استمتعوا
“القصر الرئيسي؟ أتقصدين أن أُكلَّف بالقصر الرئيسي؟”
صرخت ليلي وقد بدت عليها علامات الذعر.
“هل تمزحين؟”
“أترينني من أولئك الذين يمزحون معك؟”
اعطتها كبيرة الخدم نظرة حادة كالسيف.
أحسَّت ليلي على الفور بالخطر، فسارعت إلى تغيير نبرتها.
“لا، لا أقصد ذلك…”
هزّت رأسها بعنف، فتأرجحت ضفائرها البسيطة خلف ظهرها.
كانت خصلات شعرها بنية فاتحة تميل إلى البرتقالي.
“لكن، كبيرة الخدم، أنت تعلمين جيداً، في القصر… أليس كذلك؟”
حتى وإن بدأت حديثها بمنتهى الحذر،
بدت على وجه كبيرة الخدم علامات الانزعاج.
“أتعلمين أين أنتِ حتى ترددي هذه الترهات؟”
كانت كبيرة الخدم قد خدمت طويلاً في قصر الدوق،
وتعتبر شرف من تخدمهم شرفًا شخصيًا لها.
لذا، أن تتطرقي أمامها إلى ذلك الحديث،
فليس من المستغرب أن تنهال عليك بالتوبيخ.
لكن ليلي لم يكن لها من الأمر بدّ،
بعد أن فُرض عليها العمل في القصر الرئيسي.
“ليست ترهات! الجميع يقولون إنهم مرّوا بتلك التجربة!”
“دينتا!”
ارتفع صوت كبيرة الخدم حدة.
“هل تحاولين الادعاء بأن في قصر كاشيمير النبيل هذا،
يسكنه… أشباح؟ هل هذا ما تودين قوله؟”
كادت ليلي تقول: “نعم، هذا بالضبط ما أردت قوله!”،
لكنها لم تكن تملك الشجاعة الكافية.
فاكتفت بالتمتمة: “لكن…”
تنهدت كبيرة الخدم، واضعة كفها على جبينها.
وليلي كانت بدورها تتوق إلى التنهد.
‘ماري أقسمت أنها رأت شيئًا! قالت إنها رأت شبحًا، حقًا رأته!’
كانت ماري صديقتها المقرّبة، تشاركتا ذات المستوى في العمل، وارتبطتا بعلاقة وطيدة نظرًا لتشابه اسميهما ومهامهما كخادمتين.
وقد تم نقل ماري، لسوء حظها،
إلى القصر الرئيسي قبل أيام، وما زالت تعمل هناك حتى الآن.
وما إن أنهت أول يوم عمل لها حتى قالت:
– فجأة… بانغ! انفتح الباب وحده.
لم يكن هناك أحد في الداخل، والنوافذ كانت مغلقة بالكامل،
لا نسمة هواء. فمن عساه أن يكون؟ إنه الشبح، لا غيره!
ليست ماري وحدها من سرد تلك الحكاية.
بل حتى الخادمة التي سبقتها تركت العمل بعد أن أصيبت بجروح بسبب نافذة تحطّمت فجأة دون سبب.
وكانت هناك أيضًا حوادث متكررة من سقوط الكتب من الرفوف، واهتزاز الكراسي من تلقاء نفسها.
أما ليلي دينتا،
فكانت تكره كل ما له علاقة بالعوالم الخارقة والظواهر الغريبة.
مجرد الاستماع لحكايات ماري كان كفيلاً بجعلها ترى الكوابيس.
جمعت كفّيها وقالت بتوسل:
“كبيرة الخدم، أرجوكِ. سأقوم بتنظيف الإسطبل إن أردتِ،
بل سأنظف كل دورات المياه في القصر وحدي.
أنت تعرفين أنني متميزة في التنظيف! فقط، أرجوكِ،
لا ترسليني إلى القصر الرئيسي. أرجوكِ!”
“صحيح، أنتِ متميزة في التنظيف.”
أشرق وجه ليلي، لكنه سرعان ما انطفأ عندما أكملت حديثها:
“لذا، ستتولين تنظيف القصر الرئيسي.”
“كبيرة الخدم!”
“كل ما عليكِ فعله هو التهوية من وقت لآخر ومسح الغبار.
هل هناك عمل أسهل من هذا؟ لماذا ترهقين نفسك بمهام شاقة؟”
‘لأن هناك شبحاً يظهر!’
رغم أنها لم تقلها بصوت مسموع،
فإن نظرتها الساخطة كانت كافية لإيصال الرسالة.
نظرت إليها كبيرة الخدم بتأنٍّ.
‘آه… هل تماديتُ في الجرأة؟’
شعرت ليلي بقشعريرة تسري في عنقها.
من البديهي ألا تُظهر قلة احترام تجاه كبيرة الخدم،
فهي من تتحكم بمصير جميع الخادمات.
وإغضابها لا يعود بالنفع على أحد.
‘لو كرّرت عرضها مرة واحدة فقط، سأوافق فورًا…’
ابتلعت ريقها.
“هاه…”
تنهدت كبيرة الخدم مطيلة النظر إلى السقف.
“ليلي دينتا.”
“نعم، كبيرة الخدم.”
“سأزيد أجرك بنسبة عشرين في المئة.”
ورفعت إصبعين.
“نظير هذا العمل المريح في التنظيف. وسأمنحكِ إجازة مدفوعة مرة شهريًا. ألم تقولي إن جدتكِ تسكن بالجوار؟ سيكون جيدًا أن تزوريها.”
رمشت عينا ليلي بسرعة.
“ما رأيكِ؟ أما زلتِ ترفضين؟ إن رفضتِ،
فسأضطر إلى البحث عن أخرى…”
“سأقوم به! تنظيف القصر الرئيسي… أنا أرغب حقًا بذلك!”
تحوّلت نبرتها في لمح البصر.
بالنسبة لخادمة في أدنى المراتب،
فإن دخلًا إضافيًا مغرٍ كهذا لا يُمكن رفضه.
بل إنها خيّلت لنفسها صوت العملات وهي تُدحرج في أذنيها.
“جيد. لا أريد أن أُثقل كاهلك طويلًا.
فقط حتى يفيق الدوق. بعد ذلك، سأعيدكِ إلى موقعكِ السابق.”
“نعم، كبيرة الخدم.”
حسنًا، لننظر للأمر بإيجابية.
فكما قالت كبيرة الخدم، ما عليها إلا القليل.
منذ أن دخل الدوق في غيبوبته قبل ثلاثة أسابيع،
لم يعد أحد يزور القصر. اقتصر فتح القصر الرئيسي على جزءٍ صغير، وذلك تحت إشراف كبيرة الخدم نفسها.
بمعنى آخر، هذا العمل فرصة ذهبية لا تُعوّض.
فقط عليها أن تتجاهل وجود الأشباح.
“آه، تذكّري شيئًا واحدًا.”
قالت أنجيلا وكأنها تذكّرت الآن.
“أنا لا أحب أن يُذكر اسم أسرة الدوق في أحاديث تافهة.”
بمجرد أن بدأت أنجيلا الحديث،
أدركت ليلي أنها يجب أن تلتزم بهذا الوعد التزامًا صارمًا.
“إن تحطمت الأشياء، فقولي إنها بحاجة إلى إصلاح.
وإن أُصبتِ، فاذهبي إلى الطبيب.
لا حاجة لإثارة القصص في وقت مرض الدوق. أتفهمين؟”
“نعم، نعم، بالطبع.”
“ولأنكِ، بحسب ما أعلم، لا تطيقين الاستماع لمثل هذه القصص أصلًا، فأنا أضع ثقتي بك.”
“نعم، كبيرة الخدم. سأحفظ كلامكِ جيدًا.”
أن تُكلَّف ببيت الأشباح فقط لأنها تكره الأشباح…! يا له من ظلم.
لوّحت أنجيلا بيديها مرتين، وهكذا انتهى الحديث.
خرجت ليلي من غرفة كبيرة الخدم، وتنفست الصعداء في الممر.
على أي حال، إنها فرصة. حتى بعد عشر سنوات من العمل،
لم يكن أجرها ليرتفع بهذه السرعة.
وحتى إن كانت الوظيفة مؤقتة، فإن المال المدخر سيمكنها من تناول الطعام خارجًا مع جدتها في رأس السنة، أو ربما شراء حذاء هدية لها.
‘صحيح، فقط أغمض عينيكِ وافعليها.
يمكنكِ ذلك! لستِ خائفة…!’
صلّت ليلي أن تكون شجاعتها أقوى من خوفها.
***
في اليوم التالي، بدأت ليلي عملها في القصر الرئيسي،
مجهّزة كل أدوات التنظيف من المخزن، وبدأت من الطابق الأرضي.
كان القصر من الداخل هادئًا جدًا.
ورغم شعورها بالقلق من ظهور شبح في أي لحظة،
فإن الهدوء المستمر طمأنها شيئًا فشيئًا.
ثم إن العمل كان سهلًا للغاية، حتى إنه لا يُصدّق.
لم يكن هناك حاجة لتجنّب رؤية النبلاء،
لذا تحرّكت بحريّة وأنهت الطابق الأول في وقت قياسي.
جمعت أدواتها وهي مبتسمة.
‘الأمر ليس سيئًا! ولم أرَ أي شبح!’
بدأ الأمل يكبر داخلها. يبدو أن أنجيلا كانت على حق.
كل تلك القصص عن الأشباح ما هي إلا أوهام.
القصر قديم، والأثاث يتداعى، فربط الناس ذلك بمرض الدوق، وبدأت القصص في الانتشار.
مفعمة بالأمل، صعدت ليلي إلى الطابق الثاني.
لكنها ما إن وصلت إلى الممر،
حتى توقفت فجأة واستدارت راجعة إلى الأسفل.
كان هناك شكل غير واقعي واقف عند النافذة.
‘إنه شبح!’
اتسعت عيناها حتى كادتا تخرجان من محجريهما.
‘لماذا؟ لماذا أنا بالذات؟ لم يقل أحد إنه رآه فعلًا بعينيه من قبل!’
رغم كثرة القصص، لم يكن هناك من رآه بالفعل.
ليلي أيضًا كانت تعتقد أن الأمر سيكون كذلك في حالتها.
لكن الوضع الآن مختلف. إذا كان الأمر يتعلق بخراب مفاجئ، فيمكنها تنظيفه، أما مواجهة شبح فعليًّا… فهذا أمر آخر تمامًا.
أخذت نفسًا عميقًا عدة مرات، وفركت عينيها بكفيها.
‘ربما كنت أتوهم؟ ربما ظننت أن أحد الأعمدة أو التماثيل شبح…’
ومع قليل من الأمل، ألقت نظرة خجولة.
لكن النتيجة لم تتغيّر.
كائن شفاف، بلا ألوان، يقف مطلًّا من النافذة.
أسرعت برأسها إلى الوراء.
‘يا إلهي! كنت أعلم أن هناك شبحًا!’
دوار شديد اجتاحها من شدة الرعب.
“صـ، صحيح… نسيت أن أنهي تنظيف الطابق الأول… يا لي من حمقاء…”
تمتمت لنفسها، ونزلت الدرج بسرعة وارتباك.
توجّهت إلى أبعد نقطة عن الدرج، وجلست عند إحدى النوافذ، وبدأت تلوّح بأداة التنظيف بينما تتذكّر المشهد الذي رأته للتو.
كان الشبح على هيئة رجل نبيل طويل القامة. لم تتمكن من رؤية ملامحه جيدًا، لكنها شعرت أنها مألوفة بشكل غريب.
وهذا ما بدا مستحيلًا.
لا يمكن لخادمة بسيطة أن تعتاد على ملامح نبيل.
لكن معرفة الشبح من عدمه لم تكن المشكلة.
ليلي كانت حائرة.
‘ماذا سأفعل بشأن الطابق الثاني؟’
كانت تودّ الفرار من القصر فورًا، لكنها لم تستطع ذلك.
أن تتراجع عن مهمتها في أول يوم،
هذا كفيل بأن تضعها كبيرة الخدم في القائمة السوداء.
فجأة، تذكّرت نصيحة جدتها.
– ليلي، في تلك اللحظات، تظاهري بأنك لا ترين شيئًا،
ولا تسمعين شيئًا، ولا تتحدثين إليه. تجاهليه وكأنه غير موجود.
تلك أفضل طريقة للتعامل معه.
كانت جدتها مهتمة كثيرًا بالقصص الخارقة،
وأستمرت على سردها لليلي يوميًا.
آنذاك، كانت تبكي من الخوف،
لكنها الآن رأت أن كل تلك القصص لم تكن عديمة الجدوى.
شكرت جدتها في قلبها، وبدأت تستعد لمواجهة الطابق الثاني.
“حسنًا… كأنني لا أرى شيئًا… لا أرى شيئًا…”
[لا ترين ماذا؟]
“آآآاه!”
أغمضت ليلي عينيها بقوة.
وتهاوت جالسة على الأرض من شدة الخوف.
سقطت أداة التنظيف من يدها.
[أنتِ… ترينني، أليس كذلك؟]
رنّ الصوت في رأسها كما لو كان قادمًا من أعماق بعيدة.
كان مختلفًا تمامًا عن الصوت البشري العادي،
وكأنه يحمل ذبذبات خارقة.
[أليس كذلك؟]
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
التعليقات لهذا الفصل "1- القصر المسكون و الخادمة "