الفصل 19 :
“هل ستعيشين معي إلى الأبد، ملازم؟ هل تُحبّينني؟”
قال ذَلك ونظر إلى كلوي، ثمّ قطّب كيرتيس حاجبَيه.
“كلا، هَذا مستحيل تمامًا.”
ردّت كلوي على سؤاله بنبرةٍ جادّة، وقد ارتبكت في البداية. وهَذا الردّ، بدوره، أغضب كيرتيس قليلًا.
‘هَذا بحد ذاته يُثير الغضب قليلاً.’
فكّر بذلك، ثمّ سألها مُجددًا.
“إنْ لَمْ يكُن كذَلك، فماذا إذًا؟”
“لا شيء.”
“تكلّمي.”
“أشعر أنَّ حياتي ستكون مهدَّدةً إنْ تكلمت.”
مُجرد قولها بهَذهِ الطريقة كان كافيًا للتنبؤ بأنَّ الجواب سيكون وقحًا جدًا. ولكن، بعد هَذهِ المرحلة، مِن الصعب التراجع دوّن أنْ يسمع الجواب.
ابتسم كيرتيس بسخرية.
“لماذا يُثار موضوع نجاتكِ بهَذهِ الكثرة؟ لَن أحرّك إصبعًا ضدّكِ، فقولي.”
“لقد أدهشني أنْ سموّ الدوق يعتقد أنَّ بإمكانه أنْ يكون في علاقة حب.”
بمعنى: شخصٌ معتل نفسيًّا مثله، يجرؤ على الوقوع في الحب؟ فعلًا؟
بدأ كيرتيس يشكّ فيما إذا كانت مساعدته قد قبلت بالزواج منه فقط لتتمكّن مِن السخرية منه بهَذهِ الطّريقة في كلّ موقف. ويا للغرابة، لَمْ يكُن يُدرك أنَّ هَذهِ الشكوك تُصيب الحقيقة في الصّميم.
“أترين أنني غيرُ قادر؟ بماذا ترينني إذًا؟”
لذا، بدلًا مِن الشكّ، ابتسم كيرتيس وأظهر أسنانه.
“لا أقولها بفمي عادة، لكن هناك كتيبةٌ كاملة مِن نساء النبلاء واقعين في غرامي.”
“إذًا، لماذا تركتَ تلكَ الكتيبة كلّها وتزوّجتني أنا المسكينة؟”
“بخخ.”
لَمْ يستطع نويل، الذي كان واقفًا بجانبهما، أنْ يمنع نفسه مِن الضحك بصوتٍ خافت. ولَمْ تكن مخطئةً تمامًا.
فمَن لَمْ يجد شريكةً مناسبة، وها هو الآن يُبرم عقد زواج مع كلوي، لَمْ يكُن سوى كيرتيس نفسه.
نظر كيرتيس إلى نويل بنظرةٍ جانبيّة ثمّ فرك صدغيه بضيق.
“لو لَمْ تكُن وحدة الحرس الملكي متراخيةً هَكذا، لكنتَ قائدًا لا بأس به.”
“أتقولين هَذا بلسانكِ؟”
في النّهاية، حرّك كيرتيس إصبعًا واحدًا، فبادرت كلوي سريعًا إلى رفع الجزء العلوي مِن العقد الذي كانت تكتبه.
<كيرتيس شان بيرك يعتبرُ كلوي أمبرويز ذات رتبةٍ أعلى منه، ويحترمها إلى أقصى حد.>
عند تلكَ اللحظة، شعر الملازم نويل أنّه مِن الواجب أنْ يدافع عن صديقه.
“هاهاها. هَذا صحيح يا ملازم أمبرويز. كيرتيس كان قائدًا ممتازًا في ساحات القتال حيث تُنفَّذ الأوامر دوّن نقاش.”
أوامرٌ صارمة تُنفَّذ… همهمت كلوي في سرّها. صحيح أنَّ البحرية تفتقر للانضباط، لكن وحدة الحرس الملكي أيضًا كانت فوضى في الخفاء، بسبب أنَّ جميع أفرادها مِن أبناء النبلاء… وسنوفّر عليكم باقي الشرح.
بفضل نويل، تحسّن مزاج كيرتيس قليلًا، فوضع ذراعيه متشابكتين وضحك ساخرًا.
“تعبيراتُ وجهكِ مذهلة. لكن لا تتعبي نفسكِ، فلَن أُظهر لكِ جاذبيّتي أبدًا.”
“أشكركَ جزيل الشكر.”
لا يُعرف إنْ كان قد أدرك أنَّ شكرها كان صادقًا أم لا، لكن كيرتيس واصل شرحه.
“بمُجرد أن نتخلص مِن جلالته، سأبحثُ عن عائلةٍ تناسبني بأسرع ما يُمكن وأتزوّج مِن جديد. احفظي هَذا.”
عندها نظرت كلوي فجأةً إلى إصبعها الرابع مِن يدها اليسرى.
خاتم الأميثيست اللامع، وكلمات الخطوبة التي قالها كيرتيس…
طلب منها أنْ تُصبح المالكة المؤقّتة لروحه.
مالكة مؤقتة، ها؟
“إذًا، عندما تقول إنَّ الطّلاق سيكون مِن جانبكَ، فهل سيكون السبب هو الخيانة؟”
نظر إليها كيرتيس بنظرةٍ غريبة، كما لو أنّه اكتشف شيئًا جديدًا.
“…ألَمْ يُزعجكِ الأمر؟”
“أيُّ أمر؟ اتقصدُ كلامكَ عن إيجاد عائلةٍ مناسبةٍ لكَ؟”
هزّت كلوي كتفيها.
“لَمْ يكُن كلامًا خاطئًا.”
صحيح. ولكن، لا يُمكن إنكار أنّه كان كلامًا جارحًا أيضًا.
“هممم…”
ويبدو أنَّ كلوي لاحظت أنَّ كيرتيس يحدّق بها بنظرةٍ غريبة نوعًا ما.
“إنْ كنتَ قلقًا مِن أنْ تُزعج مشاعري، فلِمَ قلت ذَلك مِن البداية؟”
“…لَمْ أكُن قلقًا.”
لسبب ما، أصبح كيرتيس هو مَن يشعر بالإحراج الآن.
أمّا كلوي، فلَمْ تهتم إنْ شعر بذَلك أم لا، وتابعت قراءة العقد ثمّ أشارت بإصبعها إلى بندٍ معيّن.
<3. تتعهّد كلوي أمبرويز بعدم التعدّي على المساحات الخاصة بكيرتيس شان بيرك خلال فترة العقد، وألّا تكُنّ له مشاعر شخصية أو تُظهرها.>
“عن هَذا البند… ما المقصود بـ’المساحات الخاصّة’؟ الغرفة؟ المكتب؟”
“السرير.”
تغيّرت ملامح وجه كلوي على الفور، لكن كيرتيس واصل الحديث بوجه خالٍ مِن التعابير.
“لا أحب أنْ ينام شخصٌ غريب على سريري. لا أحب أنْ يكون هناك أحدٌ في نفس المساحة. هَذا ليس معسكرًا حربيًا.”
“لكننا سنتزوّج، أليس كذَلك؟ في الحالات الاضطرارية…”
“ملازم، دعيني أوضّح شيئًا: إنْ كان في قلبكِ أيُّ مشاعرٍ شخصيّة تجاهي، فانسَيها فورًا.”
“لكنها بدأت للتوّ، مثل الغضب على سبيل المثال.”
ردّ كيرتيس على ذَلك بأنَّ شطَب عبارة ‘المشاعر الشخصية’ وكتب مكانها.
<مشاعر الحب.>
فتحوّلت ملامح كلوي إلى الجديّة.
“يُمكنني القول إنَّ هَذا البند هو الأكثر ثقةً بالنسبة لي.”
“لا تكوني واثقةً كثيرًا.”
“أنا واثقة لأني مِن عائلةٍ لا تليق بمقامك.”
“أنتِ حقًّا تحملين ضغينة، أليس كذلك؟”
قال كيرتيس وهو يضيّق عينيه.
“إنْ كانت هناك حالةٌ اضطراريّة، فلا بأس. لكن في تلكَ الحالة، اربطي شعركِ، وارتدي شيئًا طويلًا.”
نعم، هذا الإنسان مصابٌ بالوسواس القهري. حدّقت كلوي بعينين نصف مغمضتين.
“لكنّي لديّ فضولٌ حقيقي، يا صاحب السمو. ألا تزعجك أنتَ شخصيًا خصلات شعرك؟”
“شعري قصير.”
“معظم أفراد الحرس الملكي شعرهم قصيرٌ أيضًا.”
“أولئكَ قذرون. أنا نظيف.”
ياللظلم! سارعت كلوي بالاعتراض.
“أنا أيضًا نظيفة!”
لكن كيرتيس ردّ بحزم.
“شعركِ طويل وأسود. لو تساقط، يُصبح مزعجًا للعين. أما أنا، فأشقر، فلا يظهر بسهولة.”
“أه….”
وبينما كانا يتجادلان، كانت مسودة العقد قد اكتملت. نظر كلٌّ منهما إلى ذلك العقد الذي يحتوي على شروطٍ واضحة للطرفين، وخطر لكليهما نفس الشعور: عقدٌ طفوليٌّ وسخيف إلى أبعد الحدود.
ومع ذَلك، فقد كان عقدًا مرضيًا لكلا الطرفين.
حصل كلٌّ منهما على نسخة مِن العقد منسوخةً بخطّ الملازم نويل، الذي احتفظ بالنسخ الأصلية بنفسه، كونه الشاهد الرسميّ على هَذا العقد.
اخذت كلوي العقد الممهور بتوقيعٍ في أسفله: ‘نويل مونفيس’، ثم تنهدت.
“شكرًا لك، ملازم مونفيس.”
“لا شكر على واجب. لا تترددي في القدوم إليّ إن واجهتِ أيَّ مشكلةٍ مستقبلًا.”
ابتسم نويل وأعطاها القلم لتوقّع. وأثناء توقيعها، أضاف كيرتيس:
“نويل، أثق بك، لكن رجاءً، لا تفشِ شيئًا للخارج. وخصوصًا لأغات.”
“هَذا بالضبط ما كنتُ سأفعله.”
رمشت كلوي وهي تنصت لحوارهما. أغات؟ هل هَذا اسم شخص؟ نظرت باستفهام إلى نويل، فابتسم الأخر بابتسامة حزينة.
“إنها أختي.”
“لديكَ أخت؟”
“وتُحب هَذا الأحمق.”
“ما الذي جرى لتقع في أمرٍ مفزعٍ كهَذا…؟”
تنهدت كلوي، فيما أكمل كيرتيس توقيعه وهو يبتسم بوضوح. تناثر قليلٌ مِن الحبر على إصبعه.
“لستِ أنتِ مَن يحق له قول ذَلك، يا ملازم أمبرويز.”
تجاهلته كلوي، وكتم نويل ضحكته وهو يضع نسختَي العقد الموقَّع في ملفّ جلديّ.
“هَذهِ هي النسخة الأصلية. وأما الآن، فلنكتب العقد.”
نظرًا لأن كيرتيس شخصٌ مِن العائلة المالكة، فعليه تسليم نسخة مِن العقد إلى البلاط الملكي. فلقب ‘دوق بيرك’ هو لقب منحته له عائلة إيفانيس الملكية. لذلك، شرع نويل في كتابة نسخة أخرى بأسلوبٍ أقل اهتمامًا.
“اللقب سينتقل إلى الطفل المولود بين الطرفين. والآن… كم نكتب كمهر ستدفعه العروس؟ صاحب الجلالة سيُصرّ على تحصيله.”
عندها، سخر كيرتيس وهو يمسح بقعة الحبر عن إصبعه بمنديل.
“ماذا يريد مِن امرأة راتبها أربعون ألف سينغ؟ سيحلب دمها. اكتب أنني سأدفع ثمانين مليون سينغ.”
“ثمانون مليون سينغ؟!”
شهقت كلوي، وشرح نويل بخفة.
“هذا هو المبلغ المتفق عليه كمهر مقابل القضاء على قرصان البحر، بارثولوميو روجرز، في غلينترلاند.”
ثمانون مليون سينغ! شعرت كلوي بالدوار مِن هَذا المبلغ غير المتوقع. ومع أنَّ كيرتيس هو مَن سيدفع المهر، إلا أنه لَمْ يُبدِ اهتمامًا يُذكر بشأن ضخامته.
“أعتقد أنَّ هذا أيضًا يبرهن على حبّي لكِ.”
حين قال ذَلك، تذكّرت كلوي البيان الذي نشره في الصحف صباح اليوم السابق:
<لستُ ملكًا، لذا لا سبب لديّ لاختيار عروسي بناءً على المال أو المصلحة. لقد اخترتُ طريق الجندي لأُبقي مَن أحبّ بجانبي.>
كلماتٌ أثارت إعجاب كلّ مَن لا يعرف خبايا الأمور.
لكنّ كلوي شعرت فجأةً بالخوف.
ذَلك لأنها بخيلة.
لقد اعتادت أنْ تحاسب كلّ مبلغ تنفقه، وتفكر مطولًا فيما إذا كان يستحقّ إنفاقه، سواء كان مالها أو مال الآخرين. وإن أنفق عليها أحد، فعليها أن تُثبت أنها تستحقّ ذلك المبلغ.
لكن… ثمانون مليون سينغ؟
بدأت تشكّ في كونها إنسانةً تستحقّ هَذا الثمن الباهظ.
لكن فات الأوان. العقد قد كُتب، وقد وقّعت عليه.
وفي تلك اللحظة، سلّمها نويل الملفّ الجلديّ الذي يحتوي على العقد الأصلي.
“تفضّلي، خذيه.”
كان ملفًا جلديًّا يحمل ختم عائلة الدوق. فتّحته كلوي بعناية، وأخذت تقلّب صفحاته.
الورق الفاخر الممهور بختم الدوق، والحبر الفاخر الذي كُتبت به بنود العقد بوضوح، كلّ ذلك جعل من العقد مشهدًا جماليًّا رغم تفاهة محتواه.
ربّما خطّ نويل المرتّب لعب دورًا في ذلك.
‘لكن النسخة الأصلية تبدو أفضل نوعًا ما.’
نظرت كلوي خلسة إلى النسخة الأصلية التي كُتبت بخطّ كيرتيس المرتبك والمليء بالشخبطة، لكنها بدت لها أكثر واقعيةً بشكلٍ غريب. وما هي إلا لحظات، حتى ضمّها نويل إلى صدره.
لماذا؟ لماذا شعرت بالأسى لرؤيته يأخذها بعيدًا؟
ثمّ في تلكَ اللحظة…
“حسنًا. بما أنّ كلّ شيء كُتب، فلندخل الآن في صلب موضوع الزواج.”
وقف كيرتيس من مكانه ومدّ يده نحوها. رمشت كلوي، وهي تحدّق في يده الملطّخة بالحبر الذي لم يجفّ بعد.
“صلب الموضوع؟”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 19"