في تلك الأثناء، كانت يوري تنظر إلى إيف بدهشة وارتباك.
لم ترَ سحرًا يضج بهذه القوة والانفجار من بعد باليريان.
“أ… أنتِ، لا تقولي…”
ساحرة؟
كانت رئيسة الكهنة أرييل قد أخبرتها من قبل أن من يمتلكون طاقة سحرية هم إما سحرة أو شياطين، أو بعض المؤمنين ممن لديهم طاقة مقدسة.
وقالت لها إن طاقة الشياطين تسبب نفورًا فوريًّا وشعورًا مزعجًا بمجرد الإحساس بها، لذا من الصعب عدم تمييزها.
لكن المرأة التي أمامها لم تبعث على ذلك الشعور. طاقتها لم تكن مشابهة للطاقات المقدسة التي عهدتها في المؤمنين في المملكة المُقدسة، بل كانت مختلفة تمامًا.
وبينما كانت يوري تحدق بها بذهول، فتحت فمها كما لو كانت على وشك قول شيء، لكن إيف أسرعت لتكميم فمها بيدها.
فقد كان هناك بعض الفرسان خلف يوري، من بينهم هيليوت. وما إن التقت عينا إيف بعينيه، حتى أدار وجهه بسرعة بحرج.
‘إذًا، هو من أخبرها…’
عضت إيف على شفتها بقوة. عندها فقط فهمت يوري الموقف، وأومأت برأسها.
ورغم نظرات القلق التي رمقتها بها إيف، أرسلت يوري إشارة بيدها تطمئنها بأنها لن تتكلم، فرفعت إيف يدها عن فمها أخيرًا.
“سأدخل إلى الداخل لبعض الوقت.”
قالت يوري موجّهة كلامها للفرسان. لكن كما هو متوقع، رفضوا السماح لها بالدخول وحدها حفاظًا على أمنها.
“الدخول وحدكِ أمرٌ خطير.”
“أنا بخير تمامًا، لا تقلقوا.”
أظهرت يوري وجهًا حازمًا لا يقبل الجدال. وعندما لاحظت إيف إصرارها، تدخلت قائلة:
“أنا من أشد معجبي السيدة قديسة. لا يمكن أن أؤذيها أبدًا.”
وبسرعة، اتخذت إيف مظهر المعجبة المتحمسة، مقلدة أسلوب آرون عندما يتحدث عن باليريان.
“إنه لشرفٌ كبير أن ألتقي بكِ هكذا!”
“إذًا، لا تبقَيْ طويلاً في الداخل.”
“بالطبع.”
أومأت يوري ودخلت المنزل، تاركة إيف معها بمفردهما.
“اسمي يوري.”
“نعم، أعلم. ولكن ما الذي جاء بكِ إلى هنا، سيدتي القديسة؟“
شعرت إيف بجفاف في حلقها. لم تتوقع أن تُكتشف بهذه السرعة. تمنّت لو أنها تظاهرت بعدم وجودها في المنزل.
هل هذا هو شعور الأرنب عندما يقع في الفخ؟
ثم أجابت يوري:
“أمم… لقد جئت مدفوعةً بطاقة سحرية قوية للغاية.”
“طاقة سحرية؟“
ارتبكت إيف. هل وصلت طاقتها السحرية إلى المملكة المُقدسة؟ لم يخطر ببالها هذا الاحتمال أبدًا، ولم يُذكر في الرواية الأصلية كذلك.
‘لو كان هذا من إعدادات القصة، لما تأخرت شخصيتي في الظهور هكذا.’
فهمت إيف على الفور أن يوري تكذب. أما يوري فكتمت فمها بعد قول ذلك.
‘لا يمكنني القول إنني أتيت بسبب ريان.’
لم تكن تعرف من تكون إيف إستيلّا بالضبط، لذا لم تستطع البوح بمشاعرها بسهولة.
كما أن هذه المرأة تتصرف بثقة مثيرة للريبة.
‘الجميع كانوا يخفضون رؤوسهم أمامي دائمًا…’
لكن إيف إستيلّا لم يرف لها جفن عندما علمت بأنها القديسة، بل إنها ساحرة أيضًا.
وفي موقفٍ كهذا، كان يُفترض أن ترتعب على حياتها، لكنها لم تُظهر أي تذلل.
‘وهذا ما يزعجني.’
ربما كانت وُلِدت بهذه الوقاحة.
ولو كانت هذه الثقة بالنفس هي ما جعلت باليريان يبقى معها، فليس غريبًا أن يقع رجل طيب القلب مثله في شِراكها.
‘عليّ أن أُعيدها إلى حجمها الحقيقي.’
بدأت يوري تفكر في التقرب من إيف شكليًا لتفرّق بينها وبين باليريان.
وإن تخلّت إيف عنه حينها، فقد تكون يوري كريمة بما يكفي لتصفح عنها.
‘باليريان فارسي أنا وحدي.’
وبرقت في قلب يوري مشاعر غريبة من التملك.
عندها فتحت إيف فمها:
“هل دخلتِ إلى هنا وأنتِ تعلمين من أكون؟ ألا تشعرين أن هذا خطر عليكِ؟“
أمالت يوري رأسها قليلًا، متظاهرة بمحاولة فهم السؤال، وقطّبت حاجبيها قليلاً.
“أمم… فكرت أن لو حاولتِ إيذائي، فلن ينجو لا أنتِ ولا عائلتكِ. لذا… لن تجرئي على إيذائي، أليس كذلك؟“
أطبقت إيف شفتيها بصمت. لم تكن مخطئة.
لكن فكرة أن يوري استطاعت تحليل الوضع بهذه السرعة كانت مثيرة للشك.
“ثم… بدل أن أشعر بالخطر، شعرت بالفضول. إنها المرة الأولى التي أرى فيها ساحرة في الحقيقة!”
نظرت يوري إلى إيف بعينين متألقتين.
رأت إيف فضولًا صادقًا في تلك العيون السوداء، وسادها الصمت للحظة.
هل من الممكن أنها لا تحمل أي كراهية للسحرة؟
‘صحيح، يوري لم تولد في هذه البلاد.’
حتى لو كانت تثير الشك، كان من الأفضل إقناعها الآن بدلًا من إثارة المشاكل. فقالت إيف:
“هل يمكنني أن أطلب منكِ طلبًا واحدًا؟“
“آه! ما هو؟“
“رجاءً، لا تخبري أحدًا أنني ساحرة. حياتي وحياة عائلتي كلها تعتمد على هذا السر. أرجوكِ.”
وانحنت إيف بعمق تطلب منها ذلك. ارتبكت يوري فورًا لرؤية إيف في هذا الوضع.
“سأفعل، لذا… انهضي بسرعة!”
وفجأة، أدركت يوري لماذا ارتكبت إيف تلك الحماقات في الماضي.
“هل يمكن أن تكوني… قد جئتِ إلى هنا خوفًا من انكشاف أمرك؟“
نظرت يوري إليها بدهشة. فاعتدلت إيف وأومأت برأسها.
ارتبكت يوري وتوقفت عن الكلام.
‘هل يعني أنها فرت إلى هنا بسببي؟‘
فجأة شعرت بالشفقة تجاه إيف، تلك الساحرة التي اضطرت للعيش هاربة بسبب ما هي عليه.
لكن ما لم تستطع فهمه هو السبب الذي يجعلها متمسكة بـ باليريان.
بل لو كانت ساحرة فعلًا، لكان إيلا قد ابتعد عنها أكثر.
‘هل لا تزال تكنّ مشاعر لـ ريان؟‘
شعرت يوري بتوترٍ غير مبرر. وفي المقابل، كانت إيف تنظر إليها وهي تفكر:
‘ما أضعف من وعد الإنسان…’
في الوقت الحالي، وعدت يوري بأن تحفظ السر، لكن من يعلم، فقد يتغير موقفها بعد عودتها إلى المملكة المقدسة. لذا، لم يكن بالإمكان الاطمئنان كليًا.
كان الأمر أشبه بحمل قنبلة موقوتة لا أحد يعرف متى ستنفجر.
‘أتمنى لو أستطيع أخذ ضمان منها.’
لكن لم يكن في حوزة يوري ما يمكن أن يُعدّ ضمانًا حقيقيًا. وحتى لو كانت تملك شيئًا كهذا، من غير المعقول أن تمنحه إياها لمجرد وعد.
عندها، فتحت يوري فمها وتكلمت:
“أدرك أن من الصعب على ساحرتنا أن تثق بكلمتي فقط، لذا… فكرت بالبقاء هنا حتى تكتسبي بعض الثقة. ما رأيك؟“
أرادت يوري أن تعرف بالضبط ما يدور في ذهن إيف، لكنها أخفت نواياها جيدًا، وبدت كأنها تقترح الأمر ببساطة وصدق.
“…أن تبقي هنا؟“
تفاجأت إيف من الاقتراح، وكأنها قرأت أفكارها حرفيًا.
واصلت يوري كلامها وهي تومئ برأسها:
“ظننت أنكِ قد تقلقين إن عدتُ إلى المملكة فورًا، وتخشين أن أُفشي سركِ.”
وبالفعل، وضعت يوري يدها تمامًا على موضع القلق الذي كان يعذب إيف. في الحقيقة، اقتراحها لم يكن سيئًا على الإطلاق. فوجود يوري إلى جانبها أرحم من أن تبقى بعيدة ومجهولة النوايا.
لكن… كان هناك شيء غير مريح.
‘هل تُظهر كل هذا الكرم من أجل لا شيء؟‘
استعادت إيف صورة يوري في الرواية الأصلية.
نعم، كانت لطيفة مع الجميع وتحب مساعدة الآخرين، وذلك بالتحديد ما جعل باليريان يقع في حبها تدريجيًا.
لكن أن تبقى إلى جانب غريبة التقَت بها لتوّها؟ هذا كثير.
خصوصًا وأن سبب قدومها إلى هنا كان مبنيًا على كذبة في الأساس.
كل شيء بات يثير الشك.
“…إن فعلتِ ذلك، فسأكون ممتنة لكِ.”
ورغم الشك، لم تكن في وضع يسمح لها برفض هذا العرض. أومأت إيف برأسها بخفة، ثم فابتسمت يوري بفرح.
“في الواقع، لطالما رغبتُ بتجربة الحياة الريفية! الحياة في الكنيسة كانت خانقة ومملة.”
سألتها إيف بنبرة مرتابة:
“هل سمحت لكِ رئيسة الكهنة بالخروج من المملكة؟“
بحسب ما تعرفه عن شخصية رئيسة الكهنة أرييل، فمن غير المحتمل أن تمنح يوري إذنًا بالسفر إلى مكان بعيد كهذا. رغم ملامحها الدافئة، كانت شخصًا لا يفكر إلا بمصلحة المملكة المقدسة.
“أوه، لا. لم تفعل.”
هزّت يوري رأسها وكأن الأمر طبيعي تمامًا، وبدت نظراتها وكأنها تقول: وما المشكلة؟!
أربك هذا إيف، فقد كانت تظن أن حضورها إلى هنا برفقة فرسان الكنيسة يعني حصولها على الإذن.
‘لكن لحظة…’
لم يكن هناك أي شخص من المفترض أن يكون بجانبها.
باليريان لودفيغ… صاحب سيف الشمس، المبارك بقوة الحاكم.
“أين باليريان؟“
“ريان كان في مهمة خارج المملكة منذ أسبوع، وكان متعبًا، فلم أرغب بإزعاجه فأتيت من دون إخباره.”
قالت يوري مبتسمة بهدوء. لكن إيف استشعرت شيئًا غريبًا في كلامها.
‘ريان؟!’
أوصلت العلاقة بينهما إلى مرحلة الألقاب الحميمة بهذه السرعة؟ بالكاد مرّت ثلاثة أشهر على نزولها من السماء، وتقدمت العلاقة بينهما بسرعة كبيرة.
‘لقد استغرق الأمر عامًا كاملًا قبل أن نتبادل الألقاب أنا وباليريان…’
ربما حين يقابل المرء نصفه الآخر يسير كل شيء بسرعة. شعرت إيف بمشاعر غريبة تتسلل إلى صدرها. مالت يوري برأسها ونظرت إليها باستفهام.
“هل من مشكلة؟“
“…لا، أعني، نعم. أليس هذا يعني أنكِ أتيتِ إلى هنا من دون علم باليريان؟“
حاولت إيف أن تنظر إلى الوضع نظرة موضوعية.
تصرفات يوري الآن غير مدروسة إطلاقًا.
وفجأة، فُتح باب المنزل بقوة دون أي طرق، كأن صاحبه اقتحم المكان.
إيف ويوري تجمدتا في مكانهما حين أدركتا هوية القادم.
“باليريان…”
“ريان!”
كان يبدو عليه أنه أتى مسرعًا لدرجة أن هيئته لم تكن مرتبة كعادته. وما إن رأته إيف حتى أدركت على الفور…
لقد أتى ليأخذ يوري ويُعيدها إلى المملكة.
لسببٍ ما، هبّت نسمة باردة في صدرها، كأن فراغًا انفتح فيه فجأة.
ترجمه: سـنو
واتباد (اضغط/ي):
@punnychanehe
واتباد الاحتياطي:
@punnychanehep
قناتي تيليجرام للروايات :
@snowpunny
التعليقات لهذا الفصل " 46"