حسنًا، في النهاية، ما شأني إن أصيب ذلك الإنسان أو لم يُصَب.
كلوي تناولت قطعة الفاكهة التي مُرِّرت إليها، غمستها في لبن الماعز المُخمَّر وبدأت تمضغ وهي تجيب في نفسها.
‘كما توقّعت.’
تمامًا كما شعرتُ الليلة الماضية، طعام منزل الدوق يليق بمقامه وكان لذيذًا.
كلوي، التي لم تكن لديها شهيّةٌ في الصباح حتى إنها أهملت الإفطار لما يقارب العشرين عامًا، فكرت: ابتداءً من اليوم أنا شخصٌ لديه شهيّةٌ في الصباح.
“على أيّ حال، الكل يعلم أنني جندية سابقة. لن يكون هناك من ينتقدني على أسلوبي في الكلام.”
“إذا كنتَ لا تُمانع بأن يُقال إن الدوق وزوجته يتحدثان بأسلوبٍ عسكري حتى في السرير، فافعلي كما تشائين.”
“لكن هذا ليس خطأً.”
“أنتِ لا تخسرين كلمةً واحدة، أليس كذلك؟”
“هل عليّ أن أتنازل؟”
حتى دون أن يذكرا البند الأول من عقد الزواج، بدا أن كل منهما قد فهم ما يعنيه الآخر.
الرجل ابتسم قليلًا بطرف شفتيه ثم أشار برأسه.
“حتى لو لم تكن لديكِ شهيّة، تناولي طعامكِ جيدًا. أمامنا عملٌ كثير.”
“أنا الآن آكل بشهيّةٍ كبيرة، ألا ترى؟”
على كلماتها، أجابها كيرتيس بدفع صحنه نحوها.
كان فيه حصّته من الحساء والفطائر المخبوزة بعناية.
كلوي حدّقت فيه بصمت قبل أن تتكلم:
“هل من بين أعمالي أن أتذوق السموم أيضًا؟”
“…هل تظنين أنني قدّمتُ لكِ صحنًا لأعرف إن كان فيه سُم أم لا؟”
“أليس كذلك؟”
إن لم يكن الأمر كذلك، فما حاجتك أن تدفع بصحنك إليّ بينما صحنـي أمامي؟
حين نظرت إليه بتلك العيون، فرك كيرتيس ما بين حاجبيه وسحب صحنه مجددًا وهو يزفر زفرةً قصيرة.
كأنها سمعت همهمةً مثل: “بأيِّ عين ترين الناس…”
ماذا عساه أن يكون؟
رئيسٌ أرادت أن تطرحه أرضًا… أو بالأحرى زوجها الشرعي الآن.
ثم فزعت كلوي من نفسها بسبب تلك الفكرة.
‘يا إلهي، قلتُ زوجي.’
أغمضت عينيها بإحكامٍ ثم فتحتهما.
أمسكت بصحن الحساء الخاص بها وبدأت تشربه جرعةً بعد جرعة.
بالطبع كان طعمه مذهلًا.
لكن، على عكس قبل قليل، لم يعُد لديها فراغٌ لتستمتع به.
تصرفها هذا كان يخلو من أيِّ ذَرّةٍ من الأناقة.
مع ذلك، بدا أن الرجل الجالس أمامها لم يُعِر ذلك اهتمامًا.
“يبدو أن جلالة الملك سيستمر في المضي قُدمًا بالفعالية الدبلوماسيّة مع غلينترلاند.”
قال ذلك وهو يدفع إليها صحيفة.
وكان العنوان الرئيسي فيها: “إقامة احتفال الذكرى الثامنة والعشرين لإقامة العلاقات مع مملكة غلينترلاند”.
“حسنًا، فالمسألة الزواجية كانت أصلًا عملًا غير رسمي.”
زيارة إيزابيلا غلينترلاند كانت، رسميًا، لحضور الذكرى الثامنة والعشرين للتحالف الذي نشأ بزواج الملكة ميلدريد.
لذلك سواء أُلغي الزواج أو لم يُلغَ، فقد بدا أن الملك مُصرّ على المضي في الحفل الدبلوماسي.
“بل أظن أنه أمرٌ جيد.”
“ماذا تعني؟”
“لن نضطر إلى دعوة الناس إلى القصر بلا داعٍ.”
كلوي رمقته بنظرةٍ فارغة.
وعندما حاولت أن تأخذ الصحيفة، قطّب كيرتيس حاجبيه، فقالت ببرود:
“هل عليّ أن أذكرك بأنني لا أعرف شيئًا عن حياة السيدات النبيلات؟”
“…عادةً ما يُقيم الزوجان النبيلان، بعد الزواج، حفلة يدعوان فيها أصدقاءهما ويقدمان كل طرف للآخر. نوعٌ من التعارف. لكن إذا تكفّل الحفل الدبلوماسي بذلك، فلن نحتاج لإقامته.”
للمفاجأة، شرح كيرتيس الأمر مباشرةً دون تعليقاتٍ إضافيّة.
كلوي هزّت رأسها بتفهم.
فمن الطبيعي أن يدعو الزوجان أصدقاءهما إلى البيت بعد الزواج.
وبالنسبة لشخصٍ مثل كيرتيس، فمن غير المستبعد أنه سيضطر لدعوة ليس فقط الأصدقاء، بل أيضًا النبلاء الكبار الذين يتعامل معهم.
لكن ليس الجميع أصدقاء.
فكما يوجد المقربون، يوجد كذلك من لا يُطيقون بعضهم.
ولهذا لا تكفي مرةٌ واحدة أو مرتين.
“لكن الحفل الدبلوماسي سيُنهي الأمر دفعةً واحدة.”
“من كلامك، لا يبدو أنه سيكون حفلًا سهلاً.”
“هذا واضح.”
قالها الدوق باستخفافٍ وهو يفتح الصحيفة من جديد.
“أظن أن شقيقي سيستغل وجودكٍ معي ليُثير شيئًا.”
“مثل ماذا؟”
“لا أعلم. سنرى حين يحين الوقت.”
كان يتحدث وكأن الأمر لا يعنيه.
وحين رمشت كلوي، زفر الدوق وأردف:
“لشقيقي تاريخٌ طويل في مضايقتي. نيّته واضحة، وسيحاول أن يفعل شيئًا مجددًا ذلك اليوم. لكن تبادل الكلام بشأن ذلك الآن لن يُجدي. من الأسهل أن ندفع بعض المال لجواسيس القصر.”
“آه، فهمت.”
اقتَنَعت كلوي فورًا.
فزواجهما نفسه لم يكن إلا بسبب الملك.
كيرتيس، الذي كان يتأملها، سأل:
“هل تندمين؟”
“كلا.”
أجابت كلوي بسرعة.
رفع الدوق حاجبيه بدهشة، ثم عاد بنظره إلى الصحيفة دون كلمة إضافيّة.
أما كلوي فقد وضعت صحنها بقوة على الطاولة وانشغلت بإنهاء باقي الصحون.
لم يسبق أن ندمت على التحاقها بالجيش في عمر الثامنة عشرة.
فالطعام كان متوافرًا، والراتب مضمون.
إذن، أن يصبح رئيسها العسكري زوجها، لم يكن أمرًا يستحق الندم.
فما وقع قد وقع ولا سبيل لتغييره.
الطعام لذيذ، ولديها الآن خادمةٌ خاصّة لم تحلم بها قط.
إذن، بدلًا من التفكير الفارغ، الأفضل أن تملأ بطنها.
وبينما كانت تُنهي صحنًا آخر، قال كيرتيس:
“أخبرتُ الخادم بأن يُعد قائمة الهدايا التي وصلتنا بمناسبة الزواج. خذيها بعد الطعام.”
رمشت كلوي.
“لا تقصد أن أبيعها في الرهن، أليس كذلك؟”
كيرتيس رفع طرف شفتيه بابتسامةٍ وهو ما زال ينظر إلى الصحيفة.
“قد يكون ذلك ممتعًا، لكن لا. لنترك ذلك لمابعد الطلاق. الآن يجب كتابة رسائل شكر على الهدايا.”
“آه.”
حينها فقط فهمت كلوي قصده.
ففي العادة، يقوم الخدم بكتابة الرسائل نيابةً عن أسيادهم.
لكن من اللائق أن يكتب النبلاء بأنفسهم إلى الشخصيات المهمّة.
“يا صاحب السمو، أحضرتُ المزهرية التي أمرتَ بها.”
جاء كبير الخدم يحمل مزهريةً خضراء فيها أزهارٌ ووضعها على الخزانة بجوارهما.
أشار كيرتيس بذقنه.
“إيزابيلا غلينترلاند هي من أرسلتها.”
“أوه.”
في العادة، الزوجة هي من تستلم هدايا الزواج وتوزّعها في البيت.
لكن بما أن المرسلة هي إيزابيلا، فقد شعر الخادم بالحاجة لإبلاغ سيده مباشرة.
فما أن علم، حتى أمر بإحضار المزهرية على الفور.
“سيكون من الأفضل أن تبدأي برسالتكِ إليها أولًا.”
لم يكن صعبًا على كلوي أن تفهم المغزى: فالملك سيبحث بالتأكيد عن أيّ ثغرة.
أمالت رأسها قليلًا وسألت:
“…هل من المعتاد أن يُرسل الشخص المرفوض هدية زواج؟”
ضحك كيرتيس بسخرية.
“ربما لهذا السبب كانت رخيصة.”
نظرت كلوي مجددًا إلى المزهرية.
رخيصة؟ لكنها جميلةً جدًا.
الزجاج الأخضر كان معتمًا قليلًا، لكنه كان يلمع بنور الشمس بطريقة راقية.
“بما أنكِ كتبتِ الكثير من الرسائل بدلًا عني سابقًا، فلن تكون هذه مشكلة.”
“هذا لا يهمني. لكن هل يمكنني كتابتها في مقر الحرس؟”
كيرتيس نظر إليها بدهشة.
“تنوين العودة إلى عملك اليوم؟”
“نعم.”
عاد كيرتيس ليفتح الصحيفة مجددًا وقال:
“أظن أن من الأفضل أن ترتاحي قليلًا في الوقت الحالي.”
“ماذا؟”
حدّقت فيه بعينين مشككتين.
‘هل تنوي إبقائي هنا لتستغلني أكثر؟’
قرأ كيرتيس تلك النظرة وهزّ رأسه ساخطًا.
“زوجتي، إلى متى ستبقين بملابس النوم؟”
“آه.”
وفعلًا، لقد نسيت الأمر.
نظرت كلوي إلى نفسها فرأت أنها ترتدي رداءً فضفاضًا مُستعارًا.
كانت تتناوب بين ملابس الضيوف أو بعض فساتين الملكة ميلدريد الكبيرة والواسعة.
“ثم ألم نتحدث قبل قليل عن الحفل الدبلوماسي؟ هل ستذهبين إليه بملابس النوم؟ أم بزيّكِ العسكري مجددًا؟”
‘لكن…’
كلوي تجرأت لتُعبّر عن تساؤلها الذي كان يلازمها منذ أيام.
“أليس من المفترض أن يتم شراء مثل هذه الأشياء لي تلقائيًا؟”
“مَن؟”
“الخدم…؟”
ارتسمت على وجه كيرتيس نظرة أكثر احتقارًا.
“أيُّ دوقة في العالم ترتدي ما يشتريه الخدم؟”
“أوه، أليس كذلك؟ لكن وليّة العهد…”
تذكرت كلوي مقالة قرأتها تقول إن وصيفة وليّة العهد، الآنسة روتيد، كانت المسؤولة عن ملابسها.
كيرتيس أطلق تنهيدةً طويلة ليُخبرها أن تفكيرها خاطئ.
ثم قرع الجرس فحضرت جوليا.
وبعد أن استمعت للقصة، ابتسمت ابتسامةً متكلّفة.
“عائو روتيد اشتهروا منذ زمنٍّ بعيد بالقماش الفاخر. والآنسة روتيد تُعرف بذوقها الرفيع بين النبلاء.”
“ألا يُمكن ترك الأمر لجوليا إذن؟”
“يمكنني مرافقتكِ لمقابلة الخيّاط، لكن القرار يجب أن يكون لكِ.”
‘لا يصلح إذن.’
فهمت كلوي ما تعنيه جوليا: عليها أن تختار القماش والتصميم بنفسها.
إلا إذا كان لديها صديقةٌ نبيلة ذات ذوق رفيع.
“أليس لديكِ صديقات؟”
سألها كيرتيس فجأة.
“لديّ الكثير من الرجال الذين خالطتهم في الحرس.”
“إذن دوقة لديها الكثير من الأصدقاء الرجال؟ سيُسعد الصحافة ذلك.”
“أهذا ممنوع؟”
“لا. لكن دعوة الرجال لاختيار ملابسكِ غير واردة.”
بالطبع لم تكن تفكر في ذلك أصلًا.
زفرت كلوي بيأس.
فأشعل كيرتيس اهتمامها بخفةٍ وهو يطرق الطاولة بأصابعه.
“إذن، هل زُرتِ شارع بابيتين من قبل؟”
شارع بابيتين.
أشهر شارعٍ في إيفانيس، مكتظ بمحلات النخبة.
“زرتُه مرتين فقط. مرة لشراء الحلوى، ومرةً أخرى حين تلقيت هدية الحلوى.”
“وأنتِ براتب أربعين ألف سينغ؟”
رمقته كلوي بنظرةٍ حادة، لكنه لم يتأثر.
“اذهبي واختاري بنفسكِ. سترين بمرور الوقت ما هو الجيد وما هو السيء.”
“لكن هذا لا يحدث بين ليلةٍ وضحاها.”
“أعرف.”
شبك يديه تحت ذقنه وابتسم بخفة.
“لا أتوقع الكثير. فقط جربي. ولن أعدّ ما تنفقينه الآن من مصاريف المحافظة على هيبة الدوقة.”
كان منظره متعاليًا أثار غيظها.
فحدّقت فيه بحدة وقالت:
“وماذا لو أنفقتُ أموال القصر بأكملها؟”
“لستُ أتوقع ذلك مِمن كانت تعيش براتب أربعين ألف سينغ.”
أيّ أنه لا يتوقع أن تُنفق الكثير.
“وأظن أن شقيقتيكِ لا تملكان الكثير من الملابس أيضًا. خذيهن معكِ. وسأرسل حرسًا لحمايتكن.”
حتى ليا وإيرس فكّر فيهن.
بالتأكيد هو يظن أنها لن تستطيع إنفاق الكثير.
إذن لا بدّ أن تُريه العكس.
كلوي أنهت إفطارها بعزم.
***
إيزرا، قائد الفصيلة الثانية في الحرس الملكي، شهق.
“ما هذا بحق السماء؟”
فيليب، كبير خدم قصر الدوق بيرك، رمش بدهشة.
“ألا تعرف؟ هذا يعني أن زواج الدوق قد تم رسميًا…”
“…أعرف! أعرف ذلك!”
إيزرا بدأ يتخبط بارتباك.
لكن مهما فعل، فإن ذلك الشيء الشنيع المُعلّق على قصر الدوق لم يختفِ.
أغمض عينيه بقوة.
‘ما هذا بحق السماء؟’
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 37"