حسنًا، بدا أنّها قد فهمت. فقد سمعت كلَّ الضجّة التي انطلقت قبل قليل من وراء النافذة. ويبدو أنّ زيارة كلوي جعلت أبواب متجر المجوهرات تُغلق، وهو أمرٌ بدا شديد الإزعاج للبعض.
“آنسة مونفيس، لِنذهبْ أوّلًا إلى مكان آخر لنتحدّث.”
كانت السيدة باسيلور تحاول بصدق أن تُرشد أغات مونفيس بأدبٍ بالغ. فمهما يكن، كلوي هي التي جاءت أوّلًا، وهي الضيفة الأهمّ اليوم. لم يكن لائقًا أبدًا أن يُثار جدلٌ أمامها حول المواعيد المسبقة.
‘لكن لا فائدة.’
كلوي لم ترَ في سلوك باسيلور أيّ جدوى. وهذا طبيعي. فلو كانت أغات من النوع الذي يتراجع أمام مثل هذا الكلام، لما دفعت نفسها بقوّةٍ ودخلت رغم أنف الجميع من البداية.
“لا. لا أريد.”
“آنسة مونفيس.”
قالت باسيلور متنهدة، وهي تنظر إلى كلوي كأنها تلتمس منها العذر.
“هناك ضيفةٌ سبقتكِ. وإن كُنّا قد أسأنا إليكِ من حيث لا نقصد، فنحنُ نعتذر حقًّا…”
“هي أهمُّ منّي؟”
“عفوا؟”
“سألتُ: أهي أهمُّ منّي؟”
عمّت الدهشة المكان، والتفتت الأنظار نحو أغات.
ألم تكن تعلم؟ صحيح أنّه لم يجرِ أيُّ تعارفٍ بين الاثنتين بعد، لكن ألا يجدر بها أن تكون أكثر لياقةً أمام غريبة؟ قول “أهي أهمُّ منّي؟” أمام الملأ تصرّفٌ متهوّر جدًّا.
حينها تدخّل إيزرا.
“أغات مونفيس، توقّفي هنا.”
“يا إلهي. أليس هذا الملازم الأول إيزرا دوبوا؟ ما الذي جاء بك إلى هنا؟”
قالت أغات، وهي تفتح مروحتها وتهزّها بخفّةٍ مبتسمة، كأنّ وجوده لم يكن يعني لها شيئًا.
“أنا في إجازةٍ اليوم. آه… لعلّ الضيفة التي سبقتني والتي تحدّثت عنها السيدة باسيلور، هي أنتَ أيها الملازم الأول دوبوا؟ أهنّئكَ. أتيتَ لشراء خاتم خطوبة لخطيبتكَ ربما؟”
“أغات.”
فتح إيزرا فمه ليقول شيئًا، لكن صوتًا آخر سبقه.
“الملازم نويل شخصٌ واضح حقًّا.”
ارتفعت الأنظار نحو صاحبة الصوت القاطع: كلوي. كانت قد أسندت ذقنها إلى كفّها اليسرى، وأخذت تتابع الحديث بفتور.
“أراه حقًّا رجلًا مستقيمًا عظيمًا. مؤدّبٌ، لطيفٌ مع الجميع، عمله دقيقٌ ومنظّم، وفيه من الرحمة ما يجعله جديرًا بالاحترام. ومع ذلك لا يتجاوز حدوده أبدًا.”
“…..”
انعقد حاجبا أغات عند ذكر أخيها بلا مناسبة، ولم تفهم ما الذي ترمي إليه كلوي. تعمّدت كلوي أن تدير وجهها بعيدًا عنها، وتابعت:
“لكن يبدو أنّ شقيقته أقلّ وضوحًا… أقرب إلى الغموض وربما البلادة.”
“…ماذا؟”
شهقت أغات غاضبة. لكن أليست هي التي بادرت بالهجوم أوّلًا؟ كلوي تجاهلت انفعالها وسألت مباشرة:
“هل تظنّينني خطيبة الملازم دوبوا؟”
تجمّدت أغات، وحدّقت في يد كلوي اليسرى. فابتسمت كلوي وهي تُبعد كفها عن ذقنها وتنظر إلى خاتم المتلألئ في إصبعها.
بدت أغات مرتبكةً من انكشافها، فأطلقت بحدّة:
“ومن تكونين أصلًا؟ أليس من الأفضل أن تعرّفي نفسكِ أولًا؟”
‘لكنّكِ تعرفين هذا الخاتم جيدًا.’
فكّرت كلوي، ثم أجابت بوجه باسم:
“أحقًّا لا تعرفين؟”
عادت أغات إلى هدوئها بعض الشيء وقالت:
“أبي كان يقول: كلّ من يبدأ كلامه بـ’أتعرف مَن أنا؟’ لا يُعوَّل عليه.”
“أها.”
قهقهت كلوي باستهزاء.
“إذن كان والدكِ قلقًا للغاية على مستقبلكِ. لكن لا أظنّه بحاجةٍ إلى أن يكون متشائمًا إلى هذه الدرجة.”
“ما الذي تقولينه؟ هيه أنتِ!”
“ألستِ أنتِ التي قلتِ منذ قليل: ‘ألستِ من النوع الذي يسأل عن المواعيد قبل أن يأتي’؟”
رمَت إليها كلوي كلماتها نفسها، فاحمرّ وجه أغات غضبًا. ولم تتركها كلوي تبرّر موقفها:
“لا أظنّكِ دخلتِ هنا دون أن تعرفي من أكون. أليس كذلك؟”
حتى لو تجاهلنا الخاتم، فهناك الفنّانون الذين ما زالوا أمام المتجر يرسمون المشاهد. كانوا ينتظرون خروج الدوقة بيرك ليرسموا مشهدها وهي تحمل الكنوز وتغادر. أغات رأتهم حتمًا.
بل أكثر من ذلك، لقد حاول أحد الموظفين منعها من الدخول، فلا بدّ أنه أخبرها بأنّ الزائرة موجودة. وكلّ هذا إنما ليحميها هي من الإحراج، قبل أن يُحرج باسيلور.
“يومٌ سعيدٌ لكِ، آنسة أغات مونفيس، صحيح؟ أنا كلوي لو ديفيد بيرك.”
قالت كلوي وهي تنهض وتتقدّم لمصافحتها.
ارتبك إيزرا، لكن كلوي أومأت له أن يهدأ. صحيح أنّ أغات كانت وقحة، لكنها رغبت أن تُنهي الأمر بلباقة: تعارفٌ بسيط، ثم تُوضح أنّها تفهم مشاعر الغضب، لكنها لن تحتكر المكان، ولكلٍّ أن يأخذ راحته.
لقد أدركت كلوي أمس، بعد جدالها الطويل مع الخادم فيليب، أنّها بارعةٌ في الجدال أكثر مِما ظنّت. أدقّ وصف: أنّها بارعةٌ في اقتناص الثغرات. ولعلّ السبب…
‘لا بدّ أنني التقطتُ العدوى من ذلك الرجل الذي قضيتُ معه ثلاثة أشهر…’
وذاك الرجل لم يكن سوى كيرتيس شان بيرك، زوجها البعقد. يا للأسف! أن تتشرّب طباع رئيسها المزعج.
لكنها اكتشفت أيضًا أنّ الجدال مرهقٌ جدًّا. ولو كان هذا الموقف أمام جمهورٍ عام، لاضطرّت إلى مجاراة الجدال طويلًا أو حتى إلى حركاتٍ صبيانية من قبيل “أنا دوقة بيرك!” لإسكات أغات. لكنها لم تكن راغبةً في هذا.
فالمكان غريب، محاط بقطع ثمينة، وهذا وحده كافٍ لإرهاقها. وفوق ذلك فهي تعرف سبب غضب أغات. نعم، أجابت نويل باستخفافٍ يومها، لكنّ الحقيقة أنّ أغات هي نفسها تلك الفتاة التي أحبت كيرتيس شان بيرك منذ سنوات، وسبّبت فضيحةً كبيرة في أحد الاحتفالات.
وزواج كلوي وكيرتيس لم يمضِ عليه سوى يومٌ واحد. فمن الطبيعي أن يبقى قلب الفتاة يغلي.
‘لو كنتُ مكانها لشعرتُ بالشيء نفسه…’
سنواتٌ من الحبّ، ثم تأتي امرأةٌ غريبة، وبعد ثلاثة أشهر فقط تتزوّج الرجل الذي أحبّته!
“أفهم أنّكِ غاضبة، آنسة مونفيس. وأنا لم أقصد أن أزعج أحدًا.”
لكن أغات لم تُمسك بيدها، بل غيّرت ملامحها وسخرت.
“هاه!”
دهشت كلوي. عائلة مونفيس من أرفع الأسر النبيلة، وكان يفترض أن ابنتهم تعرف هذه الأصول. فهل أعماها الحب، أم…
“أرى أنّ السيدة باسيلور واقعةٌ في حرجٍ. فلن…”
“وقحة! تأتين في يومكِ الأول كزوجة لتجلبِي عشيقكِ معكِ!”
“…ماذا؟”
اتسعت عينا كلوي دهشة. أشارت أغات بذقنها نحو إيزرا، الذي تجعّد جبينه متعجّبًا لا غاضبًا.
“مَن… مَن تقولين؟”
“لا تتصنّعي البراءة، يا سيدة أمبرويز. أتحدّث عن الملازم الأول إيزرا دوبوا ذاك.”
دفعَت أغات خصلة شعرها المقطوعة على نحوٍ أنيق خلف أذنها وهي تقولها. “سيدة أمبرويز”، هكذا سمّتها. بدا واضحًا أنّها تتجاهل تمامًا أنّ كلوي عرّفت نفسها منذ لحظات على أنها لو ديفيد بيرك.
في وقتٍ آخر كانت كلوي ستعترض على اللقب من الأساس. لكنّها الآن صُعقت أكثر بما قيل. فاضطرّت إلى تجاهل اللقب وواجهت ما هو أهمّ.
“الملازم الأول إيزرا دوبوا… عشيقي أنا؟”
كادت أن تعضّ لسانها من شدّة الاشمئزاز وهي تردّد كلمة “عشيق”. وبدا أنّ إيزرا أيضًا قد انتابه الشعور نفسه، إذ تجعّدت جبهته أكثر.
“اغات مونفيس. لا أعلم من أين أتيتِ بهذا الكلام…”
“أوه حقًّا لا تعلمان؟”
قالت أغات، عاقدةً ذراعيها، واثقةً بنفسها.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 44"