لم يكن إرسالها إلى جوليا يعني سوى أمرٍ واحد—أنّه يريد منها ترجمتها.
استدارت ليلي نحو الرفوف من جديد.
وعلى الرغم من أنّ هذا القسم لا يُعدّ كبيرًا مقارنةً بمكتبة القصر الضخمة، إلّا أنّه امتلأ بثلاثة رفوفٍ كاملة. وبمجرّد التقدير، كان عدد الكتب يبلغ العشرات، ومع ذلك أراد إرسالها جميعًا، دون استثناءٍ أو تصنيف!
وقفت ليلي حائرة. لم يسبق أن ناقشوا في المكتب الحاجة إلى مزيدٍ من الكتب حول طائفة سولمون.
كانت هذه الزيارة للمكتبة قرارًا مفاجئًا اتّخذه آيدن في لحظته تلك لا أكثر.
“آنسة دينتا؟”
سألها أمينُ المكتبة بارتباك، وكانت هي بدورها غارقةً في الحيرة ذاتها.
هل حقًّا عليها أن تُرسل كلّ هذه الكتب إلى جوليا؟ ولكن، لِمَ؟ تلك الكتب ليست محظورة، ولا يبدو أنّها تتعلّق بالطائفة مباشرةً. أكان في طلب آيدن معنىً خفيّ؟
ألحّ عليها آيدن.
[ما الذي تفعلينه يا ليلي؟ عليكِ أن تُبلّغي أوامري، هذا عملك.]
كان جادًّا تمامًا. لا خُبثَ في نيّته، ولا غموض—فقط أمرٌ مباشر بشكل سخيف واضح.
ازدادت ليلي ذهولًا.
‘لِماذا؟ بحقّ السماء، ما السبب وراء هذا كلّه؟’
وبينما ظلّت صامتةً، بدأ أمينُ المكتبة يفقد صبره.
“هل أُرسل جميع كتب سولمون إلى السيدة دينتا إذًا؟”
لم يتراجع آيدن عن أمره. وعلى الرغم من غرابته، كانت نيّته واضحة وضوح الشمس.
لم يكن أمام ليلي خيارٌ سوى الطاعة.
لقد أقسمت ذات يوم أن تخدم بأمانةٍ بصفتها اليدَ اليمنى لدوق كاشيمير، بعد أن ترقّت من مجرّد خادمةٍ إلى كاتبةٍ معاونةٍ في لحظةٍ فارقة.
بل ووقّعت على عقدٍ رسميٍّ بذلك.
وبموجب العقد، ما دامت أوامر آيدن لا تُعرّض جسدها أو ممتلكاتها للخطر، وجب عليها التنفيذ.
فأجابت على مضض.
“نعم، رجاءً افعل ذلك.”
“مفهوم. سأرتّب لإرسالها اليوم.”
انحنت ليلي احترامًا وغادرت المكتبة.
وبينما كانت تمشي، ظلّ عقلها يدور حول ذلك الأمر العبثيّ—حتى أدركت فجأةً أنّها كانت فريسةً لفخٍّ منذ البداية.
اقتربت وهمست بصوتٍ خافتٍ لا يسمعه سواه، وهي تراعي أنّهما يقفان في الخارج.
“لم تكن تنوي السماح لي بالذهاب أصلًا؟”
[عمّ تتحدثين؟]
تظاهر آيدن بالجهل.
“أعني إلى العاصمة. قلتَ إنني سأذهب بعد أن تُنهي جدّتي عملها، لكنك لم تكن تنوي أصلًا أن تدعها تُنهيه، أليس كذلك؟”
وإلّا فما الداعي لإرسال ذلك العدد السخيف من الكتب إلى جوليا؟
سيستغرق إنجازها سنوات. وبذلك، يصبح ذهابها إلى العاصمة أمرًا مستحيلًا فعليًّا.
ابتسم آيدن بعينيه.
[أنتِ تُسيئين الفهم، ليليا.]
إساءة الفهم؟! بحقِّ السماء! لم يحاول حتى أن يُخفي أنّها كانت على حق.
وقفت ليليا مذهولة. منذ متى وهي تخدم دُوقا ماكرًا كهذا؟
[أريد فقط أن أجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن طائفة سولمون. أنتِ قلتِ بنفسكِ أنّكِ ستحتاجين كل معرفة ممكنة لمواجهة قائد الطائفة.]
“تلك الكتب ليست محرّمة حتى، ولا علاقة لها بالطائفة على الإطلاق!”
[لم أقل إنني أريدها لترجمة الكتب المحظورة فقط. ثمّ إننا إن كُنّا نستعدّ لمواجهة قائد دينيّ، أليس من قِصر النظر أن نركّز على العقيدة وحدها؟]
تابع آيدن حديثه بسلاسةٍ مدهشة، دون أن يلوّح عليه أدنى خجل.
[إذا فهمتِ ثقافة سولمون، فقد يُعينك ذلك على التواصل مع مانوس.
ربما تتجنّبين ما يُعدّ محرّمًا لديهم، أو يَمنحك ذلك الهيبة التي تجعلكِ محلّ تقديرٍ في البلاط الإمبراطوري. فهذه المعارف لم تكن متاحةً إلا لعائلات النبلاء عبر الأجيال. فهل نتركها تتعفّن في الغبار؟]
تدفّق حديثه انسيابًا كالنهر، ولم تستطع ليلي إلا التحديق فيه بدهشةٍ وامتعاض.
[لا تقلقي، يا ليلي. سأفي بوعدي. حين تُنهي السيدة دينتا الترجمة، سافري مع يوليوس. إلى ذلك الحين، فلنركّز على ما يمكن فعله هنا.]
تمتمت ليلي بصوتٍ أجوف.
“وهل من الممكن أصلًا إنهاء كلّ هذا؟ إذا ترجمت جميع تلك الكتب، فهل سينتهي الأمر؟ أم أنّ كتبًا جديدةً ستظهر فجأةً من العدم؟”
[لم أُفكّر بتلك المرحلة بعد… أنتِ حقًّا ذكيّة.]
قالها بإعجابٍ صادق، فشعرت ليلي أنّ رأسها يكاد ينفجر غيظًا.
***
“إذًا لم تكن تنوي السماح لي بالذهاب أصلًا؟”
وهل يحتاج الأمر إلى إجابة؟
مجردُ سماحه لها بأن تعمل ‘طبيبة روحية’ وتتنقّل بينه وبين يوليوس كان أقصى ما يمكن أن يتحمّله صبرُه.
أما أن تطلب الآن الرحيل إلى العاصمة—إلى أجلٍ غير مسمّى—برفقة يوليوس فقط؟ فذلك طلبٌ لا يستحقّ حتى النقاش.
نظر آيدن إلى ليلي دينتا بعينين مفعمتين بالرضا.
لقد أوقفها دون اللجوء إلى أساليب رخيصة، كالتذكير بالعقد أو إصدار الأوامر الجبرية.
ولو أنّها تفكّرت قليلًا، لأدركت أنّها وقعت في فخٍّ محبوكٍ بعناية. لكنّ سحره الهادئ نجح نجاحًا باهرًا.
بفضله، بدا آيدن في مزاجٍ رائق، بينما بدت ليلي بعكسه تمامًا—متجهّمة الوجه، مستاءة، وإن لم تُبدِ اقتناعًا كاملًا.
“حسنًا. ما دمتُ قد وعدت، فسأؤجّل الرحيل الآن. لكن يا صاحب السمو، فكّر جديًّا بالأمر. لم يُخطئ الإمبراطور تمامًا. جذرُ كلّ ما يحدث هو قائد الطائفة. وفي مثل هذه القضايا، لا ينتهي الأمر إلا بقطع رأس العدوّ.”
كان من الطريف والمحبّب أنّها، خارج المكتب، لا تُجيد الإصغاء حين يتحدّث—لكنّها لا تجد أيّ صعوبة في ذكر التفاصيل الممله عندما تطلب شيئًا.
[كما تشائين. افعلي ذلك… بعد أن تُنهي السيدة دينتا عملها.]
“صاحب السمو!”
وبّخته بخفوت، لكنّه تجاهل نظراتها الناقمة.
وإذ أظهر بوضوح أنّ الحديث انتهى، رضخت ليلي أخيرًا وصمتت، رغم أنّ الشكوى بدت على وجهها.
ابتسم آيدن في نفسه. لقد بدأ يفهم أخيرًا كيف يُسيطر على ليلي دينتا.
قول ‘لا’ مباشرةً لا يُجدي معها؛ فإن فعل، تسلّلت إلى العربة المتّجهة إلى العاصمة وهي تحمل خاتم يوليوس في يدها.
وإن فشلت مرةً، خطّطت للمرّة التالية بإتقانٍ أشدّ. قد تُخفي مسبحته كي لا يتمكّن من اللحاق بها، أو حتى تعقد صفقةً سرّيةً مع وولفرام لدعمها.
وبالطبع، لن يجرؤ وولفرام على ذلك خوفًا من غضب آيدن.
لكن مع إصرار ليلي وإقناعها اللطيف، لم يكن من المستبعد أن يستسلم في النهاية.
الخطر لم يكن يومًا ما يُوقف ليلي دينتا—بل على العكس، كان يدفعها لإيجاد طرقٍ أذكى لتجاوزه.
هل سبق أن أصغت إلى تحذيرٍ بأن تبقى حيث هي؟ أو أن تحذر؟ أو أن تتراجع؟
أبدًا. لم تكن من أولئك الذين يوقفهم التحذير.
لذا، لم يكن أمام آيدن سوى أن يخدعها كما يُخدع العدوّ.
“إسقاط قائد الطائفة سينقذنا نحن الاثنين؟”
يالها من نكتة.
استعاد آيدن كلمات يوليوس بسخريةٍ مكتومة.
هدف يوليوس الحقيقي لم يكن سوى استعادة عافيته، وقد كان آيدن يملك دليلين على الأقل من كلامه نفسه.
حرّف القصص القديمة، وصاغ حكاياتٍ مُفعمةً بالشفقة ليُقصي آيدن من المهمّة، ثمّ أعلن ببجاحةٍ أنّه سيساعد في ‘تعافيه’!
فكرة أنّ يوليوس يهتمّ بآيدن كانت كافيةً لتُثبت أنّ الأمر كلّه محضُ كذب.
رغم تحذيراته المتكرّرة لها من ألاعيب يوليوس ومن الفجوة بينهما، إلا أنّ ليلي صدّقت تلك الأكاذيب بسهولةٍ مُحبِطة.
ما الذي جعلها تنخدع؟
ربّما عرف آيدن الجواب.
لقد أغمضت عينيها عن الحقيقة، وتجاهلت الشكّ، لأنّها أرادت… أن تُساعده.
ألقت بنفسها في طريقٍ محفوفٍ بالأشواك من أجل شخصٍ يكاد يكون غريبًا عنها، دون أن يطلب منها أحدٌ ذلك.
صحيحٌ أنّ استعادة جسده كانت أولويته القصوى، لكن ليس إلى درجة المخاطرة بليلي نفسها.
مهما بلغت الحاجة، لم يطق فكرة التضحية بها.
لم يكن في الأمر منطقٌ عقلانيّ—فقط شعورٌ داخليٌّ يأبى ذلك.
ألقى نظرةً خفيّة نحوها. كانت تجعّد حاجبيها تفكيرًا وهي تحاول أن تُحدّد خطوتها التالية.
يا لهذه المرأة… طيبةٌ إلى حدٍّ يُثير الدهشة، منسوجةٌ بخيوطٍ من اللطف والشجاعة والإخلاص. لم يستطع آيدن أن يُزيح عينيه عنها.
حين أصغت إلى أكاذيبه عن طفولته، ولم تبحث عمّا هو صادقٌ منها وما هو مختلق، بل اكتفت بتقديم عزاءٍ صامت—حينها شعر بالعجز أمامها.
كانت ترفع بصرها نحو الأفق البعيد، ولا ترى الصخور تحت قدميها. فكان لا بدّ لأحدٍ أن يحميها.
اقترب آيدن منها وهمس بصوتٍ خفيض.
[إلى أن تُنهي السيدة دينتا عملها، لا يُسمح لكِ بمغادرة العقار. هل فهمتِ؟]
أراد أن يبدو مازحًا، لكنّ البرودة التي تسلّلت إلى نبرته أدهشته هو نفسه.
فما يسكنه يمكن أن يتلألأ كالنور—أو يتشبّث بها كالظلام—بحسب اختيارها.
ضحك آيدن بخفوت، مسايرًا الحديث بما يكفي فقط لإخفاء ما لم يُرد أن يُظهره.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 40"