المكان الذي وصلا إليه برفقة الخدم بعد مغادرتهما قصر بيرك الهادئ كان المعبد الواقع خلف القصر الملكي. المعبد الذي كرّسه الملك المؤسّس لإيفانيس للتنين. وهو أيضًا مكان صلاة مخصّص للعائلة المالكة، وهناك كان من المقرّر أن يُقام اليوم حفل زفافهما.
ردّت كلوي على سؤال كيرتيس بصوتٍ يملؤه النعاس متذمّرة.
“كان هناك الكثير مِمّا عليّ دراسته.”
حتى صباح يوم الزفاف، سهرت كلوي طوال الليل تدرس. وكان أغلب ما درسته يتعلّق بإجراءات الزفاف التي ستخوضها اليوم. فعلى الرغم من تبسيطها، إلا أنّ كونه زواجًا ملكيًّا جعل الأمور التي يجب الالتزام بها كثيرة.
“أظننتِ أنَّ أن تصيري من العائلة المالكة أمرٌ سهل؟”
“لقد أصبحْتَ واحدًا منهم بسهولة.”
“صحيح. فقد وُلدتُ ملكيًّا.”
ضحك الرجل الذي أصبح أميرًا بسهولة، فيما ظلّت كلوي شفتاها متدلّيتين باستياء. لم تتوقّع أنّه بعدما وعدها ألّا يُرهقها بالعمل الليلي، سيجبرها على السهر للدراسة.
لكنّها لم تُطل الكلام بعدما رأت أنّ عينيه حمراوان. فمن المؤكّد أنّه لم يحصل على قسطٍ كافٍ من الراحة طوال الأسبوع بسبب هذا الزواج.
“إنّها المرّة الأولى التي آتي فيها إلى هنا.”
“طبعًا. فهذا المكان لا يُسمح بدخوله سوى لصفوة حرس البلاط.”
كان المعبد صغير الحجم، لكنّه أنيقٌ وجميل. جدرانه البيضاء تنسجم مع الغابة المحيطة. وبما أنّه مكانٌ مقدّس، ولا يُسمح بالدخول إليه سوى للعائلة المالكة إلا في المناسبات الكبيرة، فقد بُني بحيث يُبرز جمال الطبيعة البريّة.
على الرغم من أنّ الفصل كان منتصف الصيف، إلا أنّ هواء الفجر كان باردًا. وبينما كانت كلوي تظن أنّه لن يكون هناك أحد، كان رجلٌ ينتظر عند مدخل المعبد.
وبمجرّد أن اقتربا، فتح الرجل فمه:
“سير أمبرويز. إن كنتِ تتعرّضين لتهديد، فالآن هو الوقت لتُخبريني. سأحميكِ مِن عمي مهما كلّف الأمر.”
أدّت كلوي التحية وأجابت بسرعة.
“الولاء. أنا بخير. أشكرك على قلقك.”
عند ردّها، وضع الرجل يده على جبينه مظهِرًا وكأنَّ الصداع أصابه.
“يا إلهي. يمكنكِ التحدّث بارتياح، فأنتِ ستصبحين زوجة عمّي.”
كان صوته مرحًا خاليًا من المزاح أو الرياء. فأنزلت كلوي يدها التي كانت تؤدّي بها التحية.
“أشكر سموّ الأمير على لطفه.”
ظلّ الأمير فريدريك يحدّق بكلوي قبل أن يلتفت إلى كيرتيس.
“عمّي. لطالما اعتقدتُ أنّكَ رجلٌ مدهش، لكن هذه المرّة حقًّا أبدي إعجابي.”
“وجود قدوةٌ جديدة تُثير إعجابكَ دائمًا ضمن العائلة نعمة. أشكرالرب على ذلك.”
“وقد طلبتْ زوجتي الأميرة أن أنقل لكما تهانيها.”
تبادل الاثنان المصافحة بخفّة. فعلى الرغم من أنّ بينهما صلة عمّ وابن أخ، إلا أنّ فارق السنّ الصغير جعل شكلهما أقرب إلى الأصدقاء. وكما أسرّ لها كيرتيس من قبل، فقد كانت العلاقة بينهما بالفعل قريبةً من الصداقة.
قال الأمير وهو يلتفت إلى كلوي:
“اسمحي لي أن أُعرّف عن نفسي رسميًّا. أنا فريدريك دي إيفانيس. سعيدٌ بلقائكِ، آنسة كلوي أمبرويز.”
“الولاء. أنا كلوي أمبرويز.”
“حقًّا…”
غمز الأمير مازحًا. كان وسيمًا، كثير الابتسام، ومن النوع الذي يثير الارتياح عند رؤيته.
كدتْ كلوي أن تنخدع بكلامه وتسترخي، لكنها وقد تعرّفت في الأيام الأخيرة إلى أنواع مختلفة من ذوي النفوذ، أدركت أنّ التصرّف بالتحفّظ أفضل في مثل هذه المواقف.
“أعتذر. بما أنّني لم أتزوّج رسميًّا بعد، فما زلتُ جنديّة في إيفانيس لا أكثر. أرجو أن تعذرني إن سبّبتُ أيّ إزعاجٍ لسموّك.”
“يا للعجب. يبدو أنّكِ بالفعل أرفع بكثير على عمّي العظيم. حسنًا، فهمت.”
ابتسم الأمير بلطف ومدّ يده لمصافحتها.
“لكنّكِ ستقبلين بالمصافحة، أليس كذلك؟”
“إنّه لشرفٌ عظيم.”
فكّرت كلوي في نفسها وهي تصافحه: ‘إنّه عاقلٌ أكثر ممّا توقّعت، وطبيعته بسيطة.’
“أعتذر إن سبّبتُ إزعاجًا.”
“على العكس، إنّه لسرورٌ لي. فأنا من سيُشرف على مراسم التطهير وعهد الدم لعمّي.”
وكان فوق ذلك بارعًا في الكلام العذب، مما جعل كلوي ترفع رأسها وتدخل المعبد بقلبٍ منشرح.
كان حفل الزفاف الملكي يتكوّن من المراسم الرئيسيّة إلى جانب طقس التطهير وعهد الدم. التطهير هو إعلانٌ أمام الحاكم بأنّ الشخص ليس لديه ما يخجل منه بانضمامه إلى العائلة المالكة. أما عهد الدم فهو طقسٌ يربط الدم بالدم. ويجب أن يشهد على كلّ طقسٍ منهما كاهن من المعبد وعضو من العائلة المالكة.
في العادة، يُقام كلا الطقسين أمام الضيوف. ومن أجل ذلك، تكون معظم حفلات الزواج الملكية داخل القصر، حيث يتواجد الكهنة والعائلة المالكة. كان الملك قد منع إقامة أي احتفالٍ في قصر الدوق، ليُعرقل الزواج.
لكنّ الدوق، وكأنّه يسخر منه، طلب في فجر ذلك اليوم الإذن من الأمير فريدريك لإقامة الحفل في المعبد.
احتجّ الملك غاضبًا، لكن بعدما انتشرت الأخبار، كان رفض الحفل سيجعل العائلة المالكة موضع سخرية. فوافق الأمير، بل وأعلن أنّه سيكون بنفسه الضامن للزواج.
إلا أنّ الدوق لم يكن راغبًا في إقامة حفل طويل يضمّ كثيرًا من الضيوف. لم يكن ذلك إلا حرصًا على الأمير. فقد خشي إن اضطرّ فريدريك للبقاء طوال اليوم بعيدًا عن قصره أن يجد الملك فرصة ليعبث بشيء ما.
في البداية لم تفهم كلوي ما قصده، فسألته:
‘لكن أليس الأمير ابن جلالة الملك؟’
‘أخي يملك مؤهّلاتٍ عظيمة كحاكم، منها القدرة على إزعاج الجميع بالعدل.’
أي أنّ كونه ابنه لا يشفع له أمام نزواته.
وبفضل ذلك، انتهى الأمر بكلوي أن تلتقي الأمير في فجر يوم زفافها داخل المعبد.
حدّقت فيه كلوي وهي تمشي خلفه. صحيح أنّه وليٌّ للعهد، لكن أن يكون مكروهًا من الملك ليس أمرًا سارًّا.
هل كان حقًّا يكنّ التقدير لعمّه؟ أم أنّه فقط يحمي هيبة العائلة المالكة؟
مهما يكن، شعرت كلوي لأوّل مرة أنّ مستقبل إيفانيس قد لا يكون سيّئًا تمامًا، لأنّ الأمير بدا أحقّ بالهيبة من أيّ ملكيّ آخر رأته. طبعًا، الملك وكيرتيس هما الوحيدَين اللذين تعاملت معهما.
وفي تلك اللحظة، التفت الأمير نحوها وهو يدخل قاعة المعبد وقال:
“ألا يراودكِ الفضول بشأن شيءٍ ما؟ فنحن سنصبح عائلةً قريبًا. إن كان لديكِ أي سؤال عن القصر، اسألي بارتياح.”
“…أعتذر، لكنّي سمعتُ أنّ غضب جلالة الملك شديد.”
أي أنّها تسأله: “ألستَ خائفًا من والدك؟” فغمز الأمير مبتسمًا:
“لحُسن الحظّ، والدي لم يُرزق بأبناء آخرين.”
شعرت كلوي أنّها سمعتْ ما لم يكن ينبغي أن تسمعه.
“لكن إن قرّر أبي أن يتزوّج مجدّدًا كما فعل جدّي، عندها سأكون في ورطة.”
ردّ كيرتيس بوجه جامد:
“دعابةٌ سخيفة.”
“هاهاها!”
صفّق الأمير ضاحكًا. فكّرت كلوي في نفسها: ‘يبدو أنّ مستقبل إيفانيس ليس مبشّرًا بعد كلّ شيء.’
***
انتهى طقس التطهير أسرع ممّا توقّعت. فقد أخطأت كلوي في تلاوة العهد المحفوظ مرّتين، لكنّ الكاهن تظاهر بعدم سماعه في كلتيهما.
“شكرًا جزيلًا.”
“أنتِ عضوٌ جديد في عائلة إيفانيس بدعوةٍ من الحاكم. سأراكِ كثيرًا.”
وبمجرّد أن استدارت، أسرع الأمير يهمس لها:
“يقصد أنّه يريد تبرّعاتٍ كثيرة.”
“…..”
باتت تتمنّى أن تُنهي طقس عهد الدم بسرعة.
لكن كان عليها أن تقوم بأمرٍ آخر قبل ذلك. فبعد طقس التطهير، كان من المفترض أن يقدّم الزوج الملكي صلاة إلى التنين في المعبد. صلاة شكر وحماية للعائلة.
غير أنّ كيرتيس انشغل بوصول قادة وحدات الحرس الملكي الذين سيشاركون في المراسم، إذ كان عليهم أداء العرض العسكري.
‘على أيّ حال، أنا قائد الحرس الملكي. سيكون من المناسب أن أتولّى بنفسي استعراض الحرس.’
كان الأمر مقنعًا. لذلك انتهى الأمر بأن تولّت كلوي الصلاة بدلًا منه. لكنها لم تستطع أن تكبح شكوكها: ‘هل تخلّى عن ذلك عمدًا لأنّه لا يريد تلاوة هذه الصلاة الطويلة؟’ فقد عانت كثيرًا ليلة البارحة في حفظها.
‘لو لا ذلك، لحصلتُ على ساعتين من النوم على الأقل…’
وبينما انتظرت الكهنة لإعداد قاعة الصلاة، ثقلت جفونها. وخشيت أن تنام أثناء الدعاء. فحدّقت إلى الأسفل من شرفة المعبد كي تبقى يقِظة.
رأت قادة الوحدات محيطين بكيرتيس وهم يرفعون تقاريرهم. على الأرجح يفحصون سير المراسم.
وفي تلك اللحظة التقت عيناها بعيني إيزرا قائد الوحدة الثانية. اتّسعت عيناه ثمّ أشرق وجهه بالسرور. بدا وكأنّه يحاول مخاطبتها بحركات شفتيه، فسارعت كلوي إلى تحويل نظرها بعيدًا.
‘اللعين. لا بدّ أنّه متحمّسٌ ليسخر مني.’
فكلوي كانت في إجازةٍ طوال الفترة الماضية، أي لم ترَ زملاءها من الحرس. ومع أنّها لم تخدم إلا ثلاثة أشهر، إلا أنّهم صاروا كرفاق سلاح متماسكين أمام عدوٍّ مشترك.
وكان أقربهم إليها جورج قائد الوحدة الأولى، وإيزرا قائد الوحدة الثانية. ولا شكّ أنّهما صُعقا عند قراءة الخبر في الصحف. وبعدها، لم يلبثا أن تحوّل ذهولهما إلى سخرية.
‘كيف سأتحمّل سخريتهم حين أعود؟’
يا كلوي، ألم تكوني تلعنين الدوق دائمًا؟ متى وقعتِ في غرامه؟ يا للعجب! هل تحوّلتِ من الكراهية إلى الحب؟ ما الذي أعجبكِ فيه؟ عمل الليل ثلاثة أيّام متواصلة؟ أم أنّكِ استمتعتِ بالإنهاك تحت الشمس؟ هل أنتِ مازوخية؟ والآن أصبحتِ زوجة الدوق؟ قوليها: الدوق بيرك قذرٌ كـ الكلب! أليس هذا حادث عمل؟
فقط تخيّل الردود أنهكها. ‘لماذا حتى في خيالي يكونون مزعجين هكذا؟ اصمتوا قليلًا!’
“لماذا تتزوجين دوق بيرك؟”
“اخرس… عذرًا.”
كادتْ كلوي، الجنديّة الفخورة لإيفانيس، أن تقول “اخرس” للأمير.
رآها الأمير وهي تعضّ شفتها وبدت محرجة، فبدا عليه الذهول لحظة، ثم انفجر ضاحكًا.
“أتفهّم الأمر. فأنا أيضًا أسمع هذا السؤال عشرات المرّات، وفي النهاية لا يسعني إلا أن أُطلق الشتائم على السائل مهما كان.”
“أعتذر…”
وهكذا فضح الأمر مجددًا. تمنت كلوي أن تنشق الأرض وتبتلعها.
ضحك الأمير قليلًا، ثم تظاهر بالسعال وسألها من جديد:
“دعيني أكرر سؤالي. لماذا اخترتِ دوق بيرك؟”
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
حسابي ✿《انستا: fofolata1 》
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 22"