الفصل 21 :
“مع ذَلك، لقد بالغتَ كثيرًا. لو تُهدِّئ مِن روعها قليلًا، لكان أفضل. الفتيات يشعرن بالكثير مِن القلق قبل الزّفاف.”
ثمّ قامت بالتربيت على كتفَ كلوي بلُطف.
“لا تحزني كثيرًا، آنسة أمبرويز. كما تعلمين جيّدًا، الدّوق يبدو قاسيًا في كلامه، لكنّه في الحقيقة طيّبُ القلب. إنّه فقط يقلق عليكِ لأنّ هَذا العالم مليءٌ بالناس الوقحين.”
كادت كلوي أنْ تسأل دوّن قصد: ‘هل يوجد اثنان مِن الدوق في هَذا القصر؟’. أمّا جوليا، التي لَمْ تكُن تعرف الحقيقة، فابتسمت بمرح.
“حالما ينتهي هَذا الزّفاف، سأصنع لكِ الكثير مِن الملابس الرّائعة، لذا أرجوكِ تحمّلي قليلًا حتى ذَلك الحين. الآن، أهمّ شيء هو تعديل هَذا الفستان ليُناسبكِ تمامًا!”
تحوّل نظر كلوي إلى ما وراء ظهر جوليا. كان كيرتيس واقفًا هناك، يضحك ساخرًا مِن دوّن صوت باتجاهها. لَمْ تكترث جوليا لذَلك، وواصلت شدّ رباط الدانتيل الضيّق حول الخصر والظهر.
“هاه…”
بدأ نَفَسُها يضيق مِن جديد. وكادت أنْ تتقيّأ دوّن أنْ تشعر.
“أعتقد أنَّ هَذا لَن يُجدي.”
تنهد كيرتيس عند رؤيته ذَلك المشهد، ثمّ مدّ يده نحو جوليا.
“على ما يبدو، المشكلة في قوتكِ. أزيحي الحاجز وأعطيني ذَلك الشريط.”
كان يقصد أنْ تُعطيه الرّباط. فقفزت جوليا فزعًا.
“آه! لا، لا يُمكن يا صاحب السّمو! الآنسة أمبرويز لا ترتدي سوى ملابسها الدّاخليّة الآن!”
لكنّ مثل هَذا الكلام لا يُثني رجلًا مثله. ضحك كيرتيس بسخرية.
“آنسة أمبرويز، أخبري جوليا كم ليلةً قضيتِها معي.”
“يا إلهي!”
احمرّ وجه جوليا احمرارًا شديدًا. أمّا كلوي، المعنيّة بالأمر، فبقيت فاغرةً فمها مِن شدّة الذهول. تقدم كيرتيس، مزيلًا الحاجز بيده، ثمّ رفع زاوية شفتيه حين رأى تعبير وجهها.
“هل قلتُ شيئًا خاطئًا؟”
“كلامكَ صحيح.”
كلامٌ صحيح… لكنّه لكماتٌ مِن الكلام.
أنْ يقول هَذا عن عملها الإضافي؟ هَذهِ إهانةٌ لعملها الشريف!
أرادت كلوي أنْ ترمي كلّ شيء وتستقيل.
في تلكَ الأثناء، أخذ كيرتيس الشريط مِن يد جوليا بكلّ طبيعية. تراجعت جوليا بخجل، تغطي خدّيها بيديها وكأنّها تهرب.
“لكن… إنّها بملابسها الدّاخليّة…”
لو كانت القمصان القطنية الخشنة والبنطال القصير المسمّى بـ”دروورز” يُعدّان من الملابس الدّاخليّة، فربّما يُمكن تسميتها كذَلك. حاولت كلوي الإشارة بيدها لتخفيف الموقف.
“أنا جنديّة، جوليا. لا تقلقي.”
فالجندي، بطبيعة الحال، يعيش حياةً جماعيّة. حتى وإن كانت بحريّةً متهالكة، كانوا اثني عشر شخصًا في غرفةٍ واحدة، تمامًا كما في الجيش البري. وقد عاشت كلوي في غرفٍ مشتركة منذُ أنْ التحقت بالجيش في الثامنة عشرة حتى بلغت الرابعة والعشرين. لذَلك، لَمْ تكُن لتُبالِي كثيرًا بإظهار ملابسها الدّاخلية أمام الآخرين.
أمّا في الجيش البري، فكان الأمر أسوأ. تحت قيادة كيرتيس شان بيرك، وهم يتدحرجون تحت شمس الصيف الحارقة في ساحة التّدريب، كان الشعور بالرّغبة في التخلّص مِن كلّ الملابس أمرًا متكرّرًا. لولا ضرورة الحفاظ على الوقار كعضو في الحرس الملكي، لفعلت ذَلك بالفعل.
“ولكن… لا يزال هناك أناسٌ حولكِ.”
لَمْ تكُن جوليا تعلم بكلّ ذَلك، فنظرت إليهما بوجهٍ متورّد، تتنقّل بنظرها بين كلوي وكيرتيس. فهزّت كلوي كتفيها بلا مُبالاة. وفي النّهاية، تراجعت جوليا.
لكنّ ذَلك لَمْ يكُن النّهاية.
“سـ… سنترك المكان الآن.”
“حقًا؟”
“حقًا!”
ردّت جوليا على كلوي بذَلك، ثمّ غادرت مع الخدم.
شعرت كلوي ببعض الارتباك، لكنّها سرعان ما أدركت أنّه لا وقت للذّهول. إذ لَمْ يُضِع كيرتيس أيَّ لحظة، وبدأ يشدّ الرباط حول خصرها بقوّة.
“آخخ!”
“يبدو صوتكِ كصوت قرصانٍ على حبل المشنقة، لا كعروسٍ جديدة.”
علّق الشهص الذي لَمْ يسبق له أنْ رأى ااقراصنة في حياته، تعليقًا جافًا على صراخها. فزمّت كلوي أسنانها واستدارت تنظر إليه.
“لَمْ أعلم أنّ نِيّتك هي اغتيالي، يا صاحب السّمو…”
كانت على وشك أنْ تُكمل بقولها: ‘بهَذا الشدّ العنيف قد يتمزّق جسدي، أم أنّكَ رأيت قراصنةً أصلًا لتقارن؟’ لكنّها عجزت عن مواصلة كلامها بسبب المسافة المفاجئة التي تقلّصت بينهما.
وجه الرّجل الذي يقف خلفها ويشدّ الرّباط أصبح قريبًا جدًا مِن ظهرها.
أنفٌ مستقيم بشكلٍ مزعج، وعظم الحاجب البارز أسفله عينان أرجوانيّتان.
لسببٍ ما، انتابها شعورٌ بالقشعريرة.
“أنتِ كثيرة التّذمّر.”
رغم ذَلك، ضحك الرّجل بحدّةٍ وسخر منها وهو ينظر إليها مُباشرةً.
وحين التقت نظرات الجنديّة الفخورة مِن جيش إيفانيس، كلوي، بعينيهِ الأرجوانيّتين، أدركت سبب القشعريرة التي انتابتها.
‘هَذا موقعٌ مثالي للتعرّض للهجوم.’
قالت ذًلك وهي ترتجف مِن الغضب وتردّ بحدّة.
“هل قضينا الليل معًا؟ نحن؟”
“ألَسْنا كذلك؟”
يا للدهشة. استدارت كلوي برأسها بعنف وردّت بانزعاج.
“بحسب منطق سموّك، يكون التقرير الذي سهرتُ عليهِ طوال الليل أشبه بقصة حبّ.”
“آه، كانت قصةً سيئةً للغاية.”
أدارت وجهها مبتعدةً بصعوبة عن وجهه المزعج، لكن ذَلك كان خطأً. أنفاسه الساخنة دغدغت مؤخرة عنقها.
أوف… في النهاية، لَمْ تستطع كلوي تحمّل هَذا الشعور المزعج، فتأفّفت بضيق.
“ألَن تكفّ عن الكلام بجانب أذني؟”
“سوف أفعل، لذا ازفري الهواء. واسحبي بطنكِ للداخل.”
وما إنْ أطلقت زفرةً طويلة، حتى سحب الرجل الشريط بقوة. شهقت كلوي مُجددًا.
“…تسك.”
نقر كيرتيس لسانه بهدوء. لم يستغرق الأمر كثيرًا حتى توصّلا إلى نفس النتيجة.
“يبدو أنّه لا يُمكنني ارتداء هَذا الفستان ما لَمْ أُكسر أحد أضلاعي.”
“بل ضلعان، لا أعتقد أنْ واحدًا يكفي.”
قال ذَلك، ثم دسّ أصابعه في الشريط وبدأ يفكّ الأربطة التي شدّ بها الفستان. وما إنْ شعرت كلوي ببعض الانفراج في تنفّسها، حتى ارتمت على الأرض وكأنها انكسرت.
هوف. انتفخت التنورة الداخلية التي كانت ترتديها تحت الفستان بشكلٍ دائري، ثم هبطت على الأرض.
وكان شكلها في تلكَ اللحظة يحمل الكثير مِن الدلالة. نظر إليّها كيرتيس مِن علٍ وابتسم بخفة. فقد وجد أخيرًا الجواب على سؤال حيّره قبل أيام.
‘لقد أمرتُ بإرسال بعض فساتين النساء إلى المبنى الفرعي ولو مؤقتًا، فلِمَ لَمْ ترتدِ أيًّا منها؟’
كان قد فكّر بذًلك حقًّا.
فبالرغم مِن كونها في إجازة زواج، كانت كلوي أمبرويز تتجوّل بزيّها العسكري فقط. فما السبب؟ الجواب كان أمامه مُباشرةً الآن.
“يبدو أنْ أيا مِن الفساتين التي أُرسلت لَمْ يكُن مُناسبًا لكِ.”
“لا أعرف لمِن تعود تلكَ الملابس الفاخرة، لكنها كانت قاسيةً عليّ للغاية.”
إنه قصر بيرك، الذي كان المقرّ الصيفي للملكة. ومِن الطبيعي أنْ تكون الملابس النسائية الموجودة هُناك تعود لصاحبة القصر.
عندها، ألقى كيرتيس نظرةً سريعة على كلوي.
جسدها لَمْ يكُن يشبه جسد الملكة ميلدريد في شيء، تلكَ الملكة التي كانت قصيرةً ونحيلة. كتفاها بارزتان ومستقيمتان، وذراعاها المرتكزتان على الأرض كانتا مشدودتين بوضوح مِن أثر التمارين.
مِن الطبيعي إذن أنْ لا تناسبها فساتين الملكة السابقة.
وهَكذا، اتّضح أنْ كلوي كانت تعيش في قصر بيرك بزيٍّ واحد فقط طوال الأيام الأربعة الماضية. تساءل كيرتيس بلا مٌبالاة.
“هل كنتِ تنامين أيضًا بزيّكِ العسكري؟”
“كانت هناك ثياب نومٍ مخصّصةٌ للضيوف، على الأقل.”
يعني ذَلك أنَّ نومها كان مريحًا نسبيًّا. هل ينبغي أنْ يشعر بالراحة لهَذا؟ وهو يفكّر بذَلك، أشار بيده نحو باب غرفة التبديل. فهرعت جوليا والخادمات اللواتي كنّ ينتظرن على أحرّ مِن الجمر.
وقف كيرتيس متشابك الذراعين، يحدّق مِن أعلى إلى مرشّحته لتُصبح دوقة. كانت أنفاسها ما تزال متقطّعة، ووجنتاها محمرّتين.
لا يبدو أنْ هَذا الفستان سيكون مُناسبًا. توصّل إلى ذَلك بسرعة، فسأل جوليا:
“بقي على موعد الزفاف ثلاثة أيام، أظنّ أنَّ تجهيز فستانٍ جديد خلال هَذهِ المدّة مستحيل، صحيح؟”
وهُنا، شحُب وجه جوليا.
“سموّ الدوق… أعتذر، ولكن…”
“إذن الأمر صعب. فهمت.”
تقبّل الدوق الوضع بسرعة. فالرجل نفسه هو مَن حدّد موعد الزفاف، فلا غرابة في تجاهله للوقت.
وضعت جوليا يدها على جبينها وأطلقت تنهيدة.
“يبدو أننا سنضطر إلى شراء فستانٍ جاهز وإضافة بعض الزينة عليه.”
“وهل هَذا ممكن؟”
“الأمر مستعجل، لكنّه أفضل مِن التفصيل. سأُفتّش كلّ محلّات الخياطة في العاصمة، وأحضُر بفستان يناسب الآنسة أمبرويز خلال اليوم.”
“أمّا أنا… فخطرت لي فكرة.”
كانت المتدخّلة هَذهِ المرّة هي كلوي، التي كانت لا تزال جالسة على الأرض.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 21"