“غرفتي وغرفتكِ متشابهتان في البنية. فلتُأخذي هذا في الاعتبار.”
قال كيرتيس ذلك وهو يدخل غرفته.
غرفته كانت فاخرةً للغاية. ربما لم يكُن يستخدم مثل هذه الغرفة سوى الملك نفسه. حسنًا، فقد كانت جناحًا بُني أساسًا من أجل الملكة، فلا غرابة في ذلك.
وإنْ كانت غرف قصر بيرك صغيرة نسبيًا، فإنّ غرفة سيد القصر تميّزت بكل وضوح.
إلى جانب صالةٍ كبيرة، كان هناك غرفتان مخصّصتان فقط للملابس والمجوهرات. وغرفة تزيين مستقلّة، وغرفة نوم بحجم الصالة نفسها، وحمام، وغرفة خاصّة بالخدم، ومكتبٌ صغير للأعمال البسيطة، كلّها على حدة.
وكان هناك سبعة وعشرون كرسيًّا وأريكة مطرّزة بأجمل الزخارف، وفي غرفة النوم سريرٌ فخم ذو أربعة أعمدة، يصلح –لو رآه أحد– أن يُقال إنه سرير ملك.
“سأُري صاحبة السمو غرفتَها غدًا.”
قالت جوليا، التي دخلت معهما وهي تبتسم بمرح، ثم بدأت تُساعد كلوي على خلع رداءها.
رمق كيرتيس كلوي بنظرةٍ سريعة. كانت مستسلمةً تمامًا لما تفعله جوليا، كأنّها شاردة الذهن بلا وعيّ.
“غدًا، الفطور سيكون في الثامنة صباحًا كالمعتاد.”
وعندما قال ذلك، سألت جوليا متعجّبة.
“أستميحك عذرًا، لكن بما أنه لا يوجد لديكم جدولٌ غدًا، فكّرت أن أجعله في وقتٍ متأخر قليلًا…”
ضحك كيرتيس بخفّة، ثم ألقى نظرةً ذات مغزى على الدوقة وقال:
“غدًا صباحًا سأكون جائعًا جدًّا على ما يبدو.”
“أوه!”
لم تُخفِ جوليا صرخةً صغيرة، واحمرّت وجنتاها وهي تُرتّب الرداء في يديها، ثم التفتت نحو كلوي وابتسمت خلسة ضاحكة.
أما الدوقة –التي صارت الآن زوجته– فبدت كأنها تحاول كبح ضحكة، غير أنّ كيرتيس وحده لاحظ ارتعاش وجنتيها.
اقتربت جوليا وهمست للدوقة بنغمة غنائية.
“هل أصفّف شعركِ؟”
“آه، لا. لا حاجة يا جوليا.”
أجابت كلوي وهي تمسك تلقائيًا بضفائرها المشدودة إلى الخلف. فابتسم كيرتيس في سرّه.
‘لا بُدّ أنّ الخادمات كنّ في حيرة!’
إنها عروسٌ حديثة الزواج. وكان من الطبيعي أن تتسابق الخادمات لتصفيف شعرها وزيّنتها لتبدو جميلة.
لكنّ الدوقة –لسبب ما– أصرت على مظهرٍ أشبه بعجوز في الثمانين، مع وجهٍ خالٍ تمامًا من مساحيق الزينة.
والسبب، أنّ الدوق لا يحتمل رؤية شعر المرأة مبعثرًا بجواره في السرير. أما الخادمات اللواتي لم يعلمن بذلك، فقد اضطررن لتزيينها على هذا النحو الكئيب، وما أشدّ ما ضاق بهن الأمر.
لم تفهم جوليا شيئًا من ذلك، فمالت برأسها متسائلة:
“لكن لا يُمكنك النوم هكذا…”
“لا بأس. سأهتمّ بالأمر بنفسي!”
وبما أنها قالت ذلك، لم يبقَ للخدم ما يفعلونه. خصوصًا بعد أن شاهدوا كبير الخدم يُعاقَب لمجرّد أنه لم يُلاحظ إرهاقها.
“إذن نترككم الآن.”
“سنبقى خارج الغرفة. إن احتجتم إلى شيء، ما عليكم سوى المناداة.”
تراجعت جوليا وهي تلوّح سرًّا لكلوي بعلامة تشجيع.
‘أتمنى لكِ ليلةً سعيدة!’
قالتها بشفتيها بلا صوت، في مشهدٍ بدا مثيرًا للسخرية أكثر من أيّ شيء آخر. أما السرّية فلا وجود لها، إذ رأى كيرتيس ذلك كلّه.
‘ما أشدّ أوهامهم.’
لكن سواء صدّقوا أم لا، فما إن أُغلِق باب الغرفة حتى ظلّت كلوي جامدةً في مكانها، تحدّق نحو الباب بثبات.
لم يُعرها كيرتيس انتباهًا، وتوجّه نحو السرير. كان الطعام الخفيف والمشروبات والشموع العطرة قد أُعدّت بعناية، في ترتيبٍ نموذجي لليلة الزفاف.
وبينما كان يملأ كأسًا بالنبيذ، خفتت أصوات خطوات الخدم تدريجيًا حتى أُغلق باب الصالة البعيد.
اقترب من كلوي التي ما زالت واقفةً كالصنم، ثم رفع كأس النبيذ وسند حافته الباردة على خدّها المستدير.
“أتُصلّين واقفةً هناك؟”
“آه!”
ارتجفت كلوي متفاجئةً من برودة الكأس، واستدارت نحوه بسرعة.
عينها الوردية المستديرة انعكست في ضوء الشموع، فتلألأت بلون قرمزي زاهٍ. لم يكن فيهما سوى دهشةٌ صافية، لا غير.
ولسببٍ ما، راوده شعورٌ مشاكس حين رآهما. ربما لأن وجهها الواضح النقي بدا وكأنه يجهل تمامًا ما دار في ذهنه المعقّد طوال اليوم.
التعليقات لهذا الفصل " 34"