كيف يمكن لسيّد السيف الذي بلغ ذروة المهارة… ألّا يلحظ طفلة في الثامنة تركض نحوه، فيصطدم بها؟
‘هذا أمر غير منطقي إطلاقًا.’
لا أعلم لماذا تظاهر سيوربولد فيرديناند بأنّه رأى ايفي لأوّل مرّة بعد اصطدامه بها،
لكن ما أنا متيقّن منه هو أنّ سيوربولد فعل ذلك عن قصد.
هذا ما توصّل إليه نيل في نهاية تحليله.
كان نيل شخصًا شديد الذكاء، وأفكاره غالبًا ما تصيب الهدف بدقّة، كما لو كانت خشبًا قُطّع بأداة حادّة ومضبوطة.
لكن هناك مشكلة واحدة فقط…
“… أتريد أن تموت؟”
إذا كان الطرف الآخر يخفي نيّته لسبب ما، فلا يجوز العبث بكشفها بلا حذر.
“على أي أساس تجزم بذلك؟”
لقد نسي نيل هذه القاعدة البسيطة للحظة واحدة… فوجد نفسه، بعد ثماني سنوات من عودته إلى دوقية فيرديناند، على وشك مواجهة الموت.
تألق بريق حادّ في عيني سيوربولد وهو يحدّق في نيل، وكأنّه يقول له إنّه لن يتسامح مع هرائه.
وفي النهاية، صمت نيل على الفور.
❖ ❖ ❖
[حقًّا، الأمر غريب… هناك عيون تراقبك.]
‘أرأيت؟ شعرتَ بها أنت أيضًا، أليس كذلك؟’
أجبتُ وأنا أتابع مضغ قطعة البسكويت في فمي.
[اصمتي قليلًا ودعيني أركّز!]
‘حسنًا حسنًا، ركّز كما تشاء.’
ابتلعتُ البسكويت ببطء، غير آبهة باهتزاز السيف بين يديّ في تبرّم واضح.
ساد الصمت برهة، السيف يشعّ بوهج أزرق، بينما كان إكس يركّز.
ومرّ وقت… قبل أن يزمجر:
[اللعنة! كلّهم خبراء، من الصعب التقاطهم. كيف تمكّنتِ أنتِ من الشعور بهم؟ هذا الأثر ضعيف للغاية لدرجة أنّ سيفًا أسطوريًّا مثلي بالكاد يلتقطه!]
‘لقد شعرتُ به فحسب… هل يمكن أن تكون قوّتك أنت هي التي ضعفت؟’
[أيتها الصغيرة عديمة الأدب!]
قلتُها ببرود، لكن في داخلي، كنتُ مندهشة أنا أيضًا.
‘غريب فعلًا.’
قبل أيّام قليلة فقط، لم أستطع أن ألاحظ حتى سكيرًا مختبئًا بين الشجيرات…
وانتهى بي الأمر بأن يُمسكني من مؤخرة عنقي.
لكن الآن، وبعد أسبوع واحد فقط، أستطيع أن أشعر بعيون تراقبني من هذا البعد!
هل هي قدرة مرتبطة بـ”إكس”؟
منذ أن التقيت به، ومنحته اسمًا، بدا وكأنّ سمعي وحسّي قد ازدادت حدّة.
استجبتُ لطلبه بأن أضعه على الأرض كي يتمكّن من الاستشعار بدقّة أكبر، فألقيتُه على الأرض كما تلقى مكنسة.
[هيه!]
‘ماذا؟ أليس هذا ما أردت؟’
[عامليني بمزيد من الاحترام… همم؟ لحظة.]
توقّف فجأة عن الكلام وكأنّه التقط شيئًا.
ابتلعتُ آخر قطعة من البسكويت وأنا أترقّب ما سيقوله بجدّية.
[الشخص الذي يراقبك قريب. قد نتمكّن حتى من الإمساك به… ما رأيك؟ لكن تذكّري، إن كان متطفّلًا حقيقيًّا فقد تتعرّضين للخطر.]
‘يا إلهي، ولماذا تسأل أصلاً؟’
نحن في قصر دوق فيرديناند.
القصر الفريد من نوعه في إمبراطوريّة كالِكيست. ليس من المنطقي أن يكون الحراس متساهلين لدرجة أن يتركوا أيّ شخص عادي يتجوّل هنا.
إذًا فالشخص الذي يراقبني لا بد أن يكون من الداخل… أي من رجال الدوق.
وبما أنني الآن في منزلة حفيدة الدوق… وضيفة في قصره، فلن يؤذيني.
‘فلنذهب! أين هو؟’
[كما توقّعت. أمسكي بي وأغمضي عينيك، وسأرشدك إلى الطريق.]
أمسكتُ بـ إكس بكلتا يديّ وأغمضتُ عينيّ.
وفجأة…!
‘واااه…’
رأيتُ الطريق.
وسط الظلام، شعرتُ بوضوح باتّجاه يجب أن أسلكه، وكأنّ إكس يرسمه أمامي.
‘هل هو قريب؟’
إن كان بعيدًا، فلن أستطيع الذهاب هكذا.
أنا ضيفة في هذا القصر، ومن غير اللائق أن أتجوّل في أرجائه بلا إذن.
[قريب… هناك.]
فتحتُ عينيّ بعد أن حفظتُ الطريق، ولاحظتُ أنّه ينتهي عند…
‘هاه؟’
داخل خزانة عرض ضخمة؟
“بالأحرى خلفها مباشرة.”
في غرفة استقبال فيرديناند، كان هناك خزانة عرض كبيرة يمكن لشخص أن يدخل خلفها.
وأشار إكس إلى ذلك المكان تحديدًا.
‘أتقول إنّه كان في الغرفة معي طوال الوقت؟’
[بالضبط! اللعنة، لماذا لم أكتشفه أبكر؟! كلّها غلطتك أيتها الصغيرة! مذ أصبحتِ مالكتي وأنا أشعر أن قوّتي قد… مْمف.]
‘اصمت الآن.’
ضغطتُ على الجوهرة المثبّتة في وسط النصل ، فخف صوته على الفور، كأنّ فمه قد أُغلق.
خفضتُ أنفاسي، ومشيتُ على رؤوس أصابعي نحو الخزانة.
كان هناك ظلّ خلفها.
فعلًا… كان هناك فجوة خلف الخزانة تكفي لوقوف شخص.
وضعتُ يدي على حافتها…
“!”
“ههـهِه!”
وأدخلتُ رأسي بين الفتحة.
“!!!!!”
شخص مختبئ هناك يحدّق بي في ذهول.
لقد كان هناك فعلًا من يراقبني، كما شعرت قبل قليل.
تأمّلتُه… كانت ترتدي زيًّا أبيض مزخرفًا بخيوط زرقاء، وقد طُرّز عليه تنّين أزرق.
بما أنّ التنين شعار آل فيرديناند، فالأرجح أنّها فارسة من فرسان القصر، أرسلها جدي لحمايتي.
“إ-إيف… آنِسة إيفي…!”
نادَتني بصوت مرتجف، ووجنتاها متورّدتان من شدّة الإحراج بعد أن انكشف أمرها.
“ما الذي تفعلينه هنا؟”
سألتُها ببراءة تامّة.
كانت تصلح من شعرها مرارًا وهي خارجة بخجل من خلف الخزانة، وقد بدا أنّها لا تستطيع تحمّل البقاء في تلك الفتحة الضيّقة بعد أن اكتُشفت.
تفقّدتُ خلف الخزانة لأتأكّد أنّه لا يوجد أحد غيرها. لحسن الحظ، كانت وحدها.
قالت بتردّد:
“الأمر… هو…”
“هل الدوق هو من أمركِ؟ بأن تراقبيني جيّدًا؟”
“ل-لا يا آنِسة إيفي! الدوق لم يأمرني…!”
قالتها وهي على وشك البكاء.
حدّقتُ بها، ممسكةً بـ إكس في يدي.
‘أنا من كانت تُراقَب، فلماذا هي التي تبكي؟’
[ربّما لأنها لم تُحسن أداء مهمّتها.]
‘مهمّة مراقبتي؟’
[نعم. اكتشافك لها يُعتبر إهانة بالغة لمثل هؤلاء الفرسان. ثم إن…]
وتابع إكس:
[هذه المرأة ليست عاديّة. من بين من رأيتُهم، هي من القلائل الذين يملكون قوّة استثنائيّة.]
‘ها؟’
نظرتُ إليها ثانيةً، وهي ما تزال تحاول التبرير بارتباك، قائلة:
“آنِسة إيفي، أنا… ليس الأمر كما تظنّين.”
“… قوّتها استثنائيّة؟”
أفلتت الكلمات من فمي
دون قصد!
لحسن الحظ، لم تلحظ ما قلت، إذ كانت غارقة في توتّرها.
قرّرتُ أن أدعها تهدأ قليلًا قبل أن أستأنف الحديث معها، وأجلستها على الأريكة.
وفي تلك اللحظة…
طَرق… طَرق…
دوّى صوت طرق على الباب.
ترجمة: لونا
رابط قناة التيليجرام:
https://t.me/c/2712591544/19
التعليقات