“لقد كان الأمر محفوفًا بالخطر، لكننا حققنا مكاسب عظيمة اليوم بفضله. لقد عثرنا على خيطٍ يقودنا للحقيقة، وأمّنا تعويذة سموّه بأمان. لو سقطت في يدٍ أخرى، أو فُقدت، لكانت مشكلة لا تُحمد عقباها.”
نظرت ليلي نحو الباب وأجابت.
“بالضبط. سأذهب الآن لأخبر سموّه أنه يستطيع الدخول.”
كان آيدن بالفعل داخل الغرفة، لكن ليلي فتحت الباب وخرجت، فتبعها.
كان آيدن، الذي بدا بالأمس منبهرًا بالعالم الخارجي، واقفًا الآن كتمثال، كأن تلك النشوة باتت من زمنٍ بعيد.
“هل أنتَ بخير؟“
حين سألته ليلي، لم يُجبها إلا بتحريك عينيه نحوها.
[أنا آسف.]
اتسعت عينا ليلي بدهشة عند سماع الاعتذار المفاجئ. فقد كان أعمق من أن يكون مجرد أسف على دخوله الغرفة دون استئذان.
[لكل ما جرى. لقد طلبتُ منك ألا تعرضي نفسك للخطر، لكن الحقيقة أن مجرد تورطك معي هو الخطر بعينه. كانت السيدة دينتا على حق… الهرب في ذلك اليوم كان ليكون أفضل مستقبل لك.]
يبدو أنه سمع تقريبًا كل كلمات ندم جوليا.
‘ومع ذلك، أليس هذا الاعتذار مبالغًا فيه؟ لقد أصبح هشًا بشكل غريب منذ استراحته تلك بلا إذن.’
وهي لا تزال حائرة، تابع آيدن.
[لو كنتُ حقًا أرغب في سلامتك، لكان عليّ أن أترككِ ترحلين الآن. مجرد أن أطلب منك توخّي الحذر دون أن أفعل ذلك، لا يختلف عن خداعك. لكن… أرجوكِ، تفهّمي موقفي، ليلي.]
رمشت ليلي مرتين، وعيناها تتابعانه بصمت.
[أنتِ تعرفين… تعرفين أنني لا أستطيع أن أدعكِ تذهبين. لذا، سأحرص من الآن فصاعدًا على ألا تُصيبي بأي أذى. سأحميك من كل شر…]
لطالما أطلق آيدن كاشيمير مناشدات مشابهة أمامها.
لا ترحلي، لا تتركيني وحدي، عودي سريعًا، وما إلى ذلك.
لكن، لسببٍ ما، كان هذا اليوم مختلفًا.
حدّقت ليلي في وجهه، حتى أدركت السبب.
لم يكن هناك أي لمسة تصنّع.
في السابق، كانت تلمح دومًا في نبرته نية التأثير أو التحكم.
كان يعرف جيدًا كيف يختار كلماته ونظراته ليكسب ودّها، وكان يتصرف بتأنٍ ملحوظ.
ومع ذلك، لم تكن ليلي تنفر من ذلك أو تشعر بالخداع. بل كانت تراه طبيعيًّا.
فكل شخص يسعى لتسيير المواقف لصالحه بدرجاتٍ متفاوتة.
حتى ليلي نفسها كانت تُجامل أحيانًا لكسب رضا من هم أعلى منها رتبة.
لذا حين كان آيدن يصوغ ابتسامته أو نبرته بعناية، كانت تفكر ببساطة: “واو، إنه يبذل جهدًا كبيرًا.”
لكن الآن، لا ابتسامة مصطنعة، ولا صوت مموّه.
لقد كشف عن ضعفه الحقيقي، دون أي رتوش.
وذلك مسّ قلب ليلي بطريقة مختلفة تمامًا.
[ليلي.]
ابتلعت ريقها بصعوبة.
‘هل يدرك حتى كيف يبدو صوته الآن؟‘
ذلك الصوت الخافت، العميق، العالق بين الرجاء والرجفة…
كأنه يتوسل إليها، كأنها أهمّ ما في العالم…
كان مذهلًا أن كل هذا صدر من أعماقه.
لكن ما أنعش قلبها فعلًا، هو أن كِلا الشعورين كانا صادقَين تمامًا.
خادمة بسيطة… كانت أهمّ ما في حياة آيدن كاشيمير.
وبشيء من الزهو، ردّت ليلي بنبرة فيها وقار النبيلات.
“قد أكون خادمة وضيعة، لكنني أعرف كيف أفي بوعدي. لن أرحل أبدًا حتى أعيد سموّك سالمًا إلى القصر. اسألني عن قراري قدر ما شئت، وسأجيبك كل مرة.”
ابتسمت ليلي ابتسامة مشرقة، والتوت عيناها كالهلال.
“وسأجيبك في كل مرة.”
***
تصريح صادق، حملته ابتسامة نقيّة خالية من الزيف.
سرت في قلب آيدن كاشيمير سعادة لا يمكن وصفها — سعادة لم يكن هو نفسه قادرًا على فهمها بالكامل.
***
قادَت ليلي آيدن إلى داخل الغرفة مجددًا.
رحّبت بهما جوليا بأدب، ثم عادت إلى عملها.
وجلست ليلي عند النافذة وأخرجت الخاتم.
كانت الطاقة المشؤومة لا تزال تنبعث منه.
وعندما لمست التموجات المنبعثة بأصبعها، لم يكن الإحساس كملامسة الهواء… بل وكأنها تلمس شيئًا حيًّا.
‘أفهم أن التعويذة تمسك بروحٍ أوشكت على الزوال… فهل أستطيع سحبها؟ لو سحبتُها بالقوة وأدخلتها إلى جسد…’
حاولت ليلي الإمساك بالضباب الداكن وتمزيقه بعيدًا عن الخاتم.
لكن لم يحدث شيء.
كررت المحاولة، لكن النتيجة لم تتغيّر.
كان الخاتم واضح الأهمية، لكنها لم تكن تعرف كيف تستفيد منه.
تنهدت وأعادته إلى حافة النافذة.
ولأكون صادقة، لم أكن أرغب بلمسه كثيرًا على أية حال، بالنظر إلى مدى شؤمه.
‘لمَ يبدو هذا الشيء مظلمًا بهذا الشكل؟ هل كانت روح الإمبراطور دائمًا بهذا العفن؟ بل… أليست أكثر عتمة الآن مما كانت عليه أول مرة؟ أم أنها مجرد أوهام؟‘
حدّقت مطولًا في الخاتم، غارقة في تأملٍ لا طائل منه.
وفي النهاية، أخفت خاتم يوليوس في أحد أدراج المكتب، وقضت وقتها في تنظيف غرفة جوليا أو تصفّح ترجماتها.
وفي الظهيرة، طرق أحدهم الباب. كان وولفرام.
أشرق وجه ليلي فورًا، إذ كان لديها الكثير لتناقشه معه.
لكن قبل أن تفتح فمها للحديث عن تعويذة آيدن، رفع وولفرام راحته ليوقفها.
‘أوه، ها أنت تتصرف كالنبلاء الآن؟ حسنًا. لنرَ مدى أهمية ما عندك.’
سخرت ليلي في سرّها من تصرّفه المزعج.
“الإمبراطور يبحث عن تعويذة سموّ الدوق.”
“وهذا بالضبط ما كنت سأقوله!”
صاحت ليلي في ذهول، وهي تفتّش جيبها بحماس.
“أنا أملكها. أخذتُها هذا الصباح.”
فتحت كفّها، وحدّق وولفرام فيها بفمٍ شبه مفتوح.
“روح سموّه مرتبطة بهذا الخاتم. لا يمكنه الابتعاد عنه كثيرًا.
بفضله، يستطيع البقاء هنا الآن.”
“إذًا…”
تنهد وولفرام، وانحنى انحناءة خفيفة نحو الاتجاه الذي أشارت إليه ليلي، وقال.
“لقد قلب الإمبراطور المبنى الرئيسي رأسًا على عقب بحثًا عنه.”
“قلبه رأسًا على عقب؟“
كررت ليلي السؤال للتأكيد، فأومأ وولفرام.
“سترين بنفسك. كل شيء مقلوب — الأدراج، الصناديق، كل شيء.”
“لصّ في وضح النهار، وهو الإمبراطور؟ أشعر حقًا بالقلق على الإمبراطورية… لكن، أفهم أن الشيء مهم.”
“لديّ الكثير من الأسئلة لك.”
“مهلًا لحظة.”
وبنظرة صغيرة مشاكسة، أخرجت ليلي خاتم يوليوس من الدرج.
“هذا خاتم الإمبراطور يوليوس. روحه الحقيقية محبوسة هنا.
وهو على الأرجح لا يزال متخفيًا في هذا المسكن أيضًا.”
فتح وولفرام فمه وأغلقه مرات عدة، ثم قال.
“لنجلب الشاي أولًا، ثم نتحدث.”
***
دخلت ماري وهي تحمل صينية الشاي.
تلفّتت حول الغرفة باندهاش: العالمة مشغولة بالكتابة، والخادمة والبارون يجلسان في مواجهةٍ جادة.
وضعت الصينية بهدوء، وغادرت.
المفاجئ أن وولفرام هو من صبّ الشاي بنفسه.
أما ليلي، فقد أعادت الخاتم إلى جيبها، إذ لم ترغب في تركه مكشوفًا لوقت طويل.
“ها هو الخاتم—آه!”
“هل أنتِ بخير؟“
بينما كانت ليلي تُريه الخاتم وتتناول الكوب من وولفرام، اصطدمت يداهما، وانسكب الشاي على ذراع ليلي.
[ليلي، هل أنت بخير؟]
“ما الذي حدث؟“
ومع وجود هذا العدد من الأشخاص في الغرفة، أحدث الحادث البسيط ضجّةً غير متوقعة.
حاولت يد آيدن الشفافة التلمّس على ذراع ليلي، بينما تولّى وولفرام مسحها بمنديله بلطف.
“أنا بخير. لم يكن ساخنًا جدًا.”
[مع ذلك، عليكِ تبريده بالماء فورًا.]
“فكرة جيدة. آه، انتظر لحظة—سأغسلها بسرعة.”
وبلا تفكير، أمسكت ليلي بالخاتم ونهضت.
رفع وولفرام رأسه ونظر إليها بنظرة غريبة.
‘لماذا ينظر إليّ هكذا؟‘
استغربت من تعبيره، لكن لم تجد وقتًا للتفكير.
فجأة، فُتح الباب بقوة، فاصطدمت جبهتها به مباشرة.
“أوهه.”
“أوه لا، ليلي! آسفة جدًا! هل أنت بخير؟!”
كانت ماري، وقد عادت مسرعة مع صينية الضيافة التي نسيتْها، دون أن تطرق.
كانت نادمة فعلًا على ذلك — خطأ لا ترتكبه عادةً.
“أنا بخير. ادخلي.”
ثم خرجت ليلي من الغرفة، تفرك جبهتها وهي تنزل الدرجات.
[ليلي، عليكِ أن تكوني أكثر حذرًا.]
قالها آيدن بقلقٍ صادق.
[لقد تعثّرتِ سابقًا أيضًا، تذكّري؟]
أومأت ليلي.
بدت نصيحته منطقية الآن.
الوقوع، الحروق، الاصطدام بالأبواب — ثلاث حوادث في يومٍ واحد. لم تكن عادةً بهذا القدر من الخرق.
شيء ما كان خاطئًا بالتأكيد.
لم يكد هذا الخاطر يكتمل في ذهنها، حتى—
وعند الدرجة الخامسة من الأسفل، انزلقت قدمها.
لحسن الحظ، أمسكت بالحاجز وتجنّبت السقوط الكامل.
لكنها انكمشت جاثية على الأرض، تقطّبت ملامحها بامتعاض.
ما… ما الذي يحدث لي!؟
***
كان يوليوس شايفرتز مختبئًا في أعلى الدرج، يراقب الخادمة المسكينة الجاثية على الأرض.
وما إن رأى آيدن ينزل بجانبها، حتى استدار هاربًا على الفور، وكأنه يحاول طمس كل أثرٍ لذنبه — بعيدًا، بعيدًا جدًا.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب من بيلادونا، التي كانت تجلس ساكنة على السرير. وأمسك ذقنها بلمسةٍ خشنةٍ ورفع رأسها للأعلى. “كيف أجعلك تتحدّثين؟” “….” نظر إلى عينيها المرتجفتين، ركل لسانه وأرخى قبضته على ذقنها واستدار....مواصلة القراءة →
كيف ستجعل صوتي يخرج؟ “الشخص الذي أريد سماعه أكثر من غيره لا يفتح فمه.” “….” “لأن زوجتي تجلس دائمًا ساكنة.” تحرّك إسكاليون خطوةً ثقيلةً واقترب...
التعليقات لهذا الفصل " 28"