في تلك الأثناء، لم يكن الحرس الملكي هادئًا في أوّل يوم عمل بعد زواج العميد بيرك ومساعدته.
فمع أنّ حدّة الحديث حول الموضوع خفّت قليلًا، إلا أنّ زواج أصحاب المقامات العليا عادةً ما يكون حديثًا متداولًا في كلّ مكان.
وبما أنّ الحرس الملكي يُعَدّ نسخةً مصغّرةً عن المجتمع الأرستقراطي، فقد كان من الطبيعي أن تستمرّ الأحاديث حول زواج العميد بيرك.
خصوصًا فيما يتعلّق بمساعدته السابقة المنتمية إلى البحريّة، أمبرويز، التي أصبحت الآن زوجته.
وكانت هناك آراء ثلاثة رئيسيّة تُتداول بشأن ذلك.
“أقول لكم، هذه متلازمة الضحيّة. من الواضح أنّ كلوي فقدت عقلها بسبب العمل الليلي المتواصل. وإلّا فكيف تقبل بالزواج من العميد؟”
“لا، أنا أرى أنّها كانت مُكرهةً أو مُهدّدة. بصراحة، حتى لو كانت جميلة، يبقى من غير المريح أن يتدخّل جلالة الملك شخصيًّا في تزويجها.”
“يكفي هذا. ألا ترون أنّ أمبرويز المسكينة ضحيّة؟ كيف تعيش في نفس المنزل مع العميد؟”
الفئة الأولى: هم الذين يتحدّثون عن احتمال تعرّض كلوي أمبرويز للتهديد، لكنّهم في الوقت نفسه يشفقون على مصيرها.
“ولماذا؟ أليس وجه العميد كافيًا ليُسكت الجميع؟”
“صحيح. سمعت أنّها من البحريّة؟ هل رأيتم هؤلاء الحمقى الذين لا يحسبون الأمور؟ من المؤكّد أنّها انجذبت إليه كالفراشة أمام النار، لمجرّد وجهه.”
“يا رجل، يظنّون أنّ الحبّ شيءٌ عظيم، وهو لا شيء. مجرد أن تتلاقى النظرات وتتلاقى الأجساد…”
الفئة الثانية: هم الذين يعتقدون أنّ كلوي وقعت بصدق في حبّ كيرتيس، ذي الوسامة المُعترف بها من الجميع، لكنّهم بذلك يَفترضون أنّ عقلها لا يتجاوز عقل يرقة.
أمّا الفئة الأخيرة:
“يا لها من طموحة، تعمل ساعاتٍ إضافيّة فقط لتصطاد الرجال! والآن أصبحت دوقة! محظوظة.”
“سمعت أنّ وضع عائلتها سيّئٌ جدًّا. لا بدّ أنّها اختارت الزواج طمعًا في شروطه. ربّما أغرته بجسدها.”
“ما أدهى حيلها! ألم تدّعِ من قبل أنّها صديقةٌ قريبة لذلك القائد؟ أيّ وجهٍ سميكٍ هذا! كيف تتنقّل هكذا من رجلٍ إلى آخر؟”
هؤلاء كانوا يعتقدون أنّ كلوي أمبرويز تعمّدت السعي وراء زواجٍ ارتقائيّ، وكانوا يسخرون منها.
وكالعادة، فإنّ أصحاب هذا الرأي الأخير كانوا الأعلى صوتًا. حتى في مطعم الحرس الملكي لم يكن الأمر استثناءً.
“هيه، ماثيو، اللعين! اخرس قليلًا.”
كان أحدهم قد نكز رفيقه الذي كان يتحدّث عن صديقات القادة.
“لماذا؟”
“فقط اخرس.”
لكن الأوان كان قد فات.
فقد كان الملازم إيزرا دوبوا، الذي أنهى لتوّه نوبة حراسته ودخل المطعم ليتناول غداءه، واقفًا أمامهم ممسكًا بصينيّته.
“هل هذا الكلام موجَّهٌ إليّ، أيّها الرقيب ماثيو من الفصيلة الثالثة؟”
“ولائي! أعذرني! أبدًا لم أقصد ذلك!”
كان الملازم دوبوا مشهورًا عادةً بلطفه وطيبة قلبه، لكنّه اليوم بدا بوجهٍ صارم لا يجرؤ أحدٌ على الاقتراب منه.
تجمّد الرقيب ماثيو الذي كان يثرثر ساخرًا عن كلوي أمبرويز وزواجها، دون أن يشعر.
“إذن، لمن كنتَ تقول ذلك الكلام؟”
“كنّا نمزح فيما بيننا فقط، سيدي!”
“آه.”
ضيّق إيزرا عينيه ونظر إليهم بحدّة.
“سأحرص على إبلاغ قائدكم بأنّ مستوى مزاحكم قد تجاوز الحدود.”
“آ… آسفون جدًّا!”
بدأ العرق البارد يتصبّب من جباههم وهم في ارتباكٍ شديد.
فما كان من إيزرا إلا أن زفر تنهيدة، ثمّ استدار ليمضي.
هل انتهى الأمر؟ تساءل الرجلان بعيونهما المرتبكة.
لكن فجأة توقّف إيزرا، ثمّ استدار نحوهم من جديد وقال:
“وإذا تجرّأتم مرّةً أخرى على تحريك أفواهكم بهذه الطريقة، فستصبح حياتكم في الحرس جحيمًا.”
“ن… نعم!”
اصطفّ الرجلان وقاما بالتحيّة العسكريّة دون وعي.
أما إيزرا فقد ألقى صينيّته الفارغة على الأرض بقوّة. فارتطمَت مُحدِثةً ضجّةً مدوّية.
“التقطاها.”
أسرعا والتقطا الصينيّة المرتجفة، بينما اتجه إيزرا بخطواتٍ ثابتة نحو طاولة الضبّاط.
هناك، كان القائد جورج يراقبه بابتسامةٍ ساخرة.
“أحمق.”
“اخرس، قبل أن أقتلع شواربك. كلّ هذا بسببك.”
ارتفع حاجبا جورج في لامبالاة ساخرة.
فمع أنّه قد يكون محقًّا، إلا أنّ الحقيقة أنّ إيزرا دوبوا نفسه هو من حوّل مزاح جورج، حين قال له أن يعرّف أمّه إلى كلوي على أنّها ‘الفتاة التي يُحبّها’، إلى أمرٍ جدّي بالفعل.
وإيزرا يعرف ذلك جيّدًا، ولذا غرق في شعورٍ بالندم.
“ومَن كان ليتوقّع أنّ كلوي ستتزوّج العميد؟ لو كنت أعلم، لما قلت شيئًا.”
“كُل طعامكَ فقط.”
“نعم، نعم.”
ابتسم جورج بخفّة وأمسك الملعقة. ثمّ نظر إلى صينيّته وأطلق تنهيدةً متأخّرة، وكأنّه تذكّر شيئًا الآن فقط.
“إنها يخنة الدجاج مع النبيذ واليقطين.”
“وماذا في ذلك؟”
“إنّه الطبق المفضّل عند كلوي، أيّها الأحمق.”
ارتعشت حاجبا إيزرا، الجالس متشابك الذراعين أمام الطاولة.
كان مطعم الحرس الملكي مشهورًا بتقديم طعامٍ جيّد.
صحيح أنّه لا يضاهي ما يتناوله النبلاء في قصورهم، لكن بما أنّه يُعدّ على يد متدرّبي المطبخ الملكي، فقد كان مستوى الجودة مضمونًا.
ولذلك، كان من الطبيعي أن تحضر كلوي دائمًا إلى المطعم، مقارنةً بما كانت تجده في البحريّة.
ومن بين الأطباق، كان يخنة الدجاج بالنبيذ واليقطين هو الأحبّ إلى قلبها.
‘يا سلام! يخنة الدجاج بالنبيذ واليقطين!’
كانت كلوي تكتب قائمة الطعام الأسبوعي المعلّقة كل يوم إثنين، وتضع أمام طبقها المفضّل علامة قلبٍ بالحبر الأحمر.
“ألم تسمع شيئًا؟” سأل جورج وهو يلتفت إلى إيزرا.
“أسمع ماذا؟”
“لقد كنتَ مرافقًا لها يومًا واحدًا على الأقل. لا بدّ أنّك عرفت شيئًا.”
“لا شيء.”
“آه! منذ متى صار إيزرا دوبوا كتومًا هكذا!”
نفخ جورج الهواء من أنفه، فاهتزّت شواربه الكثيفة، لكن إزرا لم يرد.
كان الملازم نويل قد ألغى منذ يومين خطّة تناوب الضبّاط على مرافقة العميد فيرك، بعدما قال إنّ ذلك غير ضروري.
فتولّى نويل وبعض الضبّاط الآخرين مهمّة الحراسة بشكل دائم.
“لكن لماذا لا أحد يتحدّث عن حراسة كلوي؟”
لم يكن هناك أيُّ تصريحٍ رسمي بشأن مرافقة الدوقة الجديدة.
وهو ما أثار فضول جورج.
فالآن لم تعد أمبرويز، بل أصبحت كلوي لو دافيد بيرك.
كزوجةٍ لعضوٍ من العائلة الملكيّة، لا بدّ أن ترافقها حراسةٌ خاصّة.
عادةً في مثل هذه الحالات، يُنشأ فريق حراسةٍ نسائيّة خاصٌّ بها.
فاللواء الخامس في الحرس قد أُنشئ أصلًا لأجل حماية الأميرة بياتريس، التي تزوّجت وليّ العهد فريدريك العام الماضي.
وللتوضيح، الفصيلة الأولى مسؤولة عن حراسة القصر وتنظيم الفعاليات الداخليّة، والثانية مسؤولة عن البوابات، أمّا الثالثة فهي لحماية مكاتب الملك وغيرها من المواقع الحيويّة. وهناك فِرَق أخرى متعدّدة.
لكن إيزرا، رغم أنّه كان يتساءل في نفسه عن الأمر، رفض أن يُفصح عن شكوكه أمام جورج.
“وكيف لي أن أعرف؟”
“اللعنة عليك. إذا لم يعرف قائد الفصيلة الثانية، فمن يعرف إذن؟”
“على أيّ حال، القائد فيكتور هو من استدعاها، وسيُقرّر الأمر.”
والسبب الحقيقي وراء عودة الموضوع للواجهة اليوم هو أنّ كلوي، بعد مرور عشرة أيّام على الزواج، قد عادت إلى العمل.
فقد مرّ نحو ثلاثة أسابيع منذ إعلان الزواج رسميًّا.
وطبعًا، كانت عودتها برفقة زوجها ورئيسها، كيرتيس شان بيرك.
“يا لها من محظوظة. كنتُ اليوم في حراسة البوابة الرئيسيّة. رأيتُ كلوي تدخل بالسيّارة مع العميد.”
“وماذا في ذلك؟”
“هل اعترضتُ طريقك؟ قلتُ فقط إنّها محظوظة. تلك السيّارة من طراز ‘بو بلو باليه’، اشتراها العميد هذا العام. حتى لو بعتَ نفسك، ما كنتَ تسطيع شراءها.”
كان جورج شغوفًا بالسيّارات، فأخذ يتحدّث عنها بحماسة، ما دفع إيزرا في النهاية إلى الانفجار من الضيق.
“كُل طعامكَ، واصمت!”
“لماذا كلّ هذا الغضب؟”
“لأنّك تثرثرٌ بأمور لا تهمّني! ثمّ اخفض صوتك!”
التفت جورج متأخّرًا إلى مَن حوله، ليدرك أنّ العديد من الآذان كانت منصتةً لحديثه.
ارتبك المستمعون وادّعوا بسرعة أنّهم لم يسمعوا شيئًا.
حينها فقط، أدرك جورج أنّه أصبح واحدًا من أولئك الحمقى الذين يثرثرون بلا مراعاة في المطعم.
“وماذا في الأمر؟ هل قلتُ شيئًا سيّئًا عن كلوي؟ فقط أعجبني أنّها لم تعد مضطرّة للمشي يوميًّا من بيتها البعيد إلى القصر، وصارت تأتي بالسيّارة.”
“قلتُ لك اصمت.”
تذمّر جورج وهو يحكّ صينيّته.
“أنا أتفهّمك. أن ترى صديقًا لك كان يشتم العميد بالأمس، وفجأة صار على علاقةٍ معه… لا بدّ أنّ الأمر يربكك.”
“…..”
“وفوق ذلك، أصبحت الآن من العائلة الملكيّة.”
لم يكن جورج يظنّ أنّ إيزرا استمتع بمهمّة مرافقة كلوي.
فهو أيضًا كان صديقًا مقرّبًا منها.
والتغيّر المفاجئ من علاقةٍ مليئة بالشتائم المتبادلة إلى كونها دوقةً، لا بدّ أنّه جعله في حيرةٍ من أمره.
وظنّ جورج أنّ حدسه في محلّه، وإن كان يختلف قليلًا عن الحقيقة.
في البداية، حين سمع بخبر زواجهما، ظنّه مجرّد دعابة.
وحتى بعد أن أقيم حفل الزفاف، لم يأخذ الأمر على محمل الجدّ، وكأنّه غير واقعي.
بل فكّر في إخبار والدته ثمّ قال لنفسه: ‘لا بأس. إذا وجدتُ لاحقًا فتاةً أحبّها حقًّا، فلن تعترض أمّي بسبب ما حدث الآن.’
لكنّ أفكار إيزرا بدأت تتغيّر منذ وقوفه في حفل الزفاف نفسه.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
أنستا: fofolata1 ✿
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 55"