استمتعوا
في البداية، كانت ليلي أيضًا تعتقد أن إيدن والإمبراطور كانا صديقين مقربين منذ الطفولة.
ولم تكن وحدها من ظنّ ذلك، بل الجميع في الإمبراطورية كانوا يظنون الأمر ذاته. لقد انتشرت قصة الصداقة العميقة بين أعلى سلطتين في البلاد كأنها حكاية دافئة تُروى في كل مكان.
غير أن إيدن، بحسب ما قاله بنفسه،
وصف علاقته بالإمبراطور بأنها سطحية فقط.
تذكّرت ليلي ذلك اليوم حين أبلغها وولفرام بنتائج لقائه مع المخبر.
في ذلك الحين، أوصاهم المخبر بوضوح أن يتوخّوا الحذر من الإمبراطور وينسحبوا بحذر.
بدأت ليلي تربط بين ذلك وبعض الحقائق القليلة التي تعرفها.
لا بد أن مشعوذًا ما متورط فيما حدث مع إيدن.
قائد الطائفة، أحد القلائل القادرين على ممارسة سحر قويّ كهذا، كان قد سُجن في سجن تحت الأرض في القصر الإمبراطوري،
ثم أُعدم بعد حفل الوليمة الاحتفالي بفترة قصيرة.
يجب على أسرة الدوق توخي الحذر من الإمبراطور.
ومن الطبيعي أن تصل ليلي إلى استنتاج واحد.
‘هل استعان الإمبراطور بقائد الطائفة ليلعن الدوق؟ حينها، بعد أن لم يعد بحاجة إليه، تخلّص منه؟‘
لكن ما السبب الذي قد يدفع الإمبراطور لفعل أمر كهذا؟
حتى لو لم يكونا صديقين حقًا،
فإن إيدن كاشيمير كان أثمن من أن يُقتل.
لقد كان خادمًا وفيًا للإمبراطور.
ولم يتردّد أبدًا في خدمة السلطة الإمبراطورية،
وفعل كل ما طُلب منه.
‘حسنًا، الدافع ليس هو الأهم الآن.
الأهم هو غرض زيارة الإمبراطور.’
فإن لم تكن العلاقة بينهما صداقة حقيقية،
فلن تكون الزيارة بدافع القلق الصادق أيضًا.
ربما جاء الإمبراطور ليتحقّق من سبب عدم موت إيدن بعد؟
أو… ليُنهي المهمة بنفسه؟
امتلأ عقل ليلي بشكوكٍ مشؤومة.
وبعد أن أنهت أعمالها في المبنى الرئيسي،
جمعت أدوات التنظيف وتوجهت إلى غرفة التخزين.
ثم أغلقت الباب من الداخل.
وبرغم أنه لم يكن هناك أحد سواهما الآن،
فإن إيدن لم ينبس بكلمة.
لقد ظل صامتًا لوقت طويل. أو بشكل أدق، كان شارد الذهن منذ خروجهما من المطبخ. ومع ذلك، استطاع أن يتبعها، وهو أمر يُحسب له.
حتى بعد أن أنهت ليلي ترتيب الأدوات، بقي إيدن صامتًا. فمسحت يديها من الغبار ونادته.
“سموك.”
[…]
اقتربت ليلي منه أكثر ونادت بصوت أعلى.
“الدوق إيدن كاشيمير!”
[هاه؟ آه! ليلي.]
أفاق إيدن أخيرًا من شروده وتراجع بضع خطوات بتعثّر.
[هل ناديتِني؟]
دخلت ليلي في صلب الموضوع دون مقدمات.
“سمعتَ أن جلالة الإمبراطور سيأتي غدًا، أليس كذلك؟ لدي شعور سيّئ جدًا حيال هذا. لا أملك دليلًا، لكني أظن أنه هو الجاني.”
[همم.]
ردّه الفاتر، الذي لم يكن تأييدًا ولا نفيًا، زاد من قلق ليلي.
“حتى زيارته هذه مريبة. لقد مرّت أسابيع على انهيارك، ولم يأتِ لزيارتك سوى الآن؟ أليس هذا غريبًا؟ أظن أنه ينبغي عليك أن تختبئ في مكان ما، حتى الآن. أي عذر سيفي بالغرض—أوه! ماذا لو قلنا إن حالتك تتدهور عند مقابلة الغرباء؟“
ابتسم إيدن ابتسامة لطيفة.
[أولًا، شكرًا لقلقك علي.]
كانت بداية مقلقة للحديث.
[لكني أتمنى أن تتوقفي عن الشك بهذا الشكل.]
كان صوته حذرًا للغاية، وكأنه يحاول ألّا يجرح مشاعرها.
ومع ذلك، شعرت ليلي بارتباكٍ كبير. لم تكن تتوقع أن تُقابَل بالرفض، لا من وولفرام، بل من إيدن نفسه.
[مجرد الشك في أن الإمبراطور يتعاون مع الطائفة أمر خطير. فالشك يقود دومًا إلى الفعل. وإن أظهرتِ هذا الشك، حتى دون قصد، أمام جلالته غدًا، ستكون العواقب كارثية.]
كانت ليلي تتخيل نوع الكارثة التي يقصدها.
قد يُعدم أفراد عائلتها بالكامل وتُعلّق رؤوسهم على أسوار المدينة، أو ما هو أسوأ من ذلك، أن يتعرضوا لعذاب لا يحتمل حتى يكون الموت أمنية. وربما هناك جحيم آخر لا تستطيع حتى تخيّله.
فكل شيء كان يتوقف على مزاج الإمبراطور.
[وولفرام يعلم أيضًا بطبيعة علاقتي مع الإمبراطور. ومن الطبيعي أنه شاركك المخاوف ذاتها. لا يمكننا ردّ الإمبراطور بعد أن تكبّد عناء القدوم إلى هنا، لكن اطمئني، لقد أعدّ كل الترتيبات بدقة.]
كان كل ما قاله منطقيًا تمامًا. لم يكن هناك مجال للمجادلة. ومع ذلك، شعرت ليلي بخيبة أمل…
[أنتِ تقومين بالفعل بأهم عمل، وهو ما لا يستطيع أحد سواكِ القيام به. فلا تجلبي الخطر على نفسك دون داع. لقد وعدتِني ألّا تتركيني وحدي.]
طبعت ليلي شفتيها بصمت ولم تُجب. فأضاف إيدن بلطف.
[عديني أن تتصرفي كخادمة عادية لا تعرف شيئًا. عِديني ألا تحاولي البحث عن معلومات، أو التجسس عليه، أو التدخّل—من أجل سلامتك، وليس بسبب المرتبة أو المنصب.]
رفعت ليلي بصرها نحو إيدن بصمت.
لماذا كانت مجرد خادمة فقط؟
لو كانت رسولًا مباركًا من الحاكم، أو تملك القوة لتُسقط الفرسان وتقبض على الإمبراطور من عنقه، أما كانت ستتمكن من مساعدته أكثر؟
كانت تريد أن تساعده أكثر… لكن لم يكن بيدها شيء.
وربما لأنها أظهرت موافقة ضمنية بصمتها، أصبحت ابتسامة إيدن أخف قليلًا. ثم قال مازحًا.
[هل أنتِ قلقة عليّ لهذا الحد فعلًا؟]
بالطبع كانت قلقة، كيف لا تكون كذلك؟ حتى القطة الشاردة إن أُطعمت لنصف شهر، تتعلّق بمن أطعمها.
فما بالك بإنسان، يحرّك لسانه كما تحرّك القطة ذيلها.
فأجابته ليلي بوجه عابس قليلًا.
“طبعًا. من واجب الخادمة أن تهتم بصحة سيدها.”
لكنها أحست أن كلامها بدا وقحًا بعض الشيء، فسارعت لتُضيف، بابتسامة خادمة مثالية.
“لكن بما أنك أصررت، وبما أني أقدّر حياتي، فسأتصرف كخادمة عادية لا تعرف شيئًا. أعدك.”
[شكرًا لك.]
كان صوته مشبعًا بالارتياح.
نظرت ليلي إليه بنظرة مختلفة. لو أراد، لكان استخدمها بسهولة. وبما أنها تشفق عليه، لكانت وافقت دون تردد.
كان يمكنه أن يترجاها بصوت حزين لتتجسس على الإمبراطور، قائلًا إن قربها منه كخادمة يجعل الأمر سهلًا.
لكنه بنفسه رفض تلك الفرصة، لأنه يهتم حقًا بسلامتها.
وبرغم أنه حرّم عليها حتى التفكير بالأمر، فإن قلبها كان ممتزجًا بالمرارة والتأثّر معًا.
وعندما خرجا من غرفة التخزين واقتربا من الباب الجانبي، تكلّم إيدن بعد صمت طويل.
[بالمناسبة، ليلي.]
“نعم، سموك.”
[هذا ليس أمرًا يلزمك الإجابة عنه، لكن…]
‘ولِمَ تسأل إذًا؟‘ فكرت. لكنها انتظرته بصبر، لأن قلبها رقّ له.
[ليس بالأمر المهم، فقط… خطر لي هذا الفضول…]
تردد إيدن أكثر من أي وقت مضى. فأشارت له أن يتكلم.
“تفضل، سموك.”
[هل كان ذلك فقط لأنك خادمة؟]
كانت صياغته غريبة. والسياق لم يكن واضحًا. فلمّا لم تفهم ليلي مقصده، تنحنح وقال بوضوح أكثر.
[أعني… هل قلقتِ عليّ فقط بدافع واجبك كخادمة؟]
وقبل أن تتمكن من الرد، أردف سريعًا.
[أعلم أن السؤال غريب. وأجده غريبًا أيضًا. إن لم ترغبي بالإجابة، لا بأس. فقط… كان ذلك يشغل بالي.]
كان سؤالًا غريبًا بالفعل. لكن ليلي أجابت بصدق.
“بالطبع قلقتُ عليك لأنك سيدي. لست من النوع الوقح الذي يتجاهل مرض سيده أو خطرًا يتهدده ويهتم فقط براتبه.”
[ما كنت أقصده هو… لا بأس.]
هزّ إيدن رأسه.
[لقد أحسنتِ اليوم. أرجو أن تحصلي على قسط جيد من الراحة. وأتمنى أن أراكِ غدًا.]
“نعم، سأغادر الآن.”
***
أغلقت الخادمة، التي كانت بطيئة الفهم وباردة القلب، الباب الجانبي بإحكام دون أن تلتفت للخلف، ثم اختفت.
وقف إيدن متيبّسًا، وقد تجمد في مكانه بسبب موجة مفاجئة من الخجل.
لقد ندم بشدّة على طرحه لذلك السؤال الأخير. فالنظرة المترددة والمحرجة التي رمقته بها الخادمة ما زالت حاضرة في ذهنه بوضوح.
ومع ذلك، في تلك اللحظة، كان يائسًا لمعرفة الجواب.
في الواقع، كانت العلامات واضحة منذ ساعات بالفعل.
[ليس من الصعب أن يتجاهلني الجميع… لكن أن تتجاهليني أنتِ…]
وقد كان بفضل نعمة الحاكم وحده أنه استطاع أن يمنع نفسه من قول بقيّة الجملة.
فلو أنه أفصح عمّا في قلبه، وقال إن ما يؤلمه هو أن ليلي دينتا هي من تتجاهله… فماذا كان سيحدث؟
في اللحظة التي كان سيُدرك فيها سلوكه المُشين، كان سيهرب فورًا إلى أي مكان. وكان ذلك ليُحوّل كل توسلاته السابقة إليها بالبقاء إلى أضحوكة.
‘هذا ليس طبيعيًا.’
فكّر بجدية.
‘لا بد أنني فقدت صوابي لأن ليلي دينتا هي الوحيدة التي أستطيع الحديث معها. لقد انغمست كثيرًا في تمثيل الضعف والحزن، وصياغة كلمات مقنعة.’
وإلا، فلماذا كان لتجاهلها له أن يؤلمه إلى هذا الحد؟ كان يجب أن يشعر بالغضب من وقاحتها، لا بالحزن.
وإلا، فلماذا خاب أمله حين قالت إنها قلقت عليه فقط لأنها خادمة تؤدي واجبها؟
لم يكن بإمكان إيدن أن يتقبل أنه شعر بمثل تلك المشاعر التعلّقية، ولو للحظة. فهذه المشاعر كان ينبغي أن تبقى مجرّد تمثيل.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل " 18"