“هل الدوقة زوجتي لديها هواية في إعادة الكلام الذي يقوله الآخرون؟”
على المائدة العريضة الكبيرة، وبينما أنهت كلوي طعامها للتو، رفعت بصرها بكسل نحو الأمام. وهناك، وقد التقت عيناهما، أضاف كيرتيس فورًا:
“تمامًا مثلما فعلتِ مع كبير الخدم قبل قليل. اكتشفتُ مؤخرًا أنّ بعض كلماتي تعود إليَّ على لسانكِ.”
يبدو أنّه تذكّر أنّه هو نفسه مصدر عبارتها السابقة عندما سخر منها وقت اختيار الفستان قائلًا: “هل ستتركين زيّ المراسم وتغلي الحساء به؟”.
رمقت كلوي بنظرةٍ جانبية الخدم القائمين على خدمة المائدة. ربما بسبب ما حدث مع كبير الخدم في الباحة قبل قليل، كان الخدم يتحرّكون في صمتٍ مطبق وحذرٍ شديد.
لكنها لم تكُن لتتحدّث بلا احتراز، فأراحت الشوكة من يدها وقالت:
“أليس من الواجب على المرء أن يحيا متذكّرًا أنّ ما يقوله للآخرين قد يعود إليهم يومًا ما؟”
“….”
المعنى الواضح: إلى الآن لم تكنَ تُعامله حتى كإنسان. ضاقَت عينا كيرتيس ولم ينبس ببنت شفة.
أما كلوي، فلم تأبه بصمته، واتكأت على الكرسي تستمتع بالوجبة.
‘أن الطعام… لذيذًا حقًا.’
بدرجةٍ تدعو للدهشة، لم تكن تدري أنّ طعام القصر ممتازٌ إلى هذا الحد.
‘هل كان الطعام دومًا هكذا؟’
لقد دخلت كلوي إلى قصر الدوق قبل أسبوعٍ واحد فقط. لا شك أنّ طهاة القصر ظلّوا يُعِدّون الطعام بإخلاصٍ لضيوف المبنى الملحق طوال تلك الفترة.
لكنها إذ تفكّر الآن، كان ذلك الأسبوع بعيدًا كلّ البعد عن الاعتياد. زواجٌ مفاجئ أشعل ازدحامًا جنونيًا، والتوتر بلغ أقصاه. لعلّها آنذاك كانت ستجد طعم الورق حتى في أشهى الأطعمة.
أما الآن، وقد انقشع التوتر، فالوضع مختلفٌ. حتى الجدال الذي خاضته مع كبير الخدم ساعدها على الاسترخاء.
‘فيليب ديلتانغ. كان خادمًا للملك، فلا شك أنه يراقبني بعينٍ حادّة ليقتنص أي هفوة.’
كلمات الدوق التي حذّرتها منه تبيّن أنّها لم تكُن كذبًا. فلقد ضحك الخدم في سرّهم، وابتسم كبير الخدم بخبث حين انزلقت على الدرج.
كانوا على يقينٍ بأنها لن تردّ ردًّا لائقًا حفاظًا على مظهرها الرزين، لكنّها، بخبرتها، كانت تعلم أنّ الصراحة المباشرة أجدى في مثل تلك المواقف.
وفوق ذلك، كان لكبير الخدم نقطة ضعفٍ خطيرة: لا يُمكنه أن يُطرد.
فهو بحاجة للبقاء في القصر ليستمرّ في دوره كعيْنٍ للملك.
ومن حسن حظها أنها لعبت دور المجنونة، فأُرغم على أداء فحص الخدمة العسكري أمام مئة شخص!
‘لن يجرؤ على العبث بالخدم لبعض الوقت.’
هذا ما قاله كيرتيس ضاحكًا حين دخل القصر.
الانتصار على الخصوم جعل من المائدة مأدبة نصرٍ أشهى، وقد استمتعت بكل لقمة.
‘وخصوصًا لحم البط المشوي… يا له من طعم!’
لم تكن قد وضعت لقمةً في فمها منذ صباح الزفاف الملعون ذاك.
كادت تلتهم وعاء الحساء كلّه من شدّة جوعها، لكنّ الطباخ أطال شرحًا عن كيفيّة شوي البط ثلاثة أيامٍ كاملة.
إلا أنّ الانتظار كان يستحق العناء، فالنكهة أقنعتها فعلًا. قيل إنّ تلك الوصفة ابتكرها أحد أباطرة المشرق لإطعام زوجته المريضة. لحمٌ متماسك وقشرة مقرمشة وصلصة حلوة عميقة الطعم… حتى عيونها المتعبة من السهر فُتحت من جديد.
‘قصر الدوق… أنه الأفضل!’
التهمت الأطباق واحدًا تلو الآخر حتى الفاكهة الأخيرة، وامتلأ قلبها بالرضا.
وسخرت من نفسها قليلًا: ‘كم أنا سطحيةٌ، أجد السعادة في طعامٍ كهذا.’
لكنها اعترفت بصِدق: لأوّل مرّة منذ بداية هذا الزواج المزعج، شعرت أنه ليس سيئًا على الإطلاق. فمثل هذه الأطعمة لا تُشترى بالمال.
‘…وسأحظى بمثل هذا غدًا صباحًا أيضًا؟’
حين أدركت هذه الحقيقة، خفق قلبها بقوة.
‘لأنني أصبحت الدوقة، سأتمتع بمثل هذه الوجبات في كل يوم؟!’
بل ومن المؤكد أنّ إفطار الغد سيكون مختلفًا! فهل يُعقل أن يُقدّموا لهما القائمة نفسها كل يوم؟
رغم امتلاء معدتها، عاودها اللعاب في فمها.
في تلك اللحظة، فتح كيرتيس فمه:
“كلوي.”
“كـ… كحّ كحّ!”
سعلت فجأة، فأسرع أحد الخدم إلى تقديم المنديل. نظر إليها كيرتيس بميلان ساخر. تجنّبت عينيه وقالت متلعثمة:
“مجرد أنّك ناديت اسمي أمام الناس… أربكني قليلًا.”
وسط دوّامة الأحداث الكثيرة، كادت تنسى أنّ وجوده ما زال يبعث في نفسها نفورًا عميقًا. طوال حفل الزفاف كان يخاطبها: ‘يا سيدتي’، أو ‘الآنسة إمبرويز’، أو ‘الدوقة’. فجأةً ناداها باسمها، فشعرت كأنها تعرضت لهجوم.
‘هل يحاول اغتيالي؟ إخافتي حتى أموت اختناقًا؟’
ذلك الرجل قادرٌ على مثل هذا. حدّقت به بريبة، فأجاب بابتسامةٍ جانبية.
“ألستِ اعتدتِ بعد؟ يجب أن تعتادي يا دوقتي.”
فكرت لحظة: أيّهما أسوأ؟ ‘كلوي’ أم ‘دوقتي’؟ لم تستطع أن ترجّح.
“سأحاول، يا ‘كيرتيس’… حبيبي.”
ارتجف فم كيرتيس بابتسامةٍ مكتومة. أما هي، فقد تضاعف رضاها.
“لكنّي أقول لكِ، كلوي، الأشخاص الذين يلحّون لا أجدهم جذّابين. أحيانًا، أودّ أن أحطّمهم.”
ابتسمت ابتسامةً دافئة وقالت:
“أتقصدني؟”
“بالطبع لا. أنا أحبكِ.”
كاد يختنق بالشراب الذي يشربه، ولم يسمع الخدم شيئًا، لكنّها سمعته بوضوح. ازداد سرورها ثلاثة أضعاف، وأضافت بسخرية رقيقة:
“وأنت أيضًا يجب أن تعتاد.”
لا شك أنّ الشبع زادها جرأتها. استطاعت أن تقول ذلك من دون أن يضطرب قلبها.
وبعد أن هدأ سعالُه، تمتم كيرتيس:
“من الليلة ستنتقلين إلى المبنى الرئيسي.”
“أعرف.”
“غرفتكِ ستكون أسفل غرفتي مباشرة.”
كان القصر مؤلفًا من مبنى رئيسي وأجنحةٍ فرعية ثلاثة. لم يكن ضخمًا بشكل هائل، إذ بُني أساسًا كقصرٍ صيفي قريب من العاصمة.
إلا أنّه مقارنةً بالبيت الصغير الذي عاشت فيه كلوي مع إخوتها، كان هائلًا.
يقع جناح كيرتيس في الطابق الثالث من الجناح الشرقي، وغرفتها في الطابق الثاني تحته مباشرة.
“سيكون المكان ضيّقًا بعض الشيء.”
كان القصر مزخرفًا بشكل مبالغ فيه، فجعل الغرف أضيق مِمّا تبدو عليه من الخارج. تصميمه مخصّص لفصل الصيف، وهذا ما يفسّر ضيق المساحة.
“هناك غرفةٌ أخرى في الطابق الثالث من الجناح الغربي، كانت لوالدتي. أوسع بكثير، لكنني لا أنصحكِ بها.”
“ولماذا؟”
“لأنّ القصر يخلو من الممرات السرّية.”
رفعت حاجبيها بدهشة. أعاد هو ذقنه إلى راحته، مبتسمًا.
“هذا يعني أنّ القصر لا يصلح لإقامة الملوك.”
عندها فقط، فهمت سبب تمسّك الملك بإبقاء الدوق قريبًا من العاصمة بحجج شتى. فالمكان مثالي للاغتيالات.
ابتسم كيرتيس بسخرية:
“لو شبّ حريق، فالقفز من الطابق الثاني أسلم من الثالث، أليس كذلك؟”
يا له من رجل معقّد… لم تجد ردًا سوى تنهيدة صغيرة.
رفع يده معلنًا.
“كفى طعامًا.”
أسرع كبير الخدم بخطواتٍ صغيرة، مطأطئ الرأس.
“كما تأمرون. لقد أعددنا لكم ما يلزم لتستريحا في أول ليلة من زواجكما. حتى ماء الحمام جاهز.”
شعرت كلوي بقشعريرة في أطرافها.
ليلة الزواج الأولى…
…الليلة.
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 33"