الفصل 122
‘ما هذا بحق؟ هل أنا… هل أنا أريد فعل ذلك؟ لكن…’
حتى في الحلم، لم يكن قد ركلها بدافع الغضب أو التفاخر.
حتى النسخة التي ظهرت منه في الحلم… كانت هو ذاته.
وإن كانت أكثر ظلمةً وكآبة.
‘ونينا كانت…’
كما في الحلم السابق، بشعرٍ بني قصير.
وكان هناك أثر حروق على وجهها، ما جعل قلبه ينقبض بشفقة.
كانوا في الحلم وسط حرب.
حرب لا يعلم أحد إن كان النصر فيها ممكنًا.
معركة طويلة ومملة ضد “بيلّاك” الذين لم يتوقفوا عن الهجوم.
بصفته القائد الأعلى، كان متعبًا، مستنزفًا يومًا بعد يوم.
لكن في ذلك اليوم بالذات، شعر بانتصار نادر. يوم لطيف.
‘ذلك…’
حاول أدريان أن يتلمّس تفاصيل الحلم في ذاكرته.
***
“تادا!”
أخرجت نينا زجاجة ويسكي من مكان ما، لا يعلم أين كانت تخبئها.
“لنشرب نخب النصر، سمو الدوق.”
قالت نينا بابتسامة خفيفة، فابتسم هو أيضًا لأول مرة منذ فترة.
“بكل سرور. رغم أنه لا يوجد ما يؤكل معها.”
شرب الاثنان الشراب القوي دفعة واحدة.
أحسا بحرارة تحرق الحلق، لكن ذلك الشعور كان ممتعًا بدوره.
حتى بعد أن أفرغا الزجاجة الضخمة تمامًا، لم يبدُ أنهما قد سكرا. أو ربما سكرا فعلًا، لكن لم يدركا ذلك؟
لا يتذكر آخر مرة ضحك فيها بهذه العفوية.
“هاه، الجو حار فعلًا.”
قالت نينا وهي تشد ياقة قميصها وتلوّح بيدها كأنها مروحة.
“ألست تشعر بالحر، سمو الدوق؟”
وهو يرتدي ذلك الزي الرسمي الثقيل.
“ليس كثيرًا.”
ردّ عليها بإيجاز، فابتسمت ضاحكة، وانتقلت دون تردد لتجلس بجانبه مباشرة.
أصدر السرير العسكري الذي استخدماه كمقعد صوت صرير مزعج.
نظر إليها بدهشة، فتساءلت نينا، وهي تنظر إليه من الأسفل إلى الأعلى:
“سموك، ألديكَ حبيبة؟”
“في وضع كهذا، من يفكر في الحب إلا مختل عقلي؟ أو ربما لديه شغف بالموت.”
“بل العكس، في ظروف كهذه يولد الحب.”
“عقلكِ المليء بالأزهار لا يمكنني مجاراته.”
“هذا قاسٍ جدًا.”
ضحكت نينا، ومررت شعرها القصير خلف أذنها.
“لمَ تسألين عن شيء كهذا؟”
استدارت تنظر إليه وابتسمت من جديد.
“لأنني أحبكَ، سموك.”
ذلك الشعور بالصدمة، في تلك اللحظة…
حتى لو صعقه البرق، لما شعر بمثل هذه الصدمة.
واحد… اثنان… ثلاثة…
أخذ نفسًا عميقًا، زفير، شهيق.
“هذه المزحة ليست مضحكة على الإطلاق.”
‘أرجوكِ، قولي إنها مزحة. لو قلتِ ذلك، سأنهي الأمر هنا.’
“ليست مزحة.”
قالتها من جديد، وهي تنظر إليه مباشرة، دون أن تهرب بنظرها.
لم يعد يحتمل، فهبّ واقفًا من مكانه دفعة واحدة.
لماذا؟ لماذا؟ لماذا؟
في مثل هذا المكان؟ في هذا التوقيت؟
شعر أن عينيها البنيتين تخترقان قلبه، فتكلم بحدة وبرود:
“سخيفة! هل تظنين نفسك شيئًا فقط لأنك أحرزتِ بعض الإنجازات؟ هل تظنين أن بإمكان فتاة يتيمة، خادمة سابقة في بيتنا، أن تتجرأ على دوق؟”
“أنا لم-“
“اغربي عن وجهي!”
كان صوته خشنًا لدرجة أنه صدم حتى نفسه.
“شكراً على قصتكِ المضحكة عن الحب. ماذا بعد؟ هل كنتِ تنوين إغرائي الليلة كي تحملي بطفلي؟ هه؟ لأنني دوق غير شرعي النسب، فأنتِ تخططين لطفل أيضًا؟”
“دوق لوفرين.”
كان صوتها منخفضًا، واضحًا، ومباشرًا.
توقف بالكاد، وكأنها قطعت سيل الشتائم الذي كان يتدفق منه.
نظرت إليه بثبات وقالت:
“لا داعي لأن تصرخ بهذا الرعب. لقد فهمت تمامًا.”
“ماذا…؟”
“كان يمكنك أن تقول فقط: ‘وأنا أحبك أيضًا’. هذا كل ما في الأمر.”
وفي تلك اللحظة، فرغ عقل أدريان تمامًا.
كيف؟
كيف عرفت؟ كيف أدركت؟ أنا…
قبض على أسنانه، وبدفعة مفاجئة، أمسك بكتفيها ودفعها.
ارتطم جسدها الخفيف بالأرض بعد أن سقطت من السرير.
“اغربي فورًا!”
ركل الصندوق الذي استخدمه كطاولة.
تحطمت زجاجة الويسكي على الأرض.
وقلب السرير فصدر عنه صوت فوضوي مرعب.
“قلت لكِ، اخرجي!”
انخفض صوته، لكنه أصبح أكثر قسوة.
نظرت إليه نينا للحظة، ثم خرجت من الخيمة دون كلمة.
وحين أسدلت الستارة خلفها، شهق بصوتٍ عالٍ، وغطى وجهه بكلتا يديه.
ماذا يمكنني أن أقدّم لها؟
دم، وموت، وصرخات.
هذا كل ما تبقّى لي.
أعرف أنني سأدمّركِ.
أعرف أنني سأتلفكِ.
سأكسركِ…
لأني أحبكِ.
***
عند تلك اللحظة، استيقظ من الحلم.
استفاق فزعًا، واتضح أنه كان قد غفا للحظات بينما كان يعتني بنيـنا.
وحلم بكل هذا في تلك الفترة القصيرة.
الآن فقط، وبعد أن اختبره بنفسه… شعر وكأنه أحمق تام.
‘ما الذي أردت أن أحلم به؟’
أن أجرح نينا؟
حلم تلقي اعتراف؟
أم أنه لاوعيِّي؟
مرر أدريان يده بعنف بين خصلات شعره.
كلما فكر أكثر، ازداد شعور الكآبة.
هل أنا أفكر بهذه الطريقة فعلًا؟
هو يعلم جيدًا أنه لا يليق بنينا. لكن أن يؤذيها؟
هو؟
نينا؟
ما كان ليرتكب مثل هذه الحماقة، حتى لو أضطر لايذاء نفسه، أو هكذا كان يظن، لكن سواء في الحلم السابق أو هذا الحلم…
ألقى نظرة خاطفة على معصمه.
علامة روح الظل.
لا توجد أي آثار أو دلائل، ومع ذلك راوده شك بأن لهذا الحلم علاقة بالأرواح.
‘صديقي القديم، هل هناك ما تود قوله؟’
تنهد مجددًا وهو يفكر في الحلم.
ذلك “الأحمق” في الحلم كان يرتجف بدهشة من أن نينا استطاعت قراءته بوضوح.
وكانت كلمات نينا في الحلم دقيقة تمامًا.
كيف يمكنه أن يخفي شيئًا عنها أصلًا؟
هو لم يكن ينوي إخفاء أي شيء.
ولم تحاول نينا ولو لمرة واحدة أن تخفي أنها تعتبره شخصًا مميزًا.
من نظرتها، لا يمكن لأي شخص أن يخطئ في ذلك. من كلماتها، ومن تصرفاتها، كل شيء.
نينا لم تتلاعب بمشاعره ولو لمرة واحدة.
وهو أيضًا، كان يحاول أن يفعل الشيء نفسه.
‘هل هذا يعني أنني ما زلت لا أقدم ما يكفي؟’
وبينما كان يفكر، انفتح الباب فجأة واندفعت نينا نحوه.
“أدريان!”
واختبأت خلفه.
“آه، القائدة!”
“الفيكونت ديل!”
“آنسة نينا.”
“الثالث لقب جديد، رائع.” فكّر أدريان بينما أشار إلى ثلاث خادمات يحملن مناشف بأن لا بأس عليهن بالخروج.
تبادلت الخادمات النظرات ثم وضعن المناشف الثلاث بلطف وأغلقن الباب بهدوء.
قفزت نينا عليه وجثت فوقه، منهارة تمامًا.
“ما الأمر؟”
“آه، إنه شعور مزعج جدًا بالحكة.”
“حكة؟”
“هذه أول مرة يُساعدني فيها أحد أثناء الاستحمام. آه… لحظة، هل سبق وتلقيت مثل هذا النوع من العناية يا أدريان؟”
سألته وهي تحدق فيه فجأة.
وبينما كان ينظر إلى قطرات الماء المتجمعة على رموشها، أدرك أن شعرها المبلل قد بلل ملابسه بالكامل.
“أي نوع من العناية تقصدين؟”
سأل وهو يمد يده. بدأت روح الظل تنقل المناشف من جهة إلى أخرى عبر الظلال بجدية.
بدأ أدريان بتجفيف شعرها بالمناشف.
“أقصد استخدام الإسفنجة المغطاة برغوة الصابون لفرك الجسد، والتدليك بزيوت عطرية، وأشياء من هذا القبيل…”
توقف أدريان لوهلة، ثم واصل يده بنشاط أكبر.
“أنا لم أتلقَ مثل هذا من قبل. أكره أن يخدمني أحد أساسًا.”
“صحيح، هذا يشبهك.”
أسندت ذراعيها على كتفيه واتكأت عليه بالكامل. تمكن أدريان من شم رائحة الزيوت العطرية الحلوة.
بدأ قلبه ينبض بقوة.
بدأت نينا تثرثر بالقرب من أذنه.
“في البداية، كان الأمر ممتعًا؟ لكن بعد ذلك بدأ يصير مبالغًا فيه…”
كانت المداعبات اللطيفة والتدليك ممتعين، لكن شيئًا فشيئًا بدأت الحرارة تتسلل، وكأنهن يحضّرنها كمبتدئة ستظهر في أول مناسبة في المجتمع الأرستقراطي غدًا.
كان بإمكانها أن تصرخ فيهن أن يتوقفن ويخرجن، لكنهن بدَون سعيدات جدًا ومستمتعات.
وفي النهاية، اختارت أن تقول مرارًا: “أنا بخير الآن، يمكنكن التوقف.” وتخسر.
شعرت أن تجفيف شعرها سيأخذ دهرًا، فقفزت وهربت في النهاية. وبحثًا عن ملجأ، انتهى بها المطاف إلى الهرب لأعلى سلطة في المكان، هكذا يمكن تفسير ما حدث.
ضحك أدريان بخفة وأجاب:
“سأطلب من كبير الخدم أن يخبِرهن.”
“مم.”
أجابت نينا، وزفرت بعمق. وبدأ النعاس يغلبها مجددًا من لمسة يده وهو يجفف شعرها.
كان الحمام منعشًا. وماء الاستحمام الساخن يجعل الجسد خامدًا.
رغم أنها استحمت لتستفيق، إلا أن النعاس بدأ يعود من جديد. وتثاءبت بهدوء، فربّت أدريان على ظهرها بلطف قائلًا: “نامي.”
ومع تراخي جسد نينا تدريجيًا، ابتسم أدريان بخفة. بعدما أنهى تجفيف شعرها جيدًا، حملها بخفة ووضعها على السرير.
‘هل تنويين ترك شعرك ينمو أكثر؟’
لم تقصه ولو مرة واحدة، والآن صار طويلًا جدًا. ومع ذلك، لا توجد أطراف متقصفة، وشعرها ناعم حتى الأطراف.
بدا له أنه فهم سبب حماس الخادمات.
شعر بهذه النعومة والطول إن تُرك دون تمشيط قبل النوم، لا بد أن يتشابك، لكن شعر نينا لم يكن يعرف التشابك.
كان دومًا ناعمًا منسدلًا.
غطاها بالبطانية، ثم أسدل الستائر المحيطة بالسرير.
التعليقات لهذا الفصل " 122"