الفصل 132
“نعم؟”
“فقط بدا لي أن صحتك ليست على ما يرام.”
نظرت لوكريتسيا بين إدغار ونينا بتردد.
“ما رأيك أن تخرج قليلًا لتستنشق بعض الهواء؟ سأتولى مرافقة القديسة بنفسي.”
قطّب إدغار حاجبيه، فضحكت لوكريتسيا بخفة.
“حسنًا، إدغار، اذهب لترتاح قليلًا.”
“حضرة قديسة…”
“هل تعتزم مخالفة أمري الآن؟”
“… لا، سيدتي.”
انحنى قليلًا، ثم غادر. عندها أمسكت لوكريتسيا بيد نينا مبتسمة.
“الآن ستبقين ملاصقة لي وترافقينني، أليس كذلك؟”
“كنت لأقترح رقصة، لكن بسبب الطرحة، لا يبدو ممكنا.”
“صحيح، لكنك جميلة على أي حال.”
مرّت أصابع لوكريتسيا على أطراف الدانتيل في طرحة نينا، وابتسمت برقة.
“هل تمنّيتِ يومًا أن تبقي هكذا إلى الأبد يا سيدة ديل؟”
“ذلك مستحيل.”
“وماذا لو كان ممكنًا؟”
تطلعت لوكريتسيا إلى نينا مطولًا، فأجابت نينا بصدق.
“لا، لم أفكر بذلك.”
لمست لوكريتسيا شفتيها بإصبعها.
“يا للأسف. ولماذا؟ أنتِ شابة، جميلة، وموهوبة.”
“لأني أنتظر اليوم الذي أعبر فيه بحر الزجاج. ثم إن التقدّم في العمر ليس أمرًا سيئًا.”
أمالت لوكريتسيا شفتيها بتذمر.
“أتعنين أرض الأبدية، خلف بحر الزجاج، حيث تمطر السماء مطرًا كالكريستال وتتمدد الأرض بلا نهاية؟”
“نعم.”
حتى وهي تجيب، شعرت نينا بغرابة. أليس هذا ما يعلّمه المعبد بالضبط؟
“إن كان هذا ما يرضيكِ، فلا بأس.”
ابتسمت لوكريتسيا وابتعدت قليلًا.
“لماذا لا تزورين المعبد الذي أقيم فيه يومًا ما؟ رئيس الكهنة يرغب بلقائك.”
‘رئيس الكهنة؟ الزعيم الأخير؟’
“ربما، إن سمح الوقت.”
أجابت نينا بخفة، فهزّت لوكريتسيا رأسها بتفهم.
“يا سيدة ديل.”
“نعم؟”
“هل سبق أن كرهتِ أحدًا بشدة؟ لدرجة أنكِ رغبتِ في سلبه كل ما يملك؟”
كان السؤال مفاجئًا، لكن نينا استمعت بجدية.
“لا أظن أنني كرهت أحدًا إلى هذا الحد. وماذا عنكِ، قديسة؟”
“بالتأكيد.”
قالتها همسًا، وكأنها تبوح بسر. تساءلت نينا في نفسها لماذا تفتح قلبها بهذه الطريقة لها.
“كنت أظن أنني شخصٌ مميز بالنسبة إليه، لكنني لم أكن كذلك. فغضبت كثيرًا.”
رفعت لوكريتسيا عينيها نحو نينا وابتسمت ابتسامة صغيرة.
“فقررت أن أسلبه كل شيء.”
“… هذا…”
هل يُسمّى ذلك كراهية؟ أم رغبةً مريضة في الامتلاك؟
أن تسلب شخصًا كل ما لديه يعني أنكِ تريدينه لنفسك.
رأت لوكريتسيا نظرة نينا، فضحكت وهي تضمّ خديها بكفّيها.
“لم أتوقع أن أحكي لكِ كل هذا. لكن يبدو أن ما قاله رئيس الكهنة كان صحيحًا.”
“وما الذي قاله عني؟”
شعرت نينا بالفضول. فابتسمت لوكريتسيا بمكر.
“سرّ.”
خفضت بصرها، وصوتها صار أهدأ.
“وأدركت الآن، رغم أنني أحبكِ يا سيدة ديل…”
رفعت رأسها، وكانت نظرتها ملتوية بشكل مقلق.
“… إلا أنني أكرهكِ بشدة.”
شعرت نينا بقشعريرة من شدة الكراهية المنبعثة منها، حتى خُيّل إليها أن لوكريتسيا قد تسحب خنجرًا وتطعنها في أي لحظة.
“لو أنك لم تختاريه…”
كان صوتها حادًا كالنصل.
“من تقصدين أنني اخترت؟”
ابتسمت لوكريتسيا ابتسامة غريبة.
“تتظاهرين بعدم المعرفة؟”
“أسأل لأني حقًا لا أعرف.”
بدت لوكريتسيا متعجبة، كأنها تصدّق أن نينا لا تكذب، ومع ذلك تجد الأمر غريبًا.
“لكن وحدكِ، يا سيدة ديل نظرتِ إليّ وكأنكِ تقولين: ‘من أنتِ بحق؟’”
“!!”
في تلك اللحظة، اقتربت السيدة أديل منهما.
“القديسة لوكريتسيا، هناك من يرغب في لقائِك قليلًا.”
نظرت لوكريتسيا إلى نينا وقد فقدت اهتمامها بها
“أعذريني قليلًا.”
ثم ابتعدت.
‘ما الذي يحدث؟’
شعرت نينا بالارتباك، لكنها قررت تأجيل التفكير في الأمر. لم يكن وقتًا لتضيعه، فالسيدة أديل منحتها فرصة ثمينة.
‘أين ذهب؟’
نظرت حولها، فاقترب منها كيل.
“الحديقة الأمامية.”
نظرت إليه نينا بدهشة، فابتسم بخفة.
“شارلوت أبقته هناك.”
“شكرًا.”
غادرت نينا بسرعة نحو الحديقة الأمامية. كانت الأضواء خافتة، فاستطاعت بسهولة أن ترى شارلوت وإدغار يتحدثان.
“شارلوت.”
التفتت شارلوت إليها وابتسمت.
“قائدة.”
رمقها إدغار بعينين ضيقتين وسأل.
“وأين القديسة؟”
“مع السيدة أديل.”
لم يكن هناك وقت، فدخلت نينا في الموضوع مباشرة.
“أعرف بشأن أيتام المعبد المفقودين.”
تشنج وجه إدغار، وحدق بها مطولًا.
“أريد أن أساعدكم. وإن حصلت على بعض المساعدة بالمقابل، فذلك أفضل.”
ظل يحدق بها، والتردد واضح عليه، ثم أغلق عينيه بقوة.
“إن كان لديكِ الشجاعة لتأتيني، فسأنتظركِ.”
قالها وغادر بسرعة. على الأرجح لم يشأ ترك لوكريتسيا وحدها.
“رحل.”
قالت نينا بهدوء، فخفض شارلوت رأسه.
“أعتذر، هل أذهب وأعيده؟”
“ها؟ لا، لا داعي.”
ابتسمت نينا.
“لقد حققنا ما يكفي. السيدة أديل أنقذتنا فعلًا. لكن كيف عرفتما، شارلوت ، كيل، أن هدفي كان إدغار وليس لوكريتسيا؟”
“فقط…”
قالت شارلوت وهي تعبث بأصابعها.
“القديسة لوكريتسيا لا تبدو من نوعك المفضل يا قائدة…”
اتسعت عينا نينا ثم انفجرت ضاحكة.
“ما المضحك؟”
سأل كيل وهو يقترب ليتفقد المكان.
“شارلوت تعرفني جيدًا، هذا كل شيء.”
ابتسمت نينا لهما.
“شكرًا لكما، بفضلكما تمكّنت من الحديث معه.”
تنهدت ونظرت نحو قاعة الرقص.
“لن أغادر مباشرة. كيل، نرقص؟”
“يشرفني مرافقتك.”
عادت إلى القاعة، ورقصت مع كيل رقصة تلو الأخرى. ثم طلبت شارلوت أن ترقص معها أيضًا، فوافقت بسرور.
***
“آه، أشعر أنني عدت إلى الحياة!”
جلست نينا حافية القدمين على الكرسي، مرتدية قميصًا قطنيًا خفيفًا وبنطالًا يصل إلى الساقين.
كانت تمسك كوبًا من شاي الخوخ المثلج وتتكئ على ظهر الكرسي المقلوب.
مهما كان الزي العسكري عمليًا، يبقى ثقيلًا ومزعجًا.
“هل كانت هناك نتائج؟”
كان أدريان و لويس يجلسان في المكتب معها. أومأت نينا.
“قابلت إدغار. قال إن كنتُ أملك الشجاعة فآتي إليه بنفسي.”
نظر لويس إليها بدهشة ثم قال لأدريان.
“سيدي، فارستكَ تحل دائمًا أعقد الأمور بأسهل الطرق.”
“أتفق معك.”
قال أدريان بنبرة مدهوشة بدوره.
ارتشفت نينا قليلًا من الشاي البارد وقالت.
“لم أفعل شيئًا. هو فقط أجابني.”
“جعله يجيبكِ بهذا الشكل هو الجزء الصعب. لو ذهبنا نحن لراوده الشك فينا.”
“لكنه قال أن آتيه… إلى أين بالضبط؟”
سألت وهي تحدق في قطعة الخوخ العالقة في قاع الكوب.
“ربما إلى مقر إقامته. ذاك المكان الوحيد الذي يمكن أن يكون فيه بمفرده.”
“منطقي.”
قلبت الكوب وضربت قاعه بخفة، لكن قطعة الخوخ لم تتحرك.
نهض أدريان، أخذ الكوب منها، واستخدم شوكة من على مكتبه لإخراج القطعة.
“شكرًا.”
ابتسمت نينا وهي تأخذ الشوكة منه. قال لويس وهو يراقبها.
“يبدو أننا سنحتاج مساعدتكِ قريبًا يا نينا.”
نادى اسمها مجردًا، لا بلقبها.
أدخلت قطعة الخوخ في فمها وابتسمت بثقة.
“بالطبع، متى شئتم.”
قال لويس. “ممتنّ لكِ.” ثم غادر المكتب.
تطلعت نينا إلى أدريان، وأسندت ذقنها إلى يدها.
سألها،
“ما الأمر؟”
فمدت يدها نحوه.
“أرني سيفك للحظة.”
التعليقات لهذا الفصل " 132"