3
“انتظر لحظةً. سأخرج بنفسي.”
هل كان ينتظر مغادرة كبيرة موظفي الاستقبال ليطرق الباب فورًا؟
إن لم يكن الأمر كذلك، فلا يمكن أن يصل بهذه السرعة. لكنها قالت أن المدير العام غائب. هل تقاطعت الطرق؟
مع ترك كل الأسئلة التي تدور في ذهني جانبًا، رتّبتُ مظهري أولًا.
عندما فتحتُ الباب، وقف أمامي رجل طويل القامة كعمود إنارة، يبتسم بعينيه. وضع يده المغطاة بالقفاز على صدره بأدب وأمال رأسه قليلًا.
كانت تجعيدات شعره مرتبة بعناية، وخلافًا لأدبه المثالي الذي يشبه الكتب الدراسية، بدت ابتسامته تشبه إلى حدٍّ ما طفلًا شقيًّا.
“تحياتي لكِ، يا آنسة. أخبرتني كبيرة موظفي الاستقبال أن أزوركِ فورًا، فجئتُ هكذا. هل الفندق مرضٍ لكِ؟”
“تحياتي لكَ. الفندق مرضٍ. شكرًا لتحضير غرفة جيدة.”
حافظتُ على الحد الأدنى من الأدب وانتقلتُ مباشرة إلى صلب الموضوع.
“أعلم أن الخوض في الموضوع مباشرة قد لا يكون مهذبًا، لكن سبب زيارتي لكَ بهذه السرعة هو لسماع أخبار عن عمّي. الرسالة التي تلقيتها منه كانت أشبه بوصية… هل توفي حقًا؟”
“للأسف، الرئيس قد توفي بالفعل.”
تنهّدتُ تنهيدة صغيرة عند كلام المدير، قبضت قبضتي بقوة.
كنتُ أظن أن هناك احتمالًا ضئيلًا ليكون على قيد الحياة. لكن أملي الصغير تحطم وتناثر في اليأس.
لم أكن أعتقد أن رسالة عمّي مُزيَّفة، لكني عزّيتُ نفسي بأن هناك احتمالًا لخطأ ما. حتى لو ذكر عمّي في رسالته أن إرسالها لم يكن خطأً من المدير، فأي إنسان قد يخطئ، أليس كذلك؟
لكن عندما رأيتُ هذا الشخص أمامي، أدركتُ بوضوح. على الأقل، وفاة عمّي حقيقة.
كان تصرف المدير الهادئ يثير استيائي بشكل غريب. لم يخفض زاوية فمه المرتفعة، ولم يرمش بعينيه حتى عندما ذكر وفاة عمّي.
لم يكن هذا مجرد احترافية تجاه الضيوف، بل كان شيئًا غريبًا. لا يمكن لشخص عادي أن يتفاعل هكذا.
“إذن، متى وكيف توفي عمّي؟ كان شخصًا صحيًّا بلا أمراض مزمنة. لم يكن من النوع الذي يموت فجأة.”
“مهلًا، هدئي أولًا يا آنسة. لا يمكنني التحدث عن كل شيء ونحن واقفون هكذا، فماذا عن مناقشة الأمر أثناء تجوّلنا في الفندق ببطء؟”
تحدث المدير بنبرة تهدئة كمن يراضي طفلًا، وأشار إلى الممر. هل ينوي تحسين مزاجي؟ أم أنه لا يعتبر هذا الأمر مهمًا؟ على أي حال، كان من الواضح أننا لا يمكن أن نتحدث واقفين هكذا.
ضغطتُ على جبهتي النابضة وتبعتُ المدير خارج الغرفة.
“قد يتحسن مزاجكِ قليلًا إذا رأيتِ مناظر الفندق. في بيلفيدير أماكن جميلة كثيرة. هل نذهب إلى الحديقة الخلفية أولًا؟”
أومأتُ برأسي مرة واحدة لكلامه. بصراحة، لا يهمني إلى أين نتوجه. مناظر الفندق لن تدخل عيني بالتأكيد.
لم يتغير تعبير المدير الذي بدا وكأنه لا يعرف ما يدور في ذهني، وسار نحو الحديقة الخلفية. خلال الطريق، لم أصادف ضيوفًا أو موظفين آخرين، مما يعني أن الفندق هادئ وقليل الزوار مقارنة بحجمه. يبدو أن الموظفة في مكتب الاستقبال غابت مؤقتًا أيضًا.
عندما خرجنا إلى الحديقة الخلفية، ظهر مشهد مختلف تمامًا عن نافورة البوابة الرئيسية.
الورود الزرقاء التي رأيتها سابقًا كانت تتفتح هنا أيضًا، مكونة متاهة مع الشجيرات.
لم تكن المتاهة مجرد تعبير مجازي. يبدو أن الأعشاب والكروم قد رُتِّبت عمدًا على شكل متاهة لتسلية الضيوف. بالطبع، بدت هذه المتاهة معقدة بعض الشيء. إن دخلتُ، لن أتمكن من الخروج بمفردي.
وقف المدير أمام المتاهة ونظر إليَّ. بدا وكأنه يسأل إن كنتُ أريد الدخول، فنفيتُ برأسي. لم أكن في مزاج للعب بالمتاهات الآن.
لكنه نظر إليَّ للحظة، ثم رفع زاوية فمه ودخل فجأة إلى مدخل المتاهة، متمتمًا بهدوء: “تعالي معي.”
“مهلًا، توقف لحظة!”
لم يلتفت إليَّ بعد ذلك. ما هذا بحق خالق السماء؟
هرعتُ خلفه ودخلتُ المتاهة. رأيته يسير أمامي. بدا وكأنه يعرف هيكل المتاهة، إذ كان يسير دون تردد. بل إنه، مدركًا أنني أتبعه، بدأ يواصل الحديث بحرية.
“كان الرئيس شخصًا ممتعًا وطيبًا. لطيفًا، مضحكًا، ومثيرًا للاهتمام.”
“مهلًا! إذا سِرتَ بهذه السرعة، لن أستطيع مواكبتك…”
“يبدو أنني التقيته لأول مرة بالأمس، لكن مرّت سنتان بالفعل. الوقت يمر بسرعة.”
هناك شيء غريب. حتى لو كنتُ أقل لياقة منه، لا يُعقل أن يكون الفارق بهذا الحجم. كنتُ أمسك طرف فستاني وأكاد أركض للحاق به. لكنني لم أستطع اللحاق به أبدًا.
كان هو يسير بوضوح، لكنني أنا من كنتُ ألهث. كان عليَّ أن أواصل الحديث وأتبعه في الوقت ذاته.
“مؤخرًا، كان ضعيفًا جدًا، فلم نتحدث كثيرًا. لكنه كان يعتني بالموظفين ويروي قصصًا ممتعة.”
“…مهلًا، ببطء قليلًا.”
“مؤخرًا، كان يرتعب عندما أحدثه، وهذا أحزنني. لماذا كان يخافني هكذا؟ كنتُ أريد فقط أن أكون صديقه.”
كلما ظننتُ أنني سأمسك به وأركض بسرعة، كان قد تقدم بعيدًا. وعندما شعرتُ أنني فقدته تمامًا، ظهر من مكان قريب وواصل الحديث. تجوّلتُ في المتاهة لمدة عشر دقائق تقريبًا، لكن المخرج لم يظهر.
بدأت رائحة الورود الزرقاء، التي كانت بلا رائحة، تصدر عطرًا قويًا يؤلم الرأس. ما الذي ينوي هذا المدير فعله؟
بدأت أشعر بنقص في التنفس والقلق من فكرة أنني محاصرة في متاهة مع مدير غريب.
“لماذا يتحطم الإنسان بسهولة هكذا؟ لماذا يكون العقل البشري هشًا إلى هذا الحد؟”
بسبب رائحة الزهور النفاذة، وصلت طاقتي إلى الحد الأقصى بسرعة غير معتادة. هل سأفقده تمامًا؟ بينما كنتُ أفكر هكذا، توقف المدير ونظر إليَّ. اقترب مني بخطوة واحدة وتمتم بصوت منخفض:
“لذلك، في النهاية…”
برقت عيناه الزرقاوان بلون أحمر للحظة. كما لو كان وحشًا من قصة. هل كان رأيتُه خطأ؟ عندما رمشتُ وفتحتُ عينيَّ مجددًا، كانت عيناه زرقاوين، لكن وجهه اقترب أكثر.
في اللحظة التي حاولتُ فيها التراجع بدافع الخوف الغريزي،
“المدير العام! لماذا أنت هنا؟”
سمعتُ صوتًا مرحًا.
“الآنسة التي بجانبك… لم أرَ وجهها من قبل، يبدو أنها ضيفة جديدة في الفندق!”
نظرتُ جانبًا فرأيتُ شخصًا يعلق قبعة قش على رقبته. كان يرتدي قفازات ويحمل كيس سماد ومقصات بستنة، مما يعني أنه البستاني الذي يعتني بهذه الحديقة.
لكن كيس السماد بدا أنه يتحرك قليلًا. هل هذا شعوري فقط؟
لم يلاحظ البستاني قلقي، ونظر إليَّ وإلى المدير بابتسامة مشرقة.
“تحياتي لكِ يا آنسة! أنا البستاني الذي يعتني بكل الزهور والأشجار في بيلفيدير.”
حيّيته بإيماءة خفيفة، فضحك بحيوية. ثم التفت إلى المدير بتعبير متعجب وأمال رأسه.
“جئتُ للعناية بأحواض الزهور داخل المتاهة، ولم أتوقع أن ألتقي بكما هنا! أيها المدير، هل كنتَ تائهًا في المتاهة؟ هذه المرة الأولى التي أراكَ هكذا!”
“…آه، لم أدخل إلى هنا منذُ وقتٍ طويل لذا تهت أيضًا. لقد أسأتُ إلى الآنسة أيضًا.”
“حتى المدير مجرد موظف فندق عادي! هاها، هذا يحدث. هذه المتاهة معقدة للغاية، حتى أنا أتوه فيها أحيانًا. هذا ليس شيئًا أفخر به بالطبع!”
نظرتُ إليهما وأنا ألتقط أنفاسي. بعد المشي المحموم، شعرتُ بألم في كاحلي وصداع. ورائحة الزهور تلك، لماذا هي نفاذة هكذا؟
أردتُ الخروج من الحديقة بسرعة، وعلى الرغم من أنني علمتُ أنها قلة أدب، قاطعتُ حديثهما وسألتُ:
“آسفة، لكن رائحة الزهور تؤلم رأسي، وأريد الخروج من المتاهة بسرعة. إذا كنتَ تعرف الطريق، هل يمكنكَ إرشادي؟”
“رائحة زهور؟ …آه، بالطبع! تركتُ ضيفة واقفة هكذا، ياله من خطأ قد ارتكبته!”
تبعتُ إرشادات البستاني، ولم يستغرق الوصول إلى الخروج سوى خمس دقائق. تجوّلتُ لأكثر من عشر دقائق، و المخرج كان قريبًا هكذا؟
شعرتُ بالإحباط وكدتُ أجلس على الأرض، لكنني تماسكتُ بكل قوتي.
بجانبي، وقف المدير يبتسم وكأن شيئًا لم يحدث. بدا ما رأيته من عينيه الحمراوين وكأنه مجرد وهم. اقتربتُ منه وسألتُ:
“سأسأل عن شيء واحد فقط.”
“نعم يا آنسة. تفضلي.”
“لماذا نظرتَ إليَّ بهذا الشكل فجأة؟”
في اللحظة التي اقترب فيها المدير من وجهي في الحديقة، شعرتُ بكل أعصابي تنتفض. لم يكن مجرد ذعر، بل شيء أقرب إلى الرعب.
العين الحمراء التي رأيتها للحظة كانت غريبة أيضًا. حتى لو عكست الشمس عينيه، لا يمكن أن تتحول عين زرقاء إلى حمراء فجأة. ربما لو قلتُ إنني رأيتُ هلوسة بسبب رائحة الزهور المزعجة، لكان ذلك أكثر منطقية.
أجاب المدير بنبرة هادئة جدًا:
“كانت هناك ورقة زهرة على شعركِ، فأردتُ مساعدتكِ. كان يجب أن أستأذنكِ أولًا، لقد ارتكبتُ خطأً كبيرًا.”
‘هكذا يتظاهر بالبراءة.’
لا أملك ما أقوله. مهما فكرتُ، لم يكن تصرفه لمجرد إزالة ورقة زهرة، لكن ليس لدي دليل للرد. بينما أفكر هكذا، شعرتُ في قرارة نفسي أن هذا الفندق وموظفيه خطرون، وهذا الشعور جعلني مضطربة.
التفتُّ إلى البستاني:
“شكرًا لمساعدتكَ في الإرشاد. بفضلكَ خرجتُ من المتاهة.”
“أوه، لا شيء يُذكر! حتى لو لم أكن أنا، لكان المدير قد وجد الطريق بسرعة!”
عندما رأيتُ وجه البستاني البسيط، بدا وكأنه الشخص الوحيد الطبيعي في هذا الفندق المليء بالغرائب. بينما حاولتُ مواصلة الحديث معه، تدخّل المدير بسلاسة واقترح أن نرى أماكن أخرى، ثم بدأ بالسير فجأة.
بينما كنتُ أحاول اللحاق به مرتبكة، ظل البستاني يلوّح بيده. وعندما التفتُّ خلسة، رأيته جالسًا القرفصاء يتحدث إلى الورود:
“لا، شيب. لا تفعل! تحمّل! إنها ضيفة.”
‘…أصحح كلامي. يبدو أن البستاني ليس بكامل قواه العقلية أيضًا.’
— ترجمة إسراء
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

عالم الأنمي عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان! شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة. سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!

إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 3"