من غير شعور، رفعت كلوي نظرها نحو نافذة الطابق الثاني. كانت مفتوحةً لأن باسيلور قالت إنها ستُريهم الأحجار الكريمة وهي تتلألأ تحت أشعة الشمس. هرع الخدم وأغلقوا النافذة على عجل. حاولت باسيلور أن تُبرر الموقف بتوتر.
“ألف عذرٍ يا سموّكِ. لقد استأجرَت جلالتكه متجر باسيلور اليوم بأكمله… لذلك أرسلنا إشعاراتٍ إلى الزبائن الذين كان لهم موعد، لكن يبدو أنّ بعضهم اعترض.”
بمعنى آخر، بسبب مجيئها المفاجئ، لم يتمكّن بعض الزبائن الذين كانوا قد حجزوا مسبقًا من المجيء. لم يسع كلوي إلا أن شعرت بعدم الارتياح.
“آه، لا بأس عندي. ليس لدي مانعٌ لو حضر أولئك الزبائن معنا في المكان نفسه.”
فهي معتادةٌ في السوق على شق طريقها وسط الحشود المتدافعة وخطف الخضار المعروضة على التخفيضات وسط الضجيج، فكيف يضايقها وجود أشخاصٍ إضافيين في متجر مجوهرات؟ لكن ملامح باسيلور ازدادت غرابة.
“لكن جلالتكِ طلبتِ الاطّلاع على كل ما يملكه متجر باسيلور.”
“…آه.”
حينها فقط تنبّهت كلوي إلى أنّ مئات صناديق المجوهرات كانت مكدّسةً أمامها. أي أن باسيلور قد عرض لها بالفعل جميع ما يملكه المتجر، وبالتالي لن يجد الزبائن الآخرون شيئًا ليروه حتى لو سُمح لهم بالدخول. أحسّت كلوي بالحرج.
“صحيح. لقد كان خطئي.”
“ماذا تقولين! بل إنّ هذا يدل على كرم أخلاقكِ ورقيّكِ.”
أخذت باسيلور تبالغ في مدحها بحرارة. ارتبكت كلوي قليلًا وأعادت تركيزها على الأحجار. لكنها سرعان ما اعترفت في داخلها أنّها لا تملك أيِّ موهبةٍ في مثل هذه الأمور. فهي لم تستطع التمييز بين الجيد والأفضل، وكل ما يلمع بدا لها جميلًا ومثيرًا، لكن عندما جرّبت بعضها لم تشعر أنّها تليق بها. في النهاية لجأت إلى مساعدة جوليا.
“أفكّر… هل نرى الملابس أولًا؟ فالمجوهرات ليست عاجلةً إلى هذا الحد، خصوصًا أنّ لدي هدايا الزفاف، هذا غير مجوهرات جلالة الملكة ميلدريد…”
لكن جوليا هزّت رأسها نافية.
“مع ذلك يا مولاتي، ينبغي اقتناء ثلاثٍ أو أربع قطع أساسية على الأقل: للاستعمال اليومي، والولائم، والاحتفالات.”
لكن حتى اختيار ثلاث أو أربع قطع بدا لها مهمةً صعبة. أغمضت كلوي عينيها بإحكام. لا تزال أمامها عشرات الفساتين التي يتعيّن شراؤها.
فالخطة اليوم أن تبتاع ما لا يقل عن عشر فساتين للخروج، وعشر فساتين أخرى للمناسبات والولائم. وذلك أدنى تقديرٍ. يضاف إليها أزياء ركوب الخيل وغيرها من الملابس الصغيرة، وكذلك ملابس داخلية وللاستعمال المنزلي.
ومع ذلك، كانت تدرك سبب إصرار جوليا. فغالبية السيدات الأرستقراطيات يبدأن بانتقاء مجوهراتهن ثم يشترين الفساتين بما يتوافق معها. وهذا أمرٌ منطقي، إذ لا تُقارن أسعار المجوهرات بأسعار الملابس. كما أنّها – عروسٌ تزيّنت بـ “الشعلة القداسة” التي قُدّمت لها كهدية زواج. ومن الطبيعي أن يتساءل الجميع ما الذي سترتديه في مختلف المناسبات.
غير أنّ البشر ينقسمون إلى صنفين: من يُمكنهم صرف أموال الآخرين بضميرٍ مرتاح، ومن لا يستطيعون ذلك. وكلوي كانت من الصنف الثاني. فهي لا تشعر بالرضا إلا إذا أنفقت المال، سواء مالها أو مال غيرها، بحذر وحرص دون إسراف.
“أفضل أن أشتري شيئًا بسيطًا يليق بأيّ شيء تقريبًا…”
“أختي. هل نسيتي أنّ هذه الفلسفة الغريبة هي سبب امتلاء خزانتكِ بالثياب البنية الكئيبة فقط؟ مملةٌ إلى حدّ الموت! ماذا؟ هل ستشترين مجوهراتٍ بنيةً أيضًا؟”
“بسيط، نعم! لكن بسببه أُجبرنا على أن نراكِ دومًا بتلك الهيئة الكئيبة!”
“كئيبة أو لا، هذا ما أحبّه، فما شأنكِ؟”
“أيُّ حبٍّ هذا! دعيني أجرّب أنا وأرتدي بعض ثيابكِ أو حُليك مثل الأخريات! لا أجرؤ حتى على فتح خزانة ملابسكِ من شدّة رداءتها!”
“فلتلبسيها إن شئت!”
“إذن لتشتري شيئًا جميلاً لأتمكّن من ارتدائه أيضًا! ألم يقل الدوق إن بإمكانكِ إنفاق المال بحرية؟”
وهكذا اشتعلت مشادةٌ بين الأختين في قلب متجر المجوهرات. صحيح أن كلماتهن لو أُمعِن فيها فهي تعبّر عن مودةٍ صافية بين شقيقات متعلقاتٍ ببعضهن، لكن من يجهل خلفياتهن لا بد أن يستغرب.
أشاحت باسيلور بوجهها متظاهرةً بترتيب الأحجار، بينما راقبت جوليا الجدال وعلى شفتيها ابتسامة. أما آيريس، أصغرهن، فاكتفت بمراقبة شقيقاتها للحظة، ثم شدّت على يد إيزرا الواقف صامتًا بجوارها.
“أتعلم؟ أختي الكبيرة تشتري الثياب البنية لأنها تذكّرها بي.”
“أفهم.”
“لكن ليا تقول إن هذا كذب. وتقول إن السبب الحقيقي أنّ البني أرخص لأنه لا يحتاج لصبغ.”
كان إيزرا يرد بتعابير محايدة، لكن فجأةً تجمّد وجهه مذهولةً. ولم يكن ذلك فحسب، بل إن الأختين التقطتا كلام الصغرى بوضوح. ارتجفت وجنتاهما واحمرّتا في وقتٍ واحد، ثم صرختا بصوتٍ واحد نحو آيريس.
“ألن تصمتي؟!”
فغامت ملامح آيريس وعادت لتلزم الصمت. وهكذا عرف موظفو المتجر، من غير قصد، كم كانت الدوقة الشابة مقتّرةً قبل زواجها. فسادت لحظة صمتٍ ثقيلة.
وفجأةً، اخترق الهدوء ضحكٌ مكتوم: “ففف…” كانت كاميّو.
احمرّ وجه باسيلور غضبًا وصاحت.
“كاميّو!”
ويبدو أنّها لم تتوقع أن يعمّ الصمت بهذه السرعة، فارتبكت واعتذرت مرتبكة.
“أ- أعذروني! لقد تجاوزت حدودي. خطأ جسيم مني…”
“اركعي حالًا وقدّمي اعتذارك! يا إلهي، جلالتكِ. لقد أساءت أختي الصغيرة التصرف. نرجوكِ أن تعاقبيها.”
ما هذا! وكأنّ الأمر يستحق عقوبة الموت. لوّحت كلوي بيدها نافية.
“لا بأس. من كانت طائشة فهي أنا، لا هي.”
“ألف عذر. لقد ذكّرتني بطفولتنا نحن الشقيقتين…”
“كاميّو! ما الذي تهذين به! أتجرؤين أن تشبّهي جلالتها بنفسكِ!”
ارتبكت كاميّو أكثر وهي تحاول تبرير نفسها، لكن ذلك لم يزد باسيلور إلا غضبًا. عندها قطبت كلوي حاجبيها.
“كفى.”
“لكن يا سموّكِ…”
“أعتقد أنّها لم تقصد سوءًا. وعلى سبيل التعويض، كاميّو، أليس كذلك؟ أنتِ الصائغة هنا، أليس كذلك؟”
“ن- نعم…”
“هل أستطيع أن أرى شيئًا مثل العقد الذي ترتدينه؟”
اتسعت عينا كاميّو بدهشة، بينما رفعت يدها تتحسس عنقها بلا وعي. على الطرف الآخر، بدت ملامح باسيلور وقد غمرها الغيظ حتى اسودّ وجهه.
“سموّكِ… ذلك العقد ليس من مقتنيات متجرنا.”
ارتبكت كلوي من الجواب.
“أحقًا؟ ظننته من صنع باسيلور بما أنّ الصائغة نفسها ترتديه.”
فمن غير المعقول أن يرتدي موظفٌ في متجرٍ بهذا المستوى قطعةً غير لائقة أو من متجرٍ آخر. ذلك يسيء للمتجر ويدعو للتشكيك في ذوق الموظف نفسه. لذا افترضت أنّه من باسيلور.
وفوق ذلك، حتى من بعيد، بدت عقود وأساور وزينة شعر كاميّو مشغولةً بدقةٍ وبمهارة. صحيح أن الأحجار صغيرةٌ جدًا مقارنةً بما عُرض على كلوي، لكنها لم تكن رخيصةً على الإطلاق.
“صحيح أن الأحجار الكبيرة لافتة، لكن ما تضعينه شدّ انتباهي أكثر. إنها أشياءٌ يمكن ارتداؤها يوميًا بخلاف تلك الأحجار الضخمة.”
فالأحجار الشهيرة عادةً ما تكون ضخمةً وبراقةً للغاية، مثل مجوهرات الملكة ميلدريد. لكن الجمال لا ينحصر في ذلك.
وفوق كل شيء، كان على كلوي أيضًا أن تفكّر في شقيقتيها الصغيرتين. فقد أوصاها كيرتيس بوضوح أن تشتري لهن كذلك. وهذا طبيعي، فهما الآن شقيقتا الدوقة. ومن المؤكد أنّه ستُتاح لهما مناسباتٌ لحضور حفلات ومجالس.
لكن لا يمكن أن تهدي ليا وآيريس مجوهراتٍ بحجم ما تقتنيه الملكة، فهذا خطرٌ فوق كونه غير مناسب. إنهما ما زالتا صغيرتين. لذلك لفتتها زينة كاميّو في تلك اللحظة.
“إنه…”
بينما كانت باسيلور نتردّد، بادرت كاميّو بخجل.
“إنّ العقد الذي أضعه هو من عمل والدي.”
“كاميّو!”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 42"