في الأساس، لم يكُن ثمّة سببٌ خاص وراء ظهور كيرتيس في محلّ المجوهرات في ظهيرة مشمسة.
منذ الصباح، عندما ظهر في مبنى الحرس الملكي، حدّق به الحُرّاس كما لو كانوا قد رأوا شبحًا. كانوا قد سمعوا إشاعة أنّه سيأتي إلى العمل منذ اليوم الأوّل بعد الزفاف، لكن أن يفعلها حقًّا؟
حتى نويل، الذي كان منشغلًا بترتيب الأعمال المتراكمة بعدما أوكل حماية كيرتيس إلى إيزرا، لم يملك إلّا أن يزفر وهو يراه يظهر بدقّةٍ في موعد الدوام المعتاد.
-‘كيرتيس. صحيح أنّي سمعتُ أنّك ستأتي، لكن رؤيتكَ بعيني تجعله يبدو غير منطقي.’
-‘ماذا؟’
-‘مهما كنتَ مدمن عمل، ألن يكون من الأفضل أن تأخذ راحةً على الأقل اليوم؟’
لو كان في وقتٍ آخر، لكان كيرتيس قد سخر من هذا الكلام. هل هناك أحدٌ لا يعرف أنّي قررتُ القدوم للعمل؟ وما إلى ذلك.
لكن كيرتيس شان بيرك لم يكُن مدمن عمل. هو فقط لم يستطع أن يقف مكتوف اليدين ويرى الحرس الملكي في تلك الفوضى. لو كان الوضع حربًا، لتمّ اجتياحهم خلال لحظات. ترك الضبّاط والشباب المتهوّرين في تلك الحالة كان تهاونًا بحدّ ذاته.
اليوم، ما إن دخل العمل، كان ينوي أولًا أن يستدعي الفصيل الأوّل والثاني ليعيد تدريبهم في الساحة. فما زال يذكر تمامًا كم ارتكبوا أخطاء كثيرة أثناء المراسم العسكرية في يوم زفافه.
لولا كلمات نويل، لكان نفّذ ذلك بالفعل.
-‘على الأقل يبدو أنّك ما زلتَ تملك ذرّة ضمير. تركتَ زوجتك وحدها وجئت. لا… بل ربّما عليّ القول إنك بلا ضمير.’
-‘ماذا تعني.’
-‘في اليوم الأوّل من حياتك الزوجية، تترك زوجتك وحيدة؟’
كلمات نويل التي ختمها بابتسامةٍ كانت واضحةً أنّها مجرّد مزاح. فهو يعرف أنّ زواج الاثنين ليس إلّا عقدًا مزيّفًا تقتضيه الحاجة. ومع ذلك، شعر كيرتيس بشيءٍ غريب من الطرافة في كلامه.
-‘أهكذا؟ هل يبدو غريبًا في نظر الآخرين؟’
-‘وهل تهمّك نظرات الناس أصلًا؟ على أيّ حال… في العادة يبدأون بشهر عسل، لكن حتى هذا لم يحصل.’
-‘حسنًا. سأعود إلى جانب زوجتي.’
-‘ماذا؟’
-‘وأنت أيضًا.’
وبينما كان نويل مذهولًا، جرّه كيرتيس من مؤخرة عنقه، ليصلا إلى شارع بابيتين قبل قليل.
عندما رأى الحشود من الصحفيين تحت لافتة “باسيلور” التي تحمل شارةً ذهبية “المورّد الملكي”، شعر بشيء من الرضا. فالذي دعا الصحافة وأثار الضجّة لم يكن سوى هو.
وعندما نزل من سيّارة المراسم الخاصة بالحرس الملكي، كان مستعدًّا ليصرّح للصحفيين بأنّه “أراد أن يقدّم هديةً لزوجته”.
لكن السؤال الذي رماه الصحفيون كان مفاجئًا:
“صاحب السمو الدوق! هل أوّل لقاء اجتماعي لدوقة بيرك مع الماركيزة فلاندر والآنسة مونفيس يجري في محل مجوهرات؟”
“وبالأخص إن كانت الآنسة مونفيس… هل يعني أنّك تهيّئ الطريق أمام الدوقة منذ البداية؟”
الماركيزة فلاندر؟ والآنسة مونفيس أيضًا؟
ألقى كيرتيس نظرةً سريعة على نويل خلفه، لكن حتى نويل بدا مذهولًا. ومع ذلك، لم يكونا من الغباء بحيث يردّان هناك: “ما الذي تقولونه؟”
فاكتفى كيرتيس بالقول: “اليوم اجتماعٌ عائلي. ولا أرى سببًا يجعلني أجيب عن كل سؤال.” ثم أشار برأسه إلى نويل مونفيس، ودخل مباشرةً متجر المجوهرات. في داخله كان يردّد أنّه أحسن صنعًا حين جلب نويل معه بلا قصد.
وبالفعل، عندما تعرّف الصحفيون إلى ابن عائلة مونفيس، تراجعوا. صحيح أنّ بعضهم تمتم: “أليس هذا تمويهًا؟”، لكن جميعهم دُعوا من قبل كيرتيس نفسه. فلن يجرؤ أحدٌ على نشر تخميناتٍ سخيفة تزعجه.
وهناك، التقى فعلًا بالماركيزة دي فلاندر. وفهم القصة سريعًا.
“إذًا زوجتي في الأعلى؟ مع الآنسة مونفيس؟”
“… أعتذر.” قالت الماركيزة بوجهٍ محرج. يا لها من مصادفة.
شعر كيرتيس برغبةٍ في الضحك عاليًا، لكنه كبح نفسه. واختار بدلًا من ذلك أن يُنصت إلى الأصوات العالية القادمة من فوق منذ قليل. كان يتخيّل الوضع. يعرف جيّدًا طبع أغات مونفيس. لا شك أنّها تصبّ غضبها على زوجته.
“دعني أصعد الآن وأ…”
“هس!”
رفع كيرتيس إصبعه ليوقف أخته غير الشقيقة، التي همّت بالصعود. ثم تقدّم على الدرج أوّلًا. تبعته كاميو ونويل وبعض الموظفين، لكنّه أشار إليهم برأسه أن ينتظروا.
وبفضل ذلك، سمعوا كل شيء من وراء الستار على الدرج المؤدي إلى الطابق الثاني.
سمعوا بوضوح الاتهام الصادم والعبثي أنّ كلوي اتّخذت قائد الفصيل الثاني، إيزرا دوبوا، عشيقًا لها، والإنكار المستميت من دوبوا.
“يبدو أنّ الملازم دوبوا قلبه واسع! تخذلُه امرأةٌ بعد شهرين فقط من العلاقة، ثم يقف إلى جانبها!”
عندها، رمق كيرتيس نويل من وراء الستار. نويل ألقى نظرة بائسة نحو أغات، ولما التقت عيناه بعيني كيرتيس، أطلق تنهيدةً وأجاب بصوتٍ خافت:
“إنها قصةٌ شائعة في الحرس الملكي.”
“هل كانا حقًّا يتواعدان؟”
حتى الماركيزة فلاندر، التي كانت مذهولةً، لم تملك إلّا أن توجّه السؤال بجدّية إلى نويل.
نويل لوّح بيده بابتسامة مريرة.
“مستحيل. كانت مزحةً على مائدة شراب. الملازم دوبوا اقترحها وقائد الفصيل الأوّل شجّعه.”
“وكيف عرفت؟”
“كنتُ حاضرًا.”
ابتسم كيرتيس ابتسامةً مائلة. نظر إليه نويل بريبة.
“ألعلّك…”
“تستحقّ خصمًا من راتبك يا نويل مونفيس. كيف تُخفي عني حكايةً طريفة كهذه.”
“ليتك منحتني فرصةً لروايتها قبل أن تحكم عليّ، أيّها السيّد الرئيس.”
لكن الجدال في الطابق الثاني بين كلوي وأغات استمرّ بلا توقّف.
صارت أغات الآن تتباكى على “المسكين كيرتيس، الذي عيّن عشيق زوجته حارسًا لها من شدّة براءته، وهو لا يعلم بخيانتها”.
ألقى كيرتيس نظرة على أخته. حتى الماركيزة فلاندر، التي كانت تعدّ أغات كابنةٍ لها، بدت متجهّمةً من هذا الكلام.
بالطبع، كان كيرتيس يعرف أنّ أغات تحمل أوهامًا غريبة عنه.
“بالتأكيد، لم يكن كيرتيس يعلم بخيانة السير أمبرويز!”
“أجل. وأنا نفسي لم أعلم أنّي خائن كما تزعمين، فكيف يعلم هو؟”
وبرغم ذلك، لم تتراجع زوجته العزيزة. بل لم يكن يمكن تسمية ما فعلته مجرّد “شجار”.
قال كيرتيس بخفوتٍ لنويل:
“شكرًا لأنكَ منعتني من الزواج بأختك.”
“إن كنتَ شاكرًا حقًّا، فلا تدعها تسمعك. فأنا لا أريد أن تُنهي حياتي على يديها بعد أن قضيتُها مرهقًا تحت أمرك.”
تدخّلت الماركيزة فلاندر قائلةً وهي تضغط جبهتها.
“إلى متى ستقفون هكذا؟ إن سمحتم، سأصعد لأوقفها…”
“لحظة، سيّدتي.”
أوقفها كيرتيس بذراعه. وفي تلك اللحظة، تقدّمت كلوي بخطواتٍ ثابتة وحاصرت أغات إلى الجدار.
فأغات، التي كانت قصيرة القامة بين الفتيات النبيلات، بدت ضئيلةً أمام طول كلوي.
قالت كلوي:
“آنسة مونفيس، هل تُفضّلين أن أعاملك كعريفةٍ تحت التدريب، أم كإبنة لكونت مونفيس؟”
علّق نويل همسًا:
“حقًّا، طيبة قلب الدوقة تُبكيني. ما زالت تعاملها كإنسان.”
وبينما كانت أغات محاصرةً، صرخت بوجه أحمر:
“مَن اعترف بكِ أصلًا كدوقة بيرك؟”
من بعيد، بدا مشهدها مثيرًا للشفقة. كعصفورٍ صغير.
“مؤسف.” تمتم كيرتيس مبتسمًا، لكن بلهجةٍ توحي أنّه لا يرى فيها أيّ شفقة.
قالت كلوي:
“مؤسفٌ فعلًا، لكن سواء اعترفتِ أم لا، فأنا الدوقة. هذه حقيقةٌ مقرّرة، سواء راق لكِ أم لا. وأنتِ لستِ لا من عائلة بيرك ولا من أمبرويز.”
كتم كيرتيس ضحكةً وهو يسمع ردّ زوجته.
“ممتعة.”
نظرت إليه الماركيزة ونويل وكاميو بنظراتٍ غريبة، لكنّه لم يهتم. فباستثناء نويل، لا أحد يعرف أنّ زواجهما مجرّد عقد، فلمَ يخفي ابتسامته؟
لكنّها تساءل قليلًا:
“هل بكيتِ؟”
كان صوت كلوي، وهي تسأل أغات، واضحًا بشكل مدهش.
رفع كيرتيس الستار قليلًا، فرأى المشهد.
أخوات عائلة أمبرويز، صاحبة المتجر وموظفوه، الملازم دوبوا المصدوم، أغات مونفيس المرتبكة الغاضبة، وزوجته كلوي أمبرويز… لا، كلوي لو ديفيد بيرك، التي ما زالت تعامل خصمها بلطف.
تمتم:
“أهي غبية… أم ذكية؟”
“ماذا؟”
“لا شيء.”
تراجع خطوة، بينما الماركيزة تحاول أن يرى من خلف الستار القصير. وحتى كاميو أخرجت رأسها لتنظر.
وسمعوا حوارًا آخر:
“بسبب الدوق؟”
“ما شأنكِ…”
ثم بدت أغات وكأنها أشاحت بوجهها. لوهلة، ظنّ كيرتيس أنّها نظرت باتجاههم. لكن سرعان ما أدرك أنّها كانت تنظر إلى الماركيزة التي كشفت الستار قليلًا.
ظنّت أغات أنّ نصيرًا ظهر لها، فاكتسبت جرأة كقطةٍ مسمومة.
صرخت نحو كلوي:
“لمَن تقولين إنكِ دوقة؟ كل ما تملكينه مجموعةٌ رخيصة!”
أمال كيرتيس رأسه قليلًا وهو يتأمّل المشهد المسرحي.
‘يمكنني أن أطرح أسئلتي لاحقًا. في النهاية، هي زوجتي، وللزوجين وقتهما الخاص.’
ما أحزنه فقط أنّه لم يتمكّن من متابعة المسرحية حتى النهاية، وكانت بطلته زوجته.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
أنستا: fofolata1 ✿
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 48"