الخادمات اللواتي كنّ يرفعن الطاولة من غرفة نوم الزوجين حديثي الزواج بعد ليلة زفافهما أمس، ضحكن وهنّ يختبئن خلف الباب.
‘يبدو أنهنّ يتهامسن بصوتٍ منخفض على حدّ ظنّهنّ، لكن كلّ شيء مسموع، أيتها السخيفات.’
جلست كلوي بوجهٍ متعب أمام الطاولة وهي تفرك جبينها. ربما بسبب أنّها لم تستيقظ تمامًا بعد، إذ كان لديها صداع. سألتها الخادمة جوليا، التي وضعت الإفطار أمامها بقلق.
“هل أنتِ بخير يا سيدتي؟”
“نعم، أنا بخير يا جوليا. فقط أشعر بالتعب. هل يُمكن أن يكون هناك نوعٌ من الحساء الصافي؟”
“سأحضره من المطبخ. وأيضًا، بما أنّكِ أصبحتِ الآن دوقة، فتكلّمي براحةٍ أكثر.”
وضعت الخادمة اللطيفة أمام كلوي حساءً صافيًا وخضارًا دافئة مهدّئة للمعدة، مع خبزٍ وفاكهة مرتّبةٍ بشكل أنيق، ثم تراجعت.
كانت الرائحة مذهلة. لكن تلك المتعة لا يشعر بها المرء إلا إن نام جيدًا.
بسبب قلة النوم في الليلة الماضية، لم يكن لدى كلوي أيُّ شهية. أمسكتْ الملعقة الفضية بيدها وحرّكت الحساء مرّتين بلا اهتمام.
“أفرغتِ نصف زجاجةٍ من ذلك الشراب القوي، فلا عجب أن تشعري بصداع.”
صوتٌ هادئ قال ذلك. كان الرجل قد جلس أمام الطاولة قبلها بوقتٍ طويل، يقرأ الصحيفة.
كيرتيس شان بيرك. الرجل الناضج الذي بدا متأهّبًا منذ وقت، جلس بشجاعةٍ يحتسي الشاي ويستمتع بوقته.
كلوي أعادت الحساء إلى الوعاء وهي تحدّق فيه بحدّة. لكن العينين البنفسجيتين المبتسمتين خلف الصحيفة لم تتفادَ نظراتها. في النهاية لم تستطع إلا أن تقول:
“إلى جانب زوجٍ يُرهق زوجته طوال ليلة زفافهما، كيف لي ألّا أشرب؟”
“يا إلهي” همست خادمةٌ شابّة كانت واقفةً في الزاوية، وقد احمرّ وجهها. كان في الكلام إيحاءٌ قد يُفهم على نحوٍ آخر، لذا بدا ردّ فعلها طبيعيًا.
لكن الحقيقة كانت مغايرةَ تمامًا.
كلوي قضت الليلة الماضية تدفع ثمن كونها أصبحت دوقة.
فقد اضطرت لمعالجة أكوام الأعمال المتراكمة في مكتب كيرتيس.
وبعد أن أشار بيده للخادمات كي يغادرن، أجاب ببرود:
“لا أظنّ أنّنا بقينا طوال الليل. لقد نمتِ قليلًا.”
هل كان شعورها بأن الملعقة الفضية في يدها قد انثنت قليلًا تحت قبضتها مجرّد وهم؟
بمجرّد أن غادر كلّ الخدم الذين كانوا يخدمون مائدة الإفطار، وضعت كلوي الملعقة بعصبية.
“قلتَ إنك لن تُرهقني بعمل إضافي.”
“هذا صحيح. لكن واجبات الدوقة شيءٌ آخر.”
ارتفع حاجباها بحدةٍ أمام هذا التلاعب السخيف. في ليلة الزفاف، حتى قبل بزوغ الفجر، يكلّفها بأعمال ويبرّر ذلك بأنّها ذواجبات الدوقة؟
لم يكن كلامه خطأ تمامًا. فالأوراق التي تعاملت معها البارحة كانت في الحقيقة من واجبات الدوقة.
كيرتيس لم يمكث طويلًا بمفرده في القصر بعد الحرب. لكن مسألة الملكية شيءٌ مختلف عن مسألة الإقامة.
هذا القصر الذي كان في طفولته ملكًا للملكة ميلدريد، أصبح ملكًا لكيرتيس شان بيرك بعد وفاتها. بالنسبة للخدم الذين ظلّوا فيه، كان ذلك زمنًا صعبًا.
بعد وفاة ميلدريد، صار الوصي هو من يدير أملاك الدوقية. لكن الإدارة شيء والاستهلاك شيءٌ آخر.
مثلًا: تجهيز الصحون للضيوف أو تزيين القصر بحسب الفصول لم يكن من مهام الوصي.
وبمرور عشر سنوات من الإهمال، تراكمت الأمور بشكل هائل.
“حتى مصاريف صون كرامة الدوقة ليست مجانية. في رأيي، هي نوعٌ من الراتب أيضًا.”
إذن، حين منحها عشرة ملايين كـ’مصاريف كرامة’، كان قد فكّر حتى في هذا الأمر. لا شيء مجاني في هذا العالم. قالت كلوي وهي تكزّ على أسنانها:
“إذا كانت تلك الأعمال عاجلةً لدرجة أن عليّ إنجازها في ليلة زفافي، ألم تفكّر ولو قليلًا في إنجازها بنفسك مسبقًا؟”
“ولماذا؟ كان سيُحلّ الأمر بعد الزواج على أيّ حال.”
فكّرت كلوي. ‘ربما كان القتل هو الجواب بعد كل شيء، لا الزواج.’
“كان يُمكنك أن تنتظر حتى أنام قليلًا.”
“أعتقد أنّنا أنهينا هذا النقاش بالأمس.”
“أعلم. لكن ألا يحقّ لي التذمّر؟”
بالطبع لم يكن سبب إعطائها تلك الأوراق فقط لإزعاجها بسبب قلة النوم.
اختيار لون الستائر، أخضر أم أزرق، أمرٌ يُمكن تأجيله. لكن لم يكن كل شيء كذلك.
ارتشفت كلوي الماء بسرعة وهي تتفحّص الغرفة.
غرفة دوق أنيقة للغاية. لكن هناك أمرٌ غريبٌ واضح.
منذ أن دخلت غرفة النوم أمس بعد المرور بغرفة الاستقبال، حاولت معرفة سبب ذلك الشعور الغريب. وحتى أثناء مساعدَة جوليا لها على خلع رداءها، كانت شاردة الذهن بسبب هذا.
ولمّا أنهت أعمال “واجبات الدوقة”، فهمت أخيرًا ما الأمر.
الغرفة، رغم جمال أثاثها، كانت تخلو من اللوحات الجدارية على السقف، على عكس غرفة الاستقبال. بدلًا منها، كانت مملوءة بأثاثٍ فاخر، جدران مخملية وحريرية، زخارف، وبنادق طويلة وعدّة أقواس.
“ماذا؟”
سألها كيرتيس، وقد لاحظ نظراتها وهي تتأمّل الغرفة. وضعت الكأس ومسحت شفتيها ثم أجابت:
“لقد أدركتُ للتو أنّ ميولك واضحةٌ جدًّا.”
بمعنى: ‘حقًا أنتَ كما أنت.’
ضحك كيرتيس، وكأنّه فهم.
“لقد جادَلَني الخادم مرارًا حين رغبتُ بالتخلّص من تلك اللوحات الجدارية. كان يقول إنّ السيدة القادمة ستكره ذلك. منذ سنوات وأنا أريد إزالتها كلها بمجرد أن أتزوّج.”
“بالطبع.”
كانت اللوحات الجدارية رمزًا للثروة والسلطة. لكن لها جانبٌ سيّئ. إذ يسهل استخدامها للتمويه.
إخفاء قاتل بين الزخارف أو وضع أداةٍ سحرية للاغتيال بينها ليس أمرًا نادرًا.
وهذا القصر يخلو من الممرات السرية. لذا كان من الطبيعي أن يرغب الدوق في إزالة كل اللوحات الجدارية.
الأوراق التي تعاملت معها كلوي الليلة الماضية كانت أوامر باسم الدوقة تهدف إلى إزالة كل تلك اللوحات بحجة الصيانة والإصلاح.
كانت تتفهم ذلك. منذ أن دخلت الغرفة، لاحظت أنّ البنادق والأقواس لم تكن مثبتة. لم تكن مجرد زينة، بل أسلحةً حقيقية جاهزةٌ للاستعمال.
حتى إن لم يحاول الملك اغتياله علنًا، يظلّ هذا القصر بالنسبة له ضغطًا هائلًا. قصرٌ بلا ممراتٍ سرية.
وهكذا استغلّ كيرتيس الدوقة الجديدة من عائلةٍ متواضعة أبشع استغلال.
إنه قصرٌ صيفي كان الملك قد منحه للملكة. وكل اللوحات المرسومة فيه كانت من أعمال رسامين مشهورين.
والوحيد القادر على إصدار أمر بإزالتها هو “دوقة ذات أصل عسكري بلا ذوق ولا كرامة”. كما أنّ انتصارها على الخادم في الجدال ساعد أيضًا.
‘لكن، أليس من القسوة أن يحمّلني كل هذا بعد أيامٍ بلا نوم بسبب الزواج؟ لستُ ملكًا، في النهاية.’
قال الرجل فجأة، وكأنه قرأ أفكارها:
“ألم تعلمي أنّني رجلٌ سيّئ الطباع قبل الزواج؟”
“لم أقل شيئًا.”
ارتشفت كلوي ماءً باردًا مرةً أخرى. عطشها كان شديدًا.
ففي الليلة الماضية، لم يكن أمامها للشرب سوى الخمر. وما زاد الأمر أنّها لم تكن ترتدي سوى فستان حريري رقيق. ورغم أنّها ارتدت رداء الدوق فوقه، ظلّت تشعر بالبرد، لذا شربت الكحول مرارًا حتى احمرّ جسدها. لم تتوقف حتى أفرغت نصف زجاجة من ذلك الشراب الجنوبي الحارق.
“برأيي…”
“قولي.”
“لقد كنتَ محظوظًا جدًّا بالزواج منّي.”
نظر إليها كيرتيس نظرةً جانبية وضحك.
“لن أنكر ذلك.”
وخلال انهماكها في العمل، كان كيرتيس بجانبها يمارس تمارين الضغط بمئات المرّات بيدٍ واحدة. منظرٌ جعلها تضرب لسانها بسخط وهي تحاول إنهاء الأوراق بسرعة لتزحف إلى السرير عند بزوغ الفجر.
“هل نمتَ قليلًا على الأقل؟”
“ألا يجدر بزوجين قضيا ليلة زفافهما أن يتخلّيا عن الألقاب؟ ألم تقولي أمس إنكِ ستحاولين؟”
“حسنًا. حبيبي، هل نمتَ جيدًا بينما كنتَ تُرهقني بالعمل؟”
ارتجفت خدّه الأيمن قليلًا. لم يتوقّع منها أن تجيب بهذا الوضوح.
“…يكفي أن تناديني كيرتيس.”
يبدو أنه فهم الآن أنها تتعمّد الاستفزاز حين تقول “حبيبي”.
“مفهوم، كيرتيس.”
“….”
“هل لديك اعتراض؟”
“…تخلّي أيضًا عن لهجتكِ العسكرية.”
وبينما قال ذلك، قدّم لها بيده قطعة فاكهة مجففة باستخدام شوكة.
هل هذا أمرٌ بالصمت؟ في تلك اللحظة، ارتفع كمّ ردائه قليلًا فكشفت يده عن معصمٍ ملفوف بضمادٍ أبيض.
“هل أصبتَ؟ كنتَ بخيرٍ بالأمس، أليس كذلك؟”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 36"