“أفهم ذلك.”
أومأت إيف برأسها. لقد كانت معلومة تُذكّرها بأن أحداث الرواية الأصلية بدأت تتحقق في الواقع.
‘نعم، كان هذا هو التوقيت تمامًا…’
إنه الوقت الذي تنزل فيه البطلة الأصلية، القديسة يوري، إلى قاعة الكنيسة. تمامًا كما ورد في الرواية، لم يتغيّر شيء.
‘حين يتعلق الأمر بهذه الأمور، تصيب الرواية الهدف بدقة غريبة.’
تمنت لو أن الكاتبة أدرجت تلميحات عن هوية إيف منذ بداية الرواية، لكانت الأمور أسهل الآن. لكنها لم تجد لذلك نفعًا سوى أن تتنهّد بصمت.
“إذًا، لا بد أن باليريان أصبح فارس الحراسة الخاص بالقديسة، أليس كذلك؟“
“… أجل، صحيح.”
نظر نواه إلى إيف بدهشة وكأنه يتساءل كيف عرفت.
“كنت أنوي أن أخبرك بذلك… كيف عرفتِ؟“
في نظرها، كان سؤاله بديهيًا.
“حارس قديسة لم تنزل منذ مئة عام؟ من الطبيعي أن يُكلّف بها أقوى فارس في الإمبراطورية.”
قالت إيف وهي تهز كتفيها بخفة. لحسن الحظ، كانت قد غادرت العاصمة قبل ظهور القديسة.
‘على الأرجح، سيقع باليريان في حب يوري.’
القديسة المستهدفة من قِبل الشياطين المنتشرين في أنحاء البلاد، سيحميها باليريان في معارك لا تُعد ولا تُحصى.
حب ينبت وسط الشدائد والمخاطر، ينمو في خضم الأزمات… كان مسارًا رومانسيًا بكل معنى الكلمة.
“لكن… ما شأن ذلك بي؟“
سألت إيف وهي تنظر إليه، فبدا على وجه نواه بعض التوتر قبل أن يتحدث.
“المشكلة أنني سمعت بأن هذه القديسة قادرة على رؤية طاقة السحر لدى الناس.”
يبدو أن قدرات القديسة استيقظت أسرع مما ذُكر في الرواية. انعكس التوتر في عيني إيف الحمراوين للحظة.
‘على أي حال، لا طائل من لقائي بها…’
لكن سرعة الأحداث هذه أثارت قلقها. تمتمت بصوت منخفض:
“… لا بد أن أتجنبها كليًا. لا أقترب منها مهما حصل.”
“ألا يُدهشك هذا؟ لا تقولي أنك كنتِ تعرفين؟“
كانت ملاحظة نواه حادّة أكثر مما توقعت. بدلًا من الرد، ارتشفت إيف بهدوء عصير الكيل من المزرعة الصغيرة التي زرعتها بنفسها. الطعم الطازج والصحي كان ما تحتاجه الآن.
“ما الأمر؟ كيف عرفتِ؟“
“لم أكن أعلم. فقط، فكرة أن القديسة — بصفتها ممثلة الحاكم — تملك قدرة كهذه، ليست مستغربة.”
ردها البارد أربك نواه قليلاً، لكنه لم يُعلّق واكتفى بهز رأسه ثم نهض من مجلسه.
“على كل حال، اختيارك البقاء في مكان بعيد عن العاصمة كان صائبًا. سأرحل الآن.”
“حسنًا.”
أجابت إيف بفتور، دون أن تنظر إليه حتى.
وبعدما أُغلِق الباب، جلست وحدها تستعيد أفكارها.
“القديسة نزلت أخيرًا…”
رغم أنها كانت على علم مسبق بهذا من خلال الرواية، إلا أن سماعها الآن، واقعًا حقيقيًا، هزّ مشاعرها.
أجل، كان هذا هو السبب في ابتعادها المفاجئ عن باليريان، ولم تخبر سوى عائلتها بمكانها الجديد.
كانت تظن أنها مستعدة، عقليًا على الأقل، لمثل هذا الحدث. لكنها الآن، تشعر وكأن شيئًا داخليًا اضطرب من جديد. تنهدت بعمق وتمتمت:
“هذا لا علاقة لي به الآن…”
فليتقلب أبطال الرواية في مشاكلهم، فهي قد خرجت من هذه القصة.
في هذه الأثناء، جلس نواه في العربة متجهًا للعودة، متضايقًا، تذمر لنفسه:
“يا لها من أخت، حتى لم تعرض عليّ المبيت.”
قطع كل تلك المسافة ليراها، ومع ذلك، كانت باردة كالعادة. ضيّق عينيه وهو يستعيد ردودها:
“… هل لا تزال تحمل في قلبها تلك الأمور؟“
يعترف بأنه كان يضايقها في الطفولة. لم يكن الفارق بينهما كبيرًا، عامين فقط، لكنه كان يشعر بالغيرة من اهتمام والديهما الزائد بها.
‘لكنني لم أكن أعرف الحقيقة وقتها.’
لو علم بها آنذاك، لما عاملها بتلك الطريقة. شعر بالندم وهو يحدق في النافذة شارِدًا.
“… هاه؟“
فيما كان يتأمل المشهد خارج العربة، لمحت عيناه صورة مألوفة. استدار بسرعة ليتأكد… لكن الشخص اختفى وكأن لم يكن هناك أحد منذ البداية.
‘أقسم أني رأيت ذلك الفارس؟‘
شعر ذهبي كالذهب المصقول تحت الشمس، وعينان زرقاوان جادتين بشكل مبالغ فيه… الفارس المقدس، باليريان لودفيغ.
لكن نواه ما لبث أن أطلق زفيرًا طويلًا وأشاح بوجهه عن النافذة.
“لا، لا يمكن أن يكون هنا.”
من المستحيل أن يترك قاعة الكنيسة حيث تمكث القديسة، ويظهر في هذا المكان. هذا مجرد وهم.
* * *
في ضوء الصباح الباكر.
تسللت أشعة الشمس القوية عبر قضبان النافذة، فأخذ جسد شابةٍ يتمدد وينقلب بتململ.
كانت تملك شعرًا أسود كلون الليل وبشرة بيضاء كالحليب. لم يكن جمالها صارخًا أو متكلفًا، لكن فيها سحرًا غريبًا يجذب الأنظار دون عناء.
ارتعشت أجفانها قليلًا قبل أن تنفتح ببطء، لتكشف عن عيون تشبه حجر السبج، داكنة كسماء الليل، تشع بغموض فريد وسحرٍ هادئ.
إنها القديسة يوري، التي كانت حديث العامة ومثار اهتمام الجميع مؤخرًا.
نظرت حولها بوجه يشي بالألفة، ثم فتحت شفتيها وقالت:
“… أين ريّان؟“
“خرج لبعض الوقت، لكنه سيعود قريبًا.”
أجابها الكاهن الذي كان يرافقها بخضوع واحترام. بدت على ملامح يوري بعض الخيبة، وكأن شيئًا ينقصها.
“هل تشعرين بالجوع؟ سأُحضِر الفطور حالًا، سيدتي القديسة.”
“لا داعي لذلك… آه، أود أن أخرج قليلًا في نزهة صباحية!”
هزّت رأسها بلطف مبتسمة. عندها، تقدّمت كاهنة أخرى شابة تقاربها في السن، وبدت في موقف محرج.
“من أجل سلامتكِ، لا يُسمح لكِ بالخروج حتى وصول الفارس المرافق. نرجو تفهمكِ.”
“آه…”
أطلقت يوري تنهيدة خفيفة، وجفناها الطويلان تحركا بتثاقل. وحين نظرت إلى الخارج من خلال النافذة، غشي خيبة أمل عينيها الداكنتين.
“هواء الصباح نقي جدًا… يا للأسف.”
“عذرًا، آنستي.”
بادرت الكاهنة بالاعتذار، إلا أن لي يوري ابتسمت وربّتت برفق على كتفها.
“لا بأس، فليس الأمر خطأك.”
ضحكت بصوتٍ خفيف، أشبه بزقزقة عصفور. صوتٌ يملأ القلب راحة وينشر البهجة في الأرجاء.
“هل يمكنك أن تُحضري لي ماءً للغسل؟“
هزت الكاهنة رأسها موافقة، وقد خفّ توترها قليلًا، ثم عادت بالماء. وبعد أن غسلت يوري وجهها ومدّت جسدها بتكاسل قالت:
“همم، الآن بدأت أشعر بالجوع.”
“سأحضره فورًا!”
وبعد قليل…
أحضرت الكاهنة الطعام، فنظرت إليها يوري بابتسامة مشرقة وقالت:
“تعالي وتناولي الطعام معي، أيتها الكاهنة.”
“آه! لا يمكنني الجلوس إلى طاولة واحدة مع القديسة…”
“همم؟ لكني سمعت صوت معدتك تقرقر قبل قليل، أليس كذلك؟“
“آه، هذا… لا داعي لأن تنشغلي بي يا آنستي.”
احمرّ وجه الكاهنة خجلًا، لكن يوري جذبتها بذراعها وأجلستها بجانبها.
“إن لم تأكلي معي، فلن آكل أنا أيضًا!”
“…! لا! ماذا إن أضرّ ذلك بصحتك؟ لا يجوز!”
“وصحتك أنتِ مهمة جدًا بالنسبة لي.”
قالتها يوري بنظرة جادة جعلت الكاهنة تتردد، ثم استسلمت وأمسكت بالملعقة أخيرًا.
“لكن عليكِ أن تأكلي إذا بدأتُ أنا، اتفقنا؟“
“طالما تأكلين جيدًا، فسوف آكل جيدًا أيضًا.”
ردّت يوري بنبرة مرحة. ابتسمت الكاهنة لا إراديًا ثم أخذت لقمة من الحساء.
“… إنه لذيذ فعلًا.”
“أترين؟ سيكون من المؤسف لو أكلت شيئًا لذيذًا وحدي!”
قالتها وهي تعقد شفتيها باستياء مصطنع.
“لمَ ذلك؟“
“لأن الأكل يكون ألذ عندما نتقاسمه مع أحد.”
قالتها بابتسامة مرِحة. ابتسمت الكاهنة بدورها، وهكذا مرّت وجبة الإفطار في جو من الألفة والسكينة.
— طَرق طَرق.
“تفضل!”
ردّت يوري بصوت مرح. فُتح الباب ودخل فارس ومعه عدد من الكهنة. وبينهم لمحت وجهًا مألوفًا فلوّحت له بسعادة.
“ريّان! صباح الخير!”
نظروا إليها الكهنة من حولها بنظرات دافئة وسعيدة.
اقترب باليريان من يوري، وتحت ضوء الشمس، بدا الثنائي وكأنهما لوحة سامية من الجمال والسحر.
هالة خاصة تحيط بهما، وكأن نور العالم كله اجتمع حولهما.
نسي الكهنة أنفسهم للحظة، وظلوا ينظرون إليهما بانبهار. أما باليريان، فاقترب وقال معتذرًا:
“أعتذر، آنستي. تأخرت في دورية الصباح اليوم.”
“لا بأس! بل أراك رائعًا لأنك تهتم بشؤون الناس من أول الفجر.”
“أشكركِ على تفهمك.”
ابتسم، فتألّقت ملامحه بجمال أخّاذ جعل يوري تبتسم هي الأخرى.
“بالمناسبة، هل يمكنني الآن أن أخرج في نزهة صباحية تعويضًا عن التي فاتتني؟“
مدّت يدها إليه مازحة. توقف نظره للحظة عند يدها الممدودة.
“إن كان هذا أمرًا من القديسة…”
ابتسم وأمسك يدها بلطف.
كانت يوري على وشك سحب يدها خجلاً من التردد، لكنها بدلًا من ذلك، أمسكت بيده بحزم وقالت وهي تضحك:
“استعد جيدًا، لأنني سأعوض عن كل ما فاتني هذا الصباح!”
سنو: يجماعه لو سحبت على الروايه فترة لا تستغربوا لاني تعبت من هاي الانسانه من اول ظهور لها بجد جاني مغص ف يكفيني الي فيني 😭!
ترجمة : سنو
واتباد :
@punnychanehe
واتباد الاحتياطي :
punnychanehep
التعليقات لهذا الفصل " 35"
لو كانت ذي غبيه و ….. يالله سانفجر من كتمان غضبي😶🤬😡🤬😡🤬😡🤬😡