الفصل 17 :
كان من الواضح أنّ ذلك نابعٌ من نفوره من تلقيب كلوي بصاحبة السمو الدوقة. كما أنّ هذا ما أراده نويل تحديدًا. ابتسم نويل بمكر.
“كنتُ أناديها سابقًا بالمُلازم، لكن بما أنّ زواجكما بات مؤكدًا، فقد أصبحت أرفع مقامًا من أن أُناديها كما يحلو لي.”
“نويل، هل تنتقم الآن لأنّني أتعبتُك البارحة؟”
“مثل ذلك التعب لا يُقلقني. اعتدتُ عليه.”
“إذًا؟”
“أفكّر في تقديم طلب نقل، لأنّني أخشى مواجهة أغات. ما رأيك؟”
عندها فقط، أدرك كيرتيس سبب تصرّف نويل الطفولي، فابتسم باستخفاف.
“إن غادرتَ، فسأنقل إلى أغات رسالةً تقول: ‘الشخص الذي منع زواجي من الآنسة مونفيس هو الملازم نويل مونفيس، ويحقّ له أن يفتخر بذلك’.”
“رجاءً، لا تُلقِ بكلام مخيف كهذا، صاحب السمو.”
كانت أُخت نويل الصغرى تُحبّ كيرتيس منذ وقتٍ طويل، إلى حدّ أنّها انضمّت للحرس الملكي من أجله.
لكنّ سلوكها كان يفتقر للكثير من الحكمة في نواحٍ متعدّدة. في الأصل، كان كيرتيس يضع أغات في مقدّمة المرشّحات للزواج قبل كلوي، لكنّ نويل هو من منع ذلك.
‘تلك الفتاة لا تصلح.’
تجدر الإشارة إلى أنّ السبب لم يكن بدافع الخوف على شقيقته من الأذى السياسي إن تورّطت مع كيرتيس، بل إنّ الشخص الذي يثير مشاعر نويل الحقيقية كان كيرتيس نفسه.
ولو أنّ كيرتيس كان يحمل مشاعر لأغات، لكان الوضع مختلفًا، لكنّه لم يكن كذلك.
والآن، بعدما أُعلن عن زواج كيرتيس في كلّ أنحاء المنطقة، تخيّل نويل كيف سيكون حال أغات في بيتها. فتمثّل أمام كيرتيس مشهد صداعٍ مفتعل، واضعًا يده على جبينه.
“في الأساس…”
كان كيرتيس على وشك أن يتكلّم، لكن…
دق. دق.
طرق أحدهم باب غرفة الاستقبال.
سكت الاثنان في اللحظة نفسها، وكأنّ الأمر كان مُتّفقًا عليه، ووجّها أنظارهما نحو الباب. ثمّ دخل أحد الخدم وسار إليهما.
“الآنسة كلوي أمبرويز قد حضرت.”
“دعها تدخل.”
قال كيرتيس وهو يُلوّح بيده وقد ارتاح توتره فجأة.
دخلت كلوي متردّدة من الباب، وكان وجهها يُظهر بوضوح أنّها لم تنم لحظة واحدة. وبينما كان نويل يُخرج الخادم ويُغلق الباب، بدأ كيرتيس يرفع كمّيه وسار نحو غرفة الاستقبال. كلوي، التي كانت واقفة عند الباب بتردّد، أدّت التحية العسكرية غريزيًا.
“كلوي أ… أمبرو…”
“يجب أن نجد حلًا لهذا التحية المضحكة، يا دوقتي.”
عندما سمعت كلوي لقب دوقتي، نظرت إلى كيرتيس وكأنّها سُكبت عليها دلاءٌ من الطين. كان تعبير وجهها في تلك اللحظة مُلفتًا للنظر. راح كيرتيس يُراقب وجهها الغارق في الذهول بينما يلمس ذقنه بتسلية.
“هل كان وجهي هكذا قبل قليل؟”
هزّ نويل كتفيه بلا مبالاة.
“يقولون إنّ الأزواج يتشابهون.”
ضحك كيرتيس بسخرية.
“هذا يُشعرني بالقشعريرة.”
كلوي، التي كانت متجمّدة في مكانها، استعادت وعيها أخيرًا، لكن بعد فوات الأوان. تحدث كيرتيس وهو يجلس بإهمال على أريكة غرفة الاستقبال.
“كنتُ على وشك أن أستدعيكِ على أيّ حال، جيّد أنّكِ أتيتِ. كيف حال المبنى الملحق؟”
أجابت كلوي بوقارٍ وهي تشدّ جسدها إلى الأمام.
“آه، كلٌّ من آيريس وليا تفاجأتا كثيرًا، لكنّهما الآن مرتاحتان.”
“جيّد. وماذا عن التكتّم على الخبر؟”
“أقنعتُهم بالأمر.”
أن تُقنع عائلةً بأنّها ستتزوّج فجأة، بعد أن لم يكن لها علاقةٌ عاطفية بالأمس، ليس بالأمر السهل. شعر كيرتيس مجدّدًا بالرضا عن كفاءة المُعاونة التي اختارها كزوجة.
“أثق بأنّكِ تعاملتِ مع الأمر كما يجب. لكن ما الذي أتى بكِ الآن؟”
تردّدت كلوي قليلًا، ثمّ فتحت فمها.
“هناك أمرٌ أودّ أن أستفسر عنه… هل يمكننا تأجيل الزفاف قليلًا؟”
رغم كفاءتها العالية، يبدو أنّ كلوي وجدت صعوبة في إقناع عائلتها بزفافٍ سيتمّ الأسبوع القادم. كان كيرتيس يتوقّع ذلك، ولذلك رفض مباشرة.
“لا. هل الأمر بسبب الخرافة؟”
“… نعم. أختي قلقة. تقول إنّه علينا على الأقلّ إتمام عامٍ كامل قبل الزفاف.”
ويبدو أنّ كلوي توقّعت أن يرفض كيرتيس، إذ أجابت دون أن تُظهر أيّ انزعاج. قام كيرتيس بحكّ أذنه وكأنّه يُزيح عنها شيئًا.
“بما أنّكِ خرجتِ من البحرية منذ ثلاثة أشهر، فهل تقصدين أن نؤجّل الزفاف تسعة أشهر؟”
“نعم.”
“لا أصدّق… أنتِ لا تؤمنين بتلك الخرافة، أليس كذلك؟”
ثمّة خرافة قديمة لا تزال تتناقلها ألسنُ العاملين في البحرية، تقول إنّ النساء العازبات اللواتي يخدمن في البحرية، إن تزوّجن في غضون عام من تسريحهن، فسيواجهن مصيرًا مأساويًا.
نظر كيرتيس إلى كلوي بنظرة استهزاء، لكنّها انفعلت وردّت.
“تسمّيها خرافة، لكنّك تعلم أنّ القصر الملكي نفسه استبعد العام الماضي كلّ النبيلات العاملات في البحرية من قائمة مرشّحات الزواج بالأمير، أليس كذلك؟”
نعم، قد تبدو خرافة لا تُصدّق، لكنها متجذّرة في التقاليد، ومرتبطة بأسطورة تأسيس مملكة إيفانيس.
بسبب تلك الخرافة، تمّ استبعاد جميع النبيلات المنتميات للبحرية من قائمة مرشّحات زواج الأمير فريدريك، بغضّ النّظر عن مكانتهنّ الاجتماعيّة.
ولهذا أيضًا أمسك الملك برقبته عندما رأى كلوي لأول مرة.
“ولهذا السبب أيضًا، أصبحتِ المُلازم ذات اللقب الغريب.”
واللقب الغريب طبعًا هو دوقة المقاطعة.
على أيّ حال، فإنّ أسطورة تأسيس إيفانيس بسيطة.
على ساحل برادو، عاش رجلٌ فقد حبيبته لصالح إقطاعيّ شرّير. فقرّر أن يُنهي حياته بإلقاء نفسه في البحر. لكن على طريق موته، صادف تنّينًا صغيرًا على وشك الهلاك، فأنقذه.
وبمساعدة ذلك التنّين، تمكّن من قتل الإقطاعي واستعادة حبيبته. وسرعان ما طلب منه الناس الذين كان يحكمهم الإقطاعي أن يحكمهم هو بدلًا منه.
أسّس الرّجل مملكة في ذلك المكان، وأصبح ملك إيفانيس.
أما التّنين الصّغير الذي جمعته صداقة عميقة بالرّجل، فقد دخل في سبات عميق من أجل أن يتحوّل إلى تنين بالغ. وكان ذلك على ساحل برادو.
وقبل أن ينام، طلب التّنين الصّغير طلبًا واحدًا من الملك: لأنّ التّنانين التي تكون في مرحلة ما قبل البلوغ تكون ضعيفة، فقد رجاه أن يُنشئ له قوّات بحريّة لحمايته على ساحل برادو. فاستجاب الملك بسرور، وشكّل قوّة بحريّة تمركزت هناك.
حتى هذه اللحظة، يبدو الأمر أسطورة تأسيس عاديّة، تُشبه ما تجده في أيّ مملكة أخرى.
أمّا الجانب الخرافيّ، فيبدأ بعد ذلك. إذ إنّ التّنين طلب من الملك أن يملأ قوّات البحريّة بفتيات جميلات يصلحن ليصبحن عرائس له حين يبلغ… طلب يمكن وصفه بأنّه متأخّر عن الزّمن.
صحيح أنّ القصة تعود إلى 300 عام مضت، ما يُمكن أن يُؤخذ بعين الاعتبار، لكنّ كلوي كلّما سمعتها كانت ترى فيها خرافة مثيرة للاشمئزاز.
على أيّ حال، ومنذ تأسيسها قبل 300 عام وحتى الآن، تتكوّن 70٪ من بحريّة إيفانيس من النّساء. وعلى الهامش، عند الانضمام، يجب التوقيع على بند يفيد بالخطوبة للتّنين.
يرى البعض أنّ الأمر لا يعدو كونه إجراءً شكليًّا، لكنّه ليس كذلك تمامًا. فالنساء غير المتزوّجات اللواتي يخدمن في البحريّة، بسبب توقيعهنّ على بند الخطوبة عند الانضمام، يجب عليهنّ الاستقالة إن أردن الزّواج.
وقد أُضيفت خرافة أخرى تقول: إن تزوّجت المرأة بعد تسريحها من البحريّة في أقلّ من عام، فستقع عليها لعنة التّنين الذي غضب من خيانة خطيبته.
وفوق ذلك، يُعدّ ساحل برادو، حيث يرقد التّنين، منطقة مقدّسة محرّمة على الجميع، ليس في إيفانيس فقط، بل حتى لدى الدّول المجاورة.
“كلّ ذلك كذب.”
ضحك كيرتيس بسخرية، فعقدت كلوي حاجبيها.
“كيف يُمكنك أن تجزم بذلك؟”
“ما هي نسبة الجنديات في البحريّة؟”
كان هذا أمرًا يعرفه كلّ مواطن في إيفانيس. وكلوي، التي خدمت في البحريّة، لا يُمكن أن تجهل ذلك. فلماذا يسأل سؤالًا يعرف الجميع إجابته؟ في العادة، مَن يسأل مثل هذه الأسئلة يسعى لسحب إجابة محدّدة. أجابت كلوي باختصار:
“سبعون بالمئة.”
“وماذا عن الضّبّاط الكبار؟”
“…آه.”
ضيّقت كلوي عينيها. لقد أدركت ما يرمي إليه كيرتيس من خلال تلك الجملة فقط.
‘لا يبدو عليها التّفاجؤ.’
استمتع كيرتيس بذلك قليلًا.
فبالرّغم من أنّ 70٪ من بحريّة إيفانيس من النّساء، فإنّ عدد الضّابطات في المناصب العُليا قليل للغاية. وهذا أمر طبيعيّ، لأنّ الزّواج لا يزال يُعدّ من أهمّ القيم بالنّسبة للنّساء، وغالبًا ما تترك النساء الخدمة قبل الزّواج.
“لم أتخيّل أنّ كبار الضّبّاط في البحريّة قد ينحدرون إلى هذا المستوى السّخيف والوضيع.”
“آه؟”
أشار كيرتيس بإصبعه خلفه. نحو القصر الملكي. أطلقت كلوي تنهيدة من أنفها. فقد رأت بأمّ عينيها ليلة البارحة كيف تصرّف الملك بطريقة شديدة التّفاهة.
“وأنتِ تعلمين، من خلال خدمتكِ في البحريّة، أنّ السّبب الحقيقي لعدم اقتراب أحد من ساحل برادو، هو فقط بسبب التّيارات المائيّة، أليس كذلك؟”
“…نعم، التّيار هناك قويّ للغاية بالفعل.”
وافقت كلوي بتنهيدة.
صحيح. فإنّ ساحل برادو يُعتبر ممرًّا إجباريًّا لمن يريد غزو إيفانيس بحرًا، لكن التّيارات فيه سريعة، وعمقه ضحل، وأيّ اقتراب غير مدروس يُمكن أن يكون كارثيًّا.
“وهل يعني ذلك أنّ الدّول الأخرى لا تقترب لأنّها تدرك أنّها ستخسر أكثر ممّا قد تربح؟”
“تمامًا. لكنّهم لا يحبّون الاعتراف بذلك، لذا يتظاهرون باحترام قدسيّة المكان.”
هذا ما كانت كلوي تشعر به أيضًا أثناء خدمتها. فالبحريّة المتمركزة على ساحل برادو نادرًا ما كانت تخرج إلى عرض البحر. ولذلك كانت تُلقّب بمجموعة الفاشلين. ومنذ تأسيسها، لم تخض أيّ معركة حقيقيّة، بفضل التّيارات القويّة.
وتبعًا لذلك، ترهّلت الانضباطات العسكريّة. وحتى لو شعرت كلوي بشيء مريب أثناء خدمتها، فلم يكن الجوّ يسمح بالتّحدّث عنه. لكن كيرتيس، الآن، أكّد لها تلك الشكوك.
“صحيح أنّ 70٪ من البحريّة نساء، لكنّ كبار الضّبّاط هم مجموعة من الرّجال العجائز. هل تظنّين حقًا أنّ المرأة التي تتقاعد ثمّ تتزوّج مباشرة ستُصاب بأيّ مصيبة؟”
“هل أستطيع أن أكون صريحة؟”
“تفضّلي.”
“لا أظنّ أنّ هناك ما هو أكثر مأساويّة من كوني أُدعى الآن بـ ‘زوجة الدّوق’.”
تصريحها كان وقحًا للغاية لو سمعه أحد، لكن كيرتيس كان قد اعترف بها بالفعل كقائدته منذ فجر ذلك اليوم. والدّليل، تلك الشعلة المتوهّجة من ‘نار القدسيّة’ التي تلمع في إصبع كلوي أمبرويز الجالسة أمامه.
ضحك كيرتيس مظهرًا أسنانه.
“بما أنّكِ تُحبّين ذلك كثيرًا، من الآن فصاعدًا، سأناديكِ بلقب ‘زوجتي’ بدلًا من ‘الملازم’.”
“عذرًا، لم أسمعك جيّدًا؟”
دخل الملازم نويل، حاملًا سترة كيرتيس التي أحضرها من غرفة تبديل ملابسه، وابتسمت بمرح.
“يبدو أنّ التّناغم بينكما رائع. يسعدني أن أرى ذلك من الثّنائي الملكيّ.”
تجمّدت ملامح كليهما.
لكن كيرتيس كان أوّل من استعاد رباطة جأشه.
“جيّد. هل أحضرت ما طلبتُه؟”
“نعم، إلى حدٍّ ما….”
ناولته كلوي الملفّ الذي كانت تُمسكه بيدها منذ لحظة دخولها.
استلمه الملازم نويل وقدّمه إلى كيرتيس.
أخذ كيرتيس النّظارات الموضوعة على الطّاولة وارتداها، ثمّ بدأ يقرأ بصوت مسموع.
“<عقد الزّواج>.”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 17"