لم يمضِ وقتٌ طويل حتى نَفِدَت الأموال والمجوهرات التي أخذتها إيشا معها.

في النهاية، وبعد فترةٍ وجيزة، قرّرت إيشا أن تلتقط القلم مجدّدًا لتكسب قوتَ يومها.

“نعم، هذا هو الشيء الوحيد الذي أجيده.”

في أيّ عملٍ كان، أوّل ما يجب فعله هو استكشاف السوق. وبحسب ما اكتشفت إيشا، كانت وسائل الإعلام في إمبراطوريّة دراكسيون محدودةً للغاية.

صحيفة الإمبراطوريّة، التي تتلقّى دعم القصر الإمبراطوري، كانت بمثابة بوقٍ للعائلة الحاكمة. وبالرغم من وجود بعض الصحف الصغيرة الأخرى، إلا أنها كانت تخشى رقابة القصر، فلم تكن قادرةً على إنتاج مقالاتٍ ذات شأن.

‘لكنني لا أريد أن أكتب مثل هذه المقالات. لقد سئمت من كوني صحفيّة سياسيّة. لقد متّ بسبب كتابتي لتلك المقالات!’

ألا يوجد طريقةٌ أسهل؟

وجدت إيشا الحلّ لتساؤلها في مكانٍ لم تتوقّعه أبدًا.

“يبدو أنّ السيدات النبيلات لا يفعلن شيئًا سوى التجمّع والتغامز بنميمةٍ أو أخرى.”

“صحيح، يتظاهرن بالرقيّ ظاهريًا، لكنهنّ في الحقيقة مهووساتٌ بالفضائح.”

في حانةٍ رخيصة، سمعت إيشا رجلين مشبوهين، أحدهما بعلامةٍ على وجهه، يتهامسان بهذه الكلمات.

“قبل فترة، جاءتني إحدى الآنسات باقتراحٍ مجنون. هل تعرف الفيكونت بريستون؟”

“أعرفه. أليس ذلك الرجل الوسيم؟”

“بالضبط. لقد طلبت مني معرفة كلّ شيء عن الفيكونت بريستون. من ذوقه في الطعام إلى نوعه المفضل من النساء… كلّ حركةٍ وسكنة. يا للعجب!”

“وماذا فعلت؟”

“بالطبع، نفّذت طلبها. ماذا تظن؟”

كان الأجر مغريًا للغاية.

في اللحظة التي رأت فيها إيشا الرجل يرسم دائرةً بإبهامه وسبّابته ويضحك، أدركت.

… هذا هو!

هذا!

هذا ما سيجلب المال!

حدّدت إيشا جمهورها المستهدف، وبدأت فورًا بالبحث عن نوعٍ يجذب انتباه السيدات النبيلات والآنسات.

النميمة.

كانت رواية <الإمبراطور لا يعيش بدون أسرى> هي روايتها المفضّلة، وكانت إيشا تتذكّر كلّ حدثٍ وكلّ شخصيّة في هذا العالم بدقّةٍ متناهية.

لكنها كانت بحاجةٍ إلى تحقيقٍ أكثر قربًا. من هم الرجال الأكثر شعبيّة في الأوساط الاجتماعيّة الآن؟ من هم النبلاء الذين يجذبون كلّ الأنظار؟ كان عليها معرفة أذواقهم وأسرارهم الحميمة.

وهكذا، رغم تغيّر النوع الصحفي، ظلّت خبرتها كصحفيّة كما هي.

بدأت إيشا بجهدٍ كبير في تجنيد مصادر المعلومات.

خادمات العائلات النبيلة، والخدم، وحتى التجمّعات الاجتماعيّة التي تنتشر فيها الإشاعات بسرعة البرق.

“سيدي البارون كروفورد؟ بالطبع، إنه شخصٌ شديد الشعبيّة. لكن، كما تعلمين، في عائلة البارون، السيدة هي من لها الكلمة العليا. آه! يجب أن يبقى هذا سرًا.”

[ملاذ صراعات الحماة، عائلة كروفورد

هل أنتِ مستعدّة لمواجهة ساحرةٍ من أجل الفوز بزوجٍ وسيم؟]

“زهرة الأوساط الاجتماعيّة هذه الأيام هي بلا شكّ الفيكونت روين.”

“لكن، أليس للفيكونت روين سمعةٌ سيئة؟ يقال إنه كثير العلاقات مع النساء.”

“هاها، أنتِ لا زلتِ صغيرة! هذه النقطة بالذات هي ما تجعله جذابًا. إنها علاقاتٌ مريحة للطرفين. لهذا يفضّل الفيكونت روين السيدات المتزوّجات، أليس كذلك؟”

[لفيكونت روين، قاتل المتزوّجات، حبيب الجميع ذو القلب الخفيف]

بل إنّ إيشا ذهبت إلى حدّ بيع عائلتها.

[ابن الكونت أشتون، ليوريك أشتون! القصة السريّة وراء الكواليس في حفل الظهور الأول! ربما لا يكون هناك طلبٌ كبير، لكن لهواة الأذواق الفريدة، سنتناول في هذا العدد كونت أشتون أيضًا!]

وهكذا، استثمرت إيشا ما يقارب نصف عام في كتابة المقالات.

لكنها أغفلت أمرًا مهمًا.

“كيف سأنشرها؟”

لم يكن هناك سوى مطبعةٍ واحدة في العاصمة. ومع موضوعٍ حسّاس كهذا، فإن تكليفها بالمهمّة كان بمثابة حفر قبرها بنفسها.

بينما كانت إيشا غارقةً في التفكير، جاءها العون من مصدرٍ غير متوقّع: أخوها الصغير ليوريك.

“بدونكِ، أشعر بالملل الشديد. كلّ يومٍ أضطرّ للاستماع إلى هراء والدنا.”

رغم هروبها من المنزل، كانت علاقتها بليوريك لا بأس بها. أخبرته إيشا وحدها بعنوان منزلها الجديد، وكان ليوريك يزورها باستمرار.

“لكن لمَ وجهكِ شاحب هكذا؟ كنتِ تتظاهرين بالانشغال بمجلّتكِ أو صحيفتكِ هذه…”

“لا أعرف كيف أنشرها.”

“ماذا؟”

“كنتُ قصيرة التفكير. لم يكن كافيًا أن أكتب المقالات فقط. من الطباعة إلى التوزيع، لا أعرف كيف أتعامل مع هذا، رأسي على وشك الانفجار.”

نظر ليوريك إلى إيشا وهي تمزّق شعرها من التفكير، ثمّ لمس ذقنه وقال:

“البارحة، بينما كنتُ أشرب في حانة، التقيتُ برجلٍ غريب.”

“هل كان وسيمًا؟”

“لا.”

“إذن لمَ تخبرني؟”

“هذا ليس المهم… على أيّ حال، يا أختي، هل سمعتِ برون؟”

رون؟

لم يُذكر هذا الاسم قطّ في الرواية الأصليّة.

“ما هذا؟”

“تدّعين أنكِ صحفيّة ولا تعرفين؟ إنها نقابة الظلال. إذا دفعتِ المال، يقتلون لكِ أيّ شخص.”

يقتلون أيّ شخص؟

إذن، ألن يكون نشر مجلّة أمرًا أسهل بكثير؟

انتفضت أذنا إيشا كأذني أرنب.

“قال لي ذلك الرجل إنّ خادومًا يعرفه، ابن عمّ أحد أصدقائه، وقع في حبّ آنسة نبيلة كان يخدمها.”

إذن، إنه مجرّد رجل عادي؟

قرّرت إيشا مواصلة الاستماع إلى أخيها.

“اكتشف سيّدها الأمر، فحدثت ضجّة كبيرة. طُرد الخادم، وحُبست الآنسة في منزلها.”

“ثم ماذا؟”

“قال إنه جمع كلّ أمواله وذهب إلى رون ليطلب مساعدتهم. وبمساعدتهم، تمكّن من الهروب معها ليلاً. كان مخمورًا جدًا وهو يروي القصة، لكن ألا تعتقدين أنّ الأمر يستحقّ التحقيق؟ قد يكون خطيرًا، لكن…”

نعم، في روايةٍ رومانسيّة كهذه، يجب أن تكون هناك نقابة ظلالٍ كهذه!

لكن الوصول إلى أحد أعضاء نقابة رون كان بمثابة اقتطاف نجمٍ من السماء.

أطلقت إيشا كلّ مصادرها لتكتشف أماكن تواجدهم، وبعد أيامٍ من البحث، تمكّنت أخيرًا من العثور على حانةٍ قديمة.

والمفاجأة أنها كانت على بُعد خمس دقائق فقط من منزل إيشا.

في تلك الحانة، جاهدت إيشا لكسب ودّ النادل، معتقدةً أنه يملك معلوماتٍ أكثر بكثير مما تملك. مهما كان، فإن النادل يعرف أكثر مما تعرف.

“أريد أغلى مشروب هنا.”

“اليوم، نفس المشروب الذي طلبتِه أمس.”

“كالعادة، أعطني المشروب المعتاد.”

لكن التكلفة كانت باهظةً للغاية. كان النادل تجسيدًا للصمت، ومهما قالت، لم يكن يجيب بشيءٍ يُذكر.

وعندما نفدت أموالها حقًا، حتى أصبحت لا تملك ما تشتري به رغيف خبز للغد…

“… أعطني الأرخص.”

“يبدو أنّ أموالكِ قد نفدت.”

لأوّل مرة، خاطبها النادل.

“حسنًا، لا… أتعني أنّ تناول الستيك كلّ يوم سيبقى لذيذًا؟ أحيانًا، يجب أن نأكل بعض النودلز. لا تقلق، لديّ ما يكفي لدفع ثمن المشروب.”

“لا أعرف ما هي النودلز، لكن بالتأكيد، الستيك يصبح مملاً إذا أكلته كلّ يوم.”

ضحك النادل بخفة، وعندما أفرغت إيشا أكثر من خمسة أكواب من ذلك المشروب القوي…

“لطالما لاحظتُ، لكن يبدو أنكِ تجيدين الشرب.”

“بسبب عملي، كنتُ كثيرًا ما أشرب.”

حتى قبل موتها، كانت قلقةً على كبدها، والآن، بعد تجسّدها، ها هي تفعل الشيء نفسه. ضحكت إيشا بسخرية، فابتسم النادل وقال:

“لهذا السبب إذن.”

“ماذا تقصد؟”

“المخدّر لا يؤثّر فيكِ جيدًا.”

“… المخدّر؟”

مهلاً.

لحظة.

فجأة، شعرت بدوّامةٍ أمام عينيها.

لا، هذا لا يمكن.

حاولت إيشا جاهدةً أن تبقى واعية، لكن دون جدوى.

كلّ ما سمعته كان ضحكة النادل الخافتة.

وبعد وقتٍ قصير، فتحت إيشا عينيها في مكانٍ لم تتوقّعه أبدًا.

كانت مكتّفة بالحبال من رأسها إلى أخمص قدميها.

— ترجمة إسراء