عُنفه أو قسوته أو شدّته أصلًا؟
بالطبع، حتى لو لم يُخفِ ذلك، قد تظلّ بعض النساء واقعاتٍ في وهمٍ بسبب وسامته.
غير أنّ كلوي، بوصفها ضابطةً تحت إمرته، كانت ــ على الأرجح ــ أدرى الناس بجانبه القاسي.
‘أنتِ… لماذا فعلتِ ذلك؟’
كان يريد أن يسألها.
“أنتَ، هل سمعتِ كلوي تقول شيئًا؟”
سأل إيزرا فجأةً بصوتٍ منخفض.
فرفع جورج رأسه وهو يمسح فمه.
“تتوقّع أن أسمع شيء؟ أنتً نفسكٍ سمعت شيئًا، أليس كذلك؟”
“…لا.”
“رائع، الفتاة! كانت تعيش قصة حبٍّ سرّية بإتقان.”
حبٌّ سرّي. بين ذلك الرجل وكلوي.
كان الجمع بين اسميهما تحت ذلك الوصف غريبًا للغاية.
-‘أيها اللعين، إياك يومًا أن ترجو مني أن أحكي لكَ عن قصص الحب باكيًا.’
هكذا قالت كلوي وهي تجرّ ذيل فستانها عابرةً بجانبه.
لقد صُدم. قصص حب؟
كل ما كان يودّ أن يسأله هو: “هل أنتِ بخيرٍ حقًّا؟”
لكنّه لم يستطع.
‘لا… وهل لي أصلًا أن أسأل شيئًا كهذا؟’
لقد كان يظنّ أنهما مقرّبان. أو على الأقل، إن كانت على علاقةٍ بذلك الرجل، كان يظنّ أنها ستُخبره.
لكن كلوي لم تقل له كلمةٌ واحدة. شعر بشيءٍ من التهميش.
أو لعلّه لم يكن تهميشًا، بل إحساسًا غامضًا لم يفهمه.
إيزرا لم يكن شخصًا رقيقًا يقرأ أعماق نفسه، وكلّ ما شعر به هو الحرج. لذلك أخذ يبتعد عن كلوي.
لو لم يفعل ذلك، لكان إلى جوارها حين كانت تتعرّض لتجاهل أغات مونفيس، أو حين كان يثرثر دون أن يدرك أنّ كيرتيس شان بيرك حاضر. لكنّه ظلّ واقفًا كأنّه خيال لا قيمة له.
ثمّ، كإضافي حان وقت خروجه من المسرح، أُبعد في النهاية على يد دوق بيرك.
“دوقة؟! يا للمجنون!”
كاد إيزرا أن يشدّ شعره من شدّة الغيظ.
“آه…”
في تلك اللحظة اقترب أحدهم بخجل.
رفع جورج رأسه ثم ابتسم مبتهجًا: كانت سارا دو تورنيا، موظفةٌ مسؤولة عن تزويد الحرس بأحجار السحر.
والجدير بالذكر أنّ جورج كان قد وقع في حبّها منذ عام.
“تكلّم براحة يا قائد السرية الأولى. وقد أنهيتُ طعامي للتو.”
أسرع جورج واقفًا وسحب كرسيًا لها، لكن سارا رفضت بابتسامة لطيفة.
“إذًا ما الأمر…؟”
“في الحقيقة أردت أن أسألك عن شيء.”
جلست بجانبه بحذر. وارتجّ طرف أذن جورج حُمرةً.
“سمعت أنّك قريبٌ من الدوقة، وأردت أن أستأذن منك بسؤالٍّ شخصي… هل تسمح؟”
“بالطبع! أنا قريبٌ منها جدًّا. قولي ما تشائين!”
ابتسمت سارا بخجل وهمست:
“الأمر أنّ والدتي ترغب في دعوتها إلى أحد اللقاءات…”
“آه، ذلك الموضوع…”
ارتبك جورج، وتحرّكت عيناه في حرج.
ففهمت سارا على الفور أنّها أثقلت عليه.
“عذرًا، يبدو أنّني حمّلتكَ أمرًا صعبًا…”
“لا، ليس ذلك. أممم…”
تدخّل إيزرا فجأة.
“جلالتُها ترفض كل الدعوات هذه الأيام، فأخبري والدتك أنّها ليست وحدها.”
اعترض جورج صارخًا:
“يا رجل! على الأقل تكلّم مع السيدة بأدب!”
لكن إيزرا لم يتراجع.
ارتبكت سارا واحمرّت وجنتاها.
“أه، إذن هكذا…”
“آنسة سارا، لا تصغي لهذا المتعجرف. لكن، في الواقع كلامه صحيح. فقد رفضت دعوتنا نحن أيضًا.”
توسّط جورج ليصلح الموقف. ففتحت سارا عينيها دهشة.
“حقًّا؟”
“نعم… في الواقع…”
حين شاع الخبر أنّ الفتاة التي اعتادت الأرستقراطيات ذكرها بسخريةٍ أمام أولادهنّ، صارت الدوقة بيرك، كان أوّل ما فعله الجميع: إرسال دعوات شاي.
أمّ جورج، الكونتيسة رينار، كانت أسرعهنّ.
“كانت أسرع مرّةٍ رأيت فيها والدتي بهذا النشاط.”
سخر إيزرا.
“وتسمّي ذلك نشاطًا؟!”
لكن جورج تجاهله وأكمل.
لقد بالغت الكونتيسة في رسالة الدعوة، حتى كتبت خمسين سطرًا تصف “الصداقة العميقة” بين كلوي وابنها جورج.
‘ابني الغبي له فائدةٌ أخيرًا!’
هكذا تمتمت الكونتيسة، ولم يدرِ جورج هل كان ذلك مدحًا أم شتيمة.
وبالطبع، لم تكُن عائلة رينار وحدها التي أرادت تقوية صلتها بدوقة بيرك.
بل أرسلت عائلاتٌ كثيرة دعواتٍ مشابهة. لكن جميعها رُفضت.
“جورج! أكنت تكذب حين قلت إنك صديقها؟!”
صرخت والدته متشككة، فراح جورج يقسم أنّه شرب مع كلوي من الخمر ما يملأ عشرة براميل، قبل أن يتلقى ضربةً على ظهره.
في النهاية، كان الردّ الرسمي الموحّد من قصر الدوق بسيطًا:
‘لم نقدّم بعد تحيةً رسمية لجلالة الملك، فكيف أذهب لحفلات الشاي في بيوت الآخرين؟’
وإن كان كلامًا منطقيًّا، إلا أنّه بدا غريبًا من شخصٍ تحدّى إرادة الملك وتزوّج رغم رفضه.
عاد جورج من ذكرياته وقال:
“لهذا السبب كلّفتني والدتي بمهمّةٍ خاصة.”
“مهمّةٌ خاصة؟”
“نعم، بما أنّ جلالتها ستباشر عملها اليوم، أُمرت أن أحدّد معها موعدًا.”
“آه…”
ابتسم جورج ابتسامةً ودودة، فابتسمت سارا بخجل بدورها.
“وأنا أيضًا جئتُ لهذا السبب…”
“لكن يا للأسف، جلالتها استُدعيت مباشرةً إلى القائد الأعلى فيكتور. لكن… من أنا؟ أنا جورج دو رينار، أقرب أصدقائها!”
“تبًا.”
تمتم إيزرا، فيما راح جورج يضرب صدره فخورًا.
“لو حالفني الحظ ورتّبت موعدًا معها، فسأنقل أيضًا رغبة آنسة سارا. بل… ما رأيك؟ لِمَ لا تنضمّين إلينا في جلسة شاي في بيتنا مع والدتك؟”
“آه، ذلك… ليس مناسبًا…”
“واضحٌ جدًّا ما في بالك، أيها الأحمق.”
فقد كان هدف جورج من اقتراحه أن يعرّف سارا على والدته ويكسب رضاها.
“قائد السرية الثانية! أيجرؤ المرء أن يشوّه نواياي النقيّة بهذا الشكل؟!”
صرخ جورج بصوتٍ مسرحي، بينما وجدت سارا نفسها في موقفٍ حرج لا تُحسد عليه.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
أنستا: fofolata1 ✿
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 56"