كوني سريعةً، مجتهدةً، لا تسرقي، التزمي الصمت، ولا تُكنِّي مشاعرَ غير لائقةٍ نحو سيّدك.
في يومها الأول كخادمةٍ، تذكّرت ليلي ما كانت أنجيلا تُكرّره مرارًا أثناء تدريب الخادمات الجُدُد.
غيرَ أنَّ استحضارَها لتلك العبارة جعلها تُدركُ بوضوحٍ أشدَّ أنَّها تُكنّ مشاعرَ غير لائقةٍ نحو سيّدها.
أن تُحبّ آيدن كاشيمير؟ يا لها من فكرةٍ لا يُمكن تصديقُها!
أرادت ليلي أن تُكذّب قلبَها وتُقنعَ نفسها أنَّ ذلك غيرُ صحيحٍ البتة.
بالطبع، كانت تُحبّه — الحديثُ معه مُمتع، وهي ممتنّةٌ لاهتمامه بالتفاصيل الصغيرة، وتستمتعُ بوقتها برفقته، وتودُّ أن تفعلَ أيَّ شيءٍ يُسعده.
لكنَّ ذلك لا يتجاوزُ حدودَ الودّ الإنسانيِّ الطبيعيّ، ذاك التقديرُ الذي يُكنّه المرءُ لِرئيسٍ نبيلٍ لطيفِ المعشرِ. لا أكثر.
فهي ليست من أولئك الذين يُبغضون مَن يُحبّونهم.
ولذلك كانت تُحاولُ بإصرارٍ أن تُقنعَ نفسها أنَّ ما تشعرُ به لا يمتُّ إلى الحبّ بصلة، ولا يُشبهُ ما وردَ في حكاية ‘الأب الذي عاد’.
لكن، ويا لسوء الحظّ، كانت ليلي ذكيّةً بما يكفي لتُدركَ حقيقةَ مشاعرها.
“أيُّ موظفٍ يشعرُ بالضيق لمجرّد تخيّلِ رئيسها مع حبيبته؟”
وضعتْ يدها على جبينها، إذ لم تحتمل فكرةَ أن يكون لآيدن شريكةٌ عاطفية. مجرّدُ تصوّرِ ذلك كان كافيًا ليُظهِرَ الحقيقة.
فما إن ينتهي دورُها في مساعدته حتى تعودَ إلى مكانها الطبيعيّ — إلى مكانِها كخادمة.
سترتدي القبعةَ والمئزر، وتغادرُ القصرَ دونَ نظرةٍ إلى الوراء، بدلًا من أن تخدمَ الدوقةَ التي فازت بقلبِ آيدن.
أن تغسلَ ملابسَ الرجل الذي تُحبّه وزوجتِه، وأن تنظّفَ غرفتَهما، وتناديَ أبناءَهُما ‘سيدي الصغير’ و’انستي الصغيرة’ — يا لَه من عذابٍ لا يُطاق!
لن تقدرَ ليلي على تحمّلِ ذلك، كما أنّ الدوقةَ ستطردُها لا محالة إنْ اكتشفتْ أمرها.
فالأفضلُ إذًا أن ترحلَ من تلقاء نفسها قبل أن يحدث ذلك.
لكنّ تلك المخاوفَ بعيدةٌ بعدَ الأفق، ولا حاجةَ للانشغال بها الآن.
إذ إنّ مشاعرها لا تزنُ شيئًا أمامَ عِظَمِ المهمة التي يحملونها.
أزاحت ليلي أفكارَها الغيورةَ عن ذهنها، وعادت تُركّز على الحاضر.
إنْ أرادوا اختبارَ الطريقةِ التي وردت في القصة، فالشرطُ الأوّل أن يكونَ بين الشخصين رابطٌ قدَريٌّ خاص.
وربّما كانت ليلي ستلعبُ دورًا جوهريًّا في ذلك — كالرسول الذي ينقلُ كلماتِ الحبِّ بينهما.
ضغطتْ على صدغها وقد عادَ الإزعاجُ ليخنقها.
“ليلي؟”
نادتها جدّتُها جوليا التي كانت تُراقبها منذ لحظةِ وضعها يدها على جبينها.
“أعتقدُ أنّ الأمر سيكونُ صعبًا للغاية.”
أجابت ليلي بفتورٍ.
“حتى لو وجدنا المرأةَ المناسبة، لا أظنُّ أنَّ سموَّه سيفتحُ قلبه بسهولة… فهو ليس من هذا النوع، أليس كذلك؟”
هزّت جوليا رأسَها موافقةً.
“بلى. لن يُبدي الدوقُ اهتمامًا بأيّ امرأةٍ أخرى.”
وعندما قالت ‘امرأةٍ أخرى’، كان في صوتها بطءٌ مقصودٌ، وإيحاءٌ خفيّ.
أثارَ ذلك قلقَ ليلي، فتابعتْ الحوارَ بارتباكٍ.
“لكن ماذا عساها تكونُ خياراته؟ إن أراد أن يعودَ إنسانًا، فعليه أن يتحرّك. ليس في موقعٍ يسمحُ له بالاختيار.”
“ليلي… إنْ كانت الطريقةُ التي وردتْ في القصة صحيحةً، فأظنّ أنَّ الوحيدةَ — بل ربما الوحيدةَ حقًّا — التي تُناسبُ هذا الدور هي…”
طال صمتُها لحظةً قبل أن تُكمِل.
“أنتِ.”
قالت ليلي مبتسمةً ابتسامةَ إنكارٍ مرتبكة.
“أجل، سأُديرُ الخطةَ بنفسي. لا بُدَّ من أحدٍ يُنقلُ إليه كلماتُه العاطفية، أليس كذلك؟”
لكنّ جوليا، غيرَ متأكدةٍ من أنّ حفيدتَها قد فهمت أم لا، قالت بصراحةٍ أشدّ.
“أعني أنكِ — أكثرُ من أيِّ امرأةٍ أخرى — قد تكونين القادرةَ على إعادته. إنْ كان الحبُّ هو المفتاحَ كما في القصص القديمة… فربما لا أحدَ سواكِ يستطيع. لن ينظرَ إلى الأخريات. إنّه واضح…”
قاطعتها ليلي وقد شهقت من وقعِ المفاجأة.
“جدّتي! هل أنتِ تقولين إنكِ تريدينني أنا وسموَّه أن نصبح… هكذا؟!”
كانت الجملُ متعثّرةً بينهما، لكنّ معناها كان واضحا.
وحين أومأت جوليا تأكيدًا، شهقتْ ليلي بصوتٍ أعلى.
“جدّتي!”
“لقد قلتُ لكِ منذ البداية إنّ تصرّفَ الدوقِ ليس طبيعيًّا. والعيشُ في القصرِ جعلني أكثرَ يقينًا. إنّه يراكِ مميّزةً، ليلي، لا شكّ في ذلك.”
“بالطبع أكونُ مميّزة! أنا الوحيدةُ التي تراه وتسمعه، والوحيدةُ التي خاطرتْ بحياتها لإنقاذه! أليس طبيعيًّا إذًا أن أكونَ مميّزةً لديه؟”
تذكّرت عينيه الحانيتين، وطريقةَ إمالته رأسَه نحوها كلّما كلّمها، وصوته الودود، وتوسّله لها أن تبقى، وتلك الابتسامة التي تُضيء وجهَه كلّما ظهرتْ أمامه — ككلبٍ يرحّبُ بصاحبه بعد غيابٍ طويل.
كلّ ذلك لم يُعامِلها به أحدٌ غيرُه من الرجال.
ولأنها لم تعرف يومًا معنى أن تكونَ شخصًا عزيزًا، وقعتْ في حُبّه دون وعي.
ومع ذلك، كانت قادرةً على التفكير بعقلٍ صافٍ.
تعرفُ لِمَ يفعلُ ذلك، وتُدركُ نواياه الحقيقية.
كان كلُّ ما يفعلهُ محاولاتٍ يائسةً لاستمالتِها — ربما اختلطتْ بشيءٍ من المشاعرِ الصادقة، لكنَّ جوهرَها واحد.
ومع ذلك، تخيّلتْ — لو أنه أحبّها حقًّا، ولو أنها أحبّته بالمثل، ولو حدثَ كما في الحكاية…
كانت جوليا، على الرغم من شعورها بالأسى تجاه حفيدتها، تتحدّث بنبرةٍ حازمة.
“تذكّري ما مررتِ به. إنْ كان هناك أيُّ احتمالٍ لتحطيم اللعنة، فعليكِ أن تجرّبي كلَّ شيء. وهذه الطريقةُ على الأقلّ لا تُهدّد حياتك.”
“ثمّ ماذا بعد؟ نقعُ في الحُب، ويعودُ سموّه إلى جسده، وأكونُ بأمان… ثمّ ماذا بعد ذلك؟”
هذا ليس عالمَ القصصِ الخيالية.
في القصص، تتزوّجُ فتاةٌ مغبَّرةُ الثيابِ من أمير، أو تصبحُ ابنةُ الخادمِ إمبراطورةً، أمّا في الواقع، فلا يمكنُ لخادمةٍ أن تنتهيَ إلى جوارِ دوق.
وحتى لو لم يزول حبُّه، فلن يكونَ نصيبُها سوى أن تُصبحَ حبيبته في الخفاء، امرأةً لا يستطيعُ أن يُعلنَها.
ولم تكن ليلي تريدُ لمستقبلِها أن يُدفنَ هكذا.
ربّما كانت تُفكّرُ أبعدَ من اللازم، لكنّ الزمنَ ذاك لم يعرفْ سوى حبٍّ واحدٍ مقترنٍ بالزواج.
فالعلاقاتُ بلا وعدٍ كانت عارًا، والفراقُ بعد التودّدِ دليلَ خِفّةٍ وفسادٍ.
لذا، ما لم تكن تنوي أن تعيش أيّامًا قليلةً فحسب، فعليها ألّا تحلمَ أبدًا بارتكاب حماقةٍ كهذه، كمحاولةِ إعادة تمثيل أسطورةٍ مع آيدن.
“الحبُّ بين مَن يختلفونَ في المكانةِ لا يُثمرُ سوى التعاسة. أعرفُ مكاني جيدًا. سأُساعده بكلِّ قلبي، لكن لا شيء بعد ذلك يعنيني.”
“أتُريدينَ إذًا أن تبقي هكذا بلا أملٍ في التغيير، مع أنّ الفرصةَ أمامك؟”
“نعم! الأمورُ لم تبلغِ الأسوأَ بعد. جسدُ سموّه بخير، والإقليمُ مُستقرّ، وما زال في النصوصِ غيرِ المترجمة ما قد يقودُنا إلى حلّ. ثمّ إنّ تصديقَ قصةٍ قديمةٍ بحرفيّتها ضربٌ من السذاجة!”
كانت نظراتُها قاسيةً كأنها تُعاتبُ العالم.
ولأوّلِ مرةٍ في حياتها، تجرّأتْ على أن تكونَ فظّةً مع جدّتها.
حاولتْ أن تُهدّئَ نفسها، لكن قلبَها كانَ مضطربًا أكثرَ من أن يلين.
وفي النهاية، تراجعتْ جوليا.
“فلنُخبرِ الدوقَ على الأقل. له الحقُّ في معرفةِ هذا. وبعدها نتركُ له القرار. لا يصحُّ أن نُخفيَ عنه الأمر.”
أطبقتْ ليلي شفتيها بإحكام.
كانت قد فكّرتْ في ذلك أصلًا، لكنّ ازدحامَ أفكارها ومشاعرِها حالَ دونَ أن تُقرّ به.
واعترفتْ في نفسها.
مهما كان الحلُّ — سواءٌ بإنقاذِ امرأةٍ أو إحياءِ مشاعرِها — فإنها تكرهُ كليهما. لا تُريدُ لهذا أن يتقدّمَ خطوةً واحدة.
ولأوّلِ مرةٍ منذُ ارتباطِها بلعنةِ الدوق، قرّرتْ أن تُؤجّلَ المشكلةَ بعضَ الوقت.
“لاحقًا. سنُخبره لاحقًا. ليست لدينا معلوماتٌ كافيةٌ بعد، وما زال أمامنا عملٌ مع صاحب الجلاله.”
رمقتها جوليا بنظرةٍ معقّدةٍ وهي ترى عنادَ حفيدتِها، لكنّ ليلي صرفتْ بصرَها عنها.
ألم يُحاولْ آيدن منعَها حين قالت إنها ستذهبُ إلى العاصمة؟ إذًا لها أن تؤجّلَ الأمرَ هذه المرّة أيضًا.
فالإدارةُ تسيرُ، والتحقيقُ في الهرطقةِ يتقدّمُ…
كانت تُقنعُ نفسها بحججٍ لا تنتهي.
فهي لا تنوي كتمانَ السرِّ إلى الأبد، بل تحتاجُ إلى القليلِ من الوقتِ فحسب.
لم يكن بينهما شيءٌ خاصٌّ حقًّا، لا شيءَ يستحقُّ هذا الاضطراب.
لذا، سيكونُ من السهلِ — حتمًا — أن تُرتّبَ مشاعرها… ولو إلى حين.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 43"