الفصل 15 :
ليـا أَمبرويز.
الفتاة الجميلة ذات الشّعر القصير الأزرق الداكن، التي تُشبه كلوي كثيرًا، لم تَكُن قادرةً على التّمييز ما إذا كانت تعيش حلمًا أم واقعًا الآن.
حتى مساء أمس، كانت قد تناولت العشاء مع أختها الصغرى في المنزل الصغير الواقع في شارع لو مارتين، ثمّ نامتا معًا بسعادةٍ كعادتهما.
“أختي كلوي ستعمل لساعاتٍ إضافيّة اليوم أيضًا! أليس هَذا جيّدًا، يا آيريس؟ الحلوى التي اشترتها كلوِي لنا سأعطيها لكِ!”
“أُحبّ الحلوى! لكنّني أُريد رؤية أختي كلوِي.”
ذكرياتٌ تأثّرت بها ليا كثيرًا بسبب طيبة أختها الصّغيرة آيريس، لا تزال واضحةً في ذهنها.
في الفجر، أُيقظت ليا مِن نومها العميق بعنف على يد أختها الكبرى، التي عادت للتّوّ مِن القصر الملكي.
“انهضي، علينا الخروج فورًا.”
“هممم؟ ماذا تقولين؟ أختي، السّاعة الآن…”
“أنهضي!”
أختها الكبرى، التي كانت نادرًا ما تعود إلى المنزل بسبب العمل الليلي المُستمرّ، كانت دائمًا تحرص على خلع حذائها في الخارج كي لا تُزعج ليا وآيريس عند عودتها في الفجر.
لكن، أنْ تُوقظها فجأةً بهَذا الشّكل وتُخبرها أنَّ عليهما مغادرة المنزل فورًا؟
مِن الطّبيعي أنْ تشعر ليا بالخوف.
“أخـيرًا؟”
“…أخيرًا؟ ما الذي تقولينه؟ لا وقت للشرح الآن. خذي آيريس واخرجي.”
“حتى آيريس؟! لا بدّ أنْ أُمّي وأبي ارتكبا مصيبةً أخيرًا، أليس كذلك؟!”
عندها فقط فهمت كلوِي ما الذي قصدته ليا بقولها ‘أخيرًا’، فنظرت إليها بدهشة.
لكن بالنّظر إلى أنْ والدَيهما نادرًا ما يتواصلان معهما، ولَمْ يسبق أنْ جلبا خبرًا جيّدًا يومًا، لَمْ يكُن مِن الغريب أنْ تفترض ليا ذلك.
“كنتُ أعلم أنّه سيأتي يومٌ نهرب فيه ليلًا!”
دوّن أنْ تُبالي، أخرجت ليا حقيبةً صغيرة كانت قد أعدّتها مُسبقًا للهروب، وأظهرتها بكلّ فخر.
فوضعت كلوِي يدها على جبينها المتألّم مِن الصّداع، ثمّ طرقت على رأس ليا ضربة خفيفة.
طق.
“آه! هَذا مؤلم!”
“جيّد أنّكِ أعددتِ الحقيبة. خذيها فقط.”
ثمّ حملت كلوِي آيريس، التي كانت تئنّ وتتصنّع الدّلع وهي لا تزال نصف نائمة، وخرجت بسرعة مِن المنزل.
ولحقت بها ليا بعد أنْ ألقت معطفًا فوق ملابس نومها على عجل.
وحالما خرجتا مِن الباب، شهقت ليا عندما رأت العربة الكبيرة والسّوداء الواقفة أمام منزلهنّ.
“أختي، ما الذي فعلتِه بحقّ الجحيم؟”
“لقد حدث ما حدث…”
وكان مِن البديهي أنْ يكون مَن أرسل العربة هو كيرتيس.
فذَلك الفجر، ما إنْ وضع كيرتيس خاتم الخطوبة في إصبع كلوِي، حتّى أعطاها أمرًا مُباشرًا بالهروب ليلًا.
“حين تُشرق الشّمس غدًا، ستكون عائلتكِ في ورطة. خذيهم إلى قصر الدّوق الآن.”
ولأنّ العربة لَمْ تكُن تحمل ختم دوقيّة بيرك المُعتاد، فقد بدا واضحًا أنّهم أزالوه عمدًا كي لا تلفت الأنظار.
وقد كان هَذا التصرّف في غاية الحكمة، لأنّ الفجر لَمْ يَكُن قد بزغ بعد حين تحرّكت العربة، ولأنّ الأختين استطاعتا أنْ تريا مِن نافذة العربة الصّحفيّين يركضون باتّجاه شارع مارتين بأعينهم.
“لا شكّ في الأمر! الآنسة كلوي أمبروايز تسكُن في شارع مارتين!”
“لنرَ، العنوان هو 138 شارع مارتين؟”
ولو كانت كلوي قد تأخّرت قليلًا في إسدال ستارة نافذة العربة، لكانت نظراتها التقت بنظرات هؤلاء الصّحفيّين بلا شكّ.
“أختي، ما الذي يحدُث فعلًا؟”
“لا يُمكنني الشّرح الآن. ستعرفين حين نصل.”
كانت ليا تعرف مُسبقًا أنَّ كلوي قد التحقت بالحرس الملكي.
هل حصل شيءٌ خطير؟
راحت تنظر إلى أختها ذات التّعبير المُعقّد وتحاول طرد القلق عن نفسها.
وأخيرًا، وصلا إلى قصرٍ كبير يلمع بياضًا حتّى في عتمة اللّيل.
وحالما نزلت ليا مِن العربة وهي تحمل آيريس بين ذراعيها، شهقت وفغرت فمها مِن الذّهول.
فالمكان الذي كانت تقف فيه الآن هو قصر دوق بيرك، والذي يُعدّ مِن أروع معالم العاصمة أيفانيـس.
قصرٌ ضخم نُصِب بجانب بحيرةٍ صغيرة قرب القصر الملكي، بُني بفخر وكأنّه لا يأبه بارتفاع أسعار العقارات في العاصمة.
وقد شُيِّد بأمرٍ مِن الملك السّابق، الذي أحبّ الملكة ميلدريد حبًّا شديدًا، فبناهُ ومنحه إلى الأمير الثّالث، الذي أصبح لاحقًا دوق بيرك، حين كان لا يزال طفلًا.
ونظرًا لوقوعه في مكانٍ ظاهر مِن العاصمة، لَمْ يكُن هناك مَن لا يعرف القصر.
لطالما كانت ليا تُلقي عليه نظرةً سريعة أثناء ذهابها إلى المدرسة وتتساءل: ‘مَن يا تُرى يعيش هناك؟’
أنْ تدخل إلى القصر بنفسها، بعد أنْ كانت تنظر إليّه بإعجابٍ مِن بعيد، كان أمرًا لا يُصدّق.
لكنّ الجوّ داخل القصر لَمْ يَكُن كما تخيّلته دائمًا ‘لا بدّ أنّه مكانٌ مريح وسعيد…’ بل كان غريبًا نوعًا ما.
“آنسة أَمبرويز، تفضّلي مِن هَذا الطّريق.”
استقبلهم الملازم نويل، الذي بدا عليهِ الإرهاق قليلًا، وسط صمت القصر التّامّ.
ولم يكُن هناك أيٌّ مِن الخدم الذين يُفترض وجودهم في قصرٍ كهَذا.
أخذ الملازم نويل آيريس مِن ليا بسرعة، ثمّ بدأ بإرشاد الأختين داخل القصر.
وكان المكان الذي وصلا إليّه في النّهاية هو جناحٌ منفصل داخل القصر الكبير، خالٍ تمامًا من البشر.
رغم أنّه بدا نظيفًا ومرتّبًا، إلّا أنّه كان خاليًا مِن أيِّ وجودٍ بشري أيضًا.
“السّاعة لا تزال مبكّرة. أرجو أنْ تستريحوا أوّلًا.”
أغلق الملازم نويل الباب الخارجي للملحق بكلّ تهذيب.
دوّي.
ما الذي يحدث بحقّ السماء؟
ليا أمبرويز. كانت ذكيّة لدرجة أنّها دائمًا ما تتنافس على المرتبتَين الأولى والثانية في قسم القانون بجامعة العاصمة للنّساء.
وقفت ليا في ذَلك الملحق الهادئ، وبعد أنْ بدّلت أختها مقرّ عملها منذُ ثلاثة أشهر، تمكّنت على الفور مِن استنتاج ما الذي حدث استنادًا إلى سلوكها وأقوالها.
“أختي قد قتلت الدوق بيرك في النّهاية…”
رفعت كلوي، التي كانت ممدّدةً تسترخي بعد أنْ شعرت أخيرًا بالاطمئنان لوصولها إلى قصر الدوق، رأسها مذعورة.
“…ماذا؟”
لكن ليا، هَذهِ المرّة أيضًا، لَمْ تُعرها اهتمامًا.
“أُخذنا فجأةً فجرًا في عربةٍ مشبوهة، والمكان الذي وصلنا إليه هو ركنٌ ناءٍ في قصر دوق بيرك…”
“….”
“كنتُ أشكّ منذُ أنْ بدأت أختي تشتم الدوق كلّ يوم. لقد فقدت أعصابها في النّهاية، وجيء بنا إلى هُنا سرًّا لتنفيذ الإعدام بحقّنا، أليس كذلك؟”
كيف كان شكل تعبير كلوي عند سماع ذَلك؟
على أيِّ حال، عجزت كلوي عن التّعبير لأسبابٍ كثيرة، فبدلًا مِن أنْ تشرح أيِّ شيء، وضعت بضع نسخّ مِن صحيفة صباح ذَلك اليوم في يد ليا.
فتحت ليا الصحيفة وهي مستعدّة نفسيًّا لقراءة خبر وفاة بطل الحرب في إيفانيس، لكنها ارتجفت عند رؤية العنوان.
<دوق بيرك يعلن زواجه مِن مساعدته التي كان على علاقةٍ سريّة بها>
حينها فقط، همست كلوي إلى أختها الصغرى بنبرة مزرية للغاية:
“أختكِ قد تزوّجت.”
انهارت ليا أمبرويز وسقطت على ظهرها.
****
بعد أنْ أفاقت مِن إغمائها، وُضع أمام ليا فنجان شاي الزنجبيل الدافئ.
ارتشفت الشاي دفعةً واحدة، ثم فتحت فمها بهدوء.
“أختي، لديّ سؤالٌ واحد فقط.”
“نعم، اسألي.”
“ألستِ مَن قال قبل أيّامٍ فقط إنَّ ‘دوق بيرك نذلٌ ابن كلب’؟”
غطّت كلوي أُذني الطفلة ذات العشر سنوات، آيريس، التي لا تزال نائمة على حجرها، وردّت بسرعة:
“هل هَذا ما تعلّمتهِ في الجامعة بعد أنْ دفعتُ لكِ رسومًا دراسيّة باهظة، يا ليا؟”
ضحكت ليا بسخرية مِن كلامها.
“أتدرين ما الذي تعلّمتُه مِن تلكَ الرّسوم الباهظة، أختي؟”
“وما هو؟”
“أنَّ الإنسان الذي يريدُ التهرّب مِن الإجابة يُهاجم مَن يطرح السّؤال.”
“كلامٌ رائع. أشعرُ أنَّ جهدي لجمع الرّسوم الدراسيّة لَمْ يذهب سُدى.”
أجابت كلوي وهي تدير عينيها بتملّق، لكنّها لَمْ تتمكّن مِن التهرّب مِن هجوم ليا الحاد.
“كفي عن المراوغة وتحدّثي بصدق. زواج؟ مِن دوق بيرك؟ فعلًا؟”
يبدو أنَّ قسم القانون كان اختيارًا مُناسبًا للغاية لليا. لا مهرب.
تنهدت كلوي بعمق ثم فتحت فمها أخيرًا.
“أنا أحبّ الدوق.”
“…أختي. أعتقد أنّني بحاجةٍ إلى الذهاب للمستشفى. بدأتُ أسمع هلاوس.”
ردّة الفعل على هَذا الاعتراف الوقح كانت نظراتٌ مذهولة.
لكنّ كلوي ظلّت صامدة. فقد أمرها كيرتيس شان بيرك بالحفاظ على السريّة التامّة. وأكّد أنّه لا يجوز أنْ يخرج الخبر إلى العلن، حتى لأفراد العائلة.
لذا اختلقت عذرًا مقنعًا.
“الدّخول في علاقةٍ مع رجل في منصب الدوق يُعدّ سرًّا مِن أسرار الدّولة، لذا لَمْ أستطع الإفصاح عنه.”
ضيّقت ليا عينيها حتى أصبح شكلها مثلثًا.
“تحدّثي بصدق. ألا أعرفكِ؟”
كانت أختها الثانية حقًّا صارمة في مثل هَذهِ الأوقات. نظرت كلوي بحذرٍ إلى ليا، لكن يبدو أنَّ ليا لَمْ تُصدّق ما قالته.
“لو قلتِ إنّكِ تزوّجتِ الدوق مقابل مبلغٍ مِن المال، لكان ذَلك أكثر منطقًا.”
تبا. توقّعت ذَلك.
مهما حدث، فقد كان مِن الصعب إخفاء الأمر عن ليا التي تجلس معها لتناول العشاء وجهًا لوجه كلّ مساء.
فليا، التي كانت دومًا الأذكى منذُ صغرها، تبدو أنّها قد فهمت كلّ شيء بالفعل.
‘لقد رأتني أتصرف مثل البخيلة لأكثر مِن عشر سنوات، فمِن الطّبيعي أنْ تشكّ…’
في النّهاية، تخلّت كلوي عن تمسّكها بالوقاحة، وسردت ما حدث بشكلٍ محرَج:
“تبًّا، لقد قال لي سموه ألّا أخبركِ أنتِ أيضًا. حسنًا، في الواقع، نعم… أنا في الحقيقة بعتُ نفسي.”
لكن توقّعات كلوي كانت بعيدة كلّ البعد عن الواقع. فعندما سمعت ليا ذَلك، اتّخذ وجهها ملامح الشفقة والخيبة.
“أختي… هل تظنّين أنّني غبيّة؟ مَن الذي سيدفعُ المال ليتزوّج بكِ…؟”
“….”
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 15"