1
إمبراطورية كايانو، الواقعة بين إيطاليا وفرنسا.
كانَ الحقل يمتدّ بلا نهاية بعيدًا عن مدى الرؤية. على طريق ضيّقٍ كجدول ماء صغير، اختفت عربة صغيرة بالكاد تتسع لشخصٍ واحد وهي تتحرّك بصوتٍ خافت.
كانَ هذا الطّريق الوحيد الذي يربط هذا المكان بالعالم، وتلكَ العربة الوحيدة، لذا كانت دائمًا تُشاهد بعيون مليئة بالحزن والأسى.
لكن اليوم كانَ الوضع مختلفًا.
قبل أنْ تختفي العربة تمامًا من الأفق، أمسكت فيرينا بطرفِ تنّورتها و بدأت تركض بفرح لا يمكن كبحه. لم يكن هناكَ يوم في حياتها أسعد من هذا اليوم، ولن يكون هناكَ مثله في المستقبل.
وُلد جيمي قبلَ أوانه فِي بيئة قاسية، و بدأ يعاني من المرض منذ لحظة ولادته. بسبب الفقر، لم يتمكّن من تلقي العلاج المناسب أو تناول طعام مغذٍّ، فأصبح أضعفَ مع مرور الوقت.
لكن بعد عام واحد من عودتهما إلى هنا، شُفي من مرضه. قالَ الطبيب إنّ هذه الزّيارة كانت الأخيرة.
بعد أن ودّعت الطبيب، ركضت فيرينا إلى داخل المنزل و صاحت نحو الطّابق العلويّ:
“جيمي، جيمي، هيا نأكل الكعك!”
اقتربَ جيمي، البالغ من العمر خمس سنوات، مترددًا من سريره، و هو يرى أمّه مختلفة عن المعتاد.
“أمي، هل لَدينا كعك فِي المنزل؟”
“ليس الآن، لكن أمّك ستصنع واحدًا.”
“هل هو عيد ميلاد أَحد؟”
“لا، لكن هَذا اليوم أسعدُ من عيد الميلاد. حتّى لو جمعنا عيد الفصح و عيد الشكر و عيد الميلاد، لن يكون أسعد من هذا اليوم.”
ركعتٍ فيرينا على الأرض الخشبيّة لتتساوى مع طول ابنها، و عانقت ابنها الصغير النّحيف. شعرت بدفء جسده الصّغير الناعم في حضنها، فاحترقت عيناها بالدموع.
كانَ قلبها يعتصر فرحًا و ألمًا، كما لو أنّها ابتلعت كرة نار. كانَ هذا الألم نابعًا من سنوات من الحزن واليأس وهي ترعى ابنها المريض.
كلّما سمعتهما كلمة “لا أمل”، كانَ قلبها ينهار. لكن الآن، أصبحَ ذلك الألم جزءًا من الماضي. لقد شُفي ابنها، و لن تسمعَ كلمة “لا أمل” مجدّدًا.
وضع جيمي وجهه الصّغير على كتف فيرينا المرتجفة وهو يرتعش.
“ماذا بكِ، أمي؟”
“جيمي، لقد شفيتَ تمامًا. قال الطّبيب ذلك. لن تحتاج إلى الأدوية بعد الآن، ولا إلى العلاجات المؤلمة. آه، جيمي، جيمي.”
فكّرَ جيمي للحظة ثم سأل
“إذن، هل يمكننا الخروج؟ هل يمكننا ركوب العربة مثل الطّبيب والذهاب إلى المدينة؟ هل يمكنني الذّهاب إلى المدرسة واللعب مع الأصدقاء؟”
“نعم، يمكنكَ فعل كلّ ذلك.”
عندما أدركَ جيمي أخيرًا معنى شفائه، انزلق من حضن فيرينا و زحف تحتَ السرير، ثم عاد حاملًا علبة كعك صغيرة قديمة، أكبر قليلاً من يده الصغيرة.
“أمي، انظري إلى هذا. يمكننا شراء عربة و حصان بهذا!”
نظرت فيرينا إلى العلبة المعدنيّة التي جلبها ابنها و.ضحكت. كانت تحتوي على كرة زجاجية ملونة، و عدّة أزرار، وقطعة كريستال سقطت من زينة شعر، و مشط عاجي مكسور ومفقود الأسنان. شعرت بقلبها يدغدغها.
كانَ الطفل، كغراب صغير، قد جمعَ أجمل وأفضل الأشياء التي وجدها في هذا المكان الضّيق، على أمل أن يتمكّن يومًا من الطيران إلى العالم الخارجي.
لم تُكنْ هي تظهر ذلك له، لكنّه عرفَ غريزيًا أنّه وأمّه محبوسان في مكان لا يريدان البقاء فيه. شعرت وكأنّ خنجرًا حادًا و ساخنًا يمزّق قلبها.
ابتلعت فيرينا ريقها مرّتين لتتمكّن من التحدّث بنبرة هادئة:
“نعم، هذا يكفي لشراء عربة. سنذهب إلى المدرسة و المدينة، إلى أيّ مكان!”
لكن، من أجل الهروب دونَ أن تلاحظ اسيليا، يجب تأخير هذا الفرح.
لقد أدركَ الطّبيب الذي عالجَ جيمي أنّ وضع فيرينا غريب.
كانَ يخبر أسيليا في كلّ زيارة أنّ العلاج يستغرق وقتًا أطول مما هو متوقّع، لكنّ جيمي كان يتعافى ببطء.
لذلك، اعتقدت فيرينا أنّ الطبيب لن يخبر اسيليا بشفاء جيمي على الفور.
وكما توقّعت، ألمح الطبيب، بنظرة فيرينا المليئة بالرجاء، أنّه لن يكشفَ عن شفاء جيمي حتّى زيارته القادمة يوم الأربعاء. هذا يكفي.
نظرت فيرينا في عيني جيمي المحببتين وهي تخطّط للهروب هذه اللّيلة تحت جنح الظلام من هذا البيت الريفي القديم.
“جيمي، يجب أن تتظاهر بأنّك لا تزال مريضًا أمام السيدة ماغي. هل يمكنكَ فعل ذلك؟”
“نعم.”
أومأ جيمي برأسهِ الصّغير بذكاء.
منذ ولادته، بل منذ كانَ في رحمها، عانى جيمي من الألم. كلّ ذلكَ بسببِ جوليان.
بعد وفاة والدتها و إعادة زواج والدها، عاشت فيرينا أيامًا كئيبة، فاعتقدت أنّ حبّ جوليان، صديق طفولتها الفقير، هو حبل النّجاة الذي أُلقي إليها.
لكنّها لم تتخيّل أبدًا، عندما تخلّت عن حياة الرفاهية كابنة كونت و هربت مع جوليان، أنّها ستواجه مثل هذا اليوم.
تغيّر جوليان لحظةَ صعودهما على السفينة المتّجهة إلى شبه جزيرة كريون. تحوّلَ من زوجٍ لطيف و موثوق إلى رجل خسيس و شرير، يجرّها إلى معاناة لم تكن تتخيّلها.
تدهورت الحياة في شبه جزيرة كريون أكثر فأكثر. حتّى جيمي، ابنه الشرعي، كانَ يعامله كورقة لعب يستخدمها فقط عندما تكون مفيدة.
تحمّلت فيرينا كلّ شيء من أجل جيمي المريض، لكنّ يومًا جاء لم تستطع تحمّله. عندما أخذ جوليان أموال علاج جيمي التي جمعاها بصعوبة و ذهبَ للمقامرة، حملت فيرينا جيمي و غادرت شبه جزيرة كريون.
عندما عادت إلى إمبراطورية كايانو، طلبتٍ المساعدة من أختها غير الشقيقة أسيليا، التي سَمحت لها بالعيشِ في هذا البيت الريفيّ القديم.
قالت اسيليا إنّ عليها البقاء هنا لتفادي مطاردة جوليان و استعادة صحّة جيمي.
كانتْ فيرينا بحاجةٍ إلى مساعدة أسيليا لعلاج ابنها، فعاشت عامًا في هذا المنزل تحت مراقبة زوجين من الخدم.
في البداية، لم تفكّر بالمغادرة بسببِ حالة جيمي السيئة.
عندما طلبت في يوم مشمس زيارة المدينة القريبة، رفضت أسيليا بشدّة
“أختي، جوليان ينتظركِ بعيون حمراء. إذا رآكِ، قد يأخذ جيمي. هل ستخرجين رغم ذلك؟ ألن يَضيع كلّ ما قدّمته لكِ؟ أليست استعادة صحّة جيمي هي الأهم؟ لماذا تحاولينَ الخروج دائمًا؟ إذا استمر الأمر هكذا، لن أستطيعَ مساعدتكِ أكثر.”
كانت أسيليا محقّة. جوليان، زوج فيرينا، يملكُ كلّ الحقوق على جيمي، و حتّى فيرينا لا تستطيع الهروب منه دونَ مساعدة أحد. هكذا كانت القوانين والتقاليد.
في عصر لا تُحترم و تُحمى فيه سوى قلّة من النبيلات، كانت فيرينا، التي تحوّلت من ابنة كونت إلى فقيرة، تعرف جيدًا قسوةَ الواقع.
رأت اسيليا خوف فيرينا، فطبطبت على كتفها بيدها الجميلة التي تزيّنها خاتم مرصّع بالجواهر.
كانتْ تبتسمُ بزاوية فمها، لكن عينيها الجافتين كانتا تخفيان سرًا مظلمًا.
تزوّجت أسيليا من ديزير ، خطيب فيرينا السابق، وعاشت حياة سعيدةً لسنوات.
كانت والدة أسيليا، التي تزوّجت من والد فيرينا، الكونت فيلين، من عامّة الشعب، و كذلك أسيليا. لكن بعد هروب فيرينا، ادّعى الكونت أنّ اسيليا ابنته غير الشرعيّة، و منحها لقب ابنة كونت، فتزوّجت من ديزير بدلاً من فيرينا.
شعرت فيرينا أنّ أسيليا لا تريدها أن تظهر أمام ديزير مجدّدًا، رغمَ أنّ ذلكَ لم يكن ضروريًا.
لم يكن بينها و بين ديزير سوى زواج مرتّب فرضه والدها، ولم يلتقيا وجهًا لوجه أبدًا. حتّى لو التقيا الآن، لم يكن هناكَ ما تخشاه أسيليا.
“حتّى لو كان الحبس مزعجًا، تحمّلي. الطفل يتحسّن، أليس كذلك؟ ألم تقولي إنّ شفاءه هو الأهم؟ ألا يعني ذلكَ شيئًا؟”
“حسنًا.”
كانت الشّكوك كثيرة، لكن شفاء جيمي كان الأولويّة.
عزمت فيرينا على الهروب من هنا بمجردِّ أن يشفى جيمي، حتّى لو كانَ جوليان مخيفًا وليس لديها مال.
عاشت عامًا بهذه العزيمة.
وأخيرًا، سمعتْ اليوم من الطّبيب أسعد خبر في العالم.
هذه اللّيلة، بعد أن ينامَ الحرّاس، ستهرب فيرينا مع جيمي. لم يكن لديها أيّ أمتعة تستحقّ الحمل، فلا شيء لتحضّره.
بينما كانتْ تدور مع جيمي عشر دورات وهي تسمع ضحكاته، جلست فيرينا إلى جانبه على السرير.
كانت المرتبة القديمة متكتلة، مهما حاولت تسويتها، والبطانية مليئة بالوبر و مُرقّعة.
الأرضية الخشبية متصدّعة ومرتفعة في أماكن، وإطار النافذة لا يمنع رياح الشتاء الباردة.
لكن اليوم، بدا كلّ شيء كغرفة الضّيوف في القصر الإمبراطوري. تحوّلَ العالم من الجحيم إلى الجنّة.
فجأةً ، سمعت صوتَ خطوات تصعد الدّرج الخشبي القديم. دفعتْ فيرينا جيمي داخل السرير و وضعت إصبعها على شفتيه. أغلقَ جيمي فمه وعينيه.
غرقتْ الغرفة القديمة في صمتٍ مظلم في لحظة.
كانت السيدة ماغي هي من صعدت. كانت امرأة قوية البنية كالرجال، تحملُ قدرًا في يدها. عندما التقت عيناها بفيرينا، ابتسمت بإحراج.
“فيرينا، هذا حساء لحم البقر. قالت السيدة إنّه يجب تحضيره لأنّكما أكلتما الخضروات فقط منذ أيام، خوفًا من نقص التغذية.”
وضعت ماغي، التي كانتْ دائمًا متغطرسة، الحساء على الطاولة الصغيرة بنبرة اعتذار غريبة.
“هل جاءت اسيليا؟”
“لا، لكنّها أوصتْ في زيارتها الأخيرة بإطعام جيمي جيدًا. لكن اللحم لم يكن متوفرًا، فاضطررنا لتحضير الخضروات فقط. ليس خطأي. زوجي جلب اللحم للتو، فأسرعنا بتحضيره.”
“شكرًا، السيدة ماغي.”
كانتْ أسيليا، التي تزور المكان مرّة أو مرّتين شهريًا، تُعاقب فيرينا عبرَ ماغي إذا شعرت بالضيق بعد زيارتها.
كانت تقلّل من جودة الطعام، أو تقلّص الحطب في الشّتاء. تحمّلتْ فيرينا كلّ شيء طالما أنّ أدوية الطبيب متوفرة. لكن هذه المرّة كانت قاسية.
لم يكن هناك لحمٌ أو سمك، ولا حتّى حليب أو جبن أو بيض. لحسن الحظ، كان هناك القليل من الفاصولياء و السبانخ. تنازلت فيرينا عن خبزها لجيمي، فأصبحتْ أنحف خلال أسبوع.
بسبب فرحتها بشفاء جيمي، نسيت جوعها، لكن رائحةَ حساء اللحم جعلت لعابها يسيل.
عندما نزلت ماغي، قفزَ جيمي من السرير بحماس.
“حساء لحم بقري! يبدو لذيذًا!”
أعطتْ فيرينا جيمي ملعقة، وبعد أن أكلَ بضع ملاعق بابتسامة سعيدة، أمسكتْ هي بملعقة.
سرعان ما أفرغت الوعاء الصغير.
بينما كانتْ تمسح فم و يديّ جيمي الممدّد على السرير، و هي تقوم لتأخذ قدر الحساء إلى الطابق السفلي، شعرت بألمٍ حارق يمزّق حلقها. كما لو أنّها ابتلعت كرة نار، احترق حلقها ومريئها وصدرها، و هاجمها ألمٌ لا يُطاق.
تبعه ألم كأنّ أمعاءها تُقطّع، فاختنقت. انهارت فيرينا على الأرض وهي تئن.
“جي، جيمي.”
ارتجفت وهي تحاول الوقوف، واقتربت من السرير. كان جيمي يحدّق بعينين واسعتين، يرتجف جسده ويخرج زبد من فمه.
“جيمي!”
صرختْ بجنون وهي تمدُّ يدها إلى حلق ابنها الصغير، لكنّ جسده كانَ يتصلّب بالفعل. فمه ولسانه كانا صلبين، فلم تستطع إدخال أصابعها.
ما الذي حدث؟ جاءَ الجواب على الفور.
حساء لحم البقر!
لقد وضعتْ ماغي السمّ فِي الحساء. كانت نكهة الطماطم القوية والأعشاب والمرق الدهني كافية لإخفاءِ السمّ تمامًا.
بعد أسبوع من الجوع، التهما الحساء بشراهة. أرادت فيرينا أن يأكل جيمي أكثر، فأكلت أقلّ بكثير. ربّما أكلَ جيمي ضعف كميّتها.
رغم الألم الذي أحرق عقلها، حاولت فيرينا جعل جيمي يتقيّأ، لكنّ الطفل النحيف كان يلهث بين نوبات التشنّج.
“جيمي، جيمي.”
لا، يا صغيري، لا تمت.
بينما ترى عينيه المقلوبة، عانقت فيرينا ابنها و وقفت متعثّىة.
بعد سقوطها مرّات عديدة، وصلتْ إلى مدخل الدرج. فُتح الباب الرئيسي و دخلَ شخص ما.
عبر رؤيتها الضبابيّة، رأتْ امرأة نحيفة ترتدي ثوبًا أحمر تصعد الدّرج بأناقة.
كانت فيرينا تئنّ وهي تعانق جيمي بقوّة. كان صدره الصغير يرتفع و ينخفض بسرعة، وجسده صلب كالخشب.
لم يشتكِ أبدًا مهما كانَ الألم، ولم ينزعج، لكن وجهه الصغير كانَ أزرق، و شفتيه الحمراء الصغيرة التي كانت تحمل الابتسامة أصبحتا بيضاء كالورق.
لم يكن هناك سوى الحقول اللامتناهية عبر النافذة، لكن عينيه المتلألئتين، اللتين كانتا تحلمان بالخروج إلى العالم الواسع يومًا ما وهما تنظران إلى السماء الزرقاء والحبوب الذهبيّة، اختفتا، ولم يبقَ سوى بياض عينيه.
لا يمكن أن يحدثَ هذا. بعد كلّ تلك الليالي والأيام من المعاناة، وجدتْ أخيرًا الأمل. كانَ من المفترض أن يهربا هذه الليلة ليجدا الحريّة.
اقتربت أسيليا من فيرينا وهي تتأوّه وتخرجُ زبدًا من فمها.
“أخبريني، فيرينا، ابنة الكونت الجميلة. كيف شعرتِ و أنتِ تسقطين من السّعادة إلى الجحيم؟ كان ابنكِ سيموت على أيّ حال لو لم أتدخّل. لكن بفضلي، شُفي. ألم تشكريني؟ ألم تفرحي؟ ألم تجدي أمل الحياة؟ والآن، كيف تشعرين؟”
“……”
“اليأس الحقيقي هو عندما تُسلبين الأمل وأنتِ مليئة به، أليس كذلك؟ أردتُ أن تشعري باليأس الأعمق في هذا العالم. أردتُ أن تتألمي أكثر من الموت.”
شعرت فيرينا بجيمي يتدحرج من حضنها. يداها المشلولتان لم تعودا قادرتين على إمساكه.
في أنفاسها الأخيرة، سمعتْ كلمات أسيليا متقطّعة.
“في البداية، خطّطت لقتلِ الطفل فقط وإبقائكِ حيّة. أردتُ رؤيتكِ تعانين من فقدان ابنكِ لفترة طويلة. لكن الخطّة تغيّرت. زوجي الحبيب ديزير سيأخذني إلى معرض عالميّ . سيستغرق الأمر ثلاثة أو أربعة أشهر، وإذا تركتكِ، قد تهربين. أنتِ لا تريدين العيش بدون ابنكِ، أليس كذلك؟ الموت أفضل من الحياة، صحيح؟ كنتُ أعلم ذلك. اعتبري هذا رحمتي الأخيرة.”
“من، منء البداية، كنتِ، تخطّطين لهذا؟”
“منذ البداية؟ متى؟ هههه. لا تعتقدي ذلك. البداية الحقيقيّة أبعد بكثير ممّا تظنين. فيرينا، منذ اللحظة التي رأيتكِ فيها، كلّ ما أردته بشدّة، مركزكِ ، رجلكِ ، مستقبلكِ ، أصبح ملكي. لذا، حانَ وقت اختفائكِ من العالم. يقولون إنّ فعل الخير يجلب البركة، ويبدو أنّهم محقّون. ساعدتُ جيمي، فتحقّقت أمنيتي. يا لها من مفارقة! كانت العرّافة محقّة. لم تذهب مئة باوند سدى.”
ضحكت أسيليا بجنون.
“أرادَ ديزير طفلاً. لكن لمدّة خمس سنوات، لم يحدث حمل. حتّى فكّروا في تبنّي طفل. لكنّني الآن حامل. أليس هذا بفضل مساعدتي لجيمي؟”
“حامل…؟ إذن، من أجل طفلكِ… على الأقل افعلي خيرًا…”
“لا تزالين تهذين. فعل الخير؟ لتحصلي أنتِ على مكافأة؟ إذن، لماذا أصبحتِ هكذا؟ كلام مضحك. أنتِ تموتين لكنك لا زلتِ تهذين. هل تصدّقين حقًا أنّني حصلت على بركةٍ لمساعدتي جيمي؟ العرّافة أرادت المال فقط. هل تعتقدين أنّني ساعدتكِ لأنّني صدّقتها؟ لو كانت كلماتها صحيحة، كنتُ سأذهب إلى الجحيم. لماذا؟ لأنّني عالجتُ جيمي فقط لتعذيبكِ.”
فجأةً ، ظهرت نظرة ممتعة على وجه أسيليا المتغطرس. بدتْ كأنّها لا تستطيع مقاومة الكلام.
“هل ذكرتُ إنغا؟ كنتِ تنتظرين إنغا، أليس كذلك؟”
إنغا، الخادمة المخلصة التي ظلّتْ عالقة في قلب فيرينا لأنّها لم تظهر في مكان اللّقاء دون سبب.
ضحكت أسيليا بمرح. بدتْ سعيدةً وهي تعتصر آخر قطرة من ألم فيرينا.
“في اليوم الذي أبحرت فيه السفينة إلى شبه جزيرة كريون، وُجدت إنغا ميتة قرب الرصيف. كانت ملقاة في بركة دماء، و جمجمتها محطّمة. بينما كنتِ تنتظرينها بلهفة، كانتْ إنغا جثّة باردة. لا يمكن لجثة أن تركبَ سفينة، أليس كذلك؟”
هذه الشيطانة قتلت إنغا أيضًا.
في تلكَ اللحظة، لفّت قوّة خارقة فيرينا. ربّما بدا انتصار أسيليا مضحكًا في عيني شيطان يعبث بالعالم.
للحظة قصيرة، شعرت كأن احدهم أعارها قوّته الهائلة.
“آه!”
جمعت فيرينا آخر قواها قبل الموت و عانقت أسيليا. بدأتا تتدحرجان على الدّرج بقوّة اندفاعهما.
انهار الدّرج الخشبي القديم تحت الصدمة المفاجئة.
―طاخ!
مع تحطّم الدرج، سقطت فيرينا و اسيليا إلى الطابق السفلي. سمعت فيرينا صرخةً حادة، لكنّها لم تكن صرختها، لأنّها بالكاد كانت تتنفّس.
رفعت جفنيها بصعوبة، و رأت أسيليا، فمها مفتوح، يداها تتخبطان، و صدرها مثقوب بقطعة خشب مكسورة. أرادت فيرينا أن تضحك بانتصار، لكنّها لم تملكْ أيّ إحساس متبقٍّ.
كلّ ما استطاعت فعله هو إجبار جفنيها على البقاء مفتوحين.
اسيليا، دعينا نسقط إلى الجَحيم معًا.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 منتدى المانهوا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 منتدى الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 1"
بداية جميله جدا