استمتعوا
استيقظتُ أخيرًا بعد أن لزمت الفراش مريضة ثلاثة أيّام متوالية.
وأوّل وجه رأيته حين فتحتُ عيني كان…
“أبي…؟”
كان أبي.
“نجمتي، هل أفقتِ الآن؟”
‘لقد عثر عليّ أبي حقًّا.’
“سأذهب لأحضر الطبيب.”
ورغم أنّ القلق كان بادياً عليه، فإنّه حين ناديته توقّف في الحال والتفت إليّ.
“نعم؟”
“لقد أخطأت، أنا آسفة.”
“……”
“طلبتَ منّي أن أبقى في البيت حتّى تعود من السوق، لكنني ذهبتُ إلى الجبل مع أنّني وعدتُ ألّا أفعل.”
‘لابد أنّك تعبتَ كثيرًا وأنت تبحث عنّي.’
كان أبي يبدو أكثر إنهاكًا ممّا كان قبل أيّام.
“وشكرًا… لأنّك وجدتني.”
ما إن أنهيتُ كلامي حتّى خطا إليّ أبي واحتضنني بقوّة.
“أنا ممتنّ فقط لأنّك بخير، فهذا أهمّ ما في الأمر.”
وحين ضمني، أدركتُ أخيرًا أنّني عدتُ إلى منزلي آمنة، وكدتُ أنفجر بالبكاء.
“حسنًا، لقد كنتِ مريضة ثلاثة أيّام متواصلة، عليك أن تأكلي شيئًا. ماذا تشتهين، يا نجمتي؟”
‘أكثر ما أريده حين أمرض هو…’
“أريد من العصيدة التي تقوم بطبخها!”
“حسنًا، سأُعدّ لك عصيدتك المفضّلة. أنتِ ارتاحي فقط.”
“حسنًا!”
وغادر مسرعًا.
‘الآن اصبح لديّ أسرة تعتني بي حين أمرض.’
يكفيني هذا الشعور ليجعلني أتحسّن.
وبعد قليل عاد أبي ومعه الطبيب، وفي يده وعاء عصيدة يتصاعد منه البخار.
“حرارتك أوشكت أن تزول، وأنت تبدين أفضل بكثير. تناولي الدواء بعد الأكل، وستكونين بخير في وقت قصير.”
“نجمتي، قال الطبيب إنّ عليك تناول الدواء بعد الطعام، فلنطعمك أوّلًا.”
‘أنا أكره دواء هذا العالم… مرّ الطعم.’
في حياتي السابقة، كنت أكتفي بحبّة دواء، أمّا هنا فيُصنع الدواء يدويًّا، وكلّه شديد المرارة.
“أبي، أظنّني بخير تمامًا الآن، لا أحتاج الدواء…”
“لنرَ.”
طَق.
قبل أن أمنعه، وضع جبهته على جبهتي.
“ما زال فيك قليل من الحمّى، وعليك بالدواء لتزول.”
“لكن مذاقه سيّء جدًّا!”
“ما رأيك بهذا. إذا شربتِ الدواء، سأعطيك من حلوى السُّكّر التي تحبّينها.”
“هذا ظلم! ترشيني بالحلوى!”
أدركتُ أنّه يفعل ذلك عمدًا، لكن لا أستطيع الرفض.
“حسنًا… سأشربه.”
“هكذا أريدك.”
كنتُ متضايقة لأنّه نجح في استمالتي، لكن لمّا ربّت على رأسي، زال ضيقي.
“هيا إذن، لنأكل العصيدة. آه!”
وكأنّه كان ينتظر، جاء بالملعقة نحو فمي.
لم أكن أفكّر في الأمر من قبل، لكن الآن، وقد علمتُ أنّ هذه حياتي الثانية، صرتُ أخجل قليلًا من أن يطعمني أبي بيده.
“أستطيع أن آكل بنفسي.”
“ألا تريدين أن أطعمكِ أنا؟”
نظر إليّ بأسى.
‘سيبكي إن رفضتُ.’
“لا، ليس كذلك! أنا أحبّك!”
ما إن قلتها حتّى عاد إلى حالته المرحة.
“حسنًا، ها هي العصيدة الخارقة! افتحي فمك!”
“ما هذا؟ أهي طائرة فنون قتالية؟”
حدّقتُ في الملعقة التي تطرق شفتي، ثم أغمضتُ عيني وفتحت فمي.
‘لأنتهِ من هذا بسرعة.’
“واو! أنتِ تلتهمينها بشهيّة!”
كان سعيدًا، ظانًّا أنّني جائعة بشدّة.
“الآن وقد أفاقت، عليك أن ترتاح أنت أيضًا، يا سيّد. لم تنم منذ مرضها، أليس كذلك؟”
“أبي، أهذا صحيح؟”
وعلى سؤالي القَلِق، رمق الطبيب بنظرة حادّة.
“لا تتفوّه بالحماقات.”
“هاها، سأترككما تأكلان.”
همّ الطبيب بالخروج، لكنّه توقّف فجأة.
“هاه؟ ما هذا هنا؟”
“ماذا هناك؟”
عند سؤال أبي، التقط الطبيب شيئًا عن الأرض الخشبيّة بحذر.
“إنّه عشب نادر يُسمّى شينسونتشو، مفيد جدًّا للحمّى والطاقة. لا أصدّق أنّ أحدًا يتركه هكذا، وهو لا يُعثر عليه إلّا مرّة في السنة على جرف جبل سيبمان!”
لمحتُ العشب في يد الطبيب، فأعدتُ النظر فورًا.
‘انتظر… أهذه ريشات؟’
كانت الريشات شفّافة، كريش بيبّي، فلا أبي ولا الطبيب يريانها.
‘أهو بيبّي الذي جاء به؟’
لابدّ أنّه ظلّ يتردّد حين مرضت، وأدرك أنّ هناك أمرًا.
‘ربّما ليس طائرًا عديم الفائدة تمامًا.’
“هذا رائع! سنصنع به دواءك اليوم.”
وغادر الطبيب مسرورًا ليحضّره.
‘صحيح أنّ التوهان في الجبل كان مخيفًا، لكن بيبّي لم يقصد، فلأصفح عنه.’
لكن مشاعري الطيّبة نحوه لم تدم طويلًا.
“آه… مذاقه أسوأ ما يكون!”
كان دواء الشينسونتشو أفظع طعمًا من أي دواء قبله، وظلّ بيبّي يجلبه كلّ يوم وأنا حبيسة البيت، ثم يختفي.
وحين رأيتُ وعاء آخر منه، خرجت إلى الشرفة كالميّتة الحيّة وصرخت نحو السماء.
“كفى!! لم أعد أحتمل!!”
***
كان الشينسونتشو قويّ المفعول.
‘قال الطبيب إنّني سأحتاج أسبوعًا لأشفى، لكنني تعافيت في أربعة أيّام. طعمه فظيع، لكنّه فعّال.’
غير أنّ بيبّي، الذي جلبه، لم يظهر منذ مدّة.
لعلّه يشعر بالذنب.
‘حسنًا، الآن وقد شُفيت، عليّ التفكير في طريقة للوصول إلى طائفة الشيطان. كيف سأتسلّل؟’
لم يغادر أبي إلى السوق منذ مرضي.
‘لقد عقدتُ الأمور على نفسي.’
وبما أنّ الأمر يبدو مؤجّلًا، خرجتُ إلى الحديقة لأروّح عن نفسي.
“أبي، الجزر اصبح ضخمًا!”
جاء أبي من الشرفة وجثا بجانبي.
“لقد نضج وجاء وقت قطفه!”
“فلنصنع به طعام العشاء!”
لكن أبي، الذي يوافق دائمًا، صمت فجأة.
“آسف يا نجمتي، لا يمكننا الآن.”
‘أنت دائمًا تقول نعم، فما الأمر؟’
“لماذا؟”
مسح يديّ المتّسختين من لمس الجزر بمنديل، ثم تابع:
“عليّ أن أغيب قليلًا في عمل، وستقيمين عند إكسون في غيابي.”
‘تمهّل… أعرف أين يتّجه هذا الحديث!’
“كم ستغيب؟”
“سأعود بعد سبعة أيّام.”
“سبعة أيّام… هذا بالكاد يكفي.”
لكنّه خبر مفرح لي.
“أستطيع التحمّل دونك كلّ هذه المدّة!”
‘لقد انتظرتُ هذا اليوم!’
“…أأنتِ متأكّدة أنّ الأمر لا يزعجك؟”
“سأشتاق إليك طبعًا، لكنّه عملك، وسأصبر لسبعة أيّام. لكن عليك أن تعدني أنّنا سنطبخ الجزر حين تعود!”
“سنفعل.”
وبعد أن تظاهرتُ بالقليل من الحزن، بدا مرتاحًا، فالتفتُّ نحو أسفل الشرفة.
هناك، كان حقيبتي مخبّأة.
وأخيرًا… حان الوقت.
***
“الجميع نائم، أليس كذلك؟”
تفحّصتُ إكسون ثانية.
كان غارقًا في النوم.
أمسكت حقيبتي بهدوء وغادرت.
تركَني أبي عند إكسون كما وعد.
‘لا بدّ أنّه تناول دواء النوم وغفا الآن.’
في القصة الأصليّة، كان أرق أبي يزداد سوءًا حتّى صار لا يقوى على العمل دون أدوية أشدّ فأشدّ، وكلّما اشتدّت قوّة الدواء طال زمن استعادة جسده.
ولذلك، حين يتناولها، يتركني عند إكسون وينام محاطًا بحاجز حول المنزل.
‘أشعر بالذنب لأنّ مرضي زاد أرقه، لكن هذه فرصتي للتسلّل إلى طائفة الشيطان! سأجد لاحقًا طريقة لأعالج أرقه، أليس كذلك؟’
دخلتُ إلى الساحة وحاولت أن أقفز فوق السور بمشهد بطوليّ، لكنني قصيرة، فلم ينجح المشهد كما أردت.
‘ليس الهروب الملحمي الذي تخيّلته، لكن لا بأس.’
“طائفة الشيطان، ها أنا قادمة!”
حمّست نفسي وخرجت من بوابة إكسون،
فشعرت بوجود أحد خلفي.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 8"