لَمْ يكُنْ لديها حتّى عشيقٌ واحد إلى أنْ بلغتْ سنَّ الزَّواج، فكان الأمر طبيعيًّا. متجرُ مجوهرات؟ لم يَكُنْ لديها أيُّ سببٍ لتُرتاد مكانًا كهذا. وفوق ذلك، كانت تملكُ مخازنَ ممتلئةً عن آخرها بالغنائم الّتي جَمعتها من الحروب العديدة، فكان الأمر أكثرَ بداهةً.
بطلُ الحروب في إيفانس. والشّخصُ نفسُه الّذي قلبَ متجرَ المجوهرات رأسًا على عقب، وهو أيضًا أخوها غيرُ الشّقيق المُتباهِي: الدّوق الأكبر بيرك.
“إذًا، هل المقصود أنا، يا دوق؟”
والّذي سأله ذلك من خلفه كان النّقيب نويل مونفيس. الأخ الأكبر لآغات مونفيس، والملحق العسكريّ والمرافق الشّخصيّ لكيرتيس. يا لها من مصادفة، أنْ يظهرا معًا في مثل هذا الموقف! لقد كادت الماركيزة أنْ تضربَ جبينها من الحرج.
إنّه لقاءٌ مُخجلٌ ومُربكٌ بحقّ. صحيحٌ أنّهما إخوةٌ غير أشقّاء، لكنّ الماركيزة لم تجلس على انفراد مع الدّوق الأكبر بيرك منذ أنْ كان هو في الثّامنة عشرة من عمره. ولم تكُنْ علاقتهما وديّةً أصلًا، فأنْ يلتقيا في مثل هذا الظّرف المُحرج جعل الأمر لا يُطاق.
“سمعتُ أنّ زوجتَكَ استأجرت هذا المكان. كنتُ على وشك الرّحيل، لكن مرافقي…”
“لا زلتِ تصطحبين آغات مونفيس وكأنّها ابنةُ أختكِ. من العجيب حقًّا أنّ شخصًا بوزنكِ في المجتمع، أيّتها الماركيزة، يُبدي هذا القدر من المودّة تجاه تلك الفتاة.”
قاطعَ كيرتيس حديثَ الماركيزة. ولم يكُنْ معتادًا على التصرّف بوقاحةٍ معها. فالماركيزة تُعدُّ من كبار القوم، وأيّ إساءةٍ من بيرك الدّوق الأكبر قد تُعطي الملك ذريعةً لمعاقبته.
لكنّ الموقف الحاضر كان في الحقيقة خطأ الماركيزة. فمهما بلغتْ آغات مونفيس من تهوّر، فقد كان من واجبها بصفتها كبيرةً في المجتمع أنْ تضبطها.
وفوق ذلك، فإنّهم في هذه اللّحظة يتعدّون على المكان المستأجر من الدّوق الأكبر. وفي عُرف المجتمع، تقعُ المسؤوليّة كاملةً على عاتق الماركيزة دو فلاندر.
كانت تتمنّى لو تغمض عينيها هربًا من هذا الحرج، لكنّها كبحت نفسها واتّخذت قرارًا. آغات مونفيس. لقد دلّلتها بما فيه الكفاية، باعتبارها ابنة صديقتها القديم. لكن بعد اليوم، لن تتساهل معها أبدًا.
“إنّه لقاءٌ مُزعج، ويبعث على الحرج.”
لحُسن الحظ، تدخّلت كاميّو بحذر.
“مع ذلك، وعلى الصّعيد الشّخصي، أشعر بالسّعادة إذ أُتيحت لي فرصة لقائكم هكذا.”
ارتسمتْ على شفتي الماركيزة ابتسامةٌ باهتة. لقد كانت زبونةً في باسيلور منذ أنْ كانت أميرةً صغيرة. وبعد اعتلاء الملك الحاليّ العرش، لم تعُدْ قادرةً على شراء المجوهرات بسهولة، فانقطعت زياراتها المتكرّرة. لكنّها ظلّت ذات صلةٍ بها.
غير أنّ كاميّو لم تكُنْ قادرةً على قلب أجواء المكان. إذ بادرها كيرتيس ببرود:
“إذن، ما الّذي أوصل زوجتي إلى هناك في الأعلى مع آغات مونفيس؟”
“سأشرح أنا.”
لوّحت الماركيزة بيدها مجيبةً كأنّها تتنهّد.
***
لم يمضِ أكثر من عشر دقائق على جرّ آغات للماركيزة إلى باسيلور. أو بالأحرى، اقتحمتْ المكان وحدَها.
كانت آغات قد ألحّت على الماركيزة أنْ تركب سيّارة احجار السحر الجديدة الّتي اقتنتها عائلتها. لكنّ الماركيزة رأت تلك السيّارة غير مُريحةٍ وغريبةٍ عليه، فآثر ركوب عربة فلاندر التقليديّة للتوجّه إلى شارع التّجاري.
لكن ما إنْ وصلا أمام باسيلور، حتّى تمنّت الماركيزة لو أنّها وافقت على ركوب سيّارة اغات. فقد كان أمام المتجر عشرات الرّسامين الصّحفيّين والمراسلين.
-‘إنّه شعار أسرة فلاندر!’
-‘هل أنتِ الماركيزة يا سيّدتي؟ هل أتيتِ لرؤية زوجة الدّوق الأكبر؟’
بعد قليلٍ من الارتباك والمجادلة، عَلِمت الماركيزة أنّ في باسيلور ضيوفًا مهمّين. لو كانت وحدَه لعادت أدراجها دون تردّد. لكن اغات كانت العقبة.
فما إنْ سمعت بوجود “زوجة الدّوق الأكبر”، حتّى أضاءتْ عيناها شررًا، واقتحمتْ المكان بلا تردّد.
-‘آنسة مونفيس، لدينا اليوم ضيوفٌ…’
-‘سمعتُ كلّ شيء. لكن دعوني أوضّح لكم من هو رفيقي!’
حاول الموظّف منعها، لكنّ اغات أشارتْ بكلّ فخرٍ إلى الماركيزة الواقفة في الخارج. وقد فتحت نافذة العربة محاولةً استدعاءها للعودة، لكنّه أصيبت بالذهول. الصحفيّون يُشاهدون، وهي تصعد هكذا علنًا؟
-‘سيدتي الماركيزة! لماذا ترافقين الآنسة مونفيس لمقابلة زوجة الدّوق الأكبر؟’
-‘سمعنا أنّكِ لم تحضري زفاف الدّوق بيرك وأرسلتِ مندوبًا فقط. فهل هذا اللّقاء مُخطّطٌ له؟’
لم يكن بوسعها ترك أغات وحدَها ولا الردّ مباشرةً على هذه الأسئلة السّخيفة. والأهمّ من ذلك، إنْ كانت زوجة الدّوق الأكبر فعلًا في الطّابق العلويّ، فيجب إيقاف اغات قبل أن تُسبّب فضيحةً جديدة.
فقد سبق لها أن تسبّبت بمشاكل حين تورّطت في أمورٍ تخصّ الدّوق بيرك.
نزلت الماركيزة مُسرعةً ودخلت باسيلور. لكن اغات كانت قد سبقتْها وصعدتْ إلى الطّابق الثّاني. أطبق الموظّف الباب ونظر إلى الماركيزة بقلق، خائفًا من أنْ تُرتكب إساءةً في حقّ أصحاب المقام.
-‘هل حقًّا… زوجة الدّوق الأكبر هناك فوق؟’
-‘نعم…’
تنفّست الماركيزة بعمق وقالت: ‘…استدعِ كاميّو.’
لم تكُنْ راغبةً في مقابلة “زوجة الدّوق” كما تُشيع الشّائعات. فلو حدثتْ مواجهةٌ عشوائيّة وبلغت مسامع الملك إشاعةٌ غريبة، لكان الأمر كارثيًّا.
كان يكفيها أنْ تستدعي اغات بسرعة وتغادر، ثمّ يبعث لاحقًا باعتذارٍ شخصيّ إلى قصر الدّوق الأكبر.
لكنّ أمور لا تسير أبدًا كما يُخطّط المرء. فبينما كانت تنتظر كاميّو ـ الّتي ستنزل اغات معها ـ عمّت الضّجّة في الخارج. وبينما همّت الماركيزة بالنّظر، تجمّدتْ ملامحها.
‘يا إلهي.’
الداخل إلى القاعة لم يكُنْ سوى شقيقها غير الشّقيقة، الدّوق الأكبر بيرك. بدا هو أيضًا مذهولًا برؤيتها، لكنّه سرعان ما أومأ للموظّف كي يُغلق الباب.
ولم يُتح لهما الوقتُ ليتساءلا عن سبب وجود كلٍّ منهما، حتّى نزلت كاميّو إلى الأسفل.
وقد تركت الضّجّة في الطّابق الثّاني جانبًا كي تُرحّب بالضّيوف في الأسفل. وما إنْ رأت أنّ بين الحضور شخصًا غير متوقّع، حتّى أصابها الارتباك. لكنّها تداركتْ نفسَها سريعًا وانحنتْ احترامًا. ثمّ أوضحت ما يجري في الطّابق العلويّ: أنّ زوجة الدّوق الأكبر واغات مونفيس في مكانٍ واحد.
“هذا كلّ ما في الأمر.”
“وأضيف أنّني أقدّم اعتذاري حقًّا لجلالتك، يا دوق.”
إنّه موقفٌ لا يخلو من الحرج والالتباس. فانحنتْ كاميّو عميقًا. لكنّ كيرتيس فرك ذقنه متسائلًا:
“إذن تقولون إنّ الأمر محضُ صُدفة؟”
“وهل تظنّ أنّني جئتُ متعمّدةً لأُحضر اغات إلى هنا؟”
اعترضت الماركيزة بلهجةٍ مغتاظة. لكنّ كيرتيس ابتسم بخفّةٍ على غير المتوقّع.
“لا. إنّما بدا الأمر عجيبًا للصُّدفة فحسب.”
“وأنا أجد العجيب أنّكَ أنت جئتَ إلى مكانٍ كهذا.”
ردّت الماركيزة بسخرية، مُلمّحةً إلى أنّ كيرتيس، الّذي لم يكن يومًا يهتمّ بمتجر مجوهرات، وجد فجأة سبيله إلى هذا المكان.
لو كانت المسألة تقتصر على اغات وزوجة الدّوق، لكان بوسعها ببساطة استدعاء اغات والمغادرة لتهدئة الموقف. فالماركيزة، كونها أختًا أكبر غير شقيقة، لم يكُنْ من الحكمة لزوجة الدّوق أنْ تُثير خلافًا مباشرًا معها.
لكنّ حضور كيرتيس نفسِه جعل الموقف أكثر تعقيدًا، ولم يعُدْ من السّهل تداركه.
“على أيّ حال، بما أنّ زوجتكَ قد تكون انزعجتْ، فسأعتذر.”
“أوه لا، يا أختي. لقد أسأتُ التّعبير.”
توسّعتْ عينا كيرتيس دهشةً وهو يُلقي على الماركيزة تلك الكلمة.
الماركيزة تقلّصت حاجباها.
“أختي؟”
كان كيرتيس دائمًا يُنادِيه “يا سمو الماركيزة”، فلماذا يناديها الآن بعبارةٍ حميميّة كهذه؟! وللحظةٍ، خطَر ببالها ذلك المزهر الأخضر.
لا يكون…
“في الحقيقة، كنتُ أنوي قريبًا أنْ أقدّم زوجتي لأختي الكُبرى. فأنتِ أكبر وجهٍ في المجتمع. من الواجب أنْ نقدّم لكِ التّحيّة رسميًّا.”
“…وهل هذه هي السّبب الوحيد؟”
“وإلاّ فما سببٌ آخر يمكن أنْ يكون؟”
ابتسم كيرتيس بعينيه الأرجوانيّتين ابتسامةً غامضة.
لو كان الموقف مختلفًا، لظنّت الماركيزة أنّ كيرتيس دبّر كلّ هذا عن عمد، فالتّفاصيل متناسقةٌ أكثر من اللّازم. لكنّها سرعان ما صرفتْ عن ذهنها تلك الشّكوك.
فالّذي أصرّ على مجيئها إلى هنا هو اغات مونبيس. أتُراها تلك الفتاة الصّغيرة، الّتي بكتْ بحرقةٍ حين تزوّج الدّوق بيرك، تتواطأ مع كيرتيس لتجرّها إلى هنا؟ محال.
“حسنًا إذن. بما أنّنا التقينا بعد غياب، فلِمَ لا أقدّم لأختي هديّةً صغيرةً؟”
قالها كيرتيس وهو يتظاهر بمرافقة الماركيزة كما لو كانا ذاهبَين معًا.
زفرتْ وهي تضع يدها متثاقلةً على ذراعه، قائلةً باستهزاء:
“كفّ عن هذا الهراء. لستُ في حالٍ تسمح لي بقبول عطايا من أخي الأصغر.”
“إذن كان عليّ أنْ أسمّيها رشوةً.”
ضيّقتْ الماركيزة عينيها. وفي تلك اللحظة، انطلقتْ فجأةً صرخةُ امرأةٍ غاضبةٍ من الطّابق العلويّ.
“أتريدون منّي أنْ أصدّق أنّ فتاةً نبيلةً في عُمر الزّواج قبلتهُ لقاء عشرة صناديق من الحلوى، مع أنّ سمعتها قد تُدمَّر؟!”
تلاقتْ نظرات الماركيزة وكيرتيس في الفضاء.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
أنستا: fofolata1 ✿
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 47"