استمتعوا
أرادت ليلي أن تغادر القصر في تلك اللحظة،
لكنها لم تكن تعيش في رواية.
ما لم تكن تنوي الفرار في منتصف الليل بما ترتديه فقط،
فكانت بحاجة إلى جمع المال والتقدّم بطلب تصريح سفر.
وكان التصريح أمرًا بالغ الأهمية.
فلكي تغادر المدينة، كان عليها تقديمه للحرس عند البوابة.
وفي حال تم الإمساك بها وهي تحاول المغادرة بشكل غير قانوني، فالعقوبة الدنيا هي العمل القسري، والقصوى هي الإعدام الفوري.
بالنسبة لعجوز وشابة مثلهما،
لم يكن الهروب غير القانوني خيارًا مطروحًا أصلًا.
“هل تعرفين مزوِّرًا؟“
“وهل تعرفين أنتِ؟“
ساد الصمت بينهما.
لقد عاشتا حياتين بعيدتين كل البعد عن الجريمة.
تعرفان الكلمة من الروايات، طبعًا، لكن لا جوليا ولا ليلي كانت لديهما أدنى فكرة عن أي شارع يمكن البدء منه حتى في البحث.
سألت ليلي بتردد:
“هل تعتقدين أننا نستطيع الحصول على التصريح بطريقة آمنة؟“
“علينا أن نحاول.”
على عكس تصاريح الانتقال، التي تحتاج إلى موافقة اللورد،
فإن تصاريح السفر القصير يمكن أن تصدر من المكتب ما دام السجل نظيفًا.
أي—إذا تم تمرير ‘رشوة صغيرة‘ معهم.
“حسنًا. إذًا دعينا نجهز كل شيء اليوم،
ونغادر غدًا في الصباح الباكر.”
لتلخيص الأمر—لم يغادرا في صباح اليوم التالي أيضًا.
رغم أن جوليا باعت بعض الكتب القديمة مقابل نقود سريعة، وأبلغت السيدة براون بإخلاء الغرفة، بل وحجزت عربة مسبقًا.
لكن بالطبع، كانت المشكلة في التصريح.
“هل لم تتم الموافقة عليه بعد؟“
سألت ليلي الموظف، وهي تحمل حقيبة سفرها.
لقد انتظرتا في منطقة الجلوس لمدة خمس ساعات بالفعل.
وفي وقت الغداء، تم طردهما لمدة ساعة أيضًا.
ردّ الموظف بوجهٍ ملّ من تكرار الإجابة:
“هذه الأمور لا تتم هكذا ببساطة. إما أن تنتظري بصبر،
أو سأطلب منك المغادرة لعرقلة سير العمل.”
إذن، أعِد إلينا الرشوة التي أخذتها هذا الصباح!
لقد سلّمتا له، في الخفاء، ما يعادل نفقات ثلاثة أشهر من المعيشة لتسهيل الإجراءات—ومع ذلك، كان يعاملهما وكأنهما غبار تحت حذائه.
لكن، مع عدم امتلاكها لأي سلطة،
لم يكن أمام ليلي سوى كبت غضبها والعودة إلى جانب جوليا.
ما زالت لا تفهم. الطلب كان مثاليًا من كل النواحي.
زيارة إلى والديها في دريندل، سجل نظيف، جوليا دينتا مُدرجة كعاطلة عن العمل، وليلي كعاملة بسيطة.
بل وقدّمتا ‘شكرًا سخيًّا‘ أيضًا.
لم يكن هناك سبب لهذا التأخير.
“لننتظر قليلًا بعد“،
حاولت جوليا أن تواسيها، لكن أعصاب ليلي كانت قد استُنزفت.
لقد مضى وقتٌ طويل جدًا. وإن كانت كلمات أنجيلا صحيحة،
فقد كان من المفترض أن تعود بالأمس بعد الظهر.
ولا شك أن وولفرام قد سمع بذلك الآن.
هل يجب أن يتخليا عن التصريح ويبحثا عن حلٍّ آخر؟
لكن لم يخطر في بالها أي شيء.
هي مجرد خادمة تجيد التنظيف قليلًا—وليست خبيرة تنكّر أو ذات جسد خارق.
ولا تملك أي علاقة مع مجموعات إجرامية أو مرتزقة.
في تلك اللحظة، عمّ الضجيج المكتب،
وبدأ المدير وكل الموظفين يندفعون نحو المدخل.
شعرت ليلي أن هناك أمرًا غير عادي، فأرهفت سمعها.
“…البارون بيرنت، كيف هي حالتك؟…”
“لا شيء خطير—”
لقد ظهر وولفرام!
حبست ليلي أنفاسها.
ومع كل خطوةٍ يقترب،
كانت أصوات الأقدام والكلمات تتعالى أكثر فأكثر.
“أين الآنسة دينتا؟“
“إنها هناك.”
انكمشت ليلي في جلستها بطريقة محرجة،
وأخذت تتلفت حولها بحثًا عن مخرج.
“ليلي، ما بكِ؟“
“أوه، لا. ششش، ششش.”
وبينما كانت تُسكت جوليا، توقفت الأقدام.
ولم تستطع ليلي أن تلتفت في ذلك الاتجاه.
“الآنسة دينتا، ها أنتِ هنا.”
كان صوته مهذبًا إلى حدٍ مبالغ فيه، فأصابها بالقشعريرة.
رفعت رأسها وهي ترتجف من الخوف—ورأت وولفرام في حالة لم تتخيلها أبدًا.
وقبل أن تتمكن من تمالك نفسها، سألت:
“هل أنت بخير؟“
كان هناك ضماد ملفوف حول رأس وولفرام.
وكانت هناك بعض الخدوش على وجنته،
وضِمادة أخرى ظاهرة أسفل كمّه.
“لا شيء خطير.”
ثم التفت وولفرام نحو المدير الذي كان قد تبعه.
“شكرًا على إخباري. لن أنسى هذا الجميل.”
“شكرًا لك، سيدي.”
انحنى المدير وهو يبتسم ابتسامة مشرقة،
وربت برفق على كتف الموظف الذي بجانبه.
كان ذلك الرجل هو المسؤول عن تصريح ليلي.
وكان وجهه مفعمًا بالبهجة كما كان في الصباح.
عندها فقط أدركت ليلي—بغض النظر عن مدى انتظارها،
فإن التصريح لن يصدر أبدًا.
راقبت بصمتٍ مشوشٍ الرجال وهم يعودون إلى مقاعدهم ببساطة، يتبادلون الأحاديث وكأن شيئًا لم يحدث.
“هل أنتِ السيدة جوليا دينتا؟“
“نعم، أنا هي، ولكن…”
نهضت جوليا من مقعدها،
وترددت ليلي ثم وقفت أيضًا وقدّمت جدتها:
“جدتي، هذا هو البارون وولفرام بيرنت. إنه أحد المقرّبين من اللورد كاشيمير، ومشرفي المباشر.”
“تشرفنا بلقائك، بارون.”
حيّته جوليا بإيماءة رصينة ومهذبة.
“رجاءً، ارفعن رؤوسكن. لنتحدث عن كل شيء في العربة.”
صرخت ليلي بدهشة:
“جـ، جدتي لا داعي أن تتورط في هذا!”
“بل يجب أن تتورط.”
نظرت ليلي بين وولفرام وجوليا.
“تتورط؟ ماذا تعني… رهينة؟“
“هل سنخوض هذا النقاش هنا فعلًا؟“
طريقته في تفادي الإجابة جعلت الأمر واضحًا—لا بد أنه كان يخطط لأخذها كرهينة.
الأمر منطقي. إن كان قد فكّر في تمثيل حادث،
فبالطبع فكر أيضًا في احتجاز رهائن.
تقدّمت ليلي بسرعة ووقفت بينهما.
“لا حاجة إلى رهائن! سأعود بهدوء، فقط أرجوك لا تلمس جدتي!”
توجهت جميع الأنظار نحوهما.
قطّب وولفرام حاجبيه،
لكن ليلي ظلّت واقفة في مكانها بثبات، رافضة أن تتحرك.
ضغط بإصبعه على جبهته وهمس بصوت خافت لا يسمعه سواها:
“السيدة دينتا سترافقنا لتشغل وظيفة المترجمة. وقد تطوّعت لذلك. لذا توقفي عن هذا الهراء بشأن الرهائن.”
“وظيفة المترجمة؟ انتظر… لا تقُل لي إنها كانت المتقدّمة الوحيدة…”
خفضت ليلي صوتها لتوازيه، ثم شهقت فجأة:
“جدتي! لم تقولي لي شيئًا!”
“كنت أريد مفاجأتك في القصر. لكن بعد أن سمعت قصتك،
غيرت رأيي ولم أذكر الأمر. ظننت أنه موضوع لا داعي له.”
ازداد تجعّد جبين وولفرام.
“كنتِ تصرّين كل هذا الإصرار على السرّية،
والآن أخبرتها بكل شيء؟“
أجابت ليلي دون خجل:
“جـ،جدتي من العائلة. على كل حال، سمعتها بنفسك.
الموضوع لم يعد يعنيها، لذا أرجوك دعها تذهب.
إن لم تفعل، فلن أتحرك خطوة واحدة.”
بدأ وولفرام يعض شفته، كمن وجد نفسه في ورطة.
قبضتا يديه اشتدتا.
هل كان سيوجّه لها ضربة لأنها تحدّت نبيلًا؟
إن كان ذلك هو الثمن للمقاومة، فهي مستعدّة لدفعه.
‘لن أتراجع. هذه المرة، أنا من يحمي جدتي.’
شدّت ليلي فكّها واستعدّت لتلقي الضربة.
لكن بدلًا من أن يضربها، أسقط وولفرام ذراعيه بلا قوة.
بدا كمن استسلم تمامًا، وقال:
“حسنًا. فقط أنتِ إذًا. أرجوك، من أجل كل شيء، عودي إلى القصر ولو قبل ثانية واحدة فقط. حتى الآن، سموّه…”
رمشت ليلي بدهشة.
لم يتبقَ من نبرة الغرور أو الطبقية شيء.
وبالنظر إلى الضمادات وسلوكه اليائس الغريب،
فلا شك أن دوق كاشيمير كان يفتعل فوضى من جديد.
وبوضوح، هروبها هو السبب.
فقط تخيّلها له وهو يثور بسبب غيابها كان كفيلًا بأن يثير فيها مزيجًا من الخوف… والغثيان الغريب.
استجمعت نفسها وسألته مجددًا، لتتأكد فقط:
“حسنًا. إنه وعد.
سأثق بأنك لن تفعل شيئًا غريبًا بجدتي بعد رحيلي.”
أومأ وولفرام بجدية.
وكان وضع جسده، المائل نصفه باتجاه المخرج،
يدل على أنه لا يفكر إلا في إعادتها إلى القصر.
شعرت ليلي وكأن حملًا صغيرًا انزاح عن صدرها.
إن كانت قد ضمنت سلامة جوليا،
فالهروب لم يكن عديم الجدوى تمامًا.
التفتت نحو جوليا، التي ظلّت صامتة طوال الوقت.
“أنا آسفة، جدتي. انتهى الأمر بهذا الشكل. تسببت في فوضى كبيرة. لا أدري حتى إن كانت السيدة براون ستسمح لك باستعادة الغرفة.”
كان وجه جوليا جادًا، وكأنها تحسب شيئًا في ذهنها.
“إن كانت قد وجدت مستأجرًا جديدًا بالفعل،
فاكتبي لي. سأحاول حلّ الأمر بطريقة ما.”
لكن جوليا هزّت رأسها.
“سأذهب معكِ إلى القصر.”
“لكنكِ قلتِ إنكِ ألغيتِ طلب الترجمة!”
سألت ليلي بارتباك.
“ألن تعودي إلى القصر؟“
“بلى، سأعود.”
لم يكن هناك مفرّ.
الآن وقد أمسك بها وولفرام، لم يعد هناك طريق هروب.
وبصراحة، كان يعاملها بلينٍ نسبي.
ما دام عقد العمل لا يزال قائمًا،
فلم يكن من حقها الاعتراض حتى لو عوقبت على الفور.
لكن تلك مشكلتها هي، لا علاقة لجوليا بها.
وبكل صدق، بدأت ليلي تشعر بالأذى.
جوليا كانت قد رأت بعينيها كم حاولت إنقاذها.
كان من المفترض أن يعني ذلك شيئًا.
إن كانت تحترم تلك المحاولة، فلا يجب أن تفعل هذا.
“جدتي—”
قاطعتها جوليا بحزم:
“إن كان ذلك المكان خطيرًا حقًا، فلا يمكنني أن أدعكِ تذهبين وحدك. أنا وصيتك، وأنتِ حفيدتي الوحيدة. لقد اتخذت قراري، فلا تجبريني على تكراره.”
وعندما تتحدث جوليا بتلك النبرة،
لا أحد في العالم يستطيع تغيير رأيها.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل "12- في معظم الحكايات القديمة "