كان الوقت قد تأخر بالفعل بسبب فترة التعافي التي احتاجتها إيف.
وقد كان ذلك التباطؤ نتيجة لإصرار كل من الدوق لودفيغ وباليريان على منحها بعض الراحة.
‘قالوا إن قوة إيلا تضعف مع غروب الشمس، أليس كذلك…’
انطلق كلا من إيف وباليريان ولوغان كلاين مع عدد قليل من الفرسان في طريقهم نحو البوابة الرئيسية للقصر الإمبراطوري.
“إيف، كوني حذرة في طريقك يا عزيزتي.”
“إيف، لو حدث شيء ما أنقذي باليريان أولاً واهربي فورًا!”
“…أوه، أنتِ تفوحين برائحة الطعام.”
كان ذلك توديع والدتها ووالدها ونواه، الذين خرجوا لوداعها بكلمات متفرقة.
أخذت إيف بنصيحة والدتها فقط، وصعدت إلى العربة. وبجانب العربة، طرق لوغان كلاين على النافذة.
“إذا كانت طقوس الاستدعاء صحيحة، فهل هذا يعني أن هناك قديسة حقيقية في المملكة المُقدسة؟“
أومأت إيف برأسها وأجابت:
“المملكة المُقدسة هي أفضل مكان يمكنهم فيه إخفاءها… لذا على الأرجح هي هناك.”
تذكرت إيف ما رأته من خلال سحر الوهم، كان مشهدًا من مئة عام مضت.
حتى القديسة السابقة، كيم يونغ هي، كانت مستلقية على رموز مرسومة بالدم، ونحيلة إلى درجة مؤلمة.
“إذن، هل القديسة ما زالت على قيد الحياة؟“
“لم أرَ ذلك بنفسي، لكني أعتقد ذلك.”
نظر لوغان إليها بنظرة يشوبها الشك، ثم أغلق نافذة العربة.
لكن حتى إجابتها تلك لم تكن بلا أساس.
فالناس العاديون حين يُسجنون في ظروف قاسية، يحاولون الفرار.
وإذا كانت الشياطين بحاجة للقديسة، فإن مجرد محاولة فرارها كانت لتُعد تهديدًا لهم.
كان من الأجدى لهم أن ينهوا حياتها منذ البداية، حتى لا تتاح لها فرصة الفرار وتظل القربان محفوظة كما ينبغي.
‘لكن كيم يونغ هي كانت ما تزال تتنفس.’
نعم، كانت على قيد الحياة.
وهذا يعني شيئًا واحدًا فقط.
‘ينبغي أن تبقى القربان على قيد الحياة حتى تُستخدم.’
وهذا يمنح الأمل في أن تكون يوري لا تزال حية.
تنفست إيف الصعداء براحة، ولاحظ باليريان ذلك وهو ينظر إليها بنظرة غريبة.
وجهها الذي يتّجه الآن لإنقاذ يوري لم يحمل أي ضغينة.
إيف لم تكن تلوم القديسة.
لو كانت أي شخص آخر مكانها، لربما تمنى أن تكون القديسة قد هلكت بالفعل.
بل لربما شعر بالراحة إن علم أنها ميتة.
حتى باليريان نفسه، حين سمع لأول مرة أن القديسة ستُستخدم كقربان، لم يكترث مطلقًا لحياتها أو موتها.
كل ما كان يشغله هو أمن إيف وسلامتها.
لكن إيف، التي لم تكن تعرف ذلك، كانت تظن منذ زمن بعيد أن باليريان هو مجرد فارس نبيل، يضع الأخلاق والواجب فوق كل شيء.
‘هل يمكن أن يكون… لذلك السبب؟‘
فجأة ومض في ذهن باليريان إدراك غريب.
ربما هروبها منه كان سببه ذلك الظن الخاطئ.
وأنه بصمته على ذلك الوهم الذي تظنه إيف عنه طوال الوقت، ربما كان هو من نصب لنفسه فخًّا دون أن يشعر.
فقال على عجل:
“إيف.”
“نعم؟“
“أنا… أسوأ بكثير مما تظنين.”
رمشت إيف بدهشة من كلماته غير المتوقعة.
ما الذي جعله يقول شيئًا كهذا فجأة؟ هل هو اعتراف؟ توبة؟
لكنها سرعان ما تساءلت في نفسها.
‘من المفترض أن أكون أنا من تعترف له… لا العكس.’
وبينما كانت تفكر في كلماته، سألت بخفة:
“…هل أنت متأكد من أنك تعرف معنى الأنانية؟“
ثم تابعت قائلة:
“الأنانية تعني أن لا يهتم المرء سوى بنفسه، أليس كذلك؟“
أومأ باليريان بنعم.
كانت إيف تعرف المعنى جيدًا.
لكن في هذه الحالة، لم يكن هو من ينطبق عليه هذا الوصف.
‘إذا كان الأمر كذلك… أليس أنا من تنطبق عليها تلك الصفات؟‘
تسلّل الشك إلى ذهنها فجأة.
هل يحاول التلميح إليها بشكل غير مباشر؟
لكنها سرعان ما أزاحت ذلك الظن، فهي تعرف أنه لا يفعل هذا النوع من الأمور.
‘لكن لماذا إذًا يقول هذا الكلام؟‘
كان وجه باليريان في تلك اللحظة جادًا على نحو غير معتاد.
وكأن الاعتراف بـ أنانيته أمر مهم وضروري بالنسبة له.
لم تفهم السبب، لكنه كان يبدو كما لو أنه يُحمِّل نفسه ذنبًا خفيًّا لم تعِهِ بعد.
* * *
كان النهار مشرقًا، والسماء صافية تلمع تحت ضوء الشمس.
وفي الأفق، بدأت قباب بيضاء ناصعة ونقية ترتفع شامخة.
إنها الكنيسة، أو كما يُطلق عليه “المكان الذي يضم “الخلق الحقيقي للحاكم“.
مكان بهذه القدسية، كيف يمكن تخيّل أنهم سيستخدمون قديسة لإجراء طقوس تضحية؟
أحسّت إيف بتضارب داخلي، وابتلعت ريقها.
“لقد وصلنا.”
قال لوغان كلاين، الذي كان يقود العربة إلى جانبها، وهو يطرق على الباب.
فتحت إيف باب العربة ونزلت، وكان لوغان لا يزال يرمقها بنظرات مرتابة.
“هل تقولين إن طقوس التضحية يجري هنا فعلًا؟“
“على الأرجح.”
“ما معنى على الأرجح الآن؟!”
“أنا لم أشاهد الطقوس بعيني، فكيف يمكنني تأكيد الأمر؟“
ردّت عليه إيف وقد أمالت رأسها باستغراب، وكأنها تتساءل عن سبب طرحه لسؤال بديهي.
فمنذ قليل كان يسألها عن حياة القديسة، والآن عن شيء لا يمكن الجزم به دون شهود.
“ولو كنت رأيت الطقوس بعيني، لكنت أنقذت القديسة بالفعل.”
“…….”
لم يجد لوغان ردًّا، فأغلق فمه كما لو كان صدَفة انطبقت بإحكام.
تنهدت إيف بعمق.
الجدال حول وجود القديسة في هذا المكان من عدمه لم يكن سوى مضيعة للوقت.
‘على الأرجح، زافيير قد أمر الفرسان بالتحرك في أنحاء الإمبراطورية تحسّبًا للاحتمالات الأخرى.’
لا بد أن هناك من فرسانه من يتخفى في أماكن متعددة بحثًا عن القديسة. ومن المؤكد أن لوغان كلاين كان يعلم ذلك أيضًا.
إصراره على سؤالها عمّا إذا كانت القديسة هنا فعلًا، لم يكن سوى محاولة لإيصال رسالة خفية:
‘هل تكذبين؟‘
ولو كان عليها أن تختار أحد شخصيات الرواية الأصلية ممن لم يتغيّر عن طبيعته إطلاقًا، لما ترددت في اختيار هذا الرجل الواقف أمامها.
“هل تعني أن إيف تكذب؟“
قالها باليريان فجأة، وقد التقط المعنى الخفي من سؤال لوغان.
“وإن وجدتَ القديسة بعينيك محبوسة في هذا المكان، فماذا ستفعل؟“
ردّ لوغان بحدة ووجهه ممتقع:
“حينها سأقدّم اعتذاري.”
ابتسم باليريان ابتسامة باردة وقال:
“وهل تظن أن اعتذارًا بسيطًا يكفي بعد أن شككتَ بها وأهنتها دون دليل؟“
ثم أردف ساخرًا:
“هل ستقدّم ذراعك، على الأقل؟“
“…ريان!”
هتفت إيف مذعورة وهي تمسك بذراعه، لكنه لم يتحرك.
فطلب ذراع فارس، أشبه بطلب التخلي عن رتبته وشرفه كله.
دفع باليريان كتف لوغان قليلًا وقال بنبرة لاذعة:
“لماذا لا تجيب؟ شككتَ بها بلا دليل، وتريد إرسالها إلى حتفها لمجرد شكوكك الشخصية، والآن لا تملك الجرأة للتضحية بذراعك؟“
‘يا إلهي… إنه يبدو كواحد من أولئك القساة الذين لا يرحمون.’
الآن بدأت تفهم لماذا كان الفرسان تحت إمرته يهابونه لهذه الدرجة.
وإن كانت كلماته قاسية، فهي في جوهرها لم تكن خاطئة.
نظرت إيف إليه بدهشة، لم تعتد على رؤية هذا الوجه منه من قبل.
“…لقد تجاوزت الحد.”
اعترف لوغان أخيرًا بخطئه. ورغم أن إيف لم تكن تنتظر منه اعتذارًا، فإنها قبلته ببساطة رغبةً في إنهاء هذا التوتر.
“لا بأس، الأمر انتهى.”
‘لكن من طريقة وجهك… يبدو وكأنك مجبر على الاعتذار.’
رغم ملاحظتها تلك، تظاهرت بتجاهلها حتى لا تثير جدالًا جديدًا.
“الحراسة هنا مشددة للغاية.”
قال أحد الفرسان من الخلف بنبرة قلقة:
“الدخول من البوابة الرئيسية مستحيل.”
تبادلا إيف وباليريان النظرات فورًا.
فقد كان هناك ممر سرّي صغير، استخدمه باليريان قديمًا ليتسلل إليها أثناء تدريبهم في أرض الكنيسة ، وهو نفسه المكان الذي دخلت منه إيف حين هاجمتها ليليث.
كلاهما فكّر في الممر نفسه في اللحظة ذاتها.
لكن ذلك الممر يؤدي مباشرة إلى قاعة الصلاة…
وكان الوقت الحالي هو وقت الصلوات، حين يحتشد الكهنة في الداخل.
“يبدو أنه علينا الانتظار قليلًا.”
قال باليريان أولًا، فأومأت إيف برأسها وقد فهمت ما قصده.
سار الاثنان معًا، وتبعهما لوغان والفرسان بصمت، رغم تعابيرهم الحائرة.
رفعت إيف بصرها نحو السماء.
الشمس بدأت تغيب، فالموسم كان في أوائل الخريف، والنهار أقصر من المعتاد.
وسيحين الوقت قريبًا لمواجهة الشياطين… ومع غروب الشمس، ستكون الكفة ضدهم.
“من أين لكِ أن تعرفي بوجود هذا الممر؟“
سألها لوغان بريبة، وقد بدت الدهشة والشك على وجهه في آنٍ واحد.
“لأنه ممر سرّي… فمن الطبيعي أن سبب معرفتي به يكون سرًّا أيضًا.”
ردّت إيف باختصار، لا رغبة لها في الشرح.
وحين اقتربوا من قاعة الصلاة، همست لياليريان:
“لمَ لا ندخل الآن؟“
تردّد باليريان في الإجابة، يفكر مليًّا. فرأت إيف تردده، فتحدثت بنبرة حذرة:
“دعني أتحقق من عدد الموجودين في الداخل أولًا.”
“وهل يمكنك ذلك؟“
“باستخدام الرطوبة في الهواء… أظن أني أستطيع.”
وأومأت برأسها بثقة.
لكن لوغان، كعادته، علّق بريبة:
“ألن يكون في ذلك خطر على الكهنة الأبرياء؟“
أغمضت إيف عينيها بغيظ من السؤال.
“هل رأيتَ أحدًا يُصاب بأذى من قطرة ماء؟“
“ضربة من موجة قوية قد تفقد الإنسان وعيه.”
“وهل تظن أني سأستخدم قوة تكشف سري بهذا الشكل؟ إن كُشف أمري، فلن يكون لتسللنا أي معنى!”
أجابت بهدوء، رغم أنها كانت على وشك الانفجار من الضيق.
ووجّه باليريان إلى لوغان نظرة ازدراء واضحة، لم يكلّف نفسه حتى بإخفائها.
فصمت لوغان، عاجزًا عن الرد.
“لا ضرر من المحاولة على أية حال.”
قالت إيف وأغلقت عينيها، محاولةً استشعار الرطوبة في الهواء.
كانت تبحث عن تغيّر طفيف في درجة حرارة البخار، إذ إن وجود الإنسان يرفعها قليلًا.
فتحت عينيها ببطء.
واهتزّت نظراتها القرمزية… لم تصدّق ما شعرت به.
“إيف، ما بكِ؟“
سأل باليريان بقلق، وقد ظنّ أن استخدام السحر لا يزال مرهقًا لها.
“هل تشعرين بألم؟“
هزّت رأسها نافية.
“…لا، الأمر ليس كذلك. فقط… لا يوجد أحد.”
“ماذا؟“
“قاعة الصلاة… خالية تمامًا.”
خلوّ قاعة الصلاة، في هذا التوقيت بالذات، كان أمرًا لا يُعقل.
لا شك… أن هناك أمرًا مريبًا يحدث.
_______
باقي 10 فصول ونخلص 😭😭+
تراني انشر في الواتباد اول لان الموقع مليان اعلانات
ترجمه: سـنو
واتباد (اضغط/ي):
@punnychanehe
واتباد الاحتياطي:
@punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 90"