أحيانًا تشعر أن كل الدنيا وقفت عقبة في طريقك، حتى لا يتحقق ما تبتغيه.
لكن ربما في تلك العقبات سوف ترى شيئًا لم تتوقع أنه قد كان موجودًا هنا منذ البداية.
♤♤♤♤♤♤♤♤♤
بعد أن وصلت نهيدة إلى بيتها، بدأت تُفتّش بين أغراضها باحثة عن أساورها الذهبية.
كانت هذه الأساور قد جلبها هامد من أجلها في يوم زواجه منها.
على الرغم من أن الذهب نادر الوجود في هذه القبيلة، قرر إهداءها هذه الأساور؛ تعبيرًا عن امتنانه لموافقتها على الزواج منه.
لأن الذهب كان نادرًا للغاية بالنسبة لسكان هذه القرية، استغربت نهيدة عندما حصلت على هذا الشيء الثمين، وسألته من أين أحضرها.
حينها أجابها أنه كانت هناك امرأة عجوز في القافلة التي وصلت إلى القرية قبل الزفاف بأيام، وكان معها بعض الحُليّ تحاول بيعها حتى تدفع ثمن سفرها إلى مملكة الساحل؛ لذا اشتراها منها بنصف القيمة.
نظرت نهيدة إلى الأساور وراودتها فكرة ألا تعطيها للرسول، وتحتفظ بها.
كانت امرأة تعتز بذكرياتها، وأي شيء يتعلق بأيامها القديمة، لكن يتوجب عليها دفع الثمن بالأساور إذا أرادت الخروج من هذه القرية.
على مضض أخذت أربع أساور، ثم لفّت حولها قطعة قماشٍ قديمة، وخرجت متوجهة إلى بيت الدواء.
عندما وصلت، وجدت أن باهر قد أدخل المواد التي يحتاجون إليها في البيت، وقد كان دورين يشرح له سبب وجود بعض المواد الناقصة.
أما ما تبقى من البضائع، فقد بدأ الباعة بالتجمع عندها، وكان الرجل الملثم يعطي لكل شخصٍ البضاعة التي أُرسلت من أجله.
بعد أن توجه باهر لإتمام ما تبقى من عمله، اقترب دورين منها؛ عندما لاحظ وقوفها بجوار الباب.
بمجرد أن وصل إليها، مدّت له ما تحمله وقالت:
“هذه أربع أساور ذهبية، هل تفي بالغرض؟”
هزّ دورين رأسه وأجابها:
“أجل، هذا أكثر مما توقعت أساسًا.”
فكّ قطعة القماش وتفحّص الأساور جيدًا، ثم نظر إليها:
“هذه الليلة سأتحدث معه. على أي حال، هو متوجه لذات الطريق من أجل إيصال رسالة شخصٍ آخر.”
وضع الحُلي في جيبه، أومأ لها وخرج متوجهًا إلى قافلة البضائع، وبدأ يشرح سبب وجود بعض النواقص في طلباتهم، وأنهم سوف يجلبون دفعة أخرى خلال أيامٍ قليلة، لذا لا داعي للقلق.
بدأت نهيدة عملها في بيت الدواء مع باهر، وساعدته بوضع كل الأعشاب المجففة والعقاقير في مكانها.
ومثل كل مرة، لا يوجد أي كتاب يشرح لهم أمورًا طبية أو الأمراض التي يُصاب بها الإنسان.
وهذا ما كان مؤسفًا بالنسبة لنهيدة؛ لطالما رغبت بالحصول على كتب إضافية لا يكون محور حديثها عن الأعراض التي تشير إلى اقتراب أجلهم.
ربما لو كان لديها كتب كثيرة، مثل أي معالج في الممالك الأخرى؛ على الأغلب لتمكنت من إيجاد علاج يساعد قبيلتها في التخلص من مصيرهم المأساوي.
بعد ساعاتٍ من طحن الأعشاب الجافة، وتركيب الأدوية المخففة للألم، وصنع عقاقير تساعد الحوامل، انتهى عمل اليوم بالنسبة لنهيدة وباهر، وخرجا من المكان.
لم ترَ نهيدة حاجة لتغطية رأسها بعد أن خفّت أشعة الشمس وبدأت تختفي في الأفق.
كانت الشمس تميل إلى المغيب، جاعلة البيوت تُلقي ظلالًا طويلة داكنة، وبدت الصخرة برتقالية تميل إلى الاحمرار كالجذوة تمامًا.
أثناء سيرها في الطريق، لاحظت نهيدة أن بعض الأطفال والرجال حملوا جذوع النباتات الشوكية وبعض الخشب، وبدأوا بتجميعها.
تذكّرت أن هذه ليلة بلا قمر.
كان من عادة قبيلة الوهج أن يقوموا بإشعال النار خارج المنازل والرقص في الليالي التي لا يظهر بها القمر، ويتم حينئذٍ توزيع الطعام والحلويات على الجميع، ويتشارك أصحاب المنازل طعام عشائهم مع الآخرين.
فكّرت نهيدة بأن تُحضِر بعض الطعام من أجل الليلة، لكنها أشاحت ببالها عن هذه الفكرة؛ فليس لديها أي طاقة أو حتى شغف يكفي للقيام بهذا الأمر.
قررت أن تظل جالسة في مكانها، تنظر إليهم وهم يرقصون، بينما تتناول طعام وحلويات الآخرين.
بعد أن غابت الشمس وساد الظلام في السماء، واكتفت تلك السجادة الداكنة بالنجوم المُشعّة، ظهرت على الأرض الصحراوية القاحلة شعلاتٌ نارية كثيرة بدت كتقليدٍ باهت للنجوم التي في الأعلى.
جلست نهيدة بالقرب من أسرة يمامة، كما هي عادتها دائمًا، ثم وضعت الطفل بسيم في حجرها، بعد أن نهضت يمامة وزوجها باهر حتى يرقصا مع الآخرين.
كان بسيم كثير الحركة، ولم يلبث في حجرها إلا للحظات قبل أن ينسل هاربًا، وضحك بصوتٍ عالٍ ثم بدأ يرقص ويرمي بالرمل، وارتسمت البهجة على محيّاه، مما جعل نهيدة تبتسم وهي تنظر إليه؛
كان منظر هذا الطفل البريء وهو سعيد يجلب الهدوء والسكينة إلى قلبها.
وطالما أنه لا يبتعد كثيرًا ولا يقترب من النار، فسوف تسمح له بالرقص واللعب.
وقع نظرها على دورين، وكان هو الآخر يبدو فرحًا عندما أخذت امرأة جميلة بيده، وبدأ يرقص معها…
جالت بنظرها ولاحظت وجود رسول مملكة الساحل، كان لا يزال ملثمًا، جالسًا في زاوية بعيدة عن الآخرين، بجانبه صحن طعام لم يمسّه.
بدا هادئًا للغاية، وكأنه ليس وسط احتفال.
رفع الرجل الملثم رأسه، والتقت عيناه بعيني نهيدة، كانت نظراته حادّة، وعيناه عميقتين للغاية، مما جعل الرعشة تتسلل إلى عمودها الفقري، وشعرت بالشعيرات تنتصب في ذراعيها ورقبتها.
أشاحت نظرها عنه، وحاولت أن تظل مركّزة على الطفل الذي يرقص بالقرب منها.
كان نظرها نحو بسيم، لكن بالها ظل يتجه ناحية ذلك الرجل الغامض والمخيف.
جمعت شجاعتها وأخذت نفسًا عميقًا، تحاول أن تواري الرعشة التي سرت في جسدها.
وأعادت نظرها إلى المكان الذي جلس فيه الملثم، لكنه لم يكن موجودًا؛ مما جعل قلب نهيدة يرتعد.
جفلت عندما شعرت بيد توضع على كتفها، ولم تتجرأ على الالتفات؛ خشية أن يكون ذلك الملثم خلفها.
“ماذا بكِ؟”
نبرة صوت الشخص كشفت هويته، كانت يمامة وقد بدا عليها التعب من كثرة الرقص مع زوجها.
اعتلت شفتي نهيدة ابتسامة خافتة، وشعرت ببعض الارتياح، عندما أدركت أن ذلك الرجل لم يقترب منها.
نظرت إليها وردّت:
“لقد أبهرتني حركات ابنك الراقصة.”
وختمت جملتها بضحكة باهتة.
ضحكت يمامة بصوتٍ عالٍ وقالت:
“يبدو أنني أنجبت راقصًا بارعًا.”
مرّت ساعات هذه الليلة ببطء في البداية، ولكن عندما اندمجت مع أجواء الاحتفال، انتهت الاحتفالات من دون أن تشعر.
✦✦✦
في اليوم التالي.
خرجت نهيدة من منزلها وهي تتثاءب، كانت لا تزال تشعر بالنعاس؛ لأنها لم تنم سوى ساعات قليلة من الليل، فقد أفاقت فزعة لأن الصيحة جاءت تتخلل سكون وسواد الليل الحالك.
صارت جزءًا لا يتجزأ من ليالي هذه القبيلة…
أخذت بيدها إحدى السلال التي لديها وتوجهت إلى السوق.
هذا اليوم كان سوق القرية نشطًا بسبب البضائع التي وصلت يوم أمس، لذا قررت نهيدة أن تذهب إلى هناك منذ الصباح الباكر، حتى تجد أفضل البضائع قبل أن يبقى الأسوأ.
أثناء سيرها وهي تنظر إلى البضائع، وقع نظرها على مجموعةٍ من التين المجفف…
كانت تحب هذه الأشياء، وفي كل مرة تصل فاكهة مجففة، كانت تشتري منها على قدر ما تستطيع، وتحتفظ بها إلى أن تصل دفعة أخرى منها.
اشترت حُزمتين من التين المجفف تحتوي كل حزمة على خمسين تينة، ثم أخذت ثلاث أوقيات من الزبيب الأسود وكيسًا كبيرًا من المشمش المجفف.
عندما تجولت في السوق، لاحظت وجود نوعٍ من الهدوء الغريب بالنسبة لها.
لقد مرّت عند ثلاثة باعة، ولكن لم ترَ أي واعظ في طريقها أو حتى يبعد عنها عدة أمتار.
ظلّت تجول في الطرقات ولم ترَ أي واعظ، وهذا أثار الكثير من التساؤلات قبل أن يلتحف ذهنها بالإدراك.
اليوم الوحيد الذي لا يوجد فيه أي واعظ في الطرقات، هو اليوم الذي يموت فيه أحد الواعظين.
عندما يموت أحدهم، يختفي كل الواعظين من القرية، ويعلنون الحداد من خلال صمتهم في بيوتهم، وبعد انقضاء هذا اليوم يخرجون وهم يرتدون ثيابًا سوداء، ويظلون على هذه الحال لأربعين يومًا.
استأنفت تسوّقها، وذهبت لشراء بعض قطع لحم الإبل الذي تم ذبحه اليوم، وبينما كانت تنتظر دورها خلف رجلٍ جاء هو الآخر من أجل اللحوم، تحدّث القصّاب بينما يقص بعض العظام ويُزيل الشحم ليضعه جانبًا من أجل المشتري:
“لقد سمعت أن كارثة قد حدثت ليلة أمس في بيت الواعظين، هل علمتَ ما حدث؟”
تحدث المشتري، وقد كان رجلًا ذو بشرة سمراء داكنة وعينين بلون ريش الغراب:
“أجل، لقد سمعتُ بعض الأخبار. يُقال إن معظم الواعظين قد ماتوا ليلة أمس، ولم يبقَ منهم سوى رجلٍ واحد.”
سمعت نهيدة حديثهما، وظلّت واقفة في مكانها دون حراك، وكأنما تجمّدت عروقها.
لقد شعرت بعقدة القلق تتشكّل في بطنها، وتسللت المرارة إلى حلقها.
معظمهم ماتوا، كان يمكن أن يكون هذا الخبر مفرحًا بالنسبة لها، لو لم يكن شقيقها من بينهم،
لكن هناك احتمال كبير أن يكون سهيل من بين الموتى.
نظّفت حلقها، وانضمت إلى المحادثة متسائلةً:
“هل تعلمون من هو الواعظ الذي ظلّ على قيد الحياة؟”
التفت الرجل الأسمر ناحيتها، وأجابها:
“كلا، أنا في العادة لا أهتم لأسمائهم طالما لا أرى وجوههم.”
نظر إليها القصّاب وردّ:
“أنا أعرف أسماءهم، لكن لم يتم الإفصاح عن هوية الذي ظل على قيد الحياة. أعتقد أن هذه الفاجعة جعلت هذا الشخص لا يهتم لأمر إعلان اسمه.”
شعرت نهيدة بإحساس التوتر والخوف يجيش في نفسها، وبدت أمارات التفكير على وجهها.
“هل كان سهيل من بين الموتى أم أنه ظل على قيد الحياة؟”
ظلّ هذا السؤال يدور في ذهنها لدرجة أنه فصلها عن الواقع.
كانت لا تزال غاضبة ومنزعجة منه،
لكن هذا لا يعني أن تتمنى له الموت.
ابتعدت عن القصّاب، متوجهةً إلى بيت الواعظين.
كانت تنظر حواليها، زائغة الهيئة، تائهة الفكر، مترنحة كشخصٍ ثمل لا يعلم إلى أين تقوده قدماه.
بمجرد أن وصلت إلى الوجهة التي تقصدها، أخذت نفسًا عميقًا ودخلت على الفور.
كان المكان هادئًا للغاية، لا يوجد فيه أي شخص حتى يتوجّس من دخولها.
لاحظت وجود بابٍ مفتوح لإحدى الغرف، اقتربت بخطواتٍ بطيئة، كي لا تُصدر أي أصوات أثناء سيرها.
توقفت عند الباب، ومدّت رأسها؛ حتى ترى الشخص الذي في الغرفة، دون أن يُكشف أمرها.
لقد كان سهيل واقفًا في الغرفة، ولا يضع أي غطاء على وجهه.
انفغر فمها من تلقاء ذاته، وحاولت ألا تُصدر أي شهقة،
وأخذت تتأمل ملامح وجهه التي بالكاد تتذكرها.
بشرته البيضاء التي لسعتها الشمس، شعره الفضي، وعيناه الزرقاوان لا تزالان ذاتَيهما…
لكن ملامح وجهه بدت غريبة إلى حدٍّ ما؛ لأنه مرّ وقتٌ طويل منذ أن رأت وجهه آخر مرة.
لقد بدا أكبر سنًا بسبب ملامح وجهه المُرهَقة، ووقع نظرها على يده التي كان يمسحها بقطعة قماشٍ مبلّلة، كانت تحتوي على الكثير من الجروح، وكأنه قد واجه قطة برية متوحشة.
لم تستطع نهيدة كتم شهقتها عندما رأت هذا المنظر، وهرعت إلى الغرفة ممسكةً بيده، والقلق قد تسلّل إلى ملامح وجهها ذو اللون البرونزي:
“ما الذي حدث ليدك؟ من فعل هذا بك؟”
اكتست ملامح وجهها بالرعب والذهول، ولم تستطع أن تتحكّم بعلوّ صوتها.
انفرج جفناه في جحوظ، عندما دخلت مسرعة وأمسكت بيده، مثل أمٍّ قلقة على ابنها، كما كانت في الماضي.
سحب يده وغطّاها بكُمّ ثوبه، وقال:
“ماذا تفعلين هنا؟”
بدت لهجته جوفاء بشكل غامض، مما جعل نهيدة تشعر بغصّة في حلقها؛
لم يكلّف نفسه حتى عناء الإجابة على أسئلتها أو حتى طمأنتها على حاله، كما من المفترض أن يفعله أي أخٍ مع أخته.
أبعدت نهيدة ذراعيها عنه، وعقدتهما حول خصرها، وردّت:
“لقد سمعت أن جميع الواعظين قد ماتوا باستثناء شخصٍ واحد…”
نظرت إليه، وحاولت ألا يكون صوتها مُهتزًّا:
“أتيتُ حتى أطمئن عليك.”
“لكن يبدو أنني أخطأت بمجيئي إلى هنا…”
جمجمت تقول، كمن يخاطب نفسه، وهي تنظر إلى الأسفل، وجانب رأسها مائل قليلًا.
لقد بانَت خيبة الأمل على وجهها.
ظلّ سهيل ينظر إليها، وهو يسمعها تبرّر وجودها هنا.
لم يكن هذا الوضع يليق بها في نظره.
اتعقف فمه مشكّلًا ابتسامة طفيفة، وتحدث قائلًا:
“لا بأس… هذه المرة فقط يُسمح لكِ برؤية وجهي.
لكن لا تقولي لأي أحدٍ عما حدث هذا، لا حتى عن ذراعي المجروحة.”
نظر إلى سطح المكتب، وبدأ يبحث بين الأوراق المعروضة أمامه،
وقبل أن تسأل نهيدة، تحدّث سهيل:
“لا تسألي عن سبب موت الواعظين؛ إنه أمرٌ يتعلّق بهذا البيت، وكل من ينتمي إليه.”
أخذ لفافة تبدو جديدة مقارنةً بالأخريات، وناولها لنهيدة:
“هذه لكِ، والآن اخرجي من هنا.”
لم يكن سؤالًا أو طلبًا، فبالتالي لم تفهم سوى أنه أمر.
أخذت اللفافة من يده، وعقدت حاجبيها، متسائلة عن سبب تقديمه هذه اللفافة لها.
كانت مختومة بختمٍ من الشمع الأحمر، وشريطة حمراء ملفوفة حولها.
فكّت الشريط، وقرأت ما كُتب بها، فاتّسعت عيناها من الدهشة، ولم تُصدّق ما بين يديها.
“كيف حدث الأمر بهذه السرعة!؟ لقد أعطيته رسالتي يوم أمس!”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات