“لا أعلم تمامًا، لكن فلنبدأ بتخيّل صورة لروح الماء.”
قالت وهي تفكر بجدية.
“الماء… همم…”
لكن جان شعر بالحرج فجأة.
“فيما بعد، فيما بعد.”
لوّح بيده ثم بدأ يوجه المروحة التي كانت بيد نينا نحو نفسه بدلًا منها.
“لماذا تأخذ مروحة غيرك؟ اشترِ واحدة لنفسك.”
مدّت نينا يدها لتأخذها، لكن جان ظل يدفع يدها مبتعدًا وهو ينظر فجأة إلى المروحة قائلاً.
“مهلًا، أهذه من العاج؟”
“نعم، هذا صحيح.”
“مجنون… من اشتراها؟”
“أتظن أنني أنا؟ إنها هدية.”
“من الذي يعطي هدية بهذا الغلاء؟ لا يمكن أن يكون من أعطاها لكِ شخص مريب؟”
“لقد حصلت عليها من السيدة النبيلة آديل.”
“آه…”
أغلق جان المروحة برفق وأعادها إلى نينا. كانت آديل واحدة من امرأتين تتقاسمان نفوذ المجتمع الأرستقراطي في إمبراطورية ايفنسيل حاليًا.
وهي أجنبية تزوجت من الكونت جنكنز، لكنها ما زالت تُعرف باسم السيدة آديل.
“الآن تذكرت، لقد دُعيتُ، فهل تودّ المجيء معي يا جان؟”
“أُه…”
ارتسمت على وجه جان ملامح النفور، فضحكت نينا.
“لمَ؟ أنت محبوب، أليس كذلك؟”
“كلما قلت شيئًا ضحكوا جميعًا، فأي شعبية هذه؟”
قالها بوجه متبرّم، فضحكت نينا من جديد.
كانت السيدات الأرستقراطيات يضحكن بخفة أمام صراحته المباشرة، لكن يبدو أن جان لم يكن يحب الأمر.
حقًا، حين يقول شيئًا بجدية ثم يضحك الجميع، فالأمر قد يكون مزعجًا.
لكن ذلك بالذات هو ما يجعلهن يحببنه ويرونه لطيفًا.
ومع ذلك، لم تكن نينا تفكر في جره بالقوة.
“إذًا سأذهب وحدي اليوم.”
“اصطحبي الفتية معك.”
“أيّ فتية؟”
“كيل، أو بان، أو شارلوت، وحتى هايدن مناسب.”
أولئك الذين تأنس لهم.
ضحكت نينا من كلامه وأومأت.
“حسنًا، فلنفعل ذلك.”
ارتاحت ملامح جان عندها، وفي تلك اللحظة اقترب منهما أحد الخدم.
“سيدة ديل، التاجر الذي استدعيتموه قد حضر.”
“آه، شكرًا.”
وقفت نينا من مقعدها، فسألها جان.
“تاجر؟ أليس لديكِ لوروكومو؟”
“لوروكومو لا يبيع ذلك.”
“وما الذي تشترينه؟”
ابتسمت نينا ابتسامة جانبية.
“فستان.”
***
“السيدة نينا لا ديل!”
مع النداء باسمها، دخلت نينا القاعة.
خلال فترة حفلات الرقص الإمبراطورية، تُقام المآدب والرقصات حتى في منازل المدينة والقصور الخاصة.
“فيكونتيسة لا ديل.”
اقتربت أَديل بابتسامة مشرقة، تنساب بخفة وأناقة، وشعرها البلاتيني المائل إلى البياض مغطى بمسحوق من الفضة، يلمع كضوء النجوم.
“سيدة أديل.”
انحنت نينا وقبّلت ظهر يدها بابتسامة، ثم اعتدلت.
احمرّت وجنتا أديل، ولوّحت بمروحتها كفتاة صغيرة.
“حقًا سيدة ديل، كيف تبقين بهذا الجمال دائمًا؟”
حتى وهي ترتدي الزي الأسود الرسمي مع معطف طويل، كانت تلفت الأنظار.
لقد بلغت شعبية فرسان الظلام عنان السماء، وعلى رأسهم قائدة الفرسان، نينا، التي امتلكت قامة ممشوقة وجمالًا يأسر القلوب، فصارت محط أنظار الجميع، رجالًا ونساءً.
كانت تعامل النساء برفق خاص، حتى صارت أمنية أي سيدة في الحفل أن ترقص معها مرة واحدة.
ملامح باردة، وشَعر فضي يليق بها تمامًا، وعينان ذهبيتان باردتان كضوء القمر، وشفاه حمراء، ووجه متأنق، وأصابع طويلة رشيقة.
كانت الآنسات الصغيرات يصرخن إعجابًا كلما رأينها تمسك السيف.
بل صار من الشائع في السنوات الأخيرة أن يقول الناس بلا تردد.
“أول حب لي؟ الفيكونتيسة لا ديل.”
كانت أَديل سعيدة بأن نينا لبّت دعوتها.
“المصمّم الذي عرّفتني به كان مدهشًا. أشكركِ.”
“لا داعي للشكر. هل سنرى السيدة في فستان قريبًا إذن؟”
“إذا كان الزمان والمكان مناسبين.”
أجابت نينا، ثم التفتت إلى كيل وشارلوت.
“اذهبا واستمتعا.”
“ماذا؟”
“حاضر.”
اتسعت عينا شارلوت، بينما اكتفى كيل بالابتسام ووضع ذراعه على صدره.
“لم أستدعكما للحراسة تحديدًا، بل لتستمتعا بالحفل.”
ثم تابعت نينا، وهي تتحدث مع السيدة أَديل وتبتعد بين الحضور.
“يُقال إن القديسة ستحضر الليلة، صحيح؟”
أما شارلوت، فقد وقفت في حيرة، ثم تسللت إلى الجدار لتلتصق به.
وبينما كان كيل يتفادى المتقدمين نحوه، أسرع بالاقتراب منها.
“هل ستظلين واقفة هكذا طوال الوقت؟”
“يكفيني الجو.”
“لم لا تختلطين بالناس؟”
“ألسنا في الوضع نفسه؟”
ارتسمت على كيل ابتسامة محرجة.
لقد رأته يصفع من قبل احداهن من قبل، ولم يكن ذلك في حفل فقط، بل إنها جاء الى منزل الدوق شخصيا بحثا عنه.
لكن شارلوت كانت وقتها في التدريب، فصدّتها ببرود وبأدب، مما دفعها للرحيل غاضبة.
لم تحقق شارلوت في علاقتهما، بل اكتفت بالنظر، لكن كيل مع ذلك اندفع يبرّر.
لم يمسك يدها حتى، فقط اكتفى بالاستماع إلى حديثها، و ورطته معها في النهاية.
هزّت شارلوت رأسها.
“أصدقك.”
كانت كلماتها خفيفة لكنها حاسمة، مما جعل كيل يشعر بالارتياح.
وحين علم راجا بالقصة لاحقًا، قال بوجه متجهم: “أصدقك.” — الأمر الذي جعل كيل مبتهجًا بطريقة غريبة.
التعليقات لهذا الفصل " 130"