استمتعوا
“…ماذا؟”
“أعيدي… ما الذي تفوّهتَ به؟”
“لقد أجريتُ اختبارَ الموهوبين. بالفعل.”
“!!”
نزلت هانا عن الكرسي، واستخرجت من حقيبتها ورقة اختبار ويكسلر، وهو الاختبار المعتمد لتحديد النبوغ، ودفعتها نحو الرجلين.
لقد رأت أنَّ تقديم برهان كهذا أمر لا بد منه لكي يُصغيا إليها، وكان اختبارًا استحصلته سرًّا بطلب من المربية أوريونغ.
وبطبيعة الحال، كانت النتيجة ضمن أعلى 0.1%.
فمهما يكن أمري، فحتى لو لم أكن عبقرية من قبل، فلا ريب أنني سأكون كذلك على مستوى طفلة في السابعة من عمرها!
“أعـ…أعلى 0.1%؟”
“…أحقيقةٌ ما تقولين؟”
كاد الفم يتَّسع لرئيس مجلس الإدارة هونغ حتى يسقط فكُّه من الدهشة، بينما انتزع هونغ إيدو ورقة الاختبار.
“لقد تحققتُ من الأمر، ويبدو أنَّ معاهد رعاية الموهوبين الرسمية لا تقبل الطلبات إلا من المرحلة الابتدائية، أما المعاهد الخاصة فيبدو أنه يمكنني التقديم إليها. أريد أن أذهب لأخضع للاختبارات الشاملة، وإن كنتُ مؤهلة للالتحاق بها، فأرغب في الانتقال إليها.”
“!!!”
تبادل الرجلان النظرات، وكأنَّهما يتساءلان إن كان ما خرج للتو من فم هانا محض حقيقة.
“…مهلًا.”
رفع رئيس مجلس الإدارة يدًا واحدة، وتنفَّس بعمق.
“ومن أين استسقيتِ كل هذه المعلومات؟”
“أرى أنَّ جميع صديقاتي من حولي يستعددن لذلك؛ لقد أجرين الاختبارات بالفعل منذ زمن، باستثنائي.”
“باستثنائكِ… كلهن خضَعْنَ له؟”
لكنَّ المفاجأة التي صعقت هونغ إيدو لم تكن في احتمال كون هانا موهوبة.
لِمَ ينصرف تركيزه إلى تلك النقطة؟!
“أجل! ولذا خضعتُ له أنا أيضًا. وقد فعلتُ ذلك في صمت بمفردي خشية أن أخيب ظن أبي وجدي.”
“…”
كتم الرجلان أنفاسهما لبرهة.
كانت عينا رئيس مجلس الإدارة تتلألأ بترقُّب، أما عينا هونغ إيدو… فلا يمكن قراءة ما فيهما.
لا أدري على الإطلاق ما الذي يختلج في صدره.
“سأستعلم عن الأمر بنفسي.”
قال رئيس مجلس الإدارة بوجهٍ قد أشرق فجأة.
“وما حاجتكِ إلى الذهاب إلى معهد الموهوبين؟ سنُنشئ معهدًا للموهوبين في المنزل! أجل! هاها!”
لم أكن أتصور أنه سيُسرُّ إلى هذا الحد.
“هاها! لم أسمع يومًا في أيٍّ من اجتماعات الغولف أنَّ أحدًا من أحفادهم يرتاد معهدًا للموهوبين، وسأكون أنا أول من يتحدث عن ذلك! طوال الفترة الماضية لم أسمع سوى عبارات الشفقة على حفيدتي المارقة، ولم أسمع قطُّ كلمة تهنئة على حفيدتي الموهوبة. هاها! سلالة عائلة هونغ لا تضيع أبدًا!”
هل فرحته كانت نابعة من رغبته في التفاخر وحسب؟!
حسنًا، على أي حال، الأمور تسير بسهولة أكثر مما توقعت–
“لا.”
– لم تسرّ كما توقعت.
تبًّا لـ هونغ إيدو.
“كيف لا؟ ولِمَ؟” سألت هانا محاولة أن تمنع نفسها من أن تشدَّ على أسنانها.
“لا تفعلي شيئًا يلفت الأنظار.”
“!”
“عِيشي حياةً هادئةً عادية.”
ما هذا القول الذي لا يُعقل؟ لم تستطع هانا إخفاء دهشتها.
أن أعيش بهدوء؟ وألا ألفت الأنظار؟!
“يا بنيّ.”
حاول رئيس مجلس الإدارة أن يتدخل وقد ضاق صدره، لكنَّ إيدو كان حاسمًا.
“هانا هي ابنتي. وأنا من يقرر كيف ستنشأ، أيها الرئيس.”
“كلا. صحيح أنني ابنتك، ولكن…”
“…”
لكنَّ إصراري لا يقلُّ عن إصرارك.
شدت هانا قبضتيها وتحدثت.
“قبل ذلك، حياتي هي ملكي أنا. ليست ملكًا لك يا ابي!”
“!”
أكان لمعة ألمٍ موجعٍ في عيني هونغ إيدو للحظة؟
لعلها كانت وهمًا؟
استجمعت هانا قواها.
“أعلم أنك لا تكترث بي كثيرًا. ولكن أليس أقل الواجب عليك أن تدعني أفعل ما أريد؟ هل الأمر هكذا. لا أريد أن أهتم بكِ، لكن لا أريد أن تعيشي وفق ما يمليه عليكِ قلبك، يا ابي؟”
يريد السيطرة، ولا يريد أن يمنح الحنان؟ أيّ أبٍّ مُتعجرف هذا؟!
“لا أكترث… بكِ؟”
“أنت لا تُطيق رؤية وجهي، ولا تُحب التواجد معي في المكان نفسه. ودائمًا ما تتجاهلني وحسب.”
“يا هانا، هذا…”
همَّ رئيس مجلس الإدارة أن يتفوَّه بشيء، لكن هونغ إيدو هزَّ رأسه ناظرًا إليه.
“لا أرفض أن تعيشي وفق ما تريدين. ولكن–”
توقف هونغ إيدو عن الكلام، وعضَّ شفته لبرهة.
ولكن ماذا؟
“اصعدي إلى غرفتكِ. تصرَّفي كما يليق بطفلة صغيرة.”
“ماذا؟”
“لن يجعلكِ تقليدُ الكبارِ كبيرةً، يا هونغ هانا. اصغي إلى كلام الكبار. اصعدي إلى غرفتكِ في الحال.”
يا للإهانة والقذارة! حقًّا لا يمكنني العيش هكذا.
ألا يريد أن يشرح لي؟ هل يعتقد أنَّ الطفل لا يملك الحق في الكلام؟
أنت الأسوأ، يا هونغ إيدو.
***
وهكذا، بعد أن صعدت هانا إلى غرفتها وهي تتأجَّج غضبًا، لم يبق في غرفة الطعام سوى الرجلين.
“لِمَ هذا التعقيد في الأمور وهذه الصعوبة التي تُنشئها؟”
“…”
“هذه أول مرة منذ وُلدت هانا تُظهر فيها مثل هذا النجاح، فما الذي يثير استياءك إلى هذا الحد؟”
كان رئيس مجلس الإدارة بدوره مستاءً.
ففي الحقيقة، كانت تصرفات هانا السابقة لا تبعث إلا على التنهُّد.
وعلى الرغم من أنه حاول أن يعزو الأمر إلى صِغَرِ سنِّها (سبع سنوات)، إلا أن هانا كانت مصدرًا للمشاكل في كل مكان.
وكأنما بالأمس القريب كانت معلمة الحضانة تتصل به بسبب مضايقتها المستمرة للأطفال الآخرين ونقرهم.
بعد أن رحلت والدتها، عانت كثيرًا وتاهت، لكنها فجأة نضجت وأصبحت مهذبة وذكية، فكان ذلك مدعاة للسرور.
لقد شعر بالفخر الشديد عندما أخبره معلمو الحضانة بأن هانا قد نضجت كثيرًا، وأصبحت تتفاهم بشكل جيد مع الأطفال الآخرين، بل إنها تُظهر أحيانًا تصرفات بالغة النضج تفاجئهم.
“لِمَ تنعزل وتغضب بمفردك وتُثير غضب الطفلة مجددًا؟ ألا تعلم أنَّ الطفلة لم تُقدِم على إجراء الاختبار بمفردها إلا بعد أن عزمت أمرها؟”
“أعلم.”
“ألا تعلم أنَّ الناس يتحدثون عن نضجها وتصرفاتها التي تشبه الكبار هذه الأيام؟”
“…هل هذا يسرك، أيها الرئيس؟”
مع سماعه لكلام إيدو، استهزأ رئيس مجلس الإدارة ساخرًا.
“بالطبع يسرني! أخيرًا استعادت حفيدتي الشاردة صوابها، وبدأت تتصرف بوقار يليق بدم عائلتنا. ما الذي قد يزعجني في ذلك؟”
“…”
أطلق إيدو تنهيدة طويلة، وكأنه يكره حتى أن يجيب على كلام رئيس مجلس الإدارة.
لكنَّ رئيس مجلس الإدارة لم يعر اهتمامًا وواصل حديثه.
“أيُّ عائلة أخرى لرحَّبت بالأمر ترحيبًا عظيمًا. فإذا كان الابن عاديًا، صفَّق الوالدان وسجدوا للأجداد شكرًا، فما بالك به وهو يتمتع بذكاءٍ خارق؟ هذا أمرٌ لا يتأتَّى حتى لمن جمعوا الأفضال لثلاثة أجيال، فلمَ تدفعه بقدمك؟”
نظر رئيس مجلس الإدارة إلى هونغ إيدو بوجه يفيض غضبًا.
كان هذا الشاب، ابنه، صعب الفهم حقًا.
كان مطيعًا وهادئًا قبل زواجه، ولكنه تغيَّر كثيرًا بعد الزواج.
إنه لا يصغي إلى الكلام أبدًا.
“وهل الذكاء المفرط أمرٌ جيد؟”
“ماذا؟ بالطبع هو كذلك! هل هذا سؤال يُسأل؟–”
“أتعلم، أيها الرئيس، أنني قضيتُ طفولتي بأكملها في معهد الموهوبين؟”
“!”
في الحقيقة، هو لم يكن يعلم على الإطلاق.
عندما كان هونغ إيدو طفلًا، كان رئيس مجلس الإدارة مشغولًا بالصراع ليحتل مقعد الرئاسة متفوقًا على إخوته.
وعندما كبر هونغ إيدو، نجح في تسلُّق سلم الرئاسة، ولكنه كان مشغولًا بإعادة الشركة غير المستقرة إلى مسارها الصحيح، ولذا لم يكن يولي المنزل أيَّ اهتمام.
وهكذا، انتقلت مسؤولية تعليم هونغ إيدو إلى والدته، السيدة جونغ.
وبما أن السيدة جونغ كانت صارمة وقوية مثله، فقد وثق بها أنها ستُدير الأمر على أكمل وجه.
“الذهاب إلى هناك قد يساعد في تنمية الذكاء والتحصيل الأكاديمي. لكنه لا يُفيد مطلقًا في تنمية المهارات الاجتماعية والعلاقات الإنسانية.”
“…”
“الأفضل لسعادة الطفلة أن ترتاد حضانة عادية، ومدرسة عادية، ودروسًا عادية. لن تُساعد هذه الأماكن على استقرارها العاطفي بأي شكل من الأشكال. لا تحتاج هانا أبدًا لأن تُعاني من الشعور بأنها يجب أن تتفوق على صديقاتها لكي تتمكن من البقاء!”
“…هونغ إيدو.”
نظر رئيس مجلس الإدارة إلى إيدو، الذي قفز من مقعده بوجه يشوبه الارتباك.
“هل يسرك أن تكون الطفلة ناضجة؟ هل يسرك أن تكون وقورة وعاقلة؟ هذه صفات يحسُن أن تسمعها الطفلة وهي في سن العاشرة أو الخامسة عشرة. هانا بالكاد تبلغ السابعة من عمرها. ألا تعتقد أن المشكلة تكمن في أن طفلة في السابعة قد نضجت بمفردها على هذا النحو؟”
“!”
اهتزت نظرة رئيس مجلس الإدارة.
—يتبع.
( (
(„• ֊ •„) ♡
━━━━━━O━O━━━━━━
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 18"