“…”
عضضتُ على شفتي.
رؤية العدد الهائل من الحراس حولي أوضحت لي أن دانتي لم يثق بي إطلاقًا.
لقد كنتُ مغفلة.
ماذا كنتُ سأتوقع من دانتي؟
لماذا لم أفقد الأمل تمامًا؟
لو كان قد عاملني حقًا كإنسانٍ مُساوٍ …
… لما اضطررتُ للهرب من الأساس.
“وجود هذا العدد من الناس يراقبون شخصًا مثلي … إنه مُضيعة.”
“أليس كذلك؟”
هز دانتي كتفيه و أجاب بهدوء.
“سواءً كان ذلك مُضيعة أم لا، فأنا من يقرر ذلك يا عزيزتي”
كان صوته ناعمًا كالقطن ، لكن عينيه الحمراوين تنظران إليّ كانتا قاتمتين كالقطران.
“أليس من الأفضل إهدار القوى البشرية من عدم كفاية؟”
“… هذا …”
“إذا فقدتكِ مرة أخرى هذه المرة …”
ارتسمت ابتسامة بطيئة على شفتي دانتي.
كانت ابتسامة قاسية.
“… قد أُجنّ فعلاً”
“…..”
“أليس من الأسهل عليهم التعامل معي و أنا عاقل ، بدلاً من أن أفقد عقلي ، ألا تعتقدين ذلك؟”
مع لمحة من السخرية في صوته ، تصلب الحراس.
نظر إليهم دانتي.
“لقد حمّلتُكم هذا العدد من الناس ، لذا لن تدعوها تهرب مرة أخرى، أليس كذلك؟”
“سنبذل قصارى جهدنا!”
رفع الحراس ، المتوترون ، أصواتهم ردًا.
هز دانتي رأسه بخفة.
“ليس هذا هو السبب”
لمعت عيناه الحمراوان كالدم بنبرة تنذر بالسوء.
“لا يهمني إن بذلتم قصارى جهدكم أم لا. المهم أن تبقى هي بجانبي”
“…”
“…”
تجمد الحراس أكثر.
“إذن ، أحسنوا عملكم. فهمتك؟”
بعد أن ألقى عليهم نظرة سريعة ، أشار دانتي بعينيه نحو الباب.
“هل ندخل؟”
كلانك-
تحرك الحراس الواقفون عند المدخل في انسجام و فتحوا البوابة الحديدية.
شعرت بجفاف في فمي.
في اللحظة التي دخلتُ فيها …
ستذهب كل محاولاتي للهروب من المدرسة الداخلية سدى.
سأصبح دمية دانتي مرة أخرى.
‘ماذا كنت أفعل طوال هذا الوقت؟’
أُبقي رأسي منخفضًا.
أراقب خطواتي لتجنب إزعاجه.
أُلصق ابتسامة لطيفة على وجهي.
كنت حذرة في كل خطوة …
‘أنا أكرهه.’
دون أن أشعر ، تراجعتُ خطوة.
نظر إليّ دانتي.
“عزيزتي؟”
شعرتُ بالقصر الفخم أمامي و كأنه فم جحيم مفتوح.
لو دخلتُ ذلك المكان …
لن أخرج منه أبدًا.
“لا…”
“لا يمكنكِ.”
في الوقت نفسه ، أمسك دانتي بمعصمي برفق.
حاولتُ لا إراديًا تحرير معصمي من قبضته.
“لا…!”
في تلك اللحظة ، صدر أمرٌ بارد.
“أغلق البوابة”
رنين-!
أُغلِقَت البوابة الحديدية خلفي بقوةٍ مدويّة.
صوتٌ سمعته مراتٍ لا تُحصى من قبل.
… لكنه صوتٌ لم أُرد سماعه مرةً أخرى.
‘لا أستطيع التنفس.’
شعرتُ و كأن أحدهم يضغط على حلقي.
بدأ ذهني يتلاشى.
“عزيزتي؟ عزيزتي!”
حتى الصوت المُلحّ الذي ينادي بإسمي خفت.
فقد جسدي كل قواه.
و في تلك اللحظة-
أظلم كل شيء.
* * *
حدّق دانتي في إلـزي النائمة بوجهٍ مُتيبّس بشكلٍ مُرعب.
قبل لحظة-
ترددت كلمات الطبيب في أذنيه.
[أغمي عليها من فرط التوتر]
شرح الطبيب ، مُرتعبًا من هالة دانتي العنيفة ، و هو يرتجف.
[لا توجد مشكلة صحية كبيرة … مع قسطٍ كافٍ من الراحة ، ستعود إلى طبيعتها قريبًا]
[هل أنت متأكد من ذلك؟]
[بالطبع، لن أجرؤ على الكذب بشأن شيءٍ كهذا]
أطرق الطبيب برأسه على عجل.
[مع ذلك ، أعصابها حساسة للغاية. من المهم أن ترتاح و تتعافى براحة بال]
[… راحة بال]
فكّر دانتي في هذه الكلمات ، و هو يضغط على أسنانه ، قبل أن يُصرف الطبيب.
[اخرج.]
انصرف الطبيب مسرعًا كما لو كان ينتظر الأمر.
سحب دانتي كرسيًا إلى جانب السرير و جلس ، يحدق بهدوء في وجه إلـزي النائم.
كانت بشرتها الشاحبة ، التي فقدت كل لون ، أشبه بدمية شمعية.
“… اللعنة”
لعن دانتي في نفسه و هو يمد يده ليلمس جبينها.
شعرها المبلل بالعرق البارد ، كان يُرتَّب بأصابعه برفق.
لمسته ، كما لو كان يلمس أثمن شيء في العالم ، كانت ناعمة و رقيقة.
“عزيزتي”
مرر أصابعه على جبينها و انزلقت على خدها.
“لقد وعدتِ بأنّكِ ستحبيني أنا فقط”
امتلأت عيناه الحمراوان بالألم.
“أنا … لا أحتاج إلى أي شيء آخر”
“….”
“كل ما أحتاجه هو أنتِ. ألا يكفي هذا؟”
لكن إلـزي ، الغارقة في النوم ، لم تُجب.
دانتي ، عضّ شفتيه بقوة كافية لسحب الدم ، أمسك يدها بحرص.
أسند جبينه على يدها الهشة ، و أخفض رأسه.
كان الأمر كما لو كان مؤمنًا متدينًا يُقرّ بالحاكم.
* * *
شعرتُ و كأنني أغرق في بحرٍ عميق ، و جسدي كله ثقيل.
لكنني لم أُرِد أن أفتح عينيّ.
لو فتحتهما ، لو تأكدتُ من أنني محاصرة هنا حقًا …
شعرتُ و كأن أملي الأخير سيُسحَق.
“عزيزتي”
لكن الواقع كان لا يرحم.
سمعتُ صوته يُناديني ، فأغمضت عينيّ عمدًا.
ثم ، بصوتٍ خافت ، تكلم مجددًا.
“أعلم أنّكِ مستيقظة”
“….”
رفعتُ جفنيّ ببطء.
تحت الضوء الخافت المُحمرّ.
رأيتُ الغرفة الفخمة من حولي.
و كان يقف فيها رجلٌ ذو جمالٍ أخّاذ يتناسب تمامًا مع هذا المكان الفاخر ، ينظر إليّ بنظرةٍ كئيبة.
حاولتُ غريزيًا أن أجلس.
“لا أريد أن أكون في نفس مكان الماركيز.”
بينما وضعت قدميّ على الأرض ، ارتجفت ساقاي كغزال حديث الولادة.
لكن البقاء في نفس الغرفة مع دانتي كان لا يُطاق.
ترنحت نحو الباب.
ثم ،
“لا يمكنكِ”
رنّ صوته الخشن.
بانج-!
ضربت يدٌ الباب خلفي بقوة.
انحنى دانتي و همس في أذني.
“ممنوع عليكِ المغادرة”
كان صوته حادًا كما لو كان على وشك أن يقطع حلقي.
“إذا احتجتِ إلى أي شيء ، فقط قولي. سأحضر لكِ ما تريدين.”
“… اتركني”
حاولتُ فتح الباب ، لكنه لم يُفتح.
“أتقول انكَ ستعطيني كل ما أحتاجه؟”
بعد هز مقبض الباب قليلاً ، حدّقتُ في دانتي بحدة.
“ما أحتاجه الآن هو مساحة لا وجود فيها للماركيز”
رنّت ضحكة خفيفة في أذني.
“لديكِ معايير عالية ، أليس كذلك؟”
“ماركيز.”
“يبدو أنكِ دائمًا تريدين الشيء الوحيد الذي لا أستطيع تقديمه لكِ …”
توقف قليلًا قبل أن يتابع بصوت مكتوم.
“لكن مهما كان ، هذا مستحيل”
“و ماذا يعني هذا أصلًا …!”
رفعتُ صوتي غريزيًا.
لكن دانتي ظلّ ثابتًا.
“مهما أحببتكِ ، بعض الأشياء لا يمكنني فعلها”
نظرتُ إليه ، في حيرة.
لقد حاصرني ، بين ذراعيه ، عاجزةً عن الحركة.
انزلقت نظراته ببطء على وجهي.
“لن يُسمح لأحد آخر بالاقتراب منكِ”
“ماركيز …”
“أنا وحدي من يستطيع أن يكون بجانبكِ”
كانت كلمات دانتي الأخيرة.
“أنا وحدي”
“…..”
شعرتُ و كأنني تلقيتُ صفعة ، و ذهني أصبح فارغًا.
هل كان يأمرني أن أقضي بقية حياتي أنظر إليه فقط؟
أنني لن أستطيع الذهاب إلى أي مكان دون إذنه؟
أنني لن أهرب أبدًا من ناظريه؟
حياة كدميته … مرة أخرى؟
“لا …”
سقطت دمعة من عيني.
عندها فقط أدركتُ أنني أبكي.
بصوتٍ مكتوم ، انهرتُ على الأرض.
تصاعدت شهقةٌ مكتومة من أعماقي.
“لا، لا أستطيع … لا أريد ذلك”
انهمرت الدموع على وجهي.
متى كانت آخر مرة بكيت فيها هكذا؟
ربما كان ذلك اليوم الذي هربتُ فيه بعد أن دمّرتُ المدرسة الداخلية جزئيًا.
مرّت ثلاث سنوات فقط …
لكنّ المعنى الكامن وراء هذه الدموع مختلف تمامًا.
“….”
لم يستطع دانتي إخفاء الألم في تعابير وجهه و هو يمد يده إليّ بحذر.
حدّقتُ فيه بعينين مليئتين بالغضب.
“لا تلمسني!”
“لا يمكنكِ البقاء جالسةً على الأرض”
رفعني دانتي دون عناء.
“اتركني! اتركني!”
كافحتُ لتحرير نفسي من قبضته ، لكن دون جدوى.
لم أكن قد تعافيتُ تمامًا من الإغماء ، وكان جسدي ضعيفًا.
الدموع التي ذرفتها استنزفت كل طاقتي.
وضعني دانتي بحرص على السرير ، و تضاربت تعابير وجهه و هو يحدّق بي.
“سأتصل بالطبيب”
نهض بعد أن قال ذلك.
أغمضت عينيّ بإحكام.
شعرتُ و كأن رأسي يعجّ بمئات ، بل آلاف الحشرات.
… شعرتُ و كأنني سأُصاب بالجنون.
التعليقات لهذا الفصل "102"
🙁🙁🙁🙁🙁🙁 قاعدة ابكي معها. وربي حزنت عليها