الفصل 16:
“كون الدوق يواعد أختي مِن بين كلّ هؤلاء الناس… لقد قلتُ ذَلك فقط لأنّ الأمر لا يُصدّق….”
هل هَذا شتْمٌ أم مديح؟ بينما كانت كلوي في حيرة، كانت ليا تتنهّد وهي تقلّب صفحات الصحيفة.
“كنتُ أعلم أنّه سيحدُث شيءٌ كهَذا، مِن اللحظة التي كنتِ تقضين فيها القليل مِن الوقت في المنزل ولا تفعلين شيئًا سوى شتم دوق بيرك في كل لحظة….”
“ماذا؟ هل فعلتُ ذَلك؟”
“لو لَمْ أكُن قد رأيتُ الآنسة غريس، أمينة المكتبة، وهي تتبادل القُبَل سرًّا مع المساعد كريس الذي كانت تلعنه دومًا، لما صدّقتُكِ.”
ومِن المدهش أنَّ ليا اقتنعت بذاك الهراء الذي لَمْ تنطق به كلوي بعد—أنّها على علاقة سرّية مع الدوق.
ومِن خلال ما كانت تتمتم به، يبدو أنَّ السرّ في ذَلك هو خبرتها التي كوّنتها في مدرسةٍ للبنات، مِن خلال العلاقات الاجتماعية ومراقبة علاقات الآخرين، وقرأة روايات الحبّ المختلفة.
“يقولون إنّه مِن الصعب التفرقة بين علاقة الأعداء المقرّبين وقتال العشاق، ومَن كان يظنّ أنَّ هَذا سيُصبح حال أختي.”
وطبعًا، الصحف التي كانت تهذي كما يحلو لها بشأن علاقتهما لعبت دورها أيضًا. فَـ ليا، التي قرأت الصحف بدقّة وسرعة، صارت مقتنعة تمامًا بأنّ مشاعر كلوي العنيفة الناتجة عن ساعات العمل الطويلة قد تحوّلت فجأةً إلى حبٍّ مشحون.
“وكأنّه مشهدٌ مِن رواية!”
‘هل عليَّ أنْ أعتبر هَذا أمرًا جيّدًا أم لا…؟’
رغبت كلوي بشدّة في الصراخ ‘رجاءً، لا تقتنعي بذَلك!’، لكنّها لم تستطع.
فلو قالت ‘لقد تزوّجتُ بعقد زواجٍ صُوريّ’، ثمّ زلّ لسان ليا في الخارج، فستكون المصيبة عظيمة.
بالطبع، لم تكُن ليا فتاةً طائشة أو خفيفة اللسان. وكل هذا المزاح منها يحدث فقط أمام العائلة.
لكن حتى مع ذَلك، لَمْ يكُن هناك داعٍ لتشرح ليا التي اقتنعت بالأمر من تلقاء نفسها أنَّ كلّ ذَلك غير صحيح. ففي النهاية، أليست هذه بالضبط الفكرة التي أرادها كيرتيس؟
لذا، ابتسمت كلوي بصعوبةٍ وهزّت رأسها.
“نعم، حسنًا… الأمر هَكذا….”
” دوق بيرك وسيمٌ فعلًا. هناك كثير مِن الفتيات في المدرسة اللواتي يقمن بقصّ صورهِ مِن الصحف وجمعها.”
هل هؤلاء الفتيات فقدن بصرهنّ؟ تمتمت كلوي في نفسها. لكن ليا كانت منشغلة بالتجوّل في ااغرفة وهي تفيض إعجابًا.
“أنظري لهذا! أثاثٌ فخمٌ ومتقن الصنع!”
الداخل الأنيق الذي يليق بالمبنى الأبيض من الخارج. كان هذا المبنى المنفصل قد أُعطي لهنّ على عجل فور وصولهما في الفجر. وبما أنَّ كلوي لم تدخل دوقية بيرك مِن قبل، فلَمْ تكن تعرف بالضبط أين هي الآن. ولكن من نظرة واحدة، بدا المكان رائعًا ومليئًا بالأناقة.
“غريب حقًا. في مدرستنا كثيرٌ مِن الفتيات الثريّات أو من النبلاء، لكن لا أحد منهنّ يعيش في قصرٍ رائع كهَذا. حتى الستائر ناعمة!”
لمّا لمست الستارة، سعلت ليا بخفّة. “يبدو أنّ المكان كان مهجورًا لفترة. لكنّه لا يزال رائعًا!”، ثمّ دارت بفرح حول غرفة الاستقبال.
تجدر الإشارة إلى أنّ الغرفة وحدها كانت أوسع بكثير من المساحة الإجمالية للمنزل الصغير الذي كانت تعيش فيه كلوي مع إخوتها في شارع مارتين.
“إذا تزوّجتِ بدوق بيرك، فهل ستعيشين هُنا؟”
“…ربّما؟”
“مذهل! عندما تستيقظ آيريس، ستُحبّ هَذا المكان أيضًا!”
حكّت كلوي خدّها بخجل.
في البداية، كانت متردّدةً بشأن إحضار إخوتها. فبالرغم مِن زواجها السريع، إلّا أنَّ إحضار العائلة إلى دوقية بيرك كان أمرًا مختلفًا.
لكن بما أنَّ ليا اقتنعت بسهولة أكثر ممّا توقّعت، وبما أنّها كانت تُبدي إعجابها بالمكان، فقد شعرت كلوي ببعض الطمأنينة.
“إيريك لا يعلم بعد، أليس كذلك؟”
كانت تشير إلى شقيقها الأكبر البالغ مِن العمر واحدًا وعشرين عامًا، والذي يدرس في أكاديميّةٍ عسكريّة في بلدةٍ صغيرة تبعد قليلًا عن العاصمة. وبالطبع، لم يكن يعلم.
حكّت كلوي مؤخرة رأسها بخجل.
“كنتُ سأُرسل له برقيّة، لكن ربّما….”
ربّما علم بذلك مِن خلال الصحف المنتشرة في كلّ مكان. ولأنّ إيريك هو الأكثر انفعالًا بين الإخوة، فرُبّما وقع مغشيًّا عليه مِن الصدمة الآن.
يبدو أنَّ ليا أيضًا تخيّلت ردّة فعل إيريك، فضحكت بخفّةٍ، ثم تنهدت.
“أتمنّى أنْ يرى والدنا ووالدتنا الخبر في الصحف على الأقل….”
مرّت كلوي أصابعها بصمت على شعر آيريس النائمة.
على خلاف كلوي أو ليا، كانت إيريس ذات البشرةٍ السمراء وشعرٍ فضيّ، في العاشرة مِن عمرها فقط. وهو سنٌّ لا يُعدّ غريبًا أنْ تسأل فيه عن والديها.
لكن حتى آيريس نادرًا ما تسأل عنهم، وكأنّها فقدت الأمل بشأنهما منذُ زمن. وهَذا الصمت الضمني كان مِن الأعراف غير المعلنة بين أبناء عائلة أمبرويز.
“لكن مع ذَلك، الأمر جيّد يا أختي. بما أنَّ الطرف الآخر هو دوق، فربّما سيعرفان بزواجكِ ولو مِن خلال الشائعات، أليس كذلك؟”
كانت كلوي على وشك الردّ ‘وماذا سيفيدان؟’، لكن ليا أطلقت نظرةً مليئة بالأمل.
“ربّما، إذا كان الحظ جيّدًا، سيحضران قبل زواجك، أليس كذلك؟”
“…قبل زواجي؟”
“لقد مضى ثلاثة أشهر منذُ خرجتِ مِن البحريّة. ولا بدّ أنَّ الزفاف سيُعقد بعد تسعة أشهر على الأقل….”
ليس مِن الغريب أنْ تُفكّر ليا هَكذا. لكن… هَذا غير صحيح. كيف أخبرها؟
أدارت كلوي عينيها بتوتر وقالت:
“في الواقع… لا أظنّ ذَلك.”
“لماذا؟ متى ستتزوّجين إذن؟”
“…الأسبوع القادم؟”
تجمّدت ليا في مكانها.
***
في هذه الأثناء، في المبنى الرئيسي لقصر الدوق بيرك.
“كيف هو جوّ الملحق؟ يجب أنْ أستدعي الملازم أمبرويز وأتحدث معها قليلًا.”
كان الملازم نويل مونفيس قد توقّف للحظة عند سماعه كلمات كيرتيس، وكان قد سلّمه القميص لتوّه. كالعادة، كان يساعد صديقه ورئيسه في تبديل ملابسه في غرفة الملابس بالقصر.
تحدث نويل محاولًا التهدئة بنبرةٍ حذرة.
“كيرتيس. سموّ الدوق. لم يمضِ سوى يومٌ واحد.”
“لقد مضى يومٌ كامل.”
لكن إن كان كيرتيس شان بيرك مِن النوع الذي يستجيب للتوبيخ، لما كان هو نفسه. لم يسع نويل سوى أن يبتسم ابتسامةً مريرة.
“ألا يمكنكَ أن تُراعي مشاعر فتياتٍ استيقظن فجأة ليجدن أنفسهنَ في قصرٍ غريب لا يعرفنه؟”
“إنّه القصر الصيفي للملكة الراحلة. لا يوجد مكانٌ أفضل منه في العاصمة الملكية.”
“كيرتيس.”
ناداه نويل باسمه، موجّهًا له تنبيهًا خفيفًا. كيرتيس عبس قليلًا ثم أخذ القميص من يد نويل.
في الأصل، كان من المفترض أن يقوم خادم القصر بهذا العمل. لكن نصف خدم قصر بيرك كانوا في الواقع جواسيس للملك.
كان لدى كيرتيس أرضٌ تُمنح له بحكم منصبه، وكان يُخطّط للإقامة فيها بعد انتهاء الحرب.
لكن الملك، الذي لا يثق بأحد، استدعاه للحرس الملكي، وجعله يُقيم في قصر بيرك الفارغ. وكان الملك هو مَن أرسل الخدم إلى القصر بحجة “كرم الأخ الأكبر”.
لو رفض، لكان الوضع ازداد سوءًا. لكن أنْ تُرفع كل تصرّفاته إلى الملك، فهذا لا يُحتمل أيضًا.
لذلك تطوّع نويل ليكون يده اليمنى، وما زال الأمر مستمرًا حتى الآن. فقد كان مساعد كيرتيس في ساحة المعركة سابقًا، لذا لم يكن الأمر صعبًا عليه.
“كبير الخدم كان يتوسّل أنْ يُسمح له بدخول الملحق.”
“ذلك العجوز اللعين.”
عبس كيرتيس. ففيلِب، كبير خدم قصر بيرك، كان أحد خدّام الملك منذ أن كان وليًّا للعهد. ومن الأرجح أنّه يُبلغ عن تحرّكات كيرتيس أولًا بأوّل.
“لكن العذر الذي قدمه معقول. فالمفروشات قديمة بالفعل.”
كان نويل هو من رتّب على عجل المُلحق الذي ستُقيم فيه الأخوات أمبرويز الثلاث عند الفجر البارحة. وكان المُلحق من الأماكن المفضّلة لدى الملكة ميلدريد في قصر بيرك، وقد أُغلق لعشر سنوات منذ وفاتها. لذا، مهما كان التنظيف سريعًا، لا مفرّ من كون الأثاث قديمًا.
“وماذا فعلت؟”
“أرسلت أقل عدد ممكن من الخدم لتغيير المفروشات والستائر بسرعة. وأخبرتهم بوضوح: إن تكلّم أحدهم بكلمة واحدة مع الضيفات في الملحق، فمصيره الطرد فورًا.”
“أحسنت.”
ردّ كيرتيس بذلك وهو يتثاءب بخفّة. فابتسم نويل ابتسامة مريرة.
بفضل كيرتيس الذي أثار ضجّة في قاعة الحفل، كان نويل، وكل خدم القصر، في حالة طوارئ منذ يومين.
‘نويل، آسف، لكن أرجوك أدخِل الملازم أمبرويز ومن معها إلى الملحق.’
‘كيرتيس، هل فعلتَها في النهاية؟’
‘لقد حدث ما حدث.’
كانت عادةً سيئة من كيرتيس أن يُجمل معظم الشرح في جملة واحدة: “لقد حدث ما حدث”.
لكن بعد أن قضى نويل سنواتٍ برفقته، بدأ يدرك أنَّ خلف كلماته الموجزة غالبًا ما تختبئ حسابات متأنّية.
وقد كانت تلك العادة تُثير استياءه أحيانًا، بل تجعله يبدو مغرورًا.
لكن مِن المؤكد أنَّ الشخص الذي يُعاني أكثر مِن غيره هو كيرتيس نفسه.
فهو دائمًا ما يُجري حساباتٍ لا تُعد، ويمشي فوق خيطٍ رفيع أشبه بالسير على الحبل في عرضٍ بهلواني.
ويُخفي كل ذلك خلف وجهٍ بارد الملامح.
لو رأى الناس ما يدور في ذهنه مِن حسابات، لما استطاعوا النوم من القلق.
وهَكذا كان الحال الآن. فمنذُ الحفل، كان كيرتيس شان بيرك هو الأكثر انشغالًا.
فبِمُجرد عودته إلى القصر، كتب بنفسه قرابة عشرة خطاباتٍ دوّن أنْ ينام.
وكانت تلك الخطابات متنوعة: رسالة اعتذار لدوق غلينتراند، وهو قريبٌ بعيد له، لعدم لقائه في الحفل، ورسائل إلى وكلائه ومديري أراضيه لإبلاغهم بأن شخصًا جديدًا سيُدرج ضمن حقوقه كصاحب لقب.
وبمجرد طلوع الصباح، توجّه إلى القصر الملكي. فقد كان مِن الواضح أنْ الملك لَن يُوافق على زواجه، لذا أراد أنْ يطلب مِن الأمير فريدريك ترتيب الأمور بدلاً عنه.
وقد شاع لاحقًا أنَّ الملك، بعد أن رأى الصحف وفقد أعصابه، منع دخول دوق بيرك إلى القصر الملكي. وكان ذلك بعد لقائه بالأمير مباشرة.
“كنتُ أعلم أنه سيفعل ذَلك.”
طبعًا، حين سمع كيرتيس بذَلك، ابتسم ساخرًا. فهو لَمْ يكُن قد طلب مِن الأمير اللقاء في القصر الملكي أصلًا. لقد كان توقيت القرار سريعًا للغاية.
وبعدها مباشرة، وقبل أنْ يلتقط أنفاسه، أجرى مقابلةً صحفية مع صحفي كان بانتظاره في قصره.
وكان ذلك الصحفي من صحيفة معتدلة اختارها كيرتيس مُسبقًا، وكأنه كان يتوقّع كل هَذا.
ناول نويل ربطة العنق لكيرتيس.
“وماذا عن صاحب السمو الأمير فريدريك؟”
“أعرب عن أسفه على زوجتي المستقبلية، كما يليق بدمائه الملكية.”
قالها دوّن أنْ يبتسم، وهَذا كان طبيعيًا منه. أما نويل، فاكتفى بابتسامة مريرة.
فالأمير فريدريك كان على عكس الملك، على علاقة ودّية مع كيرتيس. وبالرغم من أنّه ابن أخيه، فإنَّ فارق السنّ بينهما لم يتجاوز الأربع سنوات، وقد تعلّما معًا، مِما وطّد العلاقة بينهما.
وعلى عكس الملك، لم يكُن في الأمير أيُّ مكرٍ يُذكر.
“وهل يعرف عن علاقتكَ بالدوقة المستقبلية؟”
نظر إليه كيرتيس وكأنَّ قشعريرةً سرت في جسده.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 16"