الفصل 12 :
‘…لا يمكنني السّماح لنفسي بأنَّ يُقال إنّني تزوّجتُ مِن مجنون، مهما كنتُ في عجلةٍ مِن أمري. سأُلغِي هَذا وكأنّه لم يحدُث.’
ما إنْ سمعتُ تلكَ الكلمات، حتّى شعرتُ كأنَّ دلْوًا مِن الماء البارد سُكِب عليّ، وعاد إليّ وعيي دفعةً واحدة. من الخارج، كنتُ ألوّح بيدي بخفّة متصنّعة وكأنّ شيئًا لم يحدُث، لكنّ فكرة ‘لقد تَورّطتُ’ كانت تلتهمني بالكامل.
لكن لحسن الحظّ، أعاد كيرتيس السّؤال قائلًا: “ما بالكِ بحقّ السّماء؟”
الاعتقاد بأنّ لكلّ أمرٍ سببًا وجيهًا هو إحدى العادات السيّئة التي تميّز الطبقة الحاكمة. أحيانًا، يُمكن للمرء أنْ يفعل شيئًا فقط لإزعاج الآخر.
وطبعًا، لم تكُن لتقول: ‘فقط لأنّني أردتُ أنْ أحرجكَ.” لذا، أخرجت كلوي بطاقة العائلة. كانت بطاقة استعجاليّة، نعم، لكنّها أيضًا كانت فكرةً تراودها باستمرار، ولهذا تمكّنت من الحديث بثقة وكأنّها خطّة مُحكمة.
وكانت النّتيجة ناجحة. بدا أنَّ كيرتيس شان بيرك قد اقتنع بكلامها إلى حدٍّ كبير.
‘حسنًا، لَن يضرب رأسهُ بالحائط فعليًّا…’
مؤسف، لكن طالما أنّه يُمكنني أنْ أنتزع منه مالًا أكثر بهذه الطريقة، فسأكتفي بهذا القدر.
وفوق ذلك، تمكنّتُ مِن تأمين سلامة إخوتي، وكان هذا أمرًا مشجّعًا بالفعل.
ثمّ حدث ذلك.
“حسنًا. أفهم تمامًا ما تُحاولين قوله يا ملازم.”
قال كيرتيس ذَلك بينما بدأ يخطو ببطء نحو المساحة الفارغة من مكتبه. وحدها هذه الحركة كانت كفيلة بإرباك كلوي، لكنّه تابع فعلًا.
عضّ قفازه بأسنانه ونزعه عن يده، ثمّ نظر إليها مُباشرةً.
…لا يُمكن أنْ يكون…
“سأتصرّف كما طلبتِ.”
“…عذرًا؟”
“لكن.”
جمع كيرتيس قفازيه ونفضهما معًا قبل أنْ يرميهما على الأريكة. صفعة. صوت سقوط القفازين الجلديّين عالي الجودة على الأريكة بدا مدوّيًا بشكلٍ غريب.
“بعد هذا، يجب على الملازم كلوي أمبرويز أنْ تدفع الثمن المناسب لقاء حصولها على ولائي.”
عَيْناه البنفسجيّتان الجامدتان جعلت القشعريرة تسري في جسدها. لكن الأوان قد فات. لم يكُن لدى كلوي فرصةٌ لإيقافه.
ركع كيرتيس مُجدّدًا، على ركبةٍ واحدة.
لم يسبق له في حياته أنْ ركع أمام أحد. ربّما فقط حين بايع الملك في مراسم التتويج.
ركع بإحدى ركبتيه، وأبقى الأخرى مرفوعة، بينما تأمّل أرض مكتبه. وضع يده العارية على الأرض، ولاحظ فجأة كم يبدو هذا الفعل غريبًا. لقد قضى أكثر من عامٍ في هَذا المكتب، لكنّه لم يجلس يومًا على الأرض فيه.
‘…الأرضيّة متّسخة. سأعاقب المسؤول عن تنظيف الصّباح غدًا.’
وحين يُحاول الإنسان فعل أمرٍ لَمْ يعتد عليه، كثيرًا ما تتزاحم الأفكار الغريبة. رفع رأسه وسأل مساعدته:
“إلى متى يجب أنْ أظلّ على هَذهِ الحال؟”
“عذرًا؟”
بدت مرتبكةً قليلًا، ربّما كانت شاردةً للحظة. هو الآخر لم يَمنع نفسه مِن إطلاق ضحكةٍ ساخرة.
‘لو رأى نويل هَذا المشهد، ماذا كان ليقول؟ رُبّما كان سيُفضّل تسليم شقيقتهِ لي على أنْ يشهد هَذا الموقف.’
سأل كيرتيس بجديّة:
“الركوع. سألتُ كم مِن الوقت يجبُ أنْ أظلّ هَكذا؟”
“…هل تنوي فعلًا القيام بذَلك؟”
“هل كنتِ تظنّين أنّني كنتُ أمزح؟”
أسند كوعه إلى ركبته المرفوعة ونظر إليّها مِن أسفل. كانت عينا كلوي الورديّتان تلمعان مِن التّوتّر. يبدو أنّها لم تتوقّع أنْ يركع فعلًا.
‘هل قلبها طيّبٌ أكثر ممّا ظننت؟ أم ظنّت أنّني سأتخلّى عن هذا العقد؟’
“إنّه عقد، أليس كذلك؟ إذًا، أريد أنْ أدفع الثّمن المطلوب.”
“….”
“لم يسبق لي أنْ فرضتُ عقوبةً على جنودي دوّن تحديد الوقت. لذا، أتمنّى أنْ تُحدّدي لي مدّة.”
تردّدت كلوي وأخذت تُحرّك عينيها.
“…أه….”
سواء أجابت أم لا، نظر كيرتيس إلى ساعة الحائط في جانب المكتب. كانت تُشير إلى السّاعة الثّانية فجرًا.
“مؤسف، لكنّ تجاوز الرّابعة سيكون صعبًا.”
في السّادسة صباحًا، سيكون هناك تبديل لحرس الحماية. وبما أنّ كلوي مساعدته، فقد فهمت الإشارة مباشرة. لكن بدلًا مِن أنْ تُحدّد وقتًا، تنهدت بعمق.
“…لِمَ تُريد أنْ تذهب إلى هَذا الحدّ؟”
بدأت كلوي تُدلّك عينيها الجافّتين بأطراف أصابعها. بدا عليها التّوتّر بوضوحٍ مِن مدى جديّته.
لم يكُن صعبًا فهم شعورها. كثيرٌ مِن النّاس لا يُدرِكون أنّ الأقوال شيء، والأفعال شيء آخر تمامًا. رؤية دوقٍ جاثيًا أمامها جعلها تشعر بالخوف فعلًا.
لو كان هُناك طرفٌ ثالث في هَذا المكان، لربّما علّق قائلًا: ‘كلاهما فقط لَمْ ينم حتى الآن، لذا فقدا صوابهما قليلًا. كيف انتهى بهما المطاف هَكذا؟’
لكن في هَذا المكان، لَمْ يكُن هُناك أحدٌ سواهما. لا أحد ليقول لهما: “تماسكا قليلًا.”
لذا، واصل كيرتيس ضغَطه عليها بهدوء.
“كلوي أمبرويز. هل تحتاجين إلى وقتٍ للتفكير؟ لا أظنّ أنَّ مثل هَذهِ الفرص تتكرّر كثيرًا.”
بدت كلوي منزعجةً قليلًا مِن نبرة الاستهانة في كلامه. لكنّها سرعان ما مسحت وجهها بخشونة، ثمّ فتحت فمها لتتكلّم.
“لا.”
“إذًا…”
“انهض، يا صاحب السّموّ.”
رفع كيرتيس حاجبًا واحدًا بدهشة. لكن كلوي رفعت يدها عن وجهها وقالت بتنهيدة.
“هَذا يكفي.”
“ملازم أمبرويز.”
عندما ناداها وكأنّه يسألها إنْ كانت جادّة فعلًا، نظرت إليه مرّةً أخرى وتنهّدت مِن جديد.
“أنا أيضًا أُحبّ حياتي.”
“هل تظنّين أنّني سأنتقم بعد أنْ ينتهي هَذا؟”
كانت جملةً أطلقها بلا تفكير. أنتِ مَن طلبتِ هَذا، وأنا فقط وافقت. كان ذَلك منطقيًا بالنّسبة له. فلماذا تطلب منه أنْ يتوقّف الآن؟
لكن كلوي، عند سماع ذَلك، حرّكت عينيها قليلًا لتتفادى نظراته.
“…قليلًا؟”
برزَ عِرقٌ خفيفٌ على جبهة كيرتيس.
“ما دمتِ تقولين هَذا الكلام، فلا بُدّ أنْ أركع على ركبتيّ.”
“سموك؟”
نظرت إليّه كلوي بدهشةٍ خفيفة. فنهض كيرتيس من مكانه واقترب منها مِن جديد. كانت الزاوية هَذهِ المرة مختلفة قليلًا. كانت المرأة تنظر إليّه بشرود وهي جالسة، في حين كان كيرتيس يُحدّق بها مِن الأعلى وهي على الأريكة.
لماذا؟
لماذا يبدو هَذا المشهدُ المألوفُ غيرَ مرحّبٍ بهِ فجأةً؟
“لا أعلم كيف ترينني، لكنني أُعجبُ بكلامِكِ يا ملازم.”
“ما الذي…؟”
“الناس العاديّون لا يستطيعون الحفاظ على رباطة جأشهم في مواقف كهَذهِ، أما أنتِ فاستطعتِ التفكير بحساب المكاسب والخسائر. سرعة بديهتكِ مثيرةٌ للإعجاب.”
قطّبت كلوي حاجبيها قليلًا، بينما ضحك كيرتيس بخفةٍ ومدّ يده إلى جيبه.
“لا أقصد الإهانة. لا أُريد أنْ تكوني أنتِ الضحيّة الوحيدة في هَذهِ الصفقة.”
“ما الذي تعنيهِ بذَلك؟”
“لقد علّمتني والدتي دائمًا ألّا أعتبر تضحيات الآخرين أمرًا مفروغًا منه.”
لقد علّمت الملكة ميلدريد ابنها دائمًا ألا يعتبر تضحية الآخرين أمرًا طبيعيًّا لأجل مصلحته. لَمْ تكن تلكَ التعاليم بدافع الفضيلة السياسيّة، بل لأجل أمرٍ آخر.
“لأنّ تلكَ التضحيات، لا محالة، تُحمِّل الحاكمَ ثمنًا أكبر لاحقًا.”
“ما الذي تفعله…؟”
وبينما كانت كلوي تتحدّث، جثا كيرتيس مرةً أخرى على ركبته أمامها، وأخرج علبةَ الخاتم من جيبه وعرضها عليها من جديد.
“كلوي أمبرويز، أُجدِّد طلبي بالزواج منكِ.”
“ها…”
أغمضت كلوي عينيها بشدّة وضغطت على جبينها، ملامحها كانت تصرخ: هذا غير معقول.
ولسببٍ ما، شعر كيرتيس ببهجةٍ خفيفة حين رأى ذلك التعبير على وجهها، رغم أنه كان جاثيًا أمامها على ركبته.
هو أيضًا كان رجلًا في سنّ الزواج. وإن قال إنه لم يتخيّل يومًا مشهدًا يتقدّم فيه بالزواج من امرأة، لكان كاذبًا. لقد تخيّل مشاهدَ كثيرة، منها المؤثّرة، أو الجميلة، أو حتى تلك التي تُشبه ميادين التفاوض والصراع السياسيّ.
لكن من بين كل تلك الصور، لم يكن بينها واحدة تظهر فيها امرأة تمسك رأسها وكأنها مصابةٌ بالصداع بعد تلقي عرض زواج منه.
“أنا أيضًا من سلالةٍ ملكيّة، وما دمتُ قد ركعت، فلا بُدّ أن أستغلّ ذلك بشكلٍ مفيد.”
شعرت كلوي بأنَّ ما قاله جنونٌ بحدّ ذاته. استغلال الركوع؟ وكأنَّ ركبته سيفٌ ينبغي استخدامه لقطع اللفت لمجرد أنه أشهره.
سواءً أعجبها الأمر أم لا، فقد بقيَ الدوق راكعًا بوقاحة وهو يمدّ الخاتم إليّها، وما قاله بعد ذَلك، كان أعجبَ مِن كلّ شيء.
“قد لا تكونين سيّدة روحي، لكن اسمحي لي بأنَّ تُصبحي مالكتها المؤقتة.”
“أنا لستُ شخصًا يلتقط كلبًا مُشردًا مِن الشارع… مالكةٌ مؤقتة؟”
“ألا يُعجبكِ ذَلك؟”
مرّرت كلوي يدها على جبينها مرارًا. لكنّ الجواب كان واضحًا، ولا حاجةَ للتفكير فيه.
“اللعنة، حسنًا، موافقة.”
“اللعنة”، كانت إجابةً صادمةً نوعًا ما مِن امرأةٍ تلقت عرضَ زواج.
ضحك كيرتيس بخفة وأخرج مِن العلبة خاتمًا يُدعى ‘لهيب القداسة’. وقد سُمِّي كذلك لأنّه يُشبه الشعلة البنفسجيّة المتلألئة. وكما يُوحي اسمه، فقد كانت الجمشتُ تتلألأ حتى تحت ضوء الفجر.
“لقد تغيّرت حياة والدتي حين وضعت هَذا الخاتم. أُقسم لكِ أنّه لَن يكون سيئًا عليكِ.”
“أمّي كانت تقول دائمًا احذري مِمَن يقول لكِ ‘سأُغيّر حياتكِ’، لأنه بالتأكيد مُحتال.”
“لقد أعطتكِ نصيحةً جيدة.”
“هل تُخطّط للاحتيال عليِّ؟”
“هل رأيتِ يومًا مُحتالًا يُعلِن عن خدعتهِ سلفًا؟”
ربّما لأنّ الأمر يتعلّق بعرض زواج، فقد تبادلا مزاحًا سخيفًا.
والمُفاجأة كانت أنَّ الخاتم ناسب إصبعها تمامًا.
راقب كيرتيس تعابير وجهها بعدما أدخل الخاتم في إصبعها، فرأى كلوي تنظر إلى إصبعها البنصر الأيسر ووجهها كأنّها تذوقَت شيئًا فاسدًا.
ولسببٍ ما، جعلَه ذلك في مزاجٍ جيد.
“حسنًا. نحن الآن مخطوبان، أليس كذلك؟”
“أجل.”
“إذن، هناك أمرٌ يجبُ القيام به.”
حوّلت كلوي نظرها عن الخاتم، ثمّ عبست أكثر، وهَذا بحدّ ذاته كان صادمًا. مَن كان يظنّ أنَّ وجهها قد يعبس أكثر مِن ذَلك؟
“لا تقل لي أنَّ علينا تقطيع كعكة الخطوبة أو شيءٌ كهَذا.”
“بالطبع لا.”
وحين سمعت المهمّة التي طلبها منها كيرتيس، بدت كلوي مكتئبةً أكثر. كانت تأمل أنْ تنام أخيرًا، لكن لا، الليلة ستسهرُ حتى الصباح على الأرجح.
“تكليفُ خطيبتكَ بعملٍ شاق بعد عرض الزواج مُباشرةً، أليس ذَلك مخالفًا لقانون الجيش؟”
“هل تعلمين شيئًا يا ملازم؟”
“ما هو؟”
“بما أنّنا مخطوبان الآن، فلَن يُحسب لكِ هَذا كعملٍ إضافيٍّ يستحقُّ أجرًا ليليًّا.”
“هل يُمكنني فسخ الخطوبة؟”
لكن بالطبع، لَمْ يكن ذَلك ممكنًا.
***
“خبرٌ عاجل!”
“الدوق كيرتيس شان بيرك سيتزوّج!”
لقد انقلبت المملكة رأسًا على عقب. ففي حفل الاستقبال الدبلوماسيّ مع مملكة غلينترلاند، أعلن الدوق بيرك زواجه.
《 الفصول متقدمة على قناة التيلجرام المثبتة في التعليقات 》
═════• •✠•❀•✠ •═════
الترجمة: فاطمة
حسابي ✿
《واتباد: cynfti 》《انستا: fofolata1 》
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 12"