“يا إلهي! أنا حقًّا أرى أنّ الدوقة في غاية الجمال…!”
ابتسمت الدوقة ابتسامةً مشرقة، غير أنّ ابتسامتها حملت برودةً كحدّ السيف. عندها فقط، أطبق فيليب فمه. فقد تلقّى قبل قليل توبيخًا حادًّا لجرأته على تقييم من هم فوقه.
“كيرتيس.”
“تكلّمي.”
“قصرك شديد التهاون على ما أرى؟ مع أنّك لا تسمح لمرؤوسيك أن يكرّروا نفس الكلام مرتين.”
ضحك كيرتيس بخفّةٍ، ومسح فمه بيده.
“قصري ليس جيشًا.”
“لكنّه يظلّ قصرك.”
قالت الدوقة ذلك، ثم أعادت نظرها نحو كبير الخدم. فسارع فيليب إلى التبرير.
“حين مددتُ يدي قبل قليل، حاولتَ أن تقبّلها ثم عدلتَ عن ذلك، أليس كذلك؟ ثم أعدتَ القول بأنّك مسرور للقاء سيّدةٍ يُمكنك أن تقبّل يدها. أليس في هذا ذمٌ لي؟”
سال العرق على ظهر فيليب كالمطر.
“ذ… ذلك مجرّد عادةٍ عند التعامل مع السيّدات من الطبقة النبيلة…”
“إذن، فأنتَ ألمحتَ أنني لستُ حتى بمستوى سيّدةٍ عاديّة.”
“كلا! لم أقصد هذا…”
قالت الدوقة بصوتٍ صارم وهي تطوي ذراعيها وتنظر إليه من أعلى الدرج. الغريب أنّها لم تكن تقف إلّا ثلاث درجات فوقه، ومع ذلك بدت شامخةً مخيفة.
“قد يكون من الجيّد أنّك أردتَ أن تُظهر جهلِي بأعراف النبلاء، لكن اعلم أنّي لستُ غافلةً عن كلّ شيء. أعرف جيّدًا أسلوبكم في التلميح والذمّ غير المباشر. وأسلوبك أنت بالذات بدا لي كأنه مأخوذٌ بحذافيره من فصل (القدح) في كتب البلاغة الرفيعة.”
شعر فيليب أنّه يكاد يُغمى عليه. كانت مُحِقّة. لقد استعمل الأسلوب كما في الكتب تمامًا، لكنّها قلبت سلاحه عليه وصفعته به.
“حبيبي.”
كان كلامها التالي موجّهًا لكيرتيس، لكنّه جعل فيليب يقفز من مكانه كمن لدغته أفعى.
“أشعر أنّ كبير الخدم هذا يلمّح إلى أنّني جئتُ من أصلٍّ وضيع، أتراني أبالغ في شعوري؟”
لم يكن سؤالًا بقدر ما كان تأكيدًا. فزع فيليب ملوّحًا بيديه.
“مستحيل! لم يخطر ببالي شيءٌ من هذا القبيل! قلبي مخلصٌ تمامًا في خدمة الدوقة، بلا شائبةٍ ولا غمّة!”
صرخ بتوسّل، لكن فجأةً جفل جسده. فقد لمح نظرات السخرية على محيّا كيرتيس، ورأى وجوه الخدم الصامتة المترقّبة. لقد تحوّل المسرح الذي أعدّه للسخرية من سيدته إلى فخٍّ سخر منه هو نفسه.
‘يا إلهي… هل خطّطت هي لكلّ هذا؟’
بدأ يشكّ أنّ الدوقة أذكى وأمكر مِما تخيّل.
لكن ما جدوى التفكير؟ فها هو الوحش كيرتيس بيرك يقف خلفها، يحدّق به بعينيه المجرّدتين كالسيوف.
“مؤسف. يبدو أنّك ستضطر قريبًا إلى خدمة سيدٍّ جديد.”
“ماذا؟!”
كانت كلماتها واضحة، لا تحتمل التأويل: تهديدٌ بالطرد.
لكن… هو خادمٌ سابق للملك! لقد وضعه الملك هنا بنفسه! حتى كيرتيس، مع كلّ كرهه له، لم يجرؤ يومًا على عزله، لأنّ ذلك سيكون صفعةً مباشرة في وجه الملك. فهل يمكن لهذه المرأة أن تجرؤ على ذلك؟
‘هل… هل يمكنها فعلاً؟’
تجمّدت عيناه وهو يتخبّط في أفكاره. لقد هزّت يقينه لدرجة أنّه بات غير متأكّدٍ من شيء.
“يكفي هذا.”
صوت كيرتيس قطع الموقف.
“صحيح أنّ الملك هو من أرسلك، ولا يجوز طردك بلا سبب، وإلا أغضبنا الملك.”
فيليب تطلّع إليه كالغريق المتشبّث بخشبة إنقاذ. كان دائمًا يلعن هذا الدوق، أمّا الآن فقد بدا له كمنقذٍّ سماوي.
“لكن، يا حبيبي.”
“تكلّمي.”
“أنا فعلًا قد نزعجت.”
“صحيح.”
تلاشت طمأنينة فيليب في لحظة. حتى الخدم بدوا وكأنَّ أنفاسهم محبوسة.
“إذن، ما رأيكَ؟”
“في ماذا؟”
التفت كيرتيس إلى فيليب بابتسامةٍ غامضة.
“يا فيليب. لا أريد طردك احترامًا لأخي الملك. لكنّكَ أفسدت أوّل يومٍ لزوجتي هنا. فعليك الاعتذار… كما ينبغي.”
“بالطبع، أعتذر! وأرجو الصفح من قلبها الرحب…”
“بالجسد.”
“ماذا؟!”
رفع فيليب عينيه مذهولًا، ليرى ابتسامةً ماكرة على شفتي كيرتيس.
“ألم تسمع بالتفتيش الانضباطي؟”
أجفل فيليب. سمع عن هذا من قبل… كان الضبّاط المتأخرون عن التجمّع يُجبرون على الانبطاح وطرق الأرض برؤوسهم! هل يطلب منه الدوق هذا الآن؟
“ما رأيكِ، حبيبتي؟”
التفت فيليب بوجهٍ شاحب إلى الدوقة. رفعت شفتيها بطفوليّةٍ متدلّلة.
“وإن قلتُ لا، هل ستسمع كلامي؟”
“أيُّ شيءٍ إلا الطرد.”
“اممم.”
أمالت رأسها تفكّر لحظة، ثم قالت:
“الإعدام رميًا بالرصاص؟”
الإعدام! تجمّد دم فيليب في عروقه.
لكن كيرتيس ابتسم كأنها قالت نكتة، وقرص خدّها برفق.
“أترين؟ زوجتي شديدة القسوة. لا أستطيع مواجهة الملك بوجهٍ كهذا. فأنتِ، ما قولكِ؟”
“أقول إنني أيضًا أخطأتُ فقط بسبب فرحتي بلقاء كبير خدم جديد.”
قالتها ببراءة مصطنعة. كانت تعيد عليه كلماته نفسها.
“فلتكن زلّة، ولتكن يدي قد انزلقت فأمسكت بالمسدّس فأطلقت النار بالخطأ. أنا خدمتُ في البحرية، أليس كذلك؟ ربما يصدّقونني.”
شعر فيليب أنّه على وشك الإغماء.
توسّل إلى كيرتيس بعينيه. فردّ الدوق بابتسامة.
“إذن، يا ديلتانغ. إن لم تضع جبهتك على الأرض حالًا، ربما زوجتي تضغط الزناد.”
شهقت الدوقة بتصنّع: “حقًّا؟!”
لم يفكّر فيليب لحظة. خرّ برأسه إلى الأرض بكلّ قوّته حتى دوّى الصوت. وأخذ يصرخ:
“أعتذر يا مولاتي الدوقة!”
“أوه.”
نظر كيرتيس إليها بجدّيةٍ مصطنعة.
“ما العمل يا دوقة؟ لقد دخل في الانضباط الآن. والقوانين تمنع معاقبة من عوقب بالفعل.”
“آه، يا للخسارة!”
قالت الدوقة بامتعاضٍ طفولي، وهي تضرب الأرض بقدمها. شعر فيليب براحةٍ قصيرة، نجا من الرصاص.
لكنّ العار لم ينتهِ. فقد رفع عينيه قليلًا، ليرى كلّ الخدم مجتمعين، يحدّقون به بذهول بينما هو منبطحٌ كالخروف.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 32"