بعد قليلٍ من الجدال، تمكّنوا أخيرًا من رؤية الأشياء التي قالت كاميّو إنّها تحتفظ بها. عندها اتّسعت عينا كلوي.
“أنا لستُ خبيرة، لكن… هذه تبدو جميلةً للغاية.”
“أشعر بالخجل.”
ابتسمت كاميّو بهدوء. كانت تلك الأشياء قد صُنعت حين بدأ والدها، كهواية، بصياغة الأحجار المتبقية. وكان هناك العشرات منها، وكلّها بلا استثناء جميلةٌ ودقيقة.
الأحجار الكريمة كانت أصغر حجمًا بكثير مِما يُباع في المتجر، لكنّها كانت متنوعة، ومعظمها ذو جودةٍ عالية، حتى أنّ كلوي استطاعت تمييز ذلك.
“واو. هذا حقًا جميل. يمكن حتى لطفلةٍ مثل آيريس أن ترتديه!”
“لو أنّ مثل هذه الأشياء كانت معروضةً للبيع لكان رائعًا…”
“كانت معروضةً للبيع قديمًا. لكن في الوقت الحالي لا نبيعها لأسبابٍ سياسية. كما أنّها أشياء لا تليق بأن نعرضها على مقام الدوقة.”
ومعنى كلام باسيلور أنّها ببساطة لا تجلب أرباحًا. فالمواد المستعملة لم تكن باهظة الثمن.
لم تكن من الياقوت أو الزمرد أو السفير الشهيرة، بل معظمها من التورمالين بألوانه المتعددة، أو الكارنيليان. وبعضها الآخر استُخدم فيه أجنحة الفراشات أو ريش طائر الرفراف.
الحُلي ليست مجرد زينةٍ فاخرة، بل تُعتبر عند النبلاء بمثابة ممتلكاتٍ منقولة. أي أنّ هذه القطع ربما تُشترى كتحف أو كهدايا خاصة، لكن قيمتها عند إعادة البيع ضعيفة، لذا لا تلقى رواجًا.
“لا تقُل ذلك. ليست الأشياء الغالية وحدها هي الجميلة. ثم إنّ كاميّو آنسة، وتلك القطع تليق بكِ جدًا. ألن تشعر أختكِ بالحرج حين تقلّلين مِن شأن ما ترتديه؟”
ابتسمت باسيلور، ووجهها لا يزال محمرًا.
“كلامُكِ في محلّه، يا صاحبة السمو. سأضع حكمتَكِ نصب عيني.”
لكن ابتسامتها لم تصل إلى عينيه، ما يعني أنّها لم تضع شيئًا نصب عينيه في الواقع. كانت كلوي قد قصدت الإطراء، لكنّها على ما يبدو خدشت مشاعر الأخت الكبرى.
“ثم إنّكِ تحافظين عليها بعنايةٍ كبيرة! سيُسعد والدكِ هذا.”
تدخّلت ليا سريعًا. وبالفعل، كان الأمر كذلك. التاج الذي عرضته كاميّو على آيريس، مع أنه يبدو قديمًا، إلا أنّه كان يلمع ببهاء. كان مرصّعًا بعشرة أحجار من الغارنيت الوردي، وقد بدا رائعًا على آيريس.
“إنه مثل تاج الأميرة!”
صرخت آيريس بدهشة، فيما همست كاميّو بخجل.
“لقد صُنِع بالفعل من أجل أميرة.”
“يا إلهي، حقًّا؟”
سألتها كلوي مندهشة، بينما نظرت الأخت الكبرى إلى كاميّو نظرةً غير راضية، ثم قالت بتردّد:
“بعض السيّدات من ذوات الشأن كنّ قد طلبن أشياء مشابهة لبناتهنّ الصغيرات. لكن منذ وفاة والدنا، ولم يَعُد أحدٌ يرث المهنة، توقّف إنتاجها منذ قرابة عشر سنوات.”
بكلماتٍ أخرى، لم يَعُد لهذه القطع وظيفةٌ إلا كنوعٍ من التراث المحفوظ. لكنّ كلوي لاحظت شيئًا غريبًا.
“انتظري، أليس هذا أوبالًا أسود؟”
كانت تشير إلى عقد من البلاتين، تتوسّطه قطعةٌ من الأوبال الأسود يسطع فيها بريق أخضر. ومثل هذا النوع لا يُستخرج سوى من مكان واحد، كما تعلم كلوي: لاروشيل.
“لكن أوبال لاروشيل الأسود لم يدخل الأسواق إلا منذ خمس سنوات فقط. وقلتم إنّ والدكم قد تُوفي قبل أكثر من عشر سنوات.”
“كيف…؟”
بدت الأخت الكبرى مضطربة، وأطبقت شفتيها. فمن غير المعقول أن تعرف الدوقة ذلك، وهي التي يُقال إنها لا تفهم شيئًا في الأحجار. لكنّ كلامها لم يكن كذبًا تمامًا. إذ إنّها لم تعرف شيئًا في الأحجار سوى هذا الحجر بالذات.
“أنا من البحرية. وعندما كنتُ قد انضممتُ للتو، كاد هذا الأوبال الأسود أن يُسبّب حربًا للبحرية. لذا أتذكّره جيدًا.”
“… لم تكن نيّتنا أن نخدع جلالتكِ.”
تقدّمت كاميّو وانحنت برأسها وهي تقول:
“لقد صنعتُه أنا.”
كان هذا متوقّعًا. أومأت كلوي.
“أفهم.”
تدخّلت الأخت الكبرى على عجل:
“سموّكِ، أستطيع أن أشرح…”
لكن كلوي نظرت إليها في هدوء. “أفهم” تعني أنّها لا تحتاج إلى شرح.
كانت قد فهمت بالفعل سبب صمت كاميّو. فهذه القطع لا تضاهي ما يُباع في هذا المتجر الضخم. وهي ليست أشياء تُعرض عادة. ولأنهم لا ينوون بيعها، فلا ضرورة لذكر تاريخها أو صانعها.
لقد أرادت باسيلور فقط أن تتفادى أيّ احتمال لإغضابها.
شعرت كلوي بغرابة. فمثل هذه الأمور كان يمكن أن تُعتبر مجرد تبسيط، ولا تحتاج كل هذه المبالغة. لكن باسيلور كانت في قلقٍ بالغ فقط لأنها دوقة. لم وعُد تنظر إليها كضابطةٍ في البحرية، كلوي أمبرويز، بل كـ “كلوي لو ديفد بيرك”.
‘هل هكذا هو الأمر إذن؟’
بدأت الآن تفهم قليلًا لماذا لم يُعدها زوجها إلى العمل مباشرة. فلو عادت إلى الخدمة من دون أن تدرك ثقل مكانتها، لربما ارتكبت خطأ فادحًا.
ابتسمت وأشارت بيدها.
“لا بأس. لم أنزعج من ذلك. بل إنّني وجدت هذه القطع أجمل، ويؤسفني أنّها غير معروضةٍ للبيع.”
“أشكركِ.”
“ويؤسفني أكثر أنّها كانت تُصنع خصيصًا للصغيرات. فحتى أختاي بحاجة إلى حُليّ بسيطة، لكن لا حيلة لنا.”
“فهِمتُ…”
تمتمت كاميّو وهي تنظر بتردّد. لكن الأخت الكبرى عادت لتُقلّل من شأنها:
“أختي صياغتها جيدة، لكنها لا تزال تفتقر إلى المهارة لتُعرض على مقام الدوقة.”
ضيّقت كلوي عينيها. كانت كلماتها تواضعًا مفرطًا. وباتت تشعر بالانزعاج من هذا الخضوع الزائد.
‘من الأفضل أن ننهي الأمر بسرعةٍ ونغادر.’
لكن في تلك اللحظة، جاء صوتٌ من جهة الستارة:
“هاه، يبدو أنّ من لا يعرفون الذوق يرون مثل هذه الأشياء جميلة.”
ودخلت فتاةٌ شابة. من نظرةٍ واحدة بدا أنها من عائلةٍ نبيلة، وقد بدت مألوفةً بعض الشيء، لكن كلوي لم تتذكرها فورًا.
“آنسة مونفيس!”
‘مونفيس؟ أنا لا أعرف من هذه العائلة سوى نويل مونفيس.’
قبل أن تُكمل تفكيرها، هرع موظفٌ خلف الفتاة ودخل على عجل، لينحني تحت النظرات الغاضبة لباسيلور. في الوقت نفسه، اتسعت عينا جوليا، التي كانت تحتضن آيريس.
لكن الشابة التي دُعيت بمونفيس لم تعبأ، والتفتت إلى باسيلور.
“سيدة باسيلور، لقد ظننتُ أن جلالة الملكة بنفسها جاءت إلى هنا! لم يخطر ببالي أن أُمنع من دخول المتجر.”
كان في تعابيرها خليطٌ من التذمّر والدلال. كانت جميلةً وذات ملامح أرستقراطية، لكنها بدت أيضًا طائشةً. باختصار، النموذج الكلاسيكي لابنةٍ النبلاء.
على الأقل من وجهة نظر كلوي، التي اعتادت على عشرات الشبان الأرستقراطيين الفارغين في الحرس الملكي. كان من السهل أن ترى كيف يطبع محيط الشخص سماته على شكله وسلوكه مع بلوغه العشرين.
لكن هذه الفتاة بالذات بدت أكثر طفوليّةً من غيرها. قامةٌ قصيرة، خدّان لا يزال فيهما أثر الطفولة، شعرٌ مضفور بعناية لم تصنعه يداها، عينان زرقاوان فيهما بعض الحدة، وقبعةٌ صغيرة تعلوها ريشةٌ للزينة.
ابتسمت باسيلور بمرارة وقالت:
“نعتذر يا آنسة مونفيس. لا بد أنّ ثمّة خطأ. هل كنتِ تنوين زيارتنا اليوم؟”
فتحت الفتاة شفتيها الورديتين وقالت بنفاد صبر:
“هل أنا من يحتاج لأن يسأل قبل أن يأتي؟”
في تلك اللحظة أدركت كلوي مَن تكون. إنها أغات مونفيس.
-‘إنها أختي.’
-‘لديك أخت إذن.’
-‘هي تُحب كيرتيس.’
-‘وسبّب لها ذلك مأساةً جعلتها تنزوي فترة.’
إنها شقيقة نويل، الفتاة التي كانت مولعةً بكيرتيس. وقد سمعت كلوي أنها، بإصرارها، تسببت في حادثٍ ما ثم خضعت لفترة عزلة.
همست جوليا قربها مؤكدةً:
“إنها الآنسة أغات مونفيس. لقد رأيتها من بعيدٍ من قبل.”
‘صحيح. لقد دخلت الجيش.’
حتى بعد أن رُفضت من قِبل كيرتيس، نهضت بإصرار، وخاضت اختبار القبول في الحرس الملكي، ونجحت لتصبح ضابطة. بالنسبة إلى كلوي، كان ذلك أمرًا لا يُعقل. فمع أن عائلة مونفيس كافيةٌ لأن تعيش حياتها بترف، اختارت هذه الطريق.
لكن ما الذي جاءت تبحث عنه هنا الآن؟
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 43"