“جلالة الإمبراطور… عرف حقيقتي؟“
بالطبع، فهي قد أحدثت فوضى في قلب العاصمة. كان من غير المنطقي ألّا تصل الأنباء إلى أذنيه.
ردّدت إيف كلمات زافيير ببطء، ثم تخلّت عن محاولة التفكير.
دقّ في رأسها ناقوس خطر. لو كانت داخل لعبة، لكانت نافذة النظام قد ظهرت أمام عينيها الآن:
[Game Over – لقد دخلت مسار النهاية السيئة.]
وكانت سترى مشهد النهاية مباشرة، إما وهي تُقاد إلى المقصلة، أو تُحرق على منصة الإعدام.
“…انتهى كل شيء.”
سقطت إيف على الأرض كأنها فقدت قوتها تمامًا.
حين واجهت الكابوس الذي كانت تهابه طويلًا، لم تشعر بشيء.
لا خوف، لا ندم… فقط فراغ واستسلام.
“ومتى سيكون موعد إعدامي…؟“
سألته بصوت خافت، ثم تمتمت لنفسها:
“هل سيسمحون لي برؤية عائلتي قبل الإعدام؟ أم أننا سنُقاد جميعًا إلى المقصلة معًا؟“
تذكّرت فجأة أن في هذا العالم، إذا انكشفت هوية الساحر، يُعدم هو وعائلته معًا.
نظر إليها زافيير مطولًا، ثم قال:
“ألن تدافعي عن براءتك؟“
“ولمَ أفعل؟ لن يغيّر ذلك شيئًا. سيكون مجرّد صراع يائس لا طائل منه.”
نظرت إليه وكأنها تقول “ألست تعرف هذا جيدًا؟“
لكنه، وعلى عكس المتوقع، ردّ بهدوء:
“ألا ترغبين في العيش؟ ألم تهربي إلى نادين لأنك أردتِ النجاة؟ كيف تستسلمين بهذه السهولة الآن؟ لا أستوعب.”
“في نظر الإمبراطورية، أنا لا أساوي حتى حشرة. ومهما صرخت الحشرة طالبة للنجاة، هل سيتوقف أحد ليسمعها؟ في النهاية ستُسحق تحت الأقدام.”
تجمّد وجه زافيير إثر كلماتها القاسية.
“لو كان جلالته ينوي قتلك حقًا، لكانت الأمور قد انتهت منذ لحظة فقدانك لوعيك.”
“صحيح… ما أطيب هذا الأمل.”
هي تعرف أن الإمبراطور إن علم بهويتها، فإن نهايتها محتومة. حتى لو لزم الصمت، فقد رأى الفرسان ما يكفي.
السرّ دائمًا ما يتسرّب، ولا بدّ أن تخرج الحقيقة للعلن.
وتخيّلت نفسها تعيش بقية أيامها في رعب من لحظة الكشف عنها، من تسريب محتمل يأتي من زاوية لم تتوقّعها.
فقط فكرة العودة إلى التوتر الذي عاشته خوفًا من أن يكتشف باليريان حقيقتها، جعلتها تنفر من الحياة ذاتها.
لمّا رأى زافيير كم كانت منهارة تمامًا، نطق بشيء لم يكن متوقَّعًا:
“أخبرتُ جلالته أن انخفاض حوادث اختفاء المواطنين ليلًا كان بفضلك.”
رفعت إيف جسدها ونظرت إليه بذهول.
…قال له؟ أخبر الإمبراطور أنها كانت من تقضي على الشياطين ليلًا؟
“…كنتَ تعرف؟ إذًا، لماذا لم تمنعني؟“
لماذا لم يتدخّل؟ كانت تخرج كل ليلة، تقتل الشياطين، وهو كان على علم بكل شيء.
لكن الإجابة كانت واضحة.
“جلالته… أراد منك أن تفعلي ذلك.”
لأن حياة المواطنين أغلى.
زافيير بصفته ولي العهد، كان يرى أن المصلحة العامة تأتي أولًا. طالما أن هذه الساحرة تقضي على من يهدّد الشعب، فلا بأس بغضّ الطرف عنها، حتى لو كانت تهديدًا بنفسها.
اعترف بهدوء:
“…صحيح.”
بدا على وجهه ندمٌ حقيقي.
أمالت إيف رأسها بدهشة:
“لكن لمَ هذا الوجه الذي يفيض بالذنب؟ أنا من في السجن، لا أنت.”
“مع ذلك، فقد تركتك تخاطرين بحياتك، وأنا أعلم…”
“كفى.”
قاطعت كلامه.
هي لا تستحق اعتذاره.
لم يكن له أن يمنعها من البداية.
“حتى لو حاولت منعي، لكنت خرجت. فلا داعي للاعتذار. ثم… ألم تفعل ذلك أيضًا لتقنع جلالته بي؟“
معرفتها بطباعه جعلتها تستنتج الأمر.
والآن فهمت. في لحظة فقدانها للوعي، كان من المفترض أن تُعدم، لكنها لم تُقتل فورًا.
“أقنعتَه بأن لا يقتلني فورًا، صحيح؟“
“بل أقنعته فقط بألّا تموتي في الحال.”
ولو أنها ماتت، لماتت عائلتها معها. لكنه أنقذهم جميعًا بتأجيل العقوبة.
“إذًا، جلالتُه أنقذني.”
لكن زافيير هزّ رأسه نافيًا:
“لا. من أنقذك حقًا… هو باليريان. لو أن أحدًا مات بسبب انفجارك السحري، لما كان كلامي ليُجدي.”
ساد الصمت.
نعم… كلامه صحيح.
لقد فقد باليريان وعيه فقط ليمنع كارثة كانت ستُزهق الأرواح.
آمل فقط أن يستعيد وعيه قريبًا.
كمية القوة السحرية التي احتواها كانت كافية لإسقاط أقوى شخص في هذا العالم.
وفجأة، تذكّرت إيف شيئًا من مكتبة عائلة إستيلا.
*[كابيلا]
عُرف بين الناس كعشبة شفاء نادرة، بل كإكسير حياة.
لكن الحقيقة أن مفعوله الحقيقي يكمن في تعظيم القدرة السحرية الكامنة داخل الجسد.
خاصةً إذا تناوله ساحر لم يستيقظ بعد، فإن سحره الكامن ينفجر، وتظهر آثار لا تصدَّق.
ويُقال إن من يتناول هذه النبتة قد يتحوّل إلى ساحر عظيم فورًا… لكن لا أحد أثبت ذلك. فهل من متطوّع ليجرب ويشهد؟ ^^
ربما…
لم تدرك الحقيقة إلا في هذه اللحظة.
ربما كان سبب تلك القوة السحرية الهائلة، هي كابيلا، العشبة الأسطورية التي تناولتها.
لاحظ زافيير اضطرابها، فسألها بوجه حائر:
“ما الذي حدث بالضبط وقتها؟“
في الواقع، لم يكن زافيير يعلم السبب الحقيقي وراء انفجار قوة الآنسة إستيلا المفاجئ. كل ما وصله كان تقارير مكتوبة.
“هل تعرف الصبي الذي اقترب من باليريان؟“
“نعم، وصلني تقرير عنه.”
“ذاك الصبي… أو بالأحرى، ذلك الشيطان، كان يحمل كتابًا… وانتزع قواي السحرية بالقوة.”
“شيطان…؟“
وفعلاً، تذكّر زافيير أن نواه إستيلا أحضر إليه رسالة في وقتٍ سابق، مدعيًا أن ما حدث هو من تدبير شيطان، وقال إن أخته إيف خرجت من المنزل فزعة فور أن قرأت تلك الرسالة.
لكن المثير للشك أن تلك الرسالة لم تكن تحتوي سوى على ورقة فارغة.
وكان هذا بالضبط ما بدا مريبًا.
هل يُعقل أن يُقدِم نواه على تسليمه رسالة عشوائية عابرة، في مسألة تتعلق بحياة أخته؟
هذا لا يتوافق مع المنطق.
وبينما كان زافيير يهمّ بطرح تلك الشكوك، وصل عدد من الفرسان وهم يهرولون، وتقدّم أحدهم ليقف أمام زافيير مانعًا طريقه.
كان رجلًا ذا شعر أحمر قصير وعينين بُنيّتين، وإيف عرفته فورًا.
“لوغان كلاين” قائد فرسان القصر الملكي، والفارس الشخصي لولي العهد.
قال لوغان، بصوت متوتر:
“سموّ الأمير، وجودك هنا خطر.”
فرد زافيير بهدوء:
“ما الأمر، يا كلاين؟“
“أحد المدنيين أصيب أثناء حادثة انفجار القوة السحرية.”
“…ماذا؟ ما حاله؟“
“فقد إحدى عينيه، وذراعه قُطعت.”
“مَن؟! من الذي أُصيب؟!”
خفق قلب إيف بشدّة. صاحت مستفسرة، فالتفت لوغان نحوها بنظرة تنم عن ازدراء، كأنما يعتبرها لا تستحق الرد.
لكن زافيير لم يسمح بذلك، فقال:
“أخبرها. من يكون؟“
“…هو الصبي الذي كان يسأل السيد باليريان عن الطريق وقتها.”
تجمّد وجه زافيير، أما إيف، فقد عرفت من المقصود على الفور. إنه الشيطان الذي خرج من الوهم، وغالبًا هو نفسه الذي أرسل الرسالة باسم آرون رومان.
‘من البداية، كان يستدرجني إلى هذا الفخ.’
سرت في قلبها نوبة من القلق. فقال زافيير متنهدًا:
“يبدو أن عليّ التوجه لرؤية حالة الطفل بنفسي.”
“انتظر لحظة!!”
مدّت إيف ذراعها من بين قضبان الزنزانة، تناديه:
“حين فقدت السيطرة على قواي… ألم تجدوا كتابًا في المكان؟!”
توقف زافيير عن السير، وأجابها بصوت أكثر برودة:
“لم نجد شيئًا.”
لم يكن في كلامه أي مرونة.
فالآن، بعد أن تسببت في إعاقة صبي ادعت أنه شيطان، باتت موضع شك حقيقي.
“بعدما انتهى كل شيء، لم يُلاحظ شيء غريب سوى أمرٍ واحد وهي الأرض كانت موحلة تمامًا، وكأن مطرًا غزيرًا قد هطل.”
“مستحيل…”
تمتمت إيف في ذهول. كانت تعلم تمامًا من هو ذلك الصبي، ومع ذلك عاجزة عن فعل أي شيء داخل الزنزانة… كان صدرها يضيق أكثر فأكثر. لكن زافيير كان قد غادر بالفعل مع الفرسان.
“…آه، ما العمل الآن؟“
إن التقى زافيير بذلك الشيطان، فقد يُصاب بأذى…
لا، مستحيل. ذلك الشيطان استطاع إسقاطي أنا وباليريان في آنٍ واحد.
كان ماهرًا في الخداع، مختلفًا عن كل الشياطين الذين واجهتهم من قبل.
ولهذا السبب بالذات، ربما لن يُلحق الأذى بزافيير مباشرة. لكن الغريب أن هذا لم يطمئنها، بل زاد قلقها.
فالشيطان الذي يجيد التلاعب بالعلاقات بين البشر، هو الأخطر على الإطلاق.
•••
“كنت أعلم أنك ستصلين إلى هذا الحال في النهاية…”
قالها نواه، ساخرًا ما إن رآها في الزيارة المخصصة.
ورغم سخريته، كان صوته خافتًا، يفتقر لبهجته المعتادة. بل حتى ملامحه التي كانت دومًا مشرقة، بدت باهتة ومتعبة.
شعرت إيف بقليل من الأسف تجاهه، رغم أنه كان دائمًا مستفزًا، لكنها لم تملك الوقت للندم، فثمة ما هو أهم.
“وما زلت هنا؟ لماذا لم تهرب بعد؟“
“بدأت أملّ من هذا السؤال. يكفي، أرجوك.”
كان من العبث لوم شخص لم يهرب. فما حدث قد حدث، ولا وقت للجدال.
وكانت الزيارة التي منحها ولي العهد له خاصة ومحدودة الوقت.
“وأمي وأبي؟“
“كانا على وشك المجيء، لكني منعتهما بشق الأنفس. أما والدي… فسقط أرضًا فور أن سمع بالخبر.”
“هل صحته بخير؟“
“إنه يستريح الآن.”
لم يكن رد فعله مفاجئًا، فقد توقّعته إيف مسبقًا.
“مع ذلك، أحسنت بصَدّ أمي عن القدوم. أشكرك.”
وأومأت برأسها.
“لو جاءت، لبدأت تصرخ قائلة ألم أقل منذ البداية أن نقتل الإمبراطور أولًا؟!”
“في الواقع، قالت هذا لي بالضبط، وأنا في طريقي إلى هنا.”
نظر إليها نواه بنظرة مندهشة، وكأنها قرأت أفكاره.
تنهدت إيف بعمق، وكأنها تقول ما الجديد؟
_____
ترجمه: سـنو
واتباد (اضغط/ي):
@punnychanehe
واتباد الاحتياطي:
@punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 79"