“…إذًا هذا لا يُمكن بيعه في الوقت الحالي، أليس كذلك؟ إذا كان الأمر كلّه يتعلّق بالرمزية، فهذا يعني أنّه كلّما احتفظتُ به لمدّةٍ أطول، زادت قيمته…”
إن كان ما يُمثّله هو الحب، فإنّ ما تضمنه تلك القيمة الباهظة هو استمراريّة هذا الحب. كيرتيس ضحك باستخفاف.
“لديكِ عقلٌّ لا بأس به. صحيح. في الوقت الحالي لا يُمكنكِ بيعه. لو بعتِه بعد يومٍ واحد فقط من الزواج، تخيّلي ما الذي ستكتبه الصحف حينها. سيكون مشهدًا ممتعًا.”
“اللعنة.”
تمتمت بضجر، وبينما كان كيرتيس يفكّ أزرار أكمامه، همس بصوتٍ منخفض وهادئ لا تسمعه إلّا هي:
“على أيّ حال، أنا وأنتِ سنتطلّق. عندها قومي ببيعه كما تشائين.”
أوه. كانت تلك طريقةً جيّدة. صحيح. بما أنّ مصيرهما محدّدٌ سلفًا، فما عليها إلّا أن تنتظر حتى ذلك الحين. لكنّ كلوي أمالت رأسها بحيرة. فقد كان في نبرة كيرتيس وهو يقول ذلك شيءٌ بارد أكثر من اللازم.
“إنّه غرضٌ والدتك الراحلة، فهل حقًّا لا بأس عندك أن تُعامله بهذه الخفّة، وأن تتركني أتصرف به كيفما أشاء؟”
لقد كان سؤالًا منطقيًّا، بل طبيعيًّا. وكلوي طرحته بلا تفكيرٍ عميق. لكنّ المفاجأة أنّ عيني كيرتيس ضاقتا فجأة، محتفظتين بابتسامةٍ خفيفة، لكن بهالةٍ مختلفة تمامًا عمّا قبل. أشبه ما يكون بسمّ أفعى.
“معظم الناس يمنحون الأشياء معنى لمجرّد أنّها مرّت عبر دمٍ واحد.”
“لكنّك لست من هؤلاء على ما يبدو. فهمت. حسنًا، سأبيعه إذًا بلا أيّ وخز ضمير، لِمَن يدفع أكثر.”
جاء ردّها السريع ليُضفي على عينيه البنفسجيتين بريقًا مرحًا. أمّا هي فاكتفت بهزّ يديها بضيق وهي تتمتم:
“لكنّها ثقيلة جدًّا، والحجر يدور باستمرار. أخشى أن أفقدها في أيِّ لحظة.”
“وهذا هو جمالها. سمعتُ أنّ سيدات الطبقة الراقية يعتبرن دوران الحجر بسبب ثقله نوعًا من التفاخر.”
‘يتكلّم وكأنّه هو من سيرتديها.’
قد يكون هناك من يحبّ هذا النوع من الأشياء، لكن كلوي لم تكن واحدةً منهم. أو بالأصح، ما كان يُزعجها هو اضطرارها لارتداء شيءٍ بالغ الثمن كهذا.
فهي لم تشترِ لنفسها طوال حياتها ثوبًا يتجاوز ثمنه ألف سينغ. وها هي فجأةً اليوم تُجبر على العيش وخاتم يُعادل كنزًا وطنيًّا في إصبعها.
“وماذا لو راود أحدهم الطمع بالخاتم فقطع إصبعي ليأخذه؟”
هذه المرّة حدّق كيرتيس فيها بعينين مليئتين بالشفقة على غبائها.
“لو كان الأمن في هذه البلاد سيّئًا لدرجة أنّ إصبع دوقة يُمكن أن يُقطع، فخسارة الخاتم ستكون أهون المشاكل.”
“…..”
كان كلامه صحيحًا. لم تجد ردًّا، فاكتفت كلوي بزفرةٍ طويلة وهي تخلع سترتها الرسميّة. ساعدها الخدم وعلى رأسهم جوليا في تبديل ملابسها بحرجٍ ظاهر. أمّا الضابط مونفيس فقد غادر غرفة الدوق قبل قليل بحجّة بعض الأشغال.
وما إن ارتدت ثوبها المنزلي المريح حتّى شعرت بالثقل يزول عن كتفيها. أطلقت تنهيدةً طويلة وهي ترتمي على الأريكة. ابتسم كيرتيس واضعًا ذراعيه على صدره.
“كيف كان الأمر؟”
“شعرت أنّني سأموت من الإرهاق.”
“جوابٌ صلب يعجبني.”
“سعيدة أن رأيي يسرّك.”
“إذًا فلنُنهِ باقي الأمور بالصلابة نفسها.”
“باقي الأمور؟”
ضيّقت عينيها نحو زوجها.
“هل هناك شيءٌ آخر يجب القيام به غير حفل الزفاف؟”
ابتسم ابتسامةً غامضة وهو يضع يديه خلف ظهره.
“هل كان في منزلكم خدمٌ من قبل؟”
“هل تظن؟ بالطبع لا.”
“إذًا سيكون هذا يومًا جديدًا تمامًا حتى لخَدَمي.”
ثمّ مدّ يده نحوها بإيماءةٍ مبالغٍ فيها. دون أن تُدرك السبب، نهضت لتُمسك بيده، فقادها حتى النافذة. هناك أزاح الستائر برفق، فانكشف المشهد أمامهما.
من مكتب الدوق، حيث يمكن رؤية القصر كاملًا من الأعلى، كان البستان المضاء بظلمة الليل مُشرقًا بلونٍ أبيض تحت القمر.
وعلى طول الباحة من البوّابة حتّى آخر الحديقة، كان يقف عشراتٌ العشرات من الخدم مصطفّين في صفوف منتظمة.
حبست كلوي أنفاسها. صحيح أنّها كانت تعرف أنّ للدوق خدمًا كُثر، لكن أن تراهم بأمّ عينيها بهذا الشكل، فذاك أمرٌ آخر. كان يملك رهبةً مختلفةً تمامًا عن الزفاف نفسه.
اقترب منها كيرتيس وهمس:
“أهلًا بكِ، يا دوقتي. من الآن فصاعدًا هذا منزلكِ، وهؤلاء سيكونون أذرعكِ وأرجلكِ.”
أذرعي وأرجلي؟! أليست أذرعي وأرجلي هنا معي؟
“وللمعلومة، أنّ ثمانيةً من كلّ عشرةٍ منهم جواسيس لجلالة الملك.”
شعرت كلوي بدوارٍ يُطبق على رأسها.
***
كان فيليب ديلتان، كبير خدَم قصر بيرك، خادمًا في القصر الملكي سابقًا.
وُلد كابنٍ خامس لعائلة ديلتان، وقد امتاز منذ صغره بهيبته ورزانته، ما أهّله في الرابعة عشرة من عمره لدخول قصر إيفانيس الملكي. هناك أصبح مباشرةً خادمًا للملك، وظلّ يتقدّم في خدمته بلا انقطاع حتى بلغ الأربعين.
لكنّه كاد ذات يوم أن يُفقد تلك الهيبة. كان ذلك حين أمره الملك بالتخلّي عن منصبه في القصر ليتولّى خدمة دوق بيرك.
“لولا ولائي التام، لكنتُ الآن رئيس خدم القصر الملكي بلا شك. أحمم.”
حتى من عباراته المكرّرة يُمكن استشفاف مرارة قلبه. قبل عامين، أرسله الملك ليُصبح خادم دوق بيرك بدلًا من ترقيته إلى رئيس الخدم.
“اعمل في قصر كيرتيس شان بيرك، وارفَع إليّ تقارير عن كلّ أخباره وضعفه.”
لقد كان ذلك أمرًا صاعقًا بالنسبة إليه، خاصّةً أنّه كان يتنافس يوميًّا مع منافسه اللدود ديبوس على منصب رئيس الخدم. لكنّه ابتلع دموعه، وخضع كعبدٍ مخلص لأمر سيده، ليُصبح خادمًا للدوق. ومنذ ذلك الحين، صار يرفع تقارير شهريّة للملك عن أحواله.
غير أنّ الملك لم يكن راضيًا عن تلك التقارير. وكيف يكون راضيًا وهي كلّها على شاكلة:
“عمل حتى وقتٍ متأخّر.”
“عاد إلى القصر، ثمّ نام، ثمّ غادر إلى عمله.”
“فصل خادمةً لأنّ التنظيف لم يكن مثاليًّا.”
هذا كان كلّ ما عنده. فمنذ تولّي كيرتيس منصب القائد، صار يعيش حياةً شبه غير إنسانيّة، بلا ترفيه ولا اختلاط، وكأن لا حياة شخصيّةً له أصلًا.
ومع مرور الوقت، لم يعد لدى فيليب ما يُبلّغ به. وبّخه الملك بشدّة قائلًا إنّه “لم يُرسل إلى قصر بيرك من أجل تقاريرٍ كهذه.” وكان ذلك مُذلًّا إلى أبعد حدّ، خصوصًا أنّ رئيس خدم القصر اليوم لم يكن سوى غريمه ديبوس.
‘لكن ابتداءً من اليوم سيتغيّر كل شيء!’
شدّ قبضته بحماسة.
قبل أسبوعٍ واحد فقط، أعلن الدوق بيرك فجأةً عن زواجه. لم يتوقّف الأمر هنا، بل أدخل خطيبته وعائلتها إلى القصر. وقد كان الحرس مُشدّدًا لدرجة أنّ فيليب وباقي الخدم مُنعوا تمامًا من دخول الجناح الذي خصّص لعائلة أمبرويز.
لكنّ فيليب، كبير الخدم، كان يعرف.
‘هذه ثغرة! بل فرصةٌ ذهبيّة!’
فمهما كان كيرتيس غير بشريٍّ في حياته، فإنّ وجود زوجةٍ سيُغيّر الكثير. ثمّ إنّ تلك الدوقة كانت في الأصل ضابطةً في البحريّة.
‘تفو. لصّة ضرائب إذًا. الأمر واضح.’
امرأةٌ وضيعة من أسرةٍ فقيرة، جاءت تطمع في زواجٍ أرفع منها. لا شك أنّها سترتكب الحماقات، الواحدةً تلو الأخرى، وتُعطيه ما يكفي من الموادّ لرفعها للملك. والملك، الغاضب أصلًا من زواجٍ لم يرتّبه هو، سيُسعده ذلك كثيرًا.
‘وإن استطعتُ أن أفضحها في الوقت نفسه، فخيرٌ على خير.’
وقد سبق أن جمع بعض المعلومات من الخادمات اللواتي كنّ يذهبن إلى جناحها لأجل فساتين الزفاف. قلن له إنّها لم تُفصّل فستانًا في حياتها من قبل، وإنّها جاهلةٌ لدرجة أنّ الدوق نفسه اضطرّ إلى إجلاسها ليُلقّنها أسماء العائلات النبيلة.
كما أنّ شخصيّتها متقلّبة. تارةً تجادل الدوق وتُعارضه بوقاحة، وتارةً تخضع له فجأة.
‘إنّها من ذلك النوع من النساء اللواتي يُصيبهنّ الغرور فجأةً بعد نيل منصبٍ رفيع.’
لذلك قرّر فيليب أن يُصطفّ الخدم جميعًا أمام القصر ليستقبلوا الدوقة الجديدة. ورغم أنّ الضابط مونفيس حاول إقناعه بأنّ “سيدكم وسيدتكم مرهقان من الزفاف ويريدان تأجيل اللقاء للغد”، أصرّ فيليب على موقفه.
فهو يعرف أنّ الملك يترقّب أي خبرٍ من القصر الآن، وإن هو أسرع في إيصال ما يُرضي الملك، سينال حتمًا استحسانه.
‘والإنسان حين يكون مُرهقًا، تكثر زلاّته. آمل أن ترتكب تلك الدوقة حماقةً فاضحة الآن.’
لكن حتى لو لم تفعل، فالأهم أن تُدرك أنّ هذا القصر ليس مكانًا هيّنًا.
‘وبالمرة، سأُري الجميع كم أنا رفيع الشأن.’
“الدوقة قادمة.”
أعلنت جوليا بوجهٍ غير راضٍ عن نزول الزوجين. لقد نجح إصرار فيليب في إجبارهما على مواجهة الخدم.
وكما توقّع، ظهرت ملامح الشحوب على العروس وهي تنزل درج القاعة الكبرى ممسكةً بذراع الدوق.
وعندما انصبت أعين الخدم جميعًا عليها، انكمشت كتفيها بخوفٍ واضح، وكادت تُمسك بذراع كيرتيس طلبًا للثبات، لكنّها تردّدت، فما كان منها إلّا أن فقدت توازنها على الدرج.
“آه!”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 30"