كان المنظر، وهي تترنّح حتى كادت تجلس على الدرج، حقًّا يستحقّ المشاهدة.
“جلالتكِ!” صاحت جوليا مذعورةً وهي تسرع لتسندها.
ضحكة مكتومة “كك” انطلقت من بين بعض الخدم ثم تلاشت سريعًا. كان كبير الخدم قد أوعز إلى جواسيس الملك الذين يعملون مثله بأن يسخروا إذا أخطأت السيدة عمدًا.
فيلّيب، وهو راضٍ، داعب شاربه ونفخ صدره. ثم صعد بضع درجات من قاعة الاستقبال الكبرى وانحنى بانحناءةً مبالغٍ فيها.
“أهلاً بكِ، يا صاحبة السمو الدوقة. أنا كبير خدم هذا القصر، فيلّيب ديلتانغ.”
المرأة ذات الشعر الأزرق الداكن المرفوع لم تلتفت إليه إلا حينها. فانحنى فيلّيب مجددًا بعمق.
“أخيرًا سيعود النشاط إلى قصر بيرك. هذا يفرحني.”
“أيعني ذلك أنّه لم يكُن هناك نشاطٌ من قبل؟”
كان الردّ الساخر صادرًا عن كيرتيس، الذي كان يتبعهم بخطواتٍ بطيئة وهو يراقب الموقف.
لو كان الأمر بين سيدٍ وخادمه عاديين لاعتُبر مجرّد مزاح، غير أنّ الموقف أقرب إلى تبادل الهجوم علنًا. ضحك فيلّيب ضحكة جافة نافيًا
“أبدًا. إنّما قصدتُ أنّه في قصرّ كان يقيم فيه رجلٌ وحيد، قدِمت سيّدةٌ جميلة. وفوق ذلك جاء ذلك بمناسبة الزواج، لذا أتوقّع أفراحًا أكثر تنوّعًا.”
مظهرها لا يُصدَّق أنّه أسر قلب الدوق. ربما ذوقه غريبٌ حقًّا، وهذا ما منح فيلّيب مادّةً جديدة للتندّر.
وبينما الدوقة الجديدة بالكاد استجمعت نفسها ونزلت الدرج، مدّت يدها إلى فيلّيب بجانبها.
“هممم، حسنًا. سررتُ بلقائك، ديلتانغ.”
كان فيلّيب على وشك تقبيل ظهر يدها، لكنّه توقّف لحظة ثم صافحها بشكلٍ مرتبك. كانت السيدة، الواقفة على الدرج أعلى منه بثلاث درجات، قد مدّت يدها لمصافحته.
مصافحة؟ لم يسمع قط عن سيّدةٍ نبيلة تطلب مصافحةً كالرّجال. وفوق ذلك، أيّ لهجةٍ جامدة هذه؟ ألا تعرف أنّها يجب أن تخاطب الخدم بنبرةٍ فوقيّة؟
“أنا كلوي أمبرويز… لا، كلوي لو ديفد بيرك. أجهل الكثير، لذا أرجو مساعدتك في أمورٍ شتّى.”
“هذا شرفٌ كبير يا سيدتي.”
لكن بدلاً من إضافة شيء، انحنى فيلّيب بعمقٍ أكبر.
“يسعدني أن أخدم سيّدة يُمكنني أن أقبّل ظهر يدها.”
كانت عبارته تلك إهانةً مقنّعة للدوقة الجديدة، لكن يصعُب وصفها علنًا بغير ذلك؛ فهي تبدو كجملة مجاملةٍ عادية.
‘قالوا إنّها فتاةٌ من عائلةٍ فقيرة، يبدو أنّها لم تملك حتى الخدم.’
لو تدخّل الدوق الآن في كلام خادمه، فسيبدو أنّ الدوقة الجديدة تعاني من قصور، لذا كان متوقّعًا أن يلزم الصمت.
غير أنّ ما لم يحسبه فيلّيب هو أنّ هذه الدوقة الجديدة لم تكن من النوع الذي يُعنى بالشكليات. فلو كانت كذلك لما تزوّجت الدوق من الأصل.
“حبيبي.”
اتّسعت عينا فيلّيب كالصحون.
‘ماذا سمعتُ للتو؟’
كان لقبًا سوقيًّا لا يُستخدم حتّى بين الأزواج العاديّين، والآن أطلقته الدوقة أمام الخدم؟
نظره انصرف لا إراديًّا نحو كيرتيس. كان الدوق مشهورًا بصرامته مع الخدم؛ كلمةٌ خاطئة أو تنظيفٌ ناقص كفيل بأن يقلب القصر رأسًا على عقب. فكيف يسمح بمثل هذا الإسم غير اللائق؟
“…ما الأمر؟”
لكنّ المفاجأة كانت أنّ كيرتيس كان يعضّ شفته ليكتم ابتسامة، وعيناه مليئتان بالمودّة. احتضنت الدوقة ذراعه وأمالت رأسها بخفة.
“هل يُعدّ تجاوزًا إن قالت كلوي كلمةً واحدة الآن؟”
كانت نبرتها مختلفةً تمامًا عن صرامتها السابقة، ناعمة ومليئة بالدلال، وإن كان فيها قلّة أدب أيضًا.
غير أنّ الدوق أجاب وهو يحدّق بها وكأنّه يجدها محبوبة:
“كلوي. دوقتي، لا يوجد شيءٌ لا تستطيعين قوله في هذا القصر.”
“إذن سأقول. كبير الخدم فيلّيب ديلتانغ. سمعتُ أنّكَ كنت يومًا خادمًا لجلالة الملك. أحقًّا ذلك؟”
“هـ.. هاه؟”
ارتبك فيلّيب ورفع رأسه. ابتسمت الدوقة بخفّةٍ وهي متشابكة الذراع مع الدوق، الأمر الذي جعله يزهو من غير قصد. بدت كمن تعرف شيئًا رغم جهلها.
“صحيح. أنا ديلتانغ، الابن الخامس لعائلة ديلتانغ…”
“فهل هذا يعني أنّك تؤدّي عمل خادمٍ الملك وأيضًا عمل كبير خدم القصر معًا؟”
قاطعت كلامه ببرود. استاء فيلّيب لكنّه أجاب بسرعة:
“كلا. لقد تلقيتُ أمرًا مهيبًا من جلالة الملك أن أخدم دوق بيرك.”
“إذن فأنت الآن كبير خدمٍ فقط؟”
“نعم، لحُسن حظي.”
مهما جهلت، فكيف تجمع بين المنصبين معًا؟ كأنّ له جسدين! كبح فيلّيب نفسه عن النظر إليها بازدراء، لكن نبرته خرجت جافة. حتى الخدم من حوله بدا أنّهم يفكّرون مثله، إذ ضحك بعضهم بخفوت.
لكن الدوقة سكبت عليهم الماء البارد بقولها.
“فلماذا تتصرّف كأنك سيّدٌ أعلى؟”
اختفى الضحك من الأجواء.
شهق فيلّيب وهو يحدّق فيها. كانت تحدّق به بعينيها الوردية مباشرة.
“أأنتَ من أصرّ على لقائي رغم أنّني والدوق كنّا مرهقَين بعد مراسم الزفاف؟”
“صحيح أنّني لم أراعِ راحتكما، لكنّي شعرتُ بالذنب لأني لم أستقبلكما كما يليق منذ أن وطئتِ القصر قبل الزواج، فأردتُ الإسراع بالتحيّة.”
كان بذلك يلمّح إلى قلّة احتشامها حين دخلت بيت رجل قبل الزواج. ولم يكن هذا سوى جزءٍ من أسلوبه المحسوب، إذ يختبئ التلميح الساخر في كلام النبلاء.
إن كانت غبيّة فلن تفهم، وإن كانت ذكيّة فلن تجرؤ على الاعتراض كي لا تُفضَح.
لكن فيلّيب ديلتانغ نسي شيئًا: لو كانت من نوعٍ يحفظ ماء الوجه لما تزوّجت الدوق أصلًا.
“آه، إذن كنتَ متشوّقًا لرؤية وجه المرأة التي جاءت إلى بيت رجل قبل الزواج؟”
كادت عينا فيلّيب تبرزان.
“مـ.. ماذا تقولين؟”
لكن الدوقة تابعت بلا تردّد:
“أوليس هذا ما تعنيه كلماتك؟”
“أنا فقط…”
لم تُعره اهتمامًا وأكملت ساخرة:
“ثمّ أنت بنفسك قلتَ إنّك كبير الخدم، فهل لك أسيادٌ غيرنا إذن؟”
“لا! إطلاقًا!”
نفى فيلّيب بارتباك. كان على وشك تبريرٍ آخر لكن الدوقة قاطعته.
“سيّدك الأعلى أنا والدوق. وإن كنتَ لم تسمع أنّنا مرهقان، فهل كنت منشغلًا بخدمة أسيادٍ آخرين لا نعرفهم؟”
‘ماذا أسمع؟’
لم يصدّق أذنيه. لكنّ الدوقة ابتسمت ببشاشة.
“أم أنّك تحبّ التفاخر بعجزك؟”
قفز فيلّيب مغتاظًا. عاجز؟! لقد كان يومًا ينافس ديبوس على منصب رئيس خدم الملك!
“مستحيل! فقط لأنّنا كنّا نعاني نقصًا في الأيدي بسبب الزواج…”
“آه، إذن كلّ الخطأ عليّ أنا؟”
‘كيف تحوّل الكلام إلى هذا؟’ شعر فيلّيب بالرغبة في البكاء. لكن الدوقة واصلت بلا توقف.
“قلتَ إنّ القصر سيصير حيًّا بقدومي، وإنّ جمالي سيجلب أفراحًا متنوّعة. وها أنتَ تتجرّأ على التقييم أمام أسيادك! جعلتني أظنّ أنّك تخدم أحدًا أرفع من الدوق، كجلالة الملك مثلًا. لذلك بادلتك التقدير. لكن بما أنّ الأمر ليس كذلك، فكيف عليّ أن أفهم كلماتك؟”
“سوء فهمٍ يا سيدتي!”
لوّح فيلّيب بيديه بسرعة.
“كنتُ أعني أنّ جمالك أسعدني أنا، بوصفي كبير الخدم الذي خدم القصر طويلًا.”
“آه، يعني لو لم يكُن وجهي جميلاً لما كنتَ سعيدًا؟”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 31"