“أشعر بالأسف تجاه السيدة باسيلور. ولكن، يا سيدة باسيلور، أليس هذا رديء الجودة أكثر مِن اللازم؟”
أطلقت أغات ضحكةً ساخرة وهي ترفع مجموعة كاميو التي كانت كلوي وأخواتها يتفقدنها قبل قليل. طنطرق، انبعث صوت اصطدام الزينة المعدنية ببعضها. عندها، احمرّ وجه السيّدة باسيلور المتجعد، التي لم تستطع التدخل في حديث أصحاب المقام الرفيع وظلّت في حيرةٍ من أمرها.
“تلك ليست من البضائع التي نبيعها…”
“إذن فقد انتهت سمعة باسيلور. تعرضين في السوق سلعًا من الدرجة المتدنية لا تُباع أصلاً؟”
ارتجفت حواجب باسيلور قليلاً عند كلمات أغات. الحقيقة أنّ كل ما كان يملأ الطابق الثاني من متجر باسيلور الآن لم يكن سوى أرقى الجواهر. منذ أن ورثت المتجر عن والدها، المالك الخامس، قبل خمسة عشر عامًا، ورغم أنّها لم ترث مهارة والدها البارع في الصياغة، إلّا أنّها امتلكت بصيرةً نافذة.
ما إن ورثت المتجر حتى غيّرت مساره بالكامل. الزينة أصبحت فاخرة، والجواهر باتت أكبر حجمًا وأغلى سعرًا. حتى وإن بدت مجموعة والدها الموضوعة بين هذه النفائس متواضعة، فإن وصف هذا المشهد كلّه بالسوق لم يكن إلا افتراءً سخيفًا.
‘اللعنة. كان عليّ أن أذيبها وأبيعها منذ زمن….’
كانت السيدة باسيلور تدرك جيّدًا أنّ أغات مونفيس كانت تفعل هذا فقط لإثارة الجدل أمام الدوقة الكبرى. وبالتأكيد ستقدّم اعتذارًا بعد أن تمرّ هذه اللحظة.
لكن الاعتذار مسألةٌ أخرى. خفضت رأسها وهي تكبح الغيظ الذي صعد إلى وجهها.
لقد ترك والدها هذه المصوغات في البداية من أجل بناته، ثم صارت محبوبةً من قِبل بعض الآخرين أيضًا. لكن بالنسبة للسيدة باسيلور وكاميو وقد بلغتا منتصف العمر، لم تعُد تناسبهما.
-‘أختي، سأشتريها كلّها.’
التي عرضت شراءها كاملةً وهي تفكر في التخلّص منها، كانت كاميو.
رغم أنّ كاميو دخلت سنّ منتصف العمر، إلّا أنّها ما زالت ترتدي مجموعة والدها. كان ذلك مصدر فخرٍ لها مِن جهة، ومن جهةٍ أخرى بدا شيئًا ساذجًا. لطالما نصحتها السيدة باسيلور أن تذيب الذهب وتبيع الأحجار الكريمة، لكنها لم تستمع.
والآن حدثت هذه الفوضى.
“أعتذر يا آنسة مونفيس…”
فتحت السيدة باسيلور فمها بحذر. حاولت أن تكبح صوتها قدر الإمكان حتى لا يظهر أثر الكرامة المجروحة. فمهما يكن، تلك الفتاة الوقحة كانت إحدى زبونات المتجر. لكن أغات لم تكترث لكلامها وفتحت فمها من جديد.
“ثم، لنرَ. هل أنتِ حقًا الشخص الأهم هنا؟”
أمالت كلوي رأسها مستغربةً. بينما مرّت أغات بخطوات خفيفة متعجرفة رافعة طرف ثوبها متجاوزةً كلوي بابتسامةٍ واثقة. استدارت كلوي بشكل طبيعي باتجاه أغات، ثم توقفت فجأة.
“خالتي ماري! انظري إلى هذا. هل تعلمين ما الذي واجهته أغات الآن؟”
هناك، كانت تقف امرأةٌ في منتصف العمر تنظر إليهم بوجهٍ مذهول. خالتي ماري؟ هل هي خالة أغات مونفيس؟
حينها فقط أدركت كلوي السبب الذي جعل أغات تجرؤ منذ البداية على التصرّف بوقاحة.
‘رغم وجود الدوقة الكبرى، فقد تصرّفت بهذا البرود لأنّ هناك كبيرًا من أهلها يساندها.’
لكنها شعرت بالارتباك، فهي لم تسمع قط باسم ماري مونفيس.
كانت كلوي ضابطةً بارعة. أيّ أنّها قبل زواجها من كيرتيس، تمكّنت خلال أسبوع واحد من حفظ أسماء جميع نبلاء إيفانس الكبار. طبعًا بفضل إصرار كيرتيس عليها. حتى صارت قادرةً على استظهار شجرة العائلة الملكية أثناء نومها.
وبين أسماء عائلة مونفيس لم يكن هناك أيُّ اسمٍ مشابه لماري.
“أغات.”
وبينما كانت كلوي تفكر، تكلمت المرأة بوجه خالٍ من التعبيرات.
“أخبرتُكِ ألا تدعيني بخالة أمام الآخرين.”
“لكن أمام والدتي فإن…”
“اسمي مارييت. والوحيدة التي سمحت لها أن تناديني به كانت أمكِ، صديقتي.”
توقفت أغات مرتبكةً أمام هذه الكلمات الصارمة. وفي الوقت نفسه، أدركت كلوي على الفور من تكون هذه المرأة.
مارييت دو فلاندر. اسم ماركيزة فلاندر.
كانت تُعرف سابقًا بالأميرة مارييت، لكنها ورثت منصب المركيزة دون زواج، ومنذ ذلك الحين لم تسمح لأحدٍ بمناداتها باسمها.
إنها الأخت غير الشقيقة لكيرتيس، وأرفع نساء البلاط الملكي في إيفانيس بعد أن خلت العرش من الملكة.
وبهذا فأنا….
‘لقد ورّطتُ نفسي.’
تنهدت كلوي في سرّها، ثم انحنت بخفّةٍ كما تعلمت.
“تشرفتُ بلقائكِ يا ماركيزة فلاندر. أنا كلوي لو ديفيد بيرك.”
“آه.”
نظرت الماركيزة بعينيها المتألقتين نحوها. ربما تعجبت لأنّها خمّنت هويتها من اسم مارييت فقط. لكن سرعان ما بان أنّ الأمر لم يكن كذلك.
“أنتِ إذن الدوقة الكبرى التي تزوجت شقيقي البارحة. قيل إنّكِ قضيت وقتًا طويلاً في الجيش، ويبدو أنّكِ تجهلين آداب النبيلات.”
بدا أنّ وضعية كلوي لم تعجبها. سُمِع ضحكٌ مكتوم من أغات، وكأنها قصدت أن تسمعها.
‘في البحرية ليست الأمور كالحرّاس الملكيين!’
كادت كلوي أن تصرخ بذلك، لكنها كتمت الأمر وابتسمت بصعوبة. فمن هي في عيني أميرةٍ ولدت في البلاط؟
ومن الواضح أنّ الماركيزة لا تحبّها. إذ كانت شقيقة الملك، وصديقة طفولة للسيدة مونفيس. بلا شك، اعتمدت أغات على ماركيزة فلاندر كي تبالغ في وقاحتها منذ البداية.
‘كان عليّ أن أستوعب الأمر منذ قالت “لنرَ من هو الأهم”.’
ففي المجتمع الأرستقراطي، تحدّد المكانة كلّ شيء. ووراء جرأة فتاةٍ لم تبلغ العشرين مثل أغات، لم يكن إلا سبب كهذا.
صرحت أغات بجرأةٍ وقد ازداد غرورها:
“ما عساها تفعل وهي من أصلٍّ وضيع؟ كيف يمكن لتلك اللطخة أن تكون إلى جانب السيد كيرتيس المثالي؟”
سيطرت كلوي على غضبها. عندما كان كيرتيس نفسه يتحدث عن بيتها المتواضع، لم يكن وقع ذلك مؤلمًا هكذا. لعل السبب أنّ القائلة كانت شخصًا آخر.
ومهما يكن، كان عليها أن تنحني بوجود الكبير.
‘تصرفي بصفتكِ دوقةً كبرى.’
حتى لو لم يكن ذلك طلب كيرتيس شان بيرك نفسه، فهي اليوم أصبحت الدوقة الكبرى. أعادت ما فكرت فيه قبل قليل:
‘إنها وظيفة. إنها وظيفة….’
وظيفةٌ قيمتها عشرة ملايين سينغ في السنة. وما إن تذكرت ذلك حتى شعرت بخفةٍ في قلبها.
“أعتذر. سأجتهد أكثر.”
قالت كلوي وهي ترفع رأسها. عندها فقط، لاحظت شيئًا.
‘هاه؟’
رأت أنّ السيدة باسيلور بجوارها تتصرّف على نحوٍ مريب، متوترةٌ بشكلٍ مبالغٍ فيه.
في مثل هذا الموقف، حين يظهر كبير من العائلة الملكية، من الطبيعي أن يهرع التاجر إلى تقديم التحية وتوضيح الوضع.
لكن السيدة باسيلور راحت تقبض كفّيها وتفكهما مرارًا، وكأنها مذنبة.
قد يكون ذلك قلقًا لأنها حاولت أن تمنع أغات وتقف في وجهها. لكن بإمكانها دائمًا الادعاء أنّها لم تكن تعلم. ثم إنّ الماركيزة وأغات لم تأتيا بموعدٍ مسبق.
ومع ذلك كان ارتباكها زائدًا عن الحد.
“تجرأتِ على تهديد أغات بعدما أُعجبتِ بتلك التفاهة المعروضة؟!”
“هددتها؟”
“نعم!”
لم تكترث أغات، بل راحت تبالغ وتشتكي إلى الماركيزة بما جرى قبل قليل. تهديد؟ يا للسخف. كلوي لم تفعل سوى أن أسندت ذراعها إلى الحائط.
صحيح….
‘كنت أعلم أنّها بدت مهدِّدةً بعض الشيء حينها….’
كانت تعرف أنّ فارق الحجم بينها وبين أغات الصغيرة قد يُشعرها بالخوف، فلم تجد ما تقوله.
لكنها أيضًا لم تستطع ترك مبالغات أغات تمرّ. نهضت بسرعةٍ وقالت معترضة:
“أعتذر عن مقاطعة حديثكم يا ماركيزة، لكن لم تكن لدي أي نيّةٍ في تهديد الآنسة أغات مونفيس.”
“لا تكذبي! لقد ضربتِ بيدكِ هكذا على الحائط وخفضتِ صوتك!”
صرخت أغات وهي تشد قبضتيها.
رفعت الماركيزة يدها لتسكت الاثنتين، ثم قالت:
“أغات.”
“نعم، خالتي!”
“إن كان كلامكِ صحيحًت، فأنا أيضًا شخصٌ رديء.”
اتسعت عينا أغات، وكذلك عينا كلوي.
“ماذا؟ خالتي، ماذا تقصدين….”
نقرت الماركيزة بلسانها وأشارت بيدها.
“كان يجدر بكاميو أو السيدة باسيلور أن يشرحا لكِ ذلك.”
حينها فقط انتبه الجميع لوجود كاميو التي كانت تقف خلف الماركيزة طيلة الوقت. لا، بل انتبهت كلوي أنّ من كان خلف الماركيزة لم تكن كاميو وحدها.
انحنت كاميو.
“أعتذر يا ماركيزة.”
“لا عليكِ. لم يكن لديكِ وقت. حتى أنا اضطررتُ للحاق بتلك الطفلة مسرعةً من الطابق السفلي.”
توجهت الماركيزة بنبرةٍ باردة نحو أغات التي ما زالت مذهولة.
“تلك أشياء أهداها لي الملك الراحل في صغري.”
شحب وجه أغات. لكن المصيبة لم تنتهِ هنا.
“وأردتُ فقط أن أهدي دوقتي الكبرى شيئًا من متجرٍ اشترت منه شقيقتي من قبل.”
وبينما كانت الماركيزة تتحدث، ظهر كيرتيس.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
أنستا: fofolata1 ✿
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 49"